جيمى بائع الفول
عندما يسبح بنا ليل الشتاء القارص مستيقظين، لابد أن يتلقفنا الجوع فى الأخير، فنرتدى ما يمكن حشوه نسبيًا فى حقيبة سفر واحدة، وبإصرار الفارس المخلص على حمل صديقه المجروح فى المعركة تحملنا أرجلنا ونتسلل للخارج، هناك على ناصية الشارع المجاور، أفترش بعربيته الخشبية الناصية من عرفناه بالعم جيمى، بائع متواضع للفول المدمس، رجل قصير بعض الشئ، يرتدى سترة رياضية كُتب على ظهرها كلمة تشيكوسلوفاكيا، الدولة التى أنقسمت مع مطلع تسعينيات القرن المنصرم، ترى هل هو حنين جيمى إلى وحدتهما مجددًا ما جعله يتمسك بتلك السترة وعلى أقل تقدير لربع قرن من الزمان.
ولكن حقاً يعطيك جسمه ملامح الرياضى خصوصًا عيناه التى تلتقى بإصرار عند حافة أنفه وترفض التحرك بعيدًا، راهنت أصدقائى أن هذا ليس بحول أنه دفء المعاشرة ما بين العين والأنف. يمسك الرجل بطبق الفول ويغرف من قدرته وبعدها يبدأ فى وضع لمسته، فى خفة متناهية يضيف الزيت والطحينة واشياء أخرى خفت أن أسئله عما تكون ربما تلك هى خلطته السرية، ليقدم لك الطبق لترى فيه صورة جمالية رُسمت ببياض الطحينة وصفار الزيت وخط أسود متعرج بينهما (أثار قرفى فى أول مرة لكنى أعتدته بعدها)، ونقاط سوداء هنا وهناك.
فى أحد المرات شاهدناه يضيف ماء إلى الفول فسأله أحدنا «أيه المية دى بس يا جيمى؟» رد جيمى فى حسم «يا بيه دى مية نضيفة متقلقش» كان صديقى يقصد أنه يغش بتخفيف الفول بالماء، بيد أن الرجل أعتقد أننا نشكك فى نظافته، فالنظافة عند جيمى من المقدسات لذلك هو يفترش الطريق بالعيش، يستخدم يده العارية فى مسح أى شئ من السطح الخشبى الذى يحضر عليه الفول حتى أسلة أنفه (ولك أن تتخيل عدد مرات المسح فى هذا الشتاء)، فالرجل يطبق نظام قاسى للنظافة، كل شئ يُغسل فى ذات الجردل طبعاً لأشتياق جيمى الشديد لدفء الوحدة بين كل الاشياء.
بالله عليك يا رجل كيف لك أن تتوقع أننا يمكن أن نشكك فى نظافتك بعد كل هذا؟
مشاركة منتدى
1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2022, 04:29, بقلم علي
لماذا حقيبت السفر