الاثنين ٩ نيسان (أبريل) ٢٠١٢
بقلم توفيق الحاج

جوال.. توكتوك.. لاب..!!

كنت عائدا إلى البيت من عند صديق في حوالي الساعة العاشرة مساء..كان الشارع خاليا من المارة، والجو يزداد برودة..قلت في نفسي: أدندن مقطعا من أغنية (نار يا حبيبي نار) لعلي اشعر بالدفء واسلي نفسي... لم تسعفني حنجرتي الخشبية المتأثرة ربما بأنفلونزا الصراصير..!!

ووجدتني قد اضعت حافظة الغناء بعد 50عاما، وشوهت اللحن بأثر بحة الصوت ونتع السعال..لكني انطربت، وكأني أخر سلطنة في الحمام، وحمدت الله على أني مطرب بدون جمهور، وإلا ظهر الإعجاب الحقيقي بطعم البيض، والبندورة.. !!

أخرجتني قطرات الماء من اندماجي العاطفي...نظرت الى السماء.. الدنيا كحل، والمطر وشيك..خطوات اخرى...هطل المطر بغزارة وبدون مقدمات....نظرت امامي..رايت في اخر الشارع تحت عامود الكهرباء ما بدا لي (توكتوك)..!! اسرعت الخطى..حتى وصلته...ركبت دون استئذان... جلست.. فركت يدي متوحوحا... القيت تحية المساء... ياللا ياجماعة..!! تنبهت الى أن من يجلس بجانبي لم يرد..!! وكذلك فعل السائق..تأملت في الضوء الخافت وجه الجالس الى جواري..هل هو ملثم..؟...الملثم عادة معه سلاح، وانا لا ارى سلاحا....، و لا أرى أي ملامح...مجرد رأس سوداء وثقبان يشعان نورا اخضر... وأكيد السائق مثله..غمغمت...(ليلةعسل)..!! تنحنحت، وقلت وانا ارتجف خوفا:طيب ياجماعة أنا أسف، وشكرا.. وحاولت ان انزل شدتني يد سوداء باردة...!!

يارب استر.. هل هو اختطاف..!! همست: على ايش ياحسرة..شعرت بما كنت اظنه توكتوكا يصعد رويدا رويدا...معقول..!! انا في حلم واللا في علم...!!
انا يا ناس واع تماما..اسمي توفيق الحاج واليوم السبت 8 يناير وقدامي ملعب وخلفي مسجد، ولم اتعاط في حياتي مطلقا أي ترامال أو ما يطلق عليه حبوب الهلوسة..!! ومروح على بيتي... واتصلت (المره) ع الجوال وقلت لها جاي يا روحي بعد 10دقائق.... يا خراب البيت لو ما وصلتش في المعاد....تحقيق طووووول الليل... وين..؟ ومين؟وليش؟ وايش؟ وكل ادوات الاستفهام والشك والتعجب..!!

هه...!! ايش ياجماعة.. التوكتوك يخترق السحاب.. مين انتو..؟ على وين ماخذيني..؟!! انا ماعملتش اشي...!!

انا مجرد كاتب غلبان... وباخاف من خيالي...!!

الحقني يا امن.. يا بان كيمون.. الحقوني ياحقوق الانسان..!!

سمعت نقيقا تبادله الاثنان....لحظات، وبدأت اشم رائحة اشبه برائحة كولونيا الحلاق (ابو البرم) الرخيصة التي يضعها رغم انفي على وجهي كل شهرين..اهتزت الرؤية... تراخيت شعرت بخدر لذيذ كأني قد اكلت لتوي طنجرة ملفوف سخنة، وتكلفتت بحرام دب على سرير لوحدي..!!

استيقظت.. نسمات تحمل رائحة البحر كان الوقت نهارا تقريبا الساعة التاسعة صباحا.. وجدت نفسي في التوكتوك اياه.. همست بتراخ:وين انا؟ قديش نمت..؟ لم اسمع صوت احد.. كنت وحدي... تساءلت: طيب وين شيكابالا..ودومينك دي سيلفا اللي خطفوني..؟!!

تحسست جوالي... وقفزت امامي صورة المدام...الله يستر..!!

اتصلت علىها فكانت خارج التغطية..!! نظرت حولي..فإذا بي قرب شاطئ سياحي نظيف وهادئ...قمت بصعوبة..تكتكت نفسي...وقفت على الإسفلت..أسفلت جديد كما في الأفلام..يا الهي...كأني رأيت هذا الشاطئ من قبل...لكن ما هذا...؟!! ناطحات سحاب.. أبراج...فنادق...منتجعات..!!

بعد دقائق مرت سيارة غريبة بلا عجلات ترتفع عن الأرض مترا...لم يعرني سائقها انتباها...لم أيأس...دقائق أخرى، واقبل رجل يبدو بملابس صياد حاملا سمسونايت بحجم المحفظة، وفي يده الاخرى (لاب توب) بحجم الكف !! استوقفته:يا أخي لو سمحت إنا وين..؟ تأملني الرجل..تفحصني... وقال:بصمتك...!! جط بصمتك على اللاب.. قلت: ليش يا عم..؟!! بجاه الله عليك ساعدني..أنا فلسطيني على باب الله...بحب الناس، وماليش دعوه لا بفتح ولا حماس ومسكر تمي بالترباس..!! وهاي هويتي..!!

هز الرجل راسه وفتح اللاب يبدو انه سجل شيئا..انتظر...ضحك... سألني انت شارب حاجة..؟ قلت:الله يسامحك..؟ انا في كامل وعيي واليوم الاثنين 9يناير 2012 صرخ الرجل مستغربا و ضاحكا اكثر:ايش 2012...!! قلت:آاااا ه 2012..اخذ الرجل في الضحك الهستيري حتى كاد ان يقع على قفاه وقال: اكيد انت.....واشار اشارة دات معنى..!!

تبلدت كعادتي عندما استفز..ولكن الرجل استمر في النظر الي ودار حولي دورتين ثم نطق اللاب خاصته:ياعم الحاج انت عارف احنا في أي سنه...قلت:أي سنه يعني..؟ قال سنة 2500...صرخت كأن عقربا لدغني..ايش..؟...يعني فش مدرسة..فش بيت.. فش يهود..فش احتلال..فش هنية.. فش عباس....؟ طيب قوللي..فهمني..كيف..؟ وايش صار....؟!!

كان الرجل لايزال يحدق في مستغربا... وكأني نزلت من كوكب أخر وخاطبي اللاب مرة اخرى:انت تتكلم عن زمن قديم واسماء من عهد المماليك أكل عليها الدهر وشرب..، وبيننا وبينها اكثر من 488سنة..!!

كنت في قمة ذهولي، والرجل يعالج شيئا ما في جهازه، ويلتقط لي صورة بما يشبه خاتما في اصبعه..!! ثم ابتسم بشكل مؤدب..وقال:اخبرني صديقي -وهو يشير الى مابين يديه- بحقيقة الامر... انت يا سيدي قد وقع عليك الاختيار من بعثة علمية متخصصة في الاثار البشرية القديمة، وبالتالي تم (استدعائك) من زمنك الغابر الى زمننا العامر بهذه السفينة !!...انظر الى صورك تملا كل المواقع الاخبارية العالمية، وكلنا فخورون بهذا السبق التاريخي..!!

(اكتشاف كاتب ساخر حي من العصر الخشبي)

لم آبه لما قال...فقط رجوته ان يخبرني.. بما جرى.. في خمسة قرون مضت..كان الفضول يشدني بقوة لمعرفة ما وراء الغيب..!!

هز محدثي رأسه و قال:تعال معي اذا الى (غرفة الماضي) في الحاسوب الاكبر لمدينة خان يونس...!!

صرخت: معقول...!! وخان يونس كمان..!! وانا باقول المكان مش غريب علي... طب وين راحت الزبايل..؟!! وايش صار في ازمة الكهربا والبنزين، والسولار، ومعبر ابوسالم والانفاق..؟!!.. يا الله.. سجدت بعفوية طفل..قبلت الأرض، وبكيت... هدهدني الرجل، وقمت معه الى المكان المقصود.. دخلنا المبنى..قبه زجاجية كبيرة كلها من الياف ضوئية..ومررنا من دهاليز معلق عليها صور مقلوبة لزعماء، وقادة اعرفهم.. وصلنا الى سرداب فسيح وفي صدره يافطة كبيرة (ارشيف التاريخ)...، وطلب رفيقي من الحاسوب امامه موجزا مصورا للاخبار القديمة..!!
سرعان ما رايت فيلما ثلاثي الابعاد وبالحجم الطبيعي في الهواء لاحداث مررنا بها من نكبة فلسطين.. الى نكسة 67 الى الاردن الى بيروت الى تونس الى الانتفاضة الى اوسلو.. الى دحلان.. الى ابو مازن..الى الانقسام.. الى ابو العبد.. !!

لفتت نظري لافته في نهاية الجزء الاول من الفيلم تقول (في ذمة الله... ممنوع لاقل من 16سنة)

توالت الاحداث والصور..500 سنة في خمس دقائق..!!

عرفت وليتني ماعرفت ان لعنة الشقاق تفاقمت بين الشقيقين وان العبران اكلوا الاثنين، فنفقت الفصائل، وساحت الذمم، واضمحل العرب، وزاد هوان المسلمين على انفسهم، و الامم..لما ضحك عليهم العجم بلعبة التحرير..!! الى ان نهقوا في حظائر التغيير... فضاعت القدس، وصارت في خبر كان..!!

بعد اعوام حل طاعون القرود، وعم اميركا فيروس النمرود!!..، فاهلك الوباء ما اهلك من الامريكان..!!ا فضعفوا، وضعف من والاهم..، وانكفأوا صاعرين على ويلاهم.. ثم تنادى انصار الانسانية، وتجمعوا وصار لهم من هيبة العدل هوية..، فخف التطرف في البلاد، وراد وعي العباد لتبور السياسات، وتكسد الشعارات، وتنكشف المؤامرات..!!

اما جنود الظلم، والعتمة فقد طاردهم اطفال الخلف باسطورة (الحجارة) التي ابدعها أطفال السلف، واخرجوهم من كل جحر، ومغارة..، وبدأوا عهدا جديدا لا خرافة فيه، ولادجل...درسوا وجدوا، ولحقوا بعلوم الامم حتى ارتقوا الى القمم..!!

ارتحت قليلا.. ولكني بدأت افكر في نفسي..كيف أعود إلى زمني الذي انتمي اليه، وأحب فيه من أحب..؟!!

استعطفت الرجل ان يساعدني...، والححت... يبدو انه اشفق على شيبتي.. دس في يدي كبسولة وقال:اشربها بسرعة..ترددت...ثم شربتها...احسست على الفور بسخونة شديدة وعرق ينز من جميع انحاء جسمي... فتحت عيني ببطء لاجدني مرميا كخشبة على السرير وجولي زوجتي واولادي... يقولون:الحمدلله على السلامة

ربنا كتب لك عمر جديد...كانت انفلونزا شديدة وجديدة ما عرفش يشخصها الطبيب..!!

نهق حمار أبو يوسف... ابتسمت وهمست لنفسي..:الحين عرفت من وين اجتني العدوى..!!

توت..توت... الجوال يعلن وصول رسالة....(تهنئة بعودتك سالما) مع صورة باسمة للرجل الذي التقيته على الشاطىء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى