الأحد ١٨ آذار (مارس) ٢٠٠٧
بقلم حسن المير أحمد

بين التواضع والغرور

ـ 1 ـ

يحكى أن ضفدعاً مغروراً كان يعيش على ضفاف مستنقع منسي في مزرعة نائية، يقضي يومه في النقيق والقفز هنا وهناك، يتبجح بقدراته الوهمية وإمكاناته الدونكيشوتية من دون ان يكترث له أحد، أو تأبه به حتى البعوضات .. وعلى الطرف الآخر يختال ثور كبير يسير في ذلك السهل الممتد نحو المدى مزهواً بجسده الضخم وقرنيه اللامعين، تتجمع البقرات من حولهن ويمسح المزارع على ظهره بعد أن ينجز عمله الشاق؛ فلاحة ونقلاً وتحسين نسل !
ذات يوم راقب الضفدع المغرور الثور، فراقه مايلقى من اهتمام ورعاية وتقدير وصمم أن يضاهيه حجماً ليلفت أنظار الآخرين .. هكذا بدأ ينفخ نفسه يوماً بعد يوم مقارناً حجمه بحجم الثور حتى .. انفجر، ومات من غير أن يدرك أنه بقي في ذاكرة جميع من عرفوه مجرد ضفدع صغير قتله الغرور .

ـ 2 ـ

.. وعلى الرغم من أن الغرور مرض يفتك بنفوس الأشخاص "الصغار" فيدفعهم إلى الحسد والخداع والغش، والغدر أحياناً، لنيل مآربهم وتحقيق طموحاتهم السرابية، إلا أنه بدأ يستشري في العديد من القطاعات الاجتماعية، وخاصة تلك التي يسلط عليها الضوء سواء الأوساط الفنية أو الإعلامية أو السياسية، بعدما فتحت الأبواب في السنوات الأخيرة على مصاريعها أمام من هب و"دب" لولوجها وتبوؤ مقاعد الصدارة فيها على الرغم من عدم امتلاكهم مؤهلات وإمكانات حقيقية.. وصرنا كثيراً مانرى مذيعة مبتدئة تخطىء في لفظ الجار والمجرور تتصدر صفحات المجلات والجرائد لتلقي بالمواعظ والحكم وتقيّم مستوى الأداء الإعلامي العالمي وتحدد المواصفات المطلوبة للآخرين والأخريات وكأنها المرجع الأعلى في هذا المجال .. أو نستمع إلى "فنانة" لاترقى لمجرد أن تكون أكثر من "هزازة" في ناد ليلي من نجمة واحدة تفوح منه رائحة العطونة، تنادي بالعودة إلى الفن الأصيل واحترام ذوق المشاهد، وتكيل التهم للجميع بعد أن نشرت صورتها في مجلة أو صحيفة ما، فاجتاحتها آفة الغرور، وأصابها ماأصاب ذاك الضفدع .

وتلعب بعض الجهات، الوصولية، دوراً هداماً في إذكاء نار الغرور في نفوس بعض الأشخاص الذين لايمتلكون ثقافة ووعياً راسخين، عندما تكيل لهم المديح الكاذب ليل نهار، وتطلق آهات الإعجاب بكل خطوة أو إنتاج يقدمونه، على تواضعه وضحالته، حتى تحولهم إلى طواويس ثملين اسكرتهم خمرة التيه القاتلة .

آفة الغرور والتكبر لاتصيب عادة، كما أثيت ذلك علم النفس وأكدته كتب التاريخ البشري، إلا أولئك الطارئين على الحياة العامة الذين لايملكون الأسس الراسخة الثابتة من الثقافة والوعي، بينما نجد الواثقين العقلاء الواعين يزدادون تواضعاً كلما ارتقت ثقافتهم وسمت أفكارهم وتجذّر وعيهم .

والتواضع الممدوح، هنا، هو " المتسم بالقصد والاعتدال الذي لاإفراط فيه ولاتفريط، فالإسراف في التواضع داع إلى الخسة والمهانة والتفريط فيه باعث على الكبر والأنانية، وعلى العاقل أن يختار النهج الأوسط المبرأ من الخسة والأنانية بإعطاء كل فرد مايستحقه من الحفاوة والتقدير حسب منزلته ومؤهلاته .ز لذلك يجب عدم التواضع للأنانيين والمتعالين على الناس بزهزهم وصلفهم، فالتواضع والحالة هذه مدعاة للذل والهوان وتشجيع لهم على الأنانية والتكبر والغرور" .

ـ 3 ـ

قال المعري مادحاً التواضع، ذاماً التكبر والغرور :

ياوالي المصر لاتظلمّنْ فكم جاء مثلك ثم انصرف

تواضع إذا مارزقت العلا فذلك مما يزيد الشرف .


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى