تَجِلّياتُ المُقاومَة.. وتداعياتُ الانكسارْ 1
قراءة نقديّة في رواية (الغَزْو.. عِشْقاً) للكاتبة القاصّة نجْلاء مُحْرِمْ
(الدراسة الفائزة بالجائزة الثانية للإبداعْ في النَّقد الأدبي لعام 2009/ 2010)
«جائزة الدكتور محمد زكي العشْماوي»
تَمْهيد
«الغَزْو.. عِشْقاً» هي الرواية الثالثة للكاتبة والقاصَّة نجلاء مُحْرم التي صدرَ لها ـ خلال السنوات الثَّلاث عَشْرة الماضية ـ ثلاثُ رواياتٍ وأربعُ مجموعاتٍ قصصية هي حسب الترتيب الزّمني لصدورها:
– اسْتَيْقِظ (مجموعة قصصية) 1997.
– تعظيم سلام (مجموعة قصصية) 2000
– شَرْشَبيلْ (رواية) 2001
– لأنَّكِ لم تعرفي زمنَ افتقَادِك (مجموعة قصصية) 2003
– 2006، البِئْر (رواية) 2003
– الغَزْو عِشْقاً (رواية) طبعة أولى 2005 طبعة ثانية 2009،
– في شارع القائد (مجموعة قصصية) 2006.
– هذا فَضْلاً عن كتاب (لقاءاتٌ غير عابِرَة) 2008 الذي يَضُمُّ مجموعةً من الخواطرِ والانطباعاتِ في شَكْلٍ قَصَصيّ.
واسْم نجلاء مُحْرم ربّما لا يحتاج للتعريف به، ليس فقط لأنها حاضرةٌ دَوْماً بأعمالها وإبداعاتها الأدبية ومشاركاتها النَّشطة في حياتنا الأدبية بخاصّة وواقعنا الثقافي بوجه عام، ولكن أيضاً لأن هذا الاسْم يرتبطُ بإنجازٍ ثقافي لعلّه هو الأبْرَزُ والأهَمُّ بين المبادرات الفرديّة على الصَّعيدِ الأدبيِّ، ألا وهو المسابقة السنويّة للقصة القصيرة التي تحمل اسم نجْلاء محمود مُحْرم وتحظى باحترامٍ ومصْداقيّةٍ في الأوساط الثقافية، وتستقطبُ جمهوراً واسعاً من المشاركين من مُختلف الأجيال والأعمارْ بمصر والوطن العربي.
الخَلْفِيَّة التّاريخيّة والمَتْن الحِكائي
في رواية «الغَزْو.. عِشْقاً»
– تُبْحرُ بنا نجلاء مُحْرم في رِحْلةٍ لا عبْرَ التاريخ وإنّما برفقته ومَعِيّته، رِحْلة لا تَقْنَعُ فيها بالمشاهدة والتأمُّل والملاحظة، ولا تكتفي فيها ـ مثلما فعل بعض رُوّاد الرّواية التاريخيّة العرب أمثال جورجي زيدان وعلي أحمد باكثير وعبد الحميد جودة السّحّار ونجيب محفوظ في بواكير أعماله.
– بمضاهاة التاريخ والنسْج على مِنواله وإعمال الخيال الروائي في أحداثه ووقائعه وإعادة صياغتها وفق منطق الرواية وحَبْكتها ـ وإنّما تفعلُ كُلّ هذا وتتجاوزه إلى الاستقراء والتَّحرّي والكَشْفِ وسَبْرِ الأغوار وتدوين الهوامش، ثُمَّ تَغْلو في تجاوزها إلى استحضار التاريخ ـ على ضوء الوعْي بالحاضر ـ ومحاولة فكّ طلاسمه وترجمة شفراته وتفسير رموزه ورَتْقِ ثغراته وطرْحِ الأسئلة والبوْحِ بالهواجسِ، وصولاً إلى تشخيصِ العللِ والأدواءِ وفْقَ رؤيةٍ تتسقُ مع منطق التاريخ وقوانينه. وهي ـ مع هذا كُلّه ـ لا تَكتُبُ روايةً تاريخيةً بالمعنى المُحَدّد للتعبير، رغمَ أنها تسْرِدُ الوقائعَ والأحداث كما حفظتها ذاكرة المؤرخين ومُدَوّناتهم ـ ذلكَ أنّ طموحها الأسمى ليسَ هو معرفة ما حَدَثَ ولكن: كيفَ ولماذا حدث..؟!. فوثائقُ التَّاريخِ مَعْنيَّةٌ بتسجيلِ الأحداث، وكُتُبُ التاريخ حافلةٌ بروايات المؤرخين ورؤاهم وآرائهم واجتهاداتهم ـ بغَضِّ النظر عن قَدْرِ الصّدْقِ والكَذِبِ في هذه الروايات، ومَبْلَغِ الحيدة والنَّزاهةِ أو التَّحَيُّزِ والهوىَ في هذه الرُّؤى. أمّا كاتبتنا فتأخذُ من التاريخِ مَادَّته البِكْر وعناصرَه الخام وتُعيدُ تمثيلها فَنّاً روائيّاً رفيعَ المُستوى مُحْكَمَ البناءِِ عَميقَ الفِعْلِ والتّأثير، يُجَسّدُ كُلّ ما رأت العَيْن ونَفَذَ إلى البصيرة واسْتَقرَّ في الوجدانْ. لمْ تقع الكاتبةُ في أسْرِ التّاريخِ وإغواءِ حكاياته، ولَمْ تُسْلِمْ نفسها لتيّاراتِ مَدّه وجَزْرِه، ولَمْ تَتُه في تفاصيله وجزئيّاته، بلْ تَخيّرَتْ مَقْطعاً بِعَيْنهِ من مقاطعِ التاريخ المصريّ الحديث ـ يكمنُ فيه المَعْنى والدّلالة ـ وضَعَتْه تحت المِجْهَرِ وراحتْ تُعْملُ فيه مِبْضعَ بَصَرِها وبصيرتها معاً بدأب وصَبْرِ وأناةِ جَرّاحٍ ماهر يُلامِسُ العِلّةَ ويتحسَّسُ موضعَ الألم وينفُذُ إلى موطنِ العطَبِ تَوّاً.
ولأنّ التاريخ كما تراه نجلاء مُحرم ليسَ ذلك المَحْفوظَ في بطون الكُتبِ والوثائقِ وذاكرةِ المؤرِّخين، وإنما هو التّاريخُ الحَيُّ المُمتدَّةُ جذورُه وأصولُه في الماضي والماثلةُ فروعُه وأوراقُه وثمارُه في وَعْي الإنسانِ الرّاهن، فإنَّ أحْداثَ الرِّوايةِ تتواترُ عَبْرَ مُستوياتٍ متفاوتة للزَّمن، وأصواتٍ مُتَعَدَّدةٍ للقَصِّ، وتقنيّاتٍ مُتباينةٍ للسّرْد، وتتنقّلُ بنا في خِفَّةٍ ورشاقةٍ وتناغُمٍٍ واتِِّّساقٍ أقرب إلى مشاهد "السّيناريو"، يسْتهِلُّها الرّاوي بمونولوج داخليّ يُؤذنُ ببدايةِ الرِّحْلة:
(مائتا عامٍ مَضَتْ ولمْ تَزُلْ عِنّي ملامِحُهَا..!! مائتا عامٍ لمْ تَكْفِ ـ حتى ـ لتهجينِ هذه الملامح..!! لمْ يَكُن في عائلتنا أجنبيٌّ سواها.. ورغْمَ تَسَرُّبِ الأيّامِ والسّنين ظَلّت جيناتها الوراثية تنتقلُ بكفاءةٍ تامّة في سِلْسالها.. لأظلَّ أسمع دائماً: مالَكَ بنا..؟ أنتَ فرنسي!!
كُلُّ نجاح.. كُلُّ ثراء.. كانَ يُعزى لها.. للجَدّةِ الفرنسيّة.. مائتا عام.. وما تزالُ العيونُ خضراءَ.. والبشرةُ بيضاءَ شاحبة.. والشّعرُ ذَهَبِيّاً.. والقوامُ رشيقاً.. ونادِرٌ من اختلفْ..
جَدَّتي..!! جَدّتي البعيدة.. البعيدة..!! قادِمٌ أنا إلى قارورة التاريخ لأفتحها.. وأنْشُرَ عِطْرَكِ..
هُناكَ.. حيثُ التقيْتِ جَدّي لأوّلِ مَرَّة.. سأنْبِشُ ثرى "ميت العامل"• لأستنطقه.. فيحكي لي عنكِِ.. وعن جََدّي "أبي قورة"•.. سيقول لي لماذا تنازلَ الجَدُّ عن حَقّه في أن يورِثَنا ملامِحَه..؟! ولماذا تشبّثْتِ أنتِ بهذا الحَقّ مائتيْ عامْ..؟ أمْ أنه كان اتفاقاً بينكما أن تمنحي أنتِ الملامحَ في مقابلِ... في مُقابلِ ماذا..؟!)
نحن ـ إذَنْ ـ في «ميت العامل»، قرية كغيرها من قرى دلتا مصر الصغيرة النائية لا يُميّزها سوى اسْمها المحفور في لوحِ التاريخِ المسطور، وهذا القادمُ إليها بحثاً عن أصوله وجذوره هو "طه الزعيم" حفيد أبي قورة من زوجته الإيطالية الأصل "جوليا" التي عُرفتْ بين الناسِ بـ "الفرنسية" لأنها قدمت مع أمها وزوج أمها وهو ضابط فرنسي جاء مع جيش بونابرت أثناء الحملة الفرنسية على مصر، ووقعتْ أسيرة في أيدي قُطاع الطرق من البدو قتلوا أمّها وجاءوا بها إلى أبي قورة الذي افتداها بماله وأنزلها ـ أميرةً مُتوّجة ـ في أرفعِ مكانة ببيته ثُمّ في حنايا قلبه حين وقعَ أسيرَ هواها. لكنْ.. عَمَّ يَبْحَثُ طه الزَّعيم في ميتِ العامِلْ..؟! إنه الفَرْعُ الباحِثُ عن أصْلِِه وجذورِه، المُتَشَوِّفُ إلى أعماقِ تاريخٍ قرأه حِبْراً على ورَق، لكنّه لم يَلْمَسْه وجوداً حيّاً وكيْنونَةً مُتَخَلِّقَةً من رَحِمِ الزّمانِ والمَكانِ والبَشَرْ. هو حفيد "أبي قورة" المُلَقَّب بـ "الزَّعيمِ" و "شَيْخِ العَرَبْ" من زَوْجَتِه "جوليا ـ الفِرِنْسِيَّةِ مَجازاً وتَفاخُراً وإيطاليّةِ الأصْلِ حَقيقَةً وواقِعاً ـ شاء قَدَرُه أن يُولَدَ في المَدينةِ بعيداً عن "ميت العامِل" أجْنَبِيَّ الفِكْرِ والسَّمْتِ والسّلوك، حَتَّى يَغْلِبه حنينه يوْماً إلى أهْلِه وذويه من أحفاد "أبي قورة" فيَشُدُّ الرّحالَ إلى "ميت العاملْ"، مليئاً بتساؤلاتٍ لا يَعْثُرُ لها على جوابْ. وهناك يَلْتَقي بـ "أحمد" أحد أحفاد أبي قورة من زوجته المِصْرِيَّة "فاطمة". هو أيْضاً مليءٌ بهواجسِ الشَّكِّ والخَوْفِ والقَلَقِ والارْتيابْ من هذا البزوغِ المُفاجئ لتاريخٍ انْقَطَعَ ما بينهم وبينه منذ أمَدٍ بعيدْ، تاريخٍ يَشْتاقونَه ويتباهون به دون أن يَرَوْه رأي العَيانْ:
تساؤلاتٌ مُعَلَّقَةٌ هنا وهناكْ.. ولا من جَوابْ..!! وتَنْتَقِلُ بنا الأحداثُ في تواتُرٍ مُسْتَمِرٍّ ما بيْن الماضي والحاضِر، لِتُضيءَ تلك الصَّفَحاتِ المَجْهولة من التاريخ؛ تاريخنا نحن وتاريخ أحفاد أبي قورة الزَّعيم أو شَيْخ العربْ، ولِتَصِلَ ما انْقَطَعَ بيننا وبينَ تُراثِنا الحضاريِّ والنِّضاليّ والإنساني، وتُجيبَ على ما يثورُ من تَساؤلاتِ الحاضِرِ، تساؤلاتِ الهَوِيَّةِ والوجودِ والنَّصْر والهزيمة. هو زَمَنُ الحَمْلَة الفِرِنسيَّة على مصر (1798 ـ 1801) حيث قدمت الجيوش الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت عام 1798، بغرض جعل مصر قاعدة استراتيجية تكون نواة للإمبراطورية الفرنسية في الشرق، وبعد فشل أهدافهم بِفِعْلِ المُقاومَةِ الشَّعْبِيَّةِ الباسِلَة التي اندلعتْ في أعقابِ فرارِ جيش المماليكْ، وانهزامهم أمام الجيوش الإنجليزية ثُمَّ تحطم أسطولهم في معركة أبي قير البحرية، وَقَّع الفرنسيون معاهدة لتسليم مصر والعودة إلى فرنسا على مَتْن السفن البريطانية راحلين عن مصر عام 1801 بعد قضاء حوالي ثلاث سنوات، لتنتهي بذلك فترة من أهم الفترات التي شهدتها مصر وأكثَرها غِنَىً وخِصْباً
هذه هي الخلفيّة التاريخية التي تدورُ في سياقِها الأحداثْ، فها هي القوّاتُ الفِرِنْسِيّة الغازية تُسْقِطُ كُلَّ شِعاراتِ النَّبالَةِ ومزاعِم تحرير البلاد من ظُلْمِ المَماليك، وتُسْفِرُ عن وَجْهِها الحقيقيّ فَتُمْعِنُ في القَتْلِ والتَّعذيبِ ونَهْبِ الثَّرواتِ وإحْراقِ القُرَى وترويعِ الآمنين والتَّنْكيلِ بِكُلِّ ما يَعْتَرِضُ طريقها من بَشَرٍ أو زَرْعٍ أو دوابّ. وها هي الثَّورَةُ تَشْتَعِلُ في القلوبِ وتَنْتَشِرُ من قَرْيَةٍ إلى أخرى انتشار النّارِ في الهشيمْ، فتزدادُ هَجْمَةُ الغُزاةِ ضَراوةً وشَراسَةً ووحْشِيَّة. وها هو بَيْتُ "أبي قورة"، لا يَرُدُّ سائلاً ولا يَمْنَعُ زاداً عن جائعٍ أو مَحْروم ولا يَبْخَلُ بالطُّمأنينَةِ على لائذٍ به من الظُّلْم والجوْرِ والطُّغيان. ها هو البَيتُ قد اسْتحالَ مَلاذاً آمِناً لقادةِ الثَّوْرَةِ ورموزِ المُقاومَةِ الشَّعبيَّة "الأمير مُصْطَفَى" و "علي العديسي" وغيرهما من الوطنيّينْ، في نفسِ الوَقْتِ الذي أصبَحَ فيه وطناً آمناً لـ "جولْيا" الصَّغيرة التي افتداها "أبو قورة" بِمالِه وأنَْقَذَها من البَدْو وأنْزَلَها عَزيزَةً كريمةً في بَيْتِه، لكنها تَسْتَشْعِرُ الخوْفَ والوَحْشَةَ واليُتْم بعد أن فقدَت الأمَّ، وتَمْلؤها الشكوكُ والهواجسُ إزاءَ ما يُحيطُ بها من حفاوَةٍ غريبةٍ وأناسٍ غُرباء عنها لا تَعْلَمُ قَدْرَ الخَيْرِ والشَّرِّ في نفوسِهمْ. لِقاءُ حَضارَتَيْنِ وصِراعُ إرادَتَيْنِ، على المُسْتويَيْن الوطني والإنساني. على الصَّعيدِ الوطني، حضارَةٌ غازِيَةٌ مُشَبَّعَةٌ بأوهامِ التَّفوّقِ والاسْتِعلاءِ وطموحاتِ الهَيْمَنَةِ والقَهْر، مُدَجَّجَةٌ بأحدثِ مُنجزاتِ العِلْمِ وأسْلِحَةِ الفَتْكِ والتَّدميرِ، في مواجَهةِ أناسٍ بُسطاء لا يمتلكونَ سوى مخزونهم الحضاري وقيمهم الإنسانيّة وفِطْرَتِهم النَّقِيَّة وإرادة الحياة النّابضة فيهم، يذودون بنبابيتهم وعِصِيِّهم وبنادقهم البِدائيّة عن كرامة الوطنِ وحُرْمَةِ الأرْضِ والعِرْضِ والدّيارْ، وهو ما تُجَسِّده حركة المُقاوَمَةِ الشَّعبيَّةِ للغَزْو في المُدُنِ والقُرَى والكفور والنّجوعْ، بِمَدِّها وجَزْرِها وانتصاراتها المجيدة وانْكسارِها المُفْجِع. وعلى المُسْتوَى الإنْسانيّ حضارَة الغَرْبِ، في امْتزاجها بروْحانيَّةِ الشَّرْقِ ومثاليّاتِه وعبقِ تُراثِه الحضاريّ، وهو ما يَتَمَثَّلُ في العلاقَةِ بين "أبي قورة" و "جوليا". وهي علاقَةٌ تَشْهَدُ هي الأخْرَى مَدّاً وجَزْراً، وتقارُباً وتَراجُعاً، لكنّها تَنْمو وتَزْدِهِرُ وتؤتي ثِمارَها مَحَبَّةً غامِرةً وحناناً دافقاً ونُبْلاً وكَرَماً يُحيلانِ خوْفَ "جولْيا" طمأنينَةً وأمْناً، ويُبْدلانِ وَحْشَتَها دِفْئاً وأُلْفَةً وانتماءً، وتَوَجُّسَها يَقيناً بِمشاعر نَقِيَّةٍ صافية تَعْمُرُ قَلْبَها تجاه مُضيفِها "أبي قورة". كيف حدث هذا التَّحَوُّلْ..؟! أهو غَزْوٌ مُقابِلٌ لا سَفْكَ فيه للدِّماءِ ولا سَلْبَ ولا نَهْبَ ولا هَيْمَنَةَ ولا اسْتِعْلاءْ..؟! غَزْوٌ حضاريٌّ مَيْدانُه القَلْبُ والحِسُّ والشُّعور، ومَعينُه القيَمُ النَّبيلَةُ والخُلُقُ الكريم والحِسّ الإنْسانيُّ المُرْهَفْ والعطاءُ الفَيّاضْ والرَّحْمَةُ المُسْداة..؟! لِنَتأمَّلْ هذا المونولوج الدّاخلي الذي يُجَسِّدُ هذا التَّحوّل في مشاعر "جولْيا":
ثَمّةَ تَحَوُّلٌ آخَر على الجانِب المُقابِل في نفوسِ الغُزاة الذين اهْتَزَّتْ ثِقَتُهم وتَزَعْزَعَ يقينُهم في جَدْوَى الحَمْلَةِ وإمكانِ إحْرازِ أيِّ نَصْرٍ على أهلِ البلاد وكَسْرِ شَوكة المُقاومة، بَعْد أن أسْقَطَ جنرالات الحَرْب كل الأقنعة عن حمْلَتِهم وتَحَوَّلوا إلى قَتَلَةٍ وسَافِكي دماءٍ ولصوصٍ وقاطعي طريقٍ يُمارسون جرائمهم بِحَقِّ الأبرياء أطفالاً ونِساءً وشيوخاً طاعنين بالسِّنِّ دون تمييزْ. لِنتأمَّل الآن هذا المونولوج الدّاخلي الذي يعكسُ إحْساسَ الجنرال "دوجا" وضَميرَه المُؤرَّقَ إزاء جرائمِ أقْرانِه ورفاقِه من قادة الحملة، ونُقارنَ بَيْنه وبَيْن التَّحَوّلِ في أحاسيس "جوليا" ومشاعرها كما تَبَدَّى في الفَقْرَة السّابقة:
شَتّانٌ بين هذا الغَزْو وذاك، وبين هذه الحضارة وتِلْك. لكنْ.. عَوْدَةٌ إلى تساؤلات الحاضِرْ.. أسئلة أحفاد أبي قورة "أحمد" و "طه الزَّعيم" ونجله "وضّاحْ" بَعد مرورِ مائتيْ عامٍ على رحيل الفرنسيين: لماذا هذا الخواءُ والاسْتلابُ والإعْجابُ المٌفْرطُ بِكُلِّ ما هو أجْنَبِيّ أكثر من إعْجابِنا بأنْفُسِنا..؟ ملامِحُ الغَيْر تُعْجبنا وثقافَتُه تَسْتَهوينا وملابسه وموسيقاه ولُغَتُه تَجْذِبُنا.. نَلْهَثُ وراء ما لَدَيْهم ونَتَجَنَّبُ اكْتشافَ ما بداخلنا نحن من موروثٍ حضاريٍّ وإنْسانيّ.. نحن سُلالَة العظماء.. وأحفادُ صُنّاعِ الحضارَةِ وحملة مشاعِلِ التَّنْويرِ ورسالاتِ التَّقدُّم الإنْسانيّ.. لا نَعْتَزُّ فينا إلاّ بأحجارٍ تَرَكَها القُدماءُ قبل انْدثارِهم.. وأصْلُنا..؟ أصْلٌ لا نعرفُ ملامحَه على وَجْه الدِّقَّة.. أصْلٌ مازال خافياً غامضاً مَجْهولاً مُنْدثراً في أضابيرِ الزَّمن.. تُصابُ ذاكرتُنا بالضَّياعِ تجاه كُلِّ الحُقَب التي نعرفها وتَعرفنا.. ونجحَدُ باقي الأيادي التي امْتَدَّتْ لِتُشَكِّلَ طينَتَنا وتَبُثَّ فينا الانْتِماءْ. هنا يَكْمُنُ جوهَرُ الإشْكاليّة.. وتَتَشَكَّلُ معالِمُ الطريقِ وملامحُ المُسْتَقْبل.. مُسْتَقْبَل نَصْنَعه نحن بكامِلِ وَعْيِنا وإرادَتِنا.. برؤيَةٍ واضِحةٍ لا لَبْسَ فيها ولا ضَبابْ.. رؤيَةٍ نابِعَةٍ من تواصلنا الحميم بجذورنا وفهْمنا لِتُراثِنا واعْتزازِنا بِهَويَّتِنا القَوْمِيَّةِ وتَعَرُّفنا على مواطِنِ القُوَّةِ والضَّعْفِ في شَخْصِيَّتِنا.. لِنُعَظِّمَ عناصِرَ القُوَّةِ وُنُرَمِّمَ مواطنَ العَطَبْ.
البِنْيَةِ الرّوائيَّة (مِعْمار الرّواية)
لأنَّها روايَةٌ تَسْتَمِدُّ عناصِرَها ومادَّتها البِكْر من التّاريخِ وتُزاوجُ بين مُعْطياتِ الواقِعِ الرّاهن وأحْداث التاريخِ بما تَنْطوي عليه من مَعانٍ ودلالاتْ، اعْتَمَدَتْ الكاتِبَة على تَعَدُّد الأصْواتِ وحركة الانتقالِ والتَّوثُّبِ السَّريعِ بين الماضي والحاضِرِ في خِفَّةٍ ومَهارَة وحِرفِيَّةٍ عالية، وبِتِقْنِيَّةٍ أشْبه بمشاهد السّيناريو، وفي تَصاعُدٍ دراميٍّ مُتَّسِقٍ ومُتناغِمٍ مع أحداثِ وشَخْصيّاتِ العَمَلِ الرّوائيّ، على مدى أرْبَعَةٍ وثلاثين فَصْلاً وبِبناءٍ مُحْكَمٍ شديد التَّماسُكِ لا تَرَهُّلَ فيه ولا تَزَيُّدَ ولا حيدَةَ عن مسارِ الأحداثِ ومَجْراها الطَّبيعيّ. وإن كان هناك ـ في بعضِ المواضِعِ ـ اسْتِطْراداتٌ يُمْكنُ الاسْتغْناءُ عَنْها، لكنَّها لا تَضُرُّ بوحْدةِ العَمَلِ وتماسُكِ بِنْيَتِه.
شَخْصِيّات الرّواية
تَتَوَزَّعُ شَخْصِيّات هذا العمل الرّوائي ما بين الشَّخْصِيَّة التّاريخيّة والشَّخْصِيَّة الإبْداعِيَّة، وقد حافظت الكاتبة على الأمانةِ التّاريخيّةِ في رسْمِ ملامحِ شَخصياتها المُسْتَقاةُ من صَفَحاتِ التّاريخ (الزّعيم أو شيخ العرب "أبو قورة"، الأمير مُصْطَفَى، "علي العِديسي"، الجنرال "دوجا"،...) وإن أضافتْ إليْها من مُخَيِّلتها الإبداعيّةِ بعض القسماتِ والرّتوش التي تُبْرزُ ملامِحَها وتُجَسِّدُ مشاعرها وتُفَسِّرُ سلوكَها وتُسَلِّطُ الضَّوْء على مواطِنِ الضَّعْفِ فيها، في صِدْقٍ وحميميّةٍ وتَجَرُّدٍ خالٍ من المُبالَغَةِ أو الإسرافِ أو النّزوعِ إلى المثاليَّةِ، وبتوازُنٍ دقيقٍ وحَسّاسٍ يُثيرُ تَعاطُفنا أحياناً دونما اسْتِدْرارٍ للمشاعِرِ والأحاسيسْ. أمّا الشَّخصيّات الإبْداعيّة النابعة من مُخَيِّلَة الكاتِبَةِ (طه الزَّعيم، أحمد، وَضّاحْ.....) فهي تُجَسِّدُ ـ مع درجاتٍ مُتفاوتِة ـ حَيْرة الحاضِر وتَشَتُّتَ الفِكْرِ وضبابِيَّة الرُّؤية واخْتلاط المفاهيم، شَخْصِيّاتٌ مَمْلوءةٌ بِعواصِفَ وأعاصير جامِحَةٍ من التّساؤلاتِ وعلاماتِ الاسْتِفْهامِ حول الهَويَّةِ والانتماءِ وثوابِتِ الوجود والكيْنونَة، شَخْصيّاتٌ يتنازَعها الشَّكّ وتَخْتَلِطُ أمامها الرُّؤى وهي تَسْعَى إلى اسْتجلاء معالِم الطريق والوصولِ إلى يَقينْ. وهي شَخْصيّاتٌ من لَحْمٍ ودَمٍ لا تَصَنُّعَ فيها ولا تَكَلُّفَ ولا افتعال، تُعَبِّرُ كُلُّ شَخْصِيَّةٍ منها بتلقائيَّةٍ وعَفَويَّةٍ عن ثقافَةِ المُجتمع الذي تَنْتَمي إليْه وعاداتِه وتقاليده ومنهج تَفْكيره وأنماطِ سلوكه. هي نماذجُ حَيَّة للبَطلِ التّراجيدي الذي يَحْملُ بذورَ قلقه في داخله، ويَسْعَى إلى قَدَرِه مدفوعاً بنوازعه ورغباته وتَوْقه الدّائم إلى الكشف والمَعرفة، مُجَلَّلاً بنُبْلِ الغاية وشَرَفِ المُحاولةِ مهما تَعَقَّدت المسيرة وعظُمت التَّضْحيّاتْ.
أسْلوب السَّرْد ولُغَةُ القَصّ
تَتَعَدَّدُ طُرُقُ الحَكْي وأساليبِ السَّرْدِ في هذا العمل الرّوائيّ وتَتَنَوَّعُ بِشَكْلٍ يُثيرُ الدَّهشَة بِما يُغْني الرُّؤيةَ ويُثْري المضْمونَ وينْطوي على التَّشْويقِ والإمْتاعِ والمؤانَسَة، فهي تتفاوَتُ ما بين التَّقريرِ والمُباشَرِةِ من جهة، والمُجازِ والرَّمْزِيّة المُُشعَّةِ بالمَعْنى والإيحاءِ والدِّلالَة من جِهةٍ أخرى، وتُفْسِحُ فيها الكاتبةُ مساحةً واسعة للحوارِ الخارجي (الدّيالوج) والحوار الدّاخلي (المونولوج) ومُخاطبَةِ الغائب، كُلُّ هذا في لُغَةٍ رائقَةٍ مُصَفَّاةٍ تَرقُّ حاشِيَتُها ويَعْذُبُ إيقاعُها ويَصْفو جَوْهَرُها لتَصِلَ أحياناً إلى لُغَةِ الشِّعر، مُحَمَّلَةً بِطاقةٍ ثَرَّةٍ من التّأثير والتَّعبيرِ معاً.
غَيْرَ أنَّ هذا لا يحولُ دون إبْداءِ ملاحظةٍ نراها ضروريَّةً في هذا السِّياقْ وهي ورودُ أخطاءٍ لُغَوِيَّةٍ ونَحَوِيَّةٍ في ثنايا هذا النَّصّ الأمْرُ الذي يَنْتَقِصُ من جَمالِه، لَعَلَّها أخطاءُِ السَّهْو والنِّسْيانِ لأنها تبدو نَشازاً في سياقِ معزوفَةٍ لُغَوِيَّةٍ بالِغَةِ الجمالِ والعذوبَة. من هذه الأخطاء ـ على سبيل المثال ـ ما ورَد في ص 4 (أمْ أنّه كان اتِّفاقٌ..) وصِحَّةُ العبارة (أنّه كان اتِّفاقاً..)، وما وَرَد في ص 39 (مائةٌ وسِتّون جُنْدي لمْ يَنْجُ منهم...) وصِحَّتُها (مائةٌ وسِتّونَ جُنْدِيّاً..)، وفي ص 96 (لا تُناديني يا زَعيم...) وصِحَّتُها (لا تُنادِني..)، وفي ص 102 (أنَّ سكونَه نَوْعاً من الحِكْمَة..) وصِحَّتُها (أنَّ سكونَه نَوْعٌ من الحِكْمَة..)، وفي ص 197 (وأصْبَحَتْ عَيْناي تَعْجَزُ للَحظاتٍ عن تَحْديدِ مَوْقِعِه) وصِحَّتُها (وأصْبَحَتْ عَيْنايَ تَعْجَزان للَحظاتٍ...). وهي أخطاء نأمَلُ أن تكون مَحَلَّ مُراجَعةٍ وتَصْويبٍ في الطبعاتِ التّالية من الرّواية.
خاتِمة
كَثيرَةٌ هي الأعمالُ القصصيّةُ والرّوائيّة التي تناولَتْ إشْكالِيَّةَ الْتقاءِ الشَّرْقِ بالغَرْب، لَعَلَّ أهَمّها روايات (عصفور من الشَّرْق) لتوفيق الحكيم 1938، (الحَيّ اللاّتيني) لسهيل إدريس 1953، (قِنْديل أمّ هاشِم) لِيِحيى حَقّي، (مَوْسِم الهِجْرَة إلى الشَّمالْ) للطَّيِّبْ صالح 1966، قصَّة (البَيْضاءْ) ليوسف إدريسْ. وجميعُها تُصَوِّرُ العلاقةَ الجَدَليَّةَ بين الشَّرْقِ والغَرْب أو بين الشَّمالِ والجَنوبْ، أو اللقاء الحضاري بين الشرق بعاداته ودياناته ومعطياته الروحية وبين الغرب بمعطياته المادية والعلمية والتكنولوجية. وقد تكون هذه العلاقةُ بين الأنا والآخر علاقةً إيجابيَّةً قائمةً على التّواصل والتَّعايشِ والحوارِ والتَّكامُلِ والأخوَّةِ والاحْترامْ، وقد تكون العلاقةُ مَبْنِيَّةً على الصِّراعِ الجَدَليِّ والعدوانِ والكراهيةِ والصِّدامْ. في هذا السِّياقْ تأتي رواية (الغَزْو.. عِشْقاً) لنَجْلاء مُحْرِمْ. لكنّها تَبْدأ من حَيْث انْتَهَى الآخرون، وتَتَمَيَّزُ بِمَرْجِعِيَّةٍ تاريخِيَّةٍ مُوَثَّقة تُضْفي على أحداثِ روايَتِها عُمْقاً وثَراءً يُغْنيانِ المَضْمونَ ويُفْسِحانِ مَجالاً أوْسَعَ للرُّؤية، وتَنْفَرِدُ بمَزْجِها بين هذيْنِ الشَّكْلَيْنِ من لِقاءِ الحضاراتِ؛ علاقَة الصِّدامِ الدّامي القائم على مَنْطق القُوَّةِ والهَيْمَنَةِ من ناحية، وأنموذَج التّواصُلِ الحميم بين الحضاراتْ والقائم على التّكافؤ والنِّدِّيَّةِ والتّفاعُل المُبْدع الخَلاّقِ من ناحيةٍ أخْرَى. وهي تَصِلُ تساؤلاتِ الحاضِرِ بأحْداثِ الماضي ودروسِه وعِبَرِه، وإشْكاليّاتِ الواقِعِ المُعاشِ وطروحاتِه بِمُعْطياتِ التّاريخِ الحَيِّ المُتَجَدّدْ، كُلُّ هذا في سياقِ رؤيةٍ حضاريّة مُبَرَّأةٍ من أيِّ تَعَصُّبٍ عِرْقيٍّ، مُنَزَّهَةٍ عن أيّ تَطَرُّفٍ شوفينيّ، تُطالعنا بها نجلاء مُحْرم في روايتها البديعة "الغزو.. عِشْقاً"، رؤية تتسمُ بالوعْي التاريخي والإنساني فيها استقراءٌ للماضي ونقْدٌ للحاضر واستحضارٌ لروح المقاومة المتوثّبة الخًلاّقة في الشخصية المصريّة وتشخيصٌ لنقاط الضّعف والثغراتِ التي تُضعفُ الإرادة وتُصيبها بالنكوصِ والانكسارْ. رؤيةٌ تُجَسّدُ تجلّيات الوجدان الشعبي في ذِرْوةِ توحّده والتحامه وانصهاره في أتون المقاومة الباسلة وصموده بوجه المُحْتَلّ الغازي، وتُدينُ ما وَقَرَ في وجْداننا من اهْتِزازٍ في اليَقينِ وضَعْفٍ في ثِقَتِنا بأنْفُسنا وتَقَطُّعٍ لِلجذورِ وانفصامٍ بيْننا وبيْن موروثنا الحضاريِّ والإنْسانيّ يَتَمَثَّلُ في انْبِهارنا غَيْر المَشْروطِ بِكُلِّ ما هو أجْنَبِيّ وافِد بَدْءاً بلوْنِ البَشْرَةِ وملامحِ الوجْه وانْتِهاءً بالفِكْرِ والثَّقافَةِ والمُعْتَقَدِ ومنظومَةِ القِيَمِ وأنْماطِ السّلوكْ، وهو انْبِهارٌ يَنْتَهي بِنا إلى التَّبَعِيَّةِ والاسْتسْلامِ وضمورِ روحِ المُبادَرَةِ وضَعْفِ الإرادةِ وتَلاشي القُدْرَةِ على الفِعْلِ والتَّأثيرْ. وكأنَّ نَجْلاء مُحْرِم تُذَكِّرُنا بمقولة مونتجومري• الشَّهيرة (إنَّ إعْجابَكَ بالعَدُوّ هو أوَّلُ خُطْوَةٍ نَحْو الهَزيمة)، وتَسْتثيرُ فينا كوامِنَ القِوَّةِ والنّهوضِ والتَّقَدُّم مُرَدِّدَةً قَوْلَ أديبنا الكبير الرّاحل يوسف إدْريسْ: (إذا كُنّا قادرينَ على العَظَمَة.. فلماذا التَّفاهَة..؟!!)
الهَوامش
– الغَزْو عِشْقاً ـ رواية ـ نجلاء مُحْرمْ ـ مركز نهر النيل للنشر ـ مصر ـ (طبعة ثانية) 2009. تقع الرّواية في مائتين وسِتٍّ وعشرين صَفحة وتتألَّفُ من أرْبَعَةٍ وثلاثين فَصْلاً.
– الإشارة هُنا ـ على وَجْه الخصوص ـ إلى ثلاثيته التاريخية (هَمْس الجنون، عَبَثُ الأقْدارْ، رادوبيسْ)، ولو أنَّ التاريخ يَبْقَى خلْفَيَّةً لِمُعظم أعمال نجيب محفوظْ القصصيّة والرّوائيّة.
– واحدة من قرى مركز أجا بمحافظة الدّقهلية
– من أهالي ميت العامل، كان مشهوراً بالشوكة والجاه الطويل، تُوفّي عام 1808
– إحْدى قُرَى مركز ميت غمر بمحافظة الدَّقَهْليّة
– قائد القوّاتِ البريطانيّة في مَعْركة العلمين إبّان الحَرْبِ العالَميَّةِ الثّانية، وهي المَعركة التي انتصَرَ فيها الحُلفاءُ على الجَيْشِ الألْماني بِقيادة روميلْ الذي تَحَوَّلَ إلى أسطورَةٍ في أذهانِ أعْدائه بعد سِلْسِلَةٍ من الانتصاراتِ الباهرة التي حَقَّقَها في معارِك عِدَّة. ويقول مونتجومري في مُذكّراتِه أنَّ أوَّلَ ما عَنِيَ به قبل معركة العلمين هو إزالة الهالَة التي أحاطَتْ بروميلْ كقائدٍ عَسْكَريٍّ لا يُقْهَر.