السبت ٥ آب (أغسطس) ٢٠١٧
بقلم عمرو صابح

تاريخ للبيع.. محمد جلال كشك نموذجا.ً

محمد جلال كشك كاتب مصرى، كان فى بداية حياته شيوعياً، بل ومن مؤسسي الحزب الشيوعى، ومع قيام ثورة 23 يوليو 1952، وعقب سيطرة "جمال عبد الناصر" على كل مقاليد السلطة عام 1954، أصبح كشك ناصرياً، وظل كذلك حتى وفاة الرئيس عبد الناصر.

بدءً من عام 1971 و حتى وفاة الأستاذ كشك سنة 1993، تحول كشك إلى الدفاع عن سياسات النظام السعودى، وأصبح سعودياً أكثر من الأسرة الحاكمة السعودية ذاتها.

للأستاذ كشك كتاب بعنوان "ودخلت الخيل الأزهر" عن الحملة الفرنسية على مصر، يقول كشك فى مقدمة كتابه، انه كتب فصول الكتاب خلال حقبة الستينيات من القرن الماضى، ونشرها فى مجلتى "الرسالة" و"الثقافة" المصريتين، وانه خاض عبر مقالاته معركة ضد د.لويس عوض وتحليله لتاريخ الحملة الفرنسية، كما يتفاخر كشك فى مقدمته بكتابته لسلسلة مقالات بعنوان "خلافنا مع الشيوعيين"، هاجم فيها الاتحاد السوفيتى والفكر الشيوعى بضراوة، بتشجيع من النظام الناصرى، بسبب الخلافات المصرية الروسية فى أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن العشرين، كما يزهو كشك بكون والده هو القاضى الشرعى الذى كان أول من أصدر حكماً شرعياً بتكفير البهائيين.

عبر صفحات الكتاب، يهاجم كشك بشدة لويس عوض وأراءه، كما يهاجم جمال عبد الناصر ونظامه بأقذع الألفاظ والنعوت، ويتهم جمال عبد الناصر ووزير ثقافته ثروت عكاشه بمحاباة لويس عوض وإعطاءه مكانة لا يستحقها!!.

لم يقدم كشك طيلة صفحات كتابه تبريراً منطقياً للتفاوت العلمى والحضارى الشاسع بيننا وبين الفرنسيين، والذى استطاع الفرنسيين عبره احتلال مصر بسهولة، كما دافع كشك دفاعاً ضحلاً متهافتاً عن الحكم العثمانى على أساس دينى، لدرجة انه يرفض وصف حكم العثمانيين لمصر بالاحتلال!!

محمد جلال كشك عاش منعماً فى عهد عبد الناصر، يكتب ويؤلف الكتب، ويتم تعيينه فى أمانة الدعوة والفكر بالاتحاد الاشتراكى، ولم يتعرض لأى قمع، بينما لويس عوض تم اعتقاله من يناير 1959 حتى يونيو 1960، وجرى التنكيل به فى المعتقل، والمساحة التى منحها له النظام الناصري للتعبير عن أراءه، منح مثلها لكشك للرد على لويس عوض، كما حصل المحقق الكبير محمود محمد شاكر وكان متعاطفاً مع الإخوان وكارهاً لعبد الناصر على مساحة واسعة للرد على لويس عوض، وأصدر كتاب "أباطيل وأسمار" الذى فند فيه أفكار لويس عوض.

بعد وفاة عبد الناصر، تحول كشك للدفاع عن النظام السعودى كما ذكرت سابقاً، ولكى ينال كامل الرضا السعودى، قام باقتباس كتاب "لعبة الأمم" لمايلز كوبلاند، ونقل أكاذيب كوبلاند للعربية عبر إصداره لكتابين هما "كلمتى للمغفلين"، ثورة يوليو الأمريكية"، لمهاجمة عبد الناصر ونعته بالعمالة للأمريكيين، بل وأكد كشك على ان أم جمال عبد الناصر كانت يهودية؟!! بدأ اتهام جمال عبد الناصر بالعمالة للمخابرات المركزية الأمريكية أثناء حياته، في عام 1969 عندما نشرالضابط بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية "مايلز كوبلاند" كتابه ذائع الصيت "لعبة الأمم"، والذي أوحى فيه بصلة الثورة المصرية وجمال عبد الناصر بوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وقد أصبح هذا الكتاب بمثابة المرجع الرئيسي لكل أعداء عبد الناصر وثورته.

فى عام 1988 نشر الأستاذ محمد حسنين هيكل كتابه "سنوات الغليان "، الذي أورد فيه مجموعة من الوثائق والرسائل التي تثبت أن مايلز كوبلاند نصاب ومحتال، وأنه نشر كتابه بأوامر أمريكية في إطار الحرب الأمريكية المستمرة على عبد الناصر، والتي تهدف لتشويه سمعته من أجل اغتيال شخصيته معنوياً في أعين الجماهير العربية بعد الهزيمة فى حرب يونيو 1967
وقد هاج كوبلاند بعد أن فضحه الأستاذ هيكل بالوثائق، وهدد برفع قضايا تعويض ضد الأستاذ هيكل.

توفى كوبلاند عام 1991 بعد 3 سنوات من صدور كتاب هيكل، ولم يقاضى هيكل حتى رحيله على فضحه لأكاذيبه.

خلال سلسلة حوارات للأستاذ هيكل لمجلة روز اليوسف في منتصف التسعينيات، صرح الأستاذ أن كتاب مايلز كوبلاند "لعبة الأمم"، قامت بتمويله المملكة العربية السعودية في إطار سعى الملك "فيصل بن عبد العزيز" الدءوب للقضاء على شعبية جمال عبد الناصر بين الشعوب العربية، وهو السعي الذي وافق هوى المخابرات المركزية الأمريكية ورجلها مايلز كوبلاند، وأشار الأستاذ هيكل إلى أن أي كتاب يصدره أحد العاملين فى وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لابد أن يحصل على موافقة مسئولي الوكالة، وتتم عملية مراجعة دقيقة لما يحتويه لمعرفة مدى خدمته لمصالح وغايات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وأهداف السياسة الأمريكية، وهو ما خضع له بالطبع كتاب "لعبة الأمم" الذى أعاد محمد جلال كشك صياغته فى كتابيه "كلمتى للمغفلين" و "ثورة يوليو الأمريكية".

فى عام 2009 صدر كتاب "إرث من الرماد.. تاريخ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية" للكاتب الصحفى الأمريكى تيم واينر مراسل جريدة النيويورك تايمز، يتناول الكتاب تاريخ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية منذ إنشائها وحتى نهاية عهد الرئيس جورج دبليو بوش.

اعتمد الكتاب على 50 ألف وثيقة من وثائق الوكالة.
يقول تيم واينر فى مقدمة الكتاب:

"هذا الكتاب موضوع بما هو للنشر،لا مصادر مجهولة، ولا استشهادات غامضة، ولا أقاويل.
إنه أول تأريخ ل" السي.آي.إيه." مجموع كليا من إفادات من المصدر ومن وثائق أصلية."

هذه شهادة تيم واينر عن كتابه الوثائقى والآن لنقرأ معا ماذا تخبرنا وثائق وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عن جمال عبد الناصر وثورته:

"فوجئت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بثورة الجيش فى مصر فى 23 يوليو 1952 برغم أن ضباط الوكالة فى مصر وقتها فاقوا مسئولى وزارة الخارجية عددا بنحو أربعة إلى واحد فى السفارة الأمريكية بالقاهرة".

"حاولت الوكالة شراء جمال عبد الناصر فدفعت له 33 ملايين كدعم لنظامه وساعدته فى بناء محطة إذاعية قوية، ووعدته بمساعدة عسكرية و اقتصادية أمريكية، ولكن المفاجأة أن جمال عبد الناصر رفض أن يتم شراؤه فقام باستخدام قسم من ملايين الدعم الثلاثة فى بناء برج القاهرة، وعندما لم يفى الأمريكيون بتعهداتهم بالمساعدات الاقتصادية والعسكرية له أتجه إلى السوفيت من اجل تسليح جيشه"

"قبل تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس كان هناك تنسيق بين الوكالة والمخابرات البريطانية من أجل تنظيم عملية لإزاحته من السلطة فى مصر عقب تأميم جمال عبد الناصر لشركة قناة السويس أقترح البريطانيون اغتياله فورا، ودرسوا تحويل مجرى نهر النيل لإغراق مصر وتدمير محاولة عبد الناصر للتنمية المستقلة فى مصر رفض الرئيس الأمريكى إيزنهاور تلك الخطة وأيد مع مسئولى الوكالة تنظيم حملة طويلة وبطيئة من الإفساد ضد مصر والحصار الاقتصادى لإسقاط جمال عبد الناصر".

هذا هو ما تخبرنا به وثائق وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عن جمال عبد الناصر وثورته.
نتنقل الآن إلى وثائق الكتاب عن كلا من "كيرميت روزفلت" و"مايلز كوبلاند" اللذان ينسب لهما عملية تنسيق وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مع جمال عبد الناصر قبل الثورة.

ولنقرأ معا ماذا تخبرنا الوثائق عن علاقتهما بجمال عبد الناصر:

"كيرميت روزفلت بعد قيام الثورة عرض مساعدة الوكالة فى إنشاء جهاز الاستخبارات المصري وتدريب كوادره لذا أوفد كتيبة من مغاوير الجنرال رينهارد جهلن السابقين للقيام بتلك المهمة."
"مايلز كوبلاند هو أول رئيس مركز للوكالة فى دمشق عمل عن كثب مع الملحق العسكرى الأمريكى فى سوريا ستيفن ميد على خطة لدعم ديكتاتورية يساندها الجيش فى سوريا بحسب ما ورد فى برقية بعث بها ميد فى كانون الأول/ديسمبر 1948 إلى البنتاجون، وقد وجدا ضالتهما فى "حسنى الزعيم" الذى دعمه كوبلاند فى انقلابه ووعده بدعم الرئيس ترومان مقابل سماح حسنى الزعيم بمرور خط أنابيب شركة النفط العربية – الأمريكية عبر سوريا.

بقى "حسنى الزعيم" فى الحكم أقل من خمسة أشهر قبل أن يتم الانقلاب عليه وإعدامه.

"يمكننا بقراءة دقيقة لما ورد عن مايلز كوبلاند فى وثائق الوكالة ملاحظة أن ما قام به كوبلاند مع حسنى الزعيم بسوريا عام 1948 من انقلاب عسكرى، هو ما أراد أن يوحى لنا عبر كتابه المزيف "لعبة الأمم"، أنه قام به مع جمال عبد الناصر فى مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952.

ولكن كما فضحه الأستاذ محمد حسنين هيكل فى كتبه بالوثائق، فضحته أيضا وثائق وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التى كان يعمل لحسابها.

قضية تجسس الصحفى الراحل مصطفى أمين لصالح وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ورد ذكرها أيضا فى الكتاب ولنقرأ معا ما جاء بالكتاب عنها:

"أبلغ مكتب مصر فى وزارة الخارجية "لوك باتل" وكيل وزارة الخارجية الجديد لشئون الشرق الأدنى، أن الرئيس المصرى جمال عبد الناصر شرع فى الشكوى – وليس للمرة الأولى وليس بدون سبب – من أن الوكالة تحاول الإطاحة بنظام حكمه.

كشف باتل سر شكوى الرئيس المصرى جمال عبد الناصر، فقد كان ضابط الوكالة بروس تايلور أوديل يجتمع على نحو منتظم بمصطفى أمين المحرر البارز المقرب من عبد الناصر.

كانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تدفع أموال لمصطفى أمين مقابل المعلومات التى يمدها بها، ومقابل نشره تقارير إخبارية مؤيدة للأمريكيين بصحيفته.

وقد تم وضع مصطفى أمين على جدول معاشات الولايات المتحدة الأمريكية مقابل خدماته.
تم القبض على مصطفى أمين، واحتلت قضيته عناوين الصحف وتم كشف دور بروس تايلور أوديل ضابط المخابرات الأمريكية محرك مصطفى أمين، والذى كان يعمل تحت غطاء دبلوماسى بالسفارة الأمريكية بالقاهرة.

حوكم مصطفى أمين بوصفه جاسوسا وأدين، وتم سجنه لمدة تسع سنين.

هذا ما تخبرنا به وثائق الوكالة عن قضية مصطفى أمين الذى عمل لصالحها وتم وضعه على جدول معاشاتها تقديرا لخدماته ومعلوماته.

فى الكتاب أيضا تخبرنا وثائق وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ان الانتصار الأكبر الوحيد للوكالة فى الشرق الأوسط، كان هو عملية أجاكس عملية الانقلاب على مصدق فى إيران لصالح الشاه محمد رضا بهلوى، والذى خططت له الوكالة عبر رجلها كيرميت روزفلت عام 1953
حالة محمد جلال كشك ليست متفردة بل هناك أكثر من كشك، عاشوا منعمين فى عهد الرئيس عبد الناصر، ومسبحين بحمده، ومؤيدين لقراراته، وعقب وفاته، انقلبوا عليه، واتهموه بأقذر الاتهامات، منهم على سبيل المثال لا الحصر، أنيس منصور، توفيق الحكيم، مصطفى محمود، صالح جودت.

تثبت قصة كشك وأمثاله، ان النظام الناصرى كان ليبراليا فى نظرته للثقافة، والدليل انه سمح للويس عوض بمدح الحملة الفرنسية، وعلى الجانب الأخر، أتاح لكشك وشاكر الرد عليه فى صحف ومجلات النظام.

ننتقل الأن لكتاب "السعوديون والحل الإسلامى.. مصدر الشرعية للنظام السعودى" للأستاذ "محمد جلال كشك"، ولهذا الكتاب قصة مثيرة، يتناول الكتاب سيرة حياة "عبد العزيز بن سعود" مؤسس المملكة العربية السعودية، والمعارك التى خاضها والمعاهدات التى وقعها فى سبيل تأسيس المملكة.

فى أواخر السبعينيات من القرن الماضى، عندما فكر الأستاذ كشك فى تأليف الكتاب سافر للسعودية، وطلب من المسئولين السعوديين دعمه، وتوفير الوثائق له من أجل إخراج كتاب يليق بتاريخ الملك المؤسس، ويكون بمثابة مرجع وثائقى لكل من يرغب فى معرفة كيفية نشأة المملكة العربية السعودية، وبالفعل وفرت الحكومة السعودية لكشك المطلوب من التمويل والوثائق، وصدرت الطبعة الأولى من الكتاب سنة 1980.

فوجئ المسئولون السعوديون بعد مطالعة الطبعة الأولى من الكتاب، ان الوثائق والمعاهدات المنشورة بالكتاب، تسئ لصورة الملك المؤسس، وتوضح حقيقة علاقته بالبريطانيين، ودورهم فى دعمه وتأسيسه لمملكته، لذا طلبوا من كشك وناشر الكتاب سحب تلك الطبعة من الكتاب لتنقيحها، وإصدار طبعة أخرى بدون تلك الوثائق والمعاهدات، وقد تم ذلك فعلا.

صدرت الطبعة الثانية من الكتاب، ولكن المدهش ان تلك الطبعة أيضا لم تنل رضا المسئولين السعوديين، لذا عادوا لمطالبة كشك وناشر الكتاب بسحبها وإعادة تنقيحها مجددا، وحذف كل ما يمكن أن يسئ لصورة الملك المؤسس ومرة ثانية أعاد محمد جلال كشك تنقيح الكتاب، وأصدر الطبعة الثالثة منه، وهى الطبعة التى نالت رضا المسئولين السعوديين وتم اعتمادها، وهى الطبعة الوحيدة التى يمكن الحصول عليها حاليا بعد اختفاء الطبعة الأولى والثانية نهائيا.
المثير للضحك حتى البكاء ان محمد جلال كشك فى صفحة 4 من الطبعة الثالثة من الكتاب
كتب التالى:

"لا يفوتنى أن أشكر كل الذين اهتموا بالتنبيه إلى الأخطاء التى وردت بالطبعة الأولى، فقد كان حرصهم على تحقيق الكمال الممكن فى هذا الكتاب، خير دليل على اهتمامهم به".

يكاد المريب يقول خذونى!!

الأستاذ كشك يشكر المسئولين السعوديين الذين اعتمدوا تنقيحه لكتابه بعد أن نال رضاهم أخيراً

فى صفحة 159 من كتابه "السعوديون والحل الإسلامي" الطبعة الثالثة، فصل "مصر المفترى عليها"، كتب الأستاذ محمد جلال كشك:

"وهكذا، مع شديد الأسف والاعتذار لمدرسة المجد العسكري، لا حيلة لنا، إذ ليس للجيش المصري أي شرف يدعى في المعارك التي خاضها عسكر محمد علي، والتي انتهت بسقوط الدرعية لأن الجيش المصري كان في عالم الغيب، لم يولد بعد".

ألم أقل لكم انه كان سعودياً أكثر من السعوديين أنفسهم؟!!

الأكثر طرافة ان الأستاذ "محمد جلال كشك" أوصى بدفن هذا الكتاب معه فى قبره ليكون شفيعاً له فى ساعة الحساب، ولكنه لم يوضح هل يريد دفن الطبعة الأولى منه أم الطبعة الثانية أم الطبعة الثالثة التى نالت الرضا والقبول السعودى؟!!

ولا حول ولا قوة إلا بالله


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى