بين الخطاب العلماني والطرح الإسلامي
لاشك أن ما يجري الآن داخل المجتمعات العربية والإسلامية، من تجيش وسائل الدعاية المتاحة، لتشويه صورة الدين تحت أكاذيب أعد لترويجها، ظاهرة تستحق الوقوف أمامها، وبحثها بعناية، لكشف الأهداف القريبة والبعيدة من ورائها .
ومن الجدير أن نلفت الإنتباه إلى أن حملات تشويه الدين، ليس شرطاً لإستهدافها أن نجد القائم عليها يطلعنا على مقصده وهدفه منها، حتى يتبين لنا جوهر الدور التشويهى لهذه الدعاية، التى تأتى مغلفة فى قوالب بعيدة كل البعد عن مراميها فى أغلب الأحيان .
فمنذ مدة ليست قصيرة، ونحن نتابع رسائل الخطاب العلماني، فى مواجهة الطرح الإسلامي، على ما يعن من قضايا، يدور حولها الخلاف داخل المجتمعات .
حيث أراد أصحابُ هذا الخطاب، أن يقدموا للأمة الإسلامية البديل عن هويتها الأصيلة، ليروها تنسلخ من عقيدتها إلى الأبد، فكان النقد الجارح لدينها وشريعتها، بعيداً عن أدنى ما تقتضيه أصول البحث العلمي من قواعد .
وكل من أرادت أن تسول له نفسه الحديث عن الإسلام، والدفاع عن قضاياه، متهم بالإرهاب في دعايتهم، ومحرض ضده وضد خطابه وتوجهه، وكأن حماة العلمانية فى بلادنا أخذوا على عاتقهم، القضاء على الإسلام والداعين إليه، بكل ما أتيح لهم من وسائل فى سبيل هذه الغاية .
فما أن تبدو لهم من بعيد ملامح الصوت الإسلامي، حتى يهبوا كالأفاعى لنشر كل ألوان السموم حوله، فتحُول أفاعيهم بين بلوغ الرسالة إلى المسلم كما ينبغى أن تكون .. وتسعى لوصولها مشوهة، وفي صورة قبيحة، فينفر الناس منها، وتتهيأ الساحة لجحافل الإلحاد التى تتعدد مسمياتها .
وحقيقة لم نجد فى خطاب اللادينيين، إلا اتهامات جوفاء، رددوها كالببغاوات، مثل التعصب والتطرف، والأصولية، والإنغلاق، واحتكار الدين .
فكأن الدين صار فى شرعة هؤلاء العميان، عنوان على الجمود ورفض الآخر، وكل ألفاظ الإتهام التى طوعوهها لأهدافهم .. على منطق : أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ .
فى حين أن رفض الدين، والتهجم عليه، والتعالى على مبادئه، والتطاول على أحكامه، علامة التنوير والتحرر والإنفتاح إلى آخر هذه الأصنام المصطنعة التى نصبوها معبودهم الأوحد .
استطاع هذا الخطاب الدعائى، أن يُجيش حوله ما يمكن أن نطلق على جملته : (أقلام رفض الدين)،
من أطياف العلمانية واليسار والفوضوية بألوانها المتباينة، مروراً بمشعوذي المراهقة الفكرية، انتهاءاً بالمنتفعين .. هذا الرفض الذى لم يكن له أساس سوى الغرائز والأهواء، التى لم يكن لها منشود إلا حظيرة كبرى ينتقل معها النوع البشرى من الإنسانية إلى البهائمية الجديدة .
استطاع التوجيه الدعائي كذلك أن يحقق عدة مكاسب، فى إطار تشويه الخطاب الإسلامى ــــ وإن كانت وقتية ـــــ بأن استهلك جزء كبير من طاقة هذا الخطاب، فى الرد عليه وضحد أكاذيبه، بما يتحول معه صاحب الخطاب، عن الهدف الدعوى إلى مطاردة الجرزان .
لا شك أن ما طرحه قطيع المتعلمنون، من شبهات، كانت تستوجب من يشمر عن ساعد الجد للرد عليها، ولم تعدم الأمةُ الإسلاميةُ من قائم لله بالحجة والبرهان، ليرد الشبهة إلى مفرخها .. وليكشف عن مستنقعات الوقاحة التي يقف عليها جنود فرعون .
تآزرت طوائف عدة لنصرة هذا الخطاب، الذي وجد القبول من فئات، وأطياف متنافرة فيما بينها، إلا أنهم توحدوا على رفض الأطروحات الإسلامية، كل حسب غريزته .
فمن طوائف الدنيويين، إلى مروجي الإباحية، إلى المتربحين فى ظلال الفوضوية الآنية،إلى الأيدي العاملة لحساب الغرب والأمريكان فى بلادنا، ثم أصحاب الأفكار المخالفة للإسلام، ناهيك عن الأنظمة الحاكمة وبطانتها المستفيدة من إبعاد الإسلام، لأنه لاشك محاسبهم على ما تلطخوا فيه من فساد، وسيحول بينهم وبين التسلط على مقدرات الأمة رقاب أبنائها، وما يجمعونه من خلال النهب المنظم الذى يمارسونه .