عائدٌ إلى قَبْري..
عن دار الأوطان بالجزائر، صدرتْ رواية (عائدٌ إلى قبري) للقاصّة والروائية الجزائريّة المرموقة زكيّة علاّل. هذه الرواية هي الإصْدار الخامس للكاتبة، حيث صَدرَ لها: وأحْرَقْتُ سفينة العوْدة (مجموعة قصصية)، لَعْنة المنفى (مجموعة قصصية) عام 2005، رسائل تتحدّى النار والحصارْ (نصوص قصصية) طبعة أولى 2009، طبعة ثانية 2015، شرايين عارية (مجموعة قصصية).
رواية (عائد إلى قبري) هي رحلة بين الجزائر والعراق. صحفي جزائري كان شاهداً على فتنة بدأت برأس أبيه وانتهت بنار التهمت خيرة الجزائريين من الصحفيين والأطباء والكتاب وغيرهم من آلاف الشرفاءْ. صحفي كان شاهدا ـ أيضا ـ على سقوط بغداد وهو يذهب في مهمة صحفية لتغطية الأحداث ويقف على التاريخ وهو يعري انتماءنا ويغطي كل المساحات الخضراء التي تجعلنا قادرين على الحُبّ. في الجزائر حب على خط الدم لامرأة صنعت ضعفه الإنساني الذي أخرجه من سجن العقل وعاد به إلى رحابة الفطرة الأولى بكل عفويتها وصفائها ونقائها. وفي بغداد حب لامرأة أخرى على خط النار صنعت فجائعه الإنسانية التي كان يهرب منها وقلبت تاريخه، ومع ذلك كان يشتهي وجودها. حُبٌّ هنا، صالحه على نفسه وعلى وطنه وكان سببا في أن يعمل في جريدة مرموقة، وحب هناك صالحه على انتمائه وجعله ابنا شرعيا لهارون الرشيد، ووريثا لحكمته وقوته ومدينة جعلها للسلام.. كان يتساءل دائما : هل يمكن أن يتجاور حب امرأتين في قلب رجل واحد دون عراك أو صدام؟ هل يمكن للرجل أن يجمع في صدره بين صورتين لامرأتين برائحتي حب مختلفتين دون أن تختلط رائحة الأولى بالثانية.. ؟ هل يمكن أن يلتقي وجهان مشرقان في كف رجل واحد دون أن يخمش أحدهما الآخر.. ؟ لكن ، لا هذا الحب ولا ذاك شفع له أمام قدره.
وتطْرحُ الرواية الجديدة على ضمير القارئ سؤالاً:
عندما يفكر الرجل أن ينبش قبر أبيه ـ بعد عشر سنوات من دفنه ـ ليتأكد أن الجثة عادت إليها حرمتُها والتمّ شملُها واجتمعت أعضاؤها في شبر واحد.. عندما يُقدم على هذا العمل الذي ترفضه الديانات والأعراف ويشمئز منه البشر على اختلاف أجناسهم، لابدّ وأن يكون السرّ الذي حمله معه كبيراً.. سِرٌّ يتعلق بمصير وطن مشى على جثث أبنائه ليعيد صورته ولو كانت مشوهة.. عندما يفكر الرجل في نبش قبر أبيه ـ فقط ـ ليبكي على كتف ولو كانت باردة، لا بد وأن يكون الهمّ الذي يحمله كبيرا .. عطب في الروح ، وعطب في الجسد .. إعاقة في القلب، وإعاقة في رجولة أصبحت معلقة إلى إشعار آخر.
في مقدمة نقدية لمجموعتها القصصية (شرايين عارية) يقول إبراهيم سعد الدين:
" أجدني مُنحازاً إلى تجربة زكيّة علاّل القصصية في عمومها وخصوصها، وشكْلها ومَضْمونها ذلك أنها كاتبةٌ تكتبُ بريشة القلب، وتهتدي بنور العقلِ والبصيرة، وتستضيء بتجلّياتِ الرُّوح، وتُرَصِّعُ كتاباتها بجواهر الخيالِ ودُرَره الثمينة. لذا تأتي أعمالها القصصية مَزْجاً فريداً بين الشِّعْر والنَّثر، والواقعِ والخيال، والتَّجريدِ والتجسيد، والرَّمزِ والملامَسَة الحَيَّة.
وهي كاتبةٌ تنبعُ تجربتها الإبداعية من قلب الوطن ونَبْضِه الدَّافقِ وجُرْحِه الحَيّ، وتتوحَّد مع هموم الإنسان وآلامه وأوجاعه وأحلامه وأشواقه الدائمة إلى التحقّق والإشباعِ والأمن والطمأنينة. وما تبقَّى من هذه التجربة هو بَوْحٌ ذاتيٌّ يَفيضُ رِقَّةً وعذوبةً وشَجَناً. هذه الرَّوافدُ الثلاثة تتضافرُ مع بعضها البعض وتلتئمُ في وحدةٍ حميمة وتناغُمٍ لا نِشَازَ فيه، بل هي تنصهرُ ـ أحياناً ـ في بوتقةِ الصِّدقِ وحرارة المعايشة ـ وتذوبُ في بعضها البعض، فالوطنُ يتجسّدُ أباً وحبيباً وأُمَّاً حاضنةً حِيناً وشاردةً أحياناً. والحبيبُ يتبدّى وطناً تمتدُّ جذوره في القلب وتعَرِّشُ أفرعه في الرُّوح. والانتماءُ إلى الوطن هو عِشْقٌ أبديٌّ ووصالٌ دائم مع حبيبٍ قد يرحلُ بعيداً أو يهجرُ أو ينسى عهودَ الحب ومواثيقه، لكنه يبقى حاضراً بقاءَ البذرةِ في أصلِ النّباتِ المُزهر".
فازت زكية علاّلْ بالعديد من الجوائز الأدبية المرموقة للقصة القصيرة على الصعيدين المحلي والعربي من بينها جائزة وزارة المجاهدين بالجزائر عامي 2003، 2007 وجائزة كتامة عام 2005 وجائزة مجلة "العربي" الكويتية بالتعاون مع شبكة الإذاعة البريطانية عام 2007، وحصلت عام 2009 على جائزة العَلاّمة عبد الحميد بن باديس عن مجموعتها القصصية (شرايين عارية).