السبت ١٠ آذار (مارس) ٢٠١٨
بقلم فاروق مواسي

جولة مع روغان الثعلب

ما أكثر ما ورد في الأمثال عن الثعلب وشدة مكره، وقوة حيلته ودهائه، فقد قالت العرب:
أروغ من ثعلب.

قال شاعر في الثعلب:

وكل خليل خاللته
لا ترك الله له واضحه
كلهم أروغ من ثعلبٍ
ما أشبه الليلة بالبارحه

يحكى أن أمير المؤمنين عمر قال يومًا وهو على المنبر:

"إنَّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ولم يروغوا روغان الثعلب....".

(الدَّميري: حياة الحيوان الكبرى، مادة "ثعلب")

ويقال:

أروغ من ثُعالة.

ثعالة بالضم اسم لجنس الثعلب، وروغان الثعلب خداعه، وذلك في غاية الخفة والسرعة.
فضرب به المثل.

يقال: أروغ من ثعالة، أروغ من ثعلب، وراغ روَغان الثعلب. والثعلب روّاغ.

قال الشاعر:

فاحتلتُ حين صرفتني
والمرء يعجِز لا مَحاله
والدهر يلعب بالفتى
والدهر أروغ من ثعاله
والمرء يكسِب ماله
والشحُّ يورثه الكساله
والعبد يُقرع بالعصا
والحر تكفيه المقاله

أورد الدَّميري كذلك في كتابه (حياة الحيوان الكبرى- مادة ثعلب، ج1، ص 291- 300- دار التحرير) عددًا من حكايات الدهاء، أذكر منها:

"وذكر ابن الجوزي في آخر كتاب [الأذكياء]، والحافظ أبو نعيم في [حلية الأولياء]، عن الشَّعبي، أنه قال: مرض الأسد فعاده جميع السباع ما خلا الثعلب، فنمّ عليه الذئب، فقال الأسد: إذا حضر فأعلمني.

فلما حضر أعلمه فعاتبه في ذلك فقال: كنت في طلب الدواء لك.

قال: فأي شيء أصبت؟

قال: خرزة في ساق الذئب ينبغي أن تخرج!

فضرب الأسد بمخالبه في ساق الذئب.

وانسل الثعلب.

فمر به الذئب بعد ذلك، ودمه يسيل، فقال له الثعلب:

يا صاحب الخف الأحمر إذا قعدت عند الملوك فانظر ماذا يخرج من رأسك.

قال الحافظ أبو نعيم: لم يقصد الشعبي من هذا سوى ضرب المثل وتعليم العقلاء وتنبيه الناس، وتأكيد الوصية في حفظ اللسان.

الاحتكام إلى الضب:

أما القصة التي تذكر الثعلب وقد اختلس ثمرة من الأرنب بحيلته، فتهمنا لأن فيها عددًا كبيرًا من الأمثال، بل تكاد كل جمل الحوار فيها تكون أمثالا. والجمل فيها فكاهة لطيفة، تتسم بقصر العبارة، وفيها هذا الحوار السلس المرح، وكأنها مسرحية قصيرة من ثلاثة شخوص.

"هذا مما زعمت العرب على ألسن البهائم، قالوا إن الأرنب التقط ثمرة، فاختلسها الثعلب فأكلها، فانطلقا يتخصمان إلى الضبّ.

فقال الأرنب: يا أبا الحِسْل (كُنية الضب)

فقال الضب: سميعًا دعوت.

فقال: أتيناك لنختصم إليك.

قال: عادلا حكّمتما.

قالت: فاخرج إلينا

قال: في بيته يُؤتَى الحكَم.

قالت: إني وجدت ثمرة.

قال: حلوة فكليها.

قالت: فاختلسها الثعلب.

قال: لنفسه بغى الخير.

قالت: فلطمته.

قال: بحقك أخذت.

قال: فلطمني.

قال: حر انتصف (أي اقتص لنفسه)

قالت: فاقض بيننا.

قال: قد قضيت.

(الميداني: مجمع الأمثال رقم 2742).

لكن الثعلب صاحب الحيل هو نفسه صاحب التسويغ لكل ما لم ينجح فيه:

"خرج الثعلب من مأواه عند شروق الشمس، فتطلّع الى ظلّه منذهلا، وقال:

سأتغدّى اليوم جملا .. ثم مضى في سبيله يُفتّش عن الجمال، الصباح كلّه.

وعند الظهيرة تفرّس في ظلّه، وقال مندهشًا:

إنّ فأرة واحدة تكفيني .

(جبران خليل جبران. الأعمال الكاملة المعرّبة- المجنون، ص 19)

قال هذا حامض

وردت قصة الثعلب وكرم العنب أولاً لدى إيسوب اليوناني ثم في حكايات لافونتين، كما وردت في الأدب العربي القديم، إذ وردت القصة في بعض كتب الأمثال، ومنها ما ذكره الزَّمَخَْشَري:

المثل: أعجز عن الشيء من الثعلب عن العنقود.

أيها العائب سلمى
أنت عندي كثعاله
رام عنقودا فلما
أبصر العنقود طاله
قال هذا حامض لمّا رأى أن لا يناله

(المستقصى ج1، ص 235، رقم 998)

وكانت القصة قبل ذلك وردت في خرافات إيسوب اليوناني:

الثعلب والعنب

رأى ثعلب عناقيد من العنب الأسود الناضج مدلاة في جنة معروشة، فبذل غاية جهده ليصل إليها، فعجز عنها ولم يحظ بطائل، فانصرف عنها آخر الأمر، وهو يعزّي نفسه عن خيبة أمله، ويقول: إنه حِصْْـرِم مُرّ، وليس عنبًا ناضجًا كما كنت أظنه.

(سعود الأسدي: خرافات إيسوب، ص 9؛ من أمثال إيسوبس ترجمة مصطفى السقا وسعيد جودة السحار؛ إمام إمام، حكايات إيسوب، ص 25)

ثمة عدد من القصص عن الثعلب أوردها جبرا إبراهيم جبرا في كتابه (حكايات من لافونتين)، وهي تدل على حيل الثعلب ومكره، وعلى تسويغاته لكل أمر يقع فيه.
...

سأختم بما ترجمه شوقي- بقصيدة "الثعلب والديك" وخيبة الثعلب بعد أن رفض الديك حيله:

بَرَزَ الثَعلَبُ يَومًا
في شِعارِ الواعِظينا
فَمَشى في الأَرضِ يَهذي
وَيَسُبُّ الماكِرينا
وَيَقولُ الحَمدُ لِلـ
ـهِ إِلَهِ العالَمينا
يا عِبادَ اللَهِ توبوا
فَهوَ كَهفُ التائِبينا
وَاطلُبوا الديكَ يُؤَذِّن
لِصَلاةِ الصُبحِ فينا
فَأَتى الديكَ رَسولٌ
مِن إِمامِ الناسِكينا
عَرَضَ الأَمرَ عَلَيهِ
وَهوَ يَرجو أَن يَلينا
فَأَجابَ الديكُ عُذرًا
يا أَضَلَّ المُهتَدينا
بَلِّغِ الثَعلَبَ عَنّي
عَن جدودي الصالِحينا
عَن ذَوي التيجانِ مِمَّن
دَخَلَ البَطنَ اللَعينا
أَنَّهُم قالوا وَخَيرُ الـقَولِ قَولُ العارِفينا
مُخطِئٌ مَن ظَنَّ يَومًا
أَنَّ لِلثَعلَبِ دينا

(شوقي: الشوقيات، ج4، ص 107، وهناك قصائد أخرى في المصدر نفسه:
الثعلب في السفينة، الثعلب والأرنب، الثعلب الذي انخدع، الثعلب وأم الذئب، الثعلب والأرنب والديك، الأسد والثعلب والعجل).

ملاحظة:

ذكَر الثعلب يسمى الثُّعْـلُـبان، ومما ورد في الشعر:

أربٌّ يبول الثُّعلُـبان برأسه
لقد هان من بالت عليه الثعالب

وقصة البيت أن بني سُلَيم كان لهم صنم يعبدونه، فحدث أن جاء ثعلب وبال عليه، فقال سادن الصنم (يقال إنه غاوي السَُّـلَمي) هذا البيت.

والمعنى: أي عظمة هذه إذا لم يكن بقدرة صاحبها أن يمنع مذلته؟!

كما ورد في المثل: "أذلُّ من بالت عليه الثعالب".


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى