الثلاثاء ٢٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠٢٠
بقلم توفيق الحاج

عندما أرحل......!

كلنا راحلون... أنا وانتم ونحن وهم... السابقون من قبلنا والقادمون..

كلنا راحلون..وفي الرحيل تتساوى أمام التراب وظلمة القبر.. الرؤوس والمقامات والمشاعر والتناقضات الحب والكراهية .. الغنى والفقر.. الوعظ والنميمة.. والبطولة والجريمة.. الوطن والخيانة.. الايمان والكفر.. فكلنا ذاهبون في طريق الغيب يجتهد فيه المؤمنون ويجدف فيه الدجالون وتجار الدين المخوفون المزايدون بروايات واسرائيليات لم يؤيدها نص ولم يسندها منطق!

قبل أن ارحل... أعدكم ان أرحل ببساطة وصمت كما أتيت.. لن أزعج أحدا بمرض او وجع.. ولن انتظر دمعة شفقة من حبيب أو بسمة صدقة من بعيد او قريب.... فما عشته علمني ان هذه الدنيا بكل ما فيها كانت زائفة وأداء واجب!..

ربما كانت امي الإنسان الوحيد الذي أصدقني مشاعره..كانت دموعها أثقل على قلبي من جبل أحد وعندما فارقتني ببطء وانا أقترب من الخمسين شعرت بوحشة اليتم الذي لم احس به في غياب ابي الذي غادرنا فجأة وأنا في الثلاثين لكنه ترك حزنا عميقا مقيما في عيني ونبرة صوتي واشعاري!

عندما ارحل... لا اريد صياحا ولا نواحا...حتى ولو كان نابعا من حزن فالصمت في الحزن أبلغ... ولم الحزن ويافطات الفصائل والنمارق؟! وهذه سنه الحياة فكما فارق الاجداد والاباء والاصحاب.. نفارق..!

عندما ارحل... لا اريد مأتما ولا بيت عزاء لاتمرا و قهوة ولا وعظا من معزين منافقين يؤدون طقوسا ويتصنعون الحزن ثم سرعان ما يندمجون في نكات وضحكات والتراب لم يجف بعد على من رحل!

عندما ارحل.. لا اريد من احد مهما كان صادقا ان يؤبنني ويرثيني وخاصة أولئك الذين استعدوني وآالموني وجرحوني في حياتي يسارعون للظهور في المشهد عند مماتي.. ثم ماذا ينفع التأبين والرثاء في دار الفناء وقد ضن علي قومي وانا بينهم بالتكريم والتقدير الذي استحق؟!

عندما ارحل... لا أريد ان تسمعوا من اجل سكينة روحي قرآنا يطغى عليه صوت الهمت و اللث والهبش والنبش في سيرة فلان وعلان.. بل اسمعوا ما كنت أحب أن اسمع من فيروز صباحا وام كلثوم عصرا و حليم ليلا.. سيجدني ويحس بي من احبني بصدق فقط. في كل الاغاني الحزينة.. وكل اغنية لها ذكريات... اينعت في وجودي و ماتت بموتي

عندما ارحل... لا اريد من احد ان يقول كان الراحل ملاكا وخلوقا وعظيما.. بل يقول كان بشرا وخطاء ومقاتلا عنيدا... كان صعلوكا صريحا سليطا ساخرا يعشق وطنه..الانسان كائنا من كان عنده.. موقف

لا يهزه ظلم ولا يلويه قهر..! ومن لم يقل ذلك سيكذبه ما أ تركته خلفي من شعر ونثر!

عندما أرحل... لا اريد منكم ان تتبعوني أو تصلوا علي او تدعوا لي.. فالله لا واسطة بيني وبينه ..هو اعلم بي منكم وأرفق.. وأقرب لي منكم وأشفق وحضوري بين يديه واستسلامي له... يغيني عن البشر!

اللهم اني عبدك وابن عبدك وابن أمتك... اغفر لي كما غفرت للخطائين من قبلي وانا منهم..
ارحمني كما رحمت الخيام الذي قال فيك ( ان لم اكن اخلصت في طاعتك.. فانني اطمع في رحمتك)!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى