الخميس ٦ تموز (يوليو) ٢٠٢٣
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

حكاية لقاء

بدأ الفنان عبد الحليم حافظ مشواره الفني عام 1945 من غرفة بسيطة تجمعه مع شقيقيه إسماعيل ومحمد شبانة وفي ذلك الوقت التحق بقسم الأصوات بمعهد الموسيقى العربية وقبل أن ينتهي من عامه الدراسي الثاني افتتح المعهد العالي للموسيقى المسرحية فنصحه شقيقه المطرب إسماعيل شبانة بالالتحاق بالمعهد الجديد كعازف كلارنيت وبالفعل دخل عبد الحليم المعهد لكن نصحه محمد حسن الشجاعي رئيس لجنة القبول بالمعهد بدراسة آلة الأبوا لأن قسم الكلارنيت فيه وحوش مثل ميشيل يوسف وحلمي عبده وألة الأبوا استعملها محمد عبد الوهاب في الحبيب المجهول وسجي الليل‏.‏

في المعهد تعرف عبد الحليم حافظ على فايدة كامل وعبد العظيم عبد الحق وأحمد فؤاد حسن وعلي إسماعيل وكمال الطويل وأحمد فؤاد حسن ولذا أطلق على هذه الدفعة دفعة الموهوبين.

بعد تخرج عبد الحليم في المعهد العالي للموسيقى المسرحية عام 1948 بتفوق كان ينتظر سفره لإيطاليا لاستكمال دراسته لكن البعثة التي كان من المفروض أن يسافر فيها تم إلغاؤها وبدلا من سفره لإيطاليا فوجئ بتعيينه في ثلاث مدارس للبنات دفعة واحدة يومان في طنطا ويومان في المحلة ويومان في سمنود وبعد مرور عدة أشهر لم يستطع مواصلة مشوار التدريس حيث كان يتأخر كثيرا على المدارس التي يعمل بها بسبب سفره اليومي من القاهرة إلى المدارس لكنه كان في حاجة إلى الراتب الذي يحصل عليه وأكمل العام الدراسي على مضض لكنه طلب من بعض الأصدقاء التدخل لنقله لمدرسة في القاهرة لكن ظهرت حركة التنقلات ووجد اسمه مدرسا في مدرسة البنات بالزقازيق فقرر العيش في الزقازيق لعدم قدرته على السفر يوميا وشجعه على ذلك أن الزقازيق فيها كثير من أقاربه وزملائه القدامى ونظرا لتعلقه بالوسط الفني وزملائه لم يستطع العيش كثيرا في الزقازيق فانتقل إلى مدرسة في القاهرة وفي أحد الأيام كان يزور صديقه كمال الطويل في الإذاعة فعرض عليه الطويل بحماس شديد العمل في أوركسترا الإذاعة الجديد كعازف على آلة الأبوا ففرح عبد الحليم من السعادة وقدم استقالته من التدريس والتحق بأوركسترا الإذاعة وكان يدندن طول الوقت ببعض أغنيات محمد عبد الوهاب وأم كلثوم.

في أحد الأيام وأثناء استعداده للعزف مع الفرقة الموسيقية المصاحبة للمطرب كارم محمود لغناء أغنيته الجديدة يا سلام تأليف المخرج حسن الإمام وألحان عبد الحميد توفيق زكي وقبل إذاعة اللحن على الهواء بعشر دقائق اعتذر كارم لظروف طارئة جعلته لا يستطيع الوصول في موعده وكان عبد الحليم يحفظ اللحن عن ظهر قلب وحتى ينقذ الملحن عبد الحميد توفيق زكي الموقف طلب من عبد الحليم الذي كان معجبا بصوته أن يترك آلة الأبوا ويغني اللحن الجديد الذي يقول مطلعه:

ياللي حبك في فؤادي
شيء مالوش أبدا مثيل
أنت روحي بس لو قلبك يميل
يا سلام .. يا سلام.

ونجح عبد الحليم في أداء اللحن ولم يغضب المسئولين في الإذاعة خاصة حافظ عبد الوهاب مراقب الموسيقى والغناء لاستبدال المطرب بعازف الأبوا الذي لم تعتمده لجنة الاستماع بل تحمس له وفي أثناء ذلك كانت الإذاعية ثريا نجم تستمع إلى المطرب الجديد أثناء غنائه يا سلام وأعجبت بصوته وطلبت من عبد الحميد توفيق زكي أن يعطيه لحنه الجديد بدلتي الزرقا الذي كان من المقرر أن يغنيه محمد رشدي وبالفعل غنى عبد الحليم بدلتي الزرقا لتكون هذه الأغنية أول مختارات إذاعية له وبحكم الصداقة التي تربط عبد الحليم بالملحن كمال الطويل كان يحفظ كل ما يلحنه وفي أحد الأيام لحن الطويل قصيدة لقاء لتغنيها المطربة مديحة عبد الحليم ولأن القصيدة قام بتوزيعها فؤاد الظاهري وفشلت المطربة الشابة في غنائها وحاول كمال الطويل مع المطربة أكثر من مرة لكنه فشل وهنا اقترح عبد الحليم غناء القصيدة على أن يغنيها بعد ذلك مطرب معروف ومعتمد في الإذاعة وفوجئ كمال الطويل أن صديقه عبد الحليم عازف الأبوا يغني القصيدة الموزعة بطريقة جيدة فقال له : أسمع يا عبد الحليم أنت عندك استعداد رائع للغناء ولازم تتجه للغناء وكتب كمال الطويل طلبا لاعتماد عبد الحليم حافظ في الإذاعة كمطرب وتقدم عبد الحليم لكنه اللجنة اعترضت على طريقة أدائه خاصة مصطفى رضا مدير معهد الموسيقى العربية الذي طلب منه الابتعاد عن غناء الخواجات وأن يقدم غناء شرقيا خالصا كذلك نقيب الموسيقيين في ذلك الوقت عبد الحميد عبد الرحمن ولكن عبد الحليم لم ييأس وكذلك الأمر لكمال الطويل الذي وجد حماس حافظ عبد الوهاب لغناء عبد الحليم.

بعد أن رفضت اللجنة اعتماد عبد الحليم مطربا في الإذاعة‏ خرج من الإذاعة في طريقه إلى البيت وأثناء سيره في الشارع كان حزينا وشارد الذهن ولم ينتبه إلا على صوت سيارة مسرعة كادت أن تدهم رجلا‏‏ فأسرع وأنقذ الرجل من أمام السيارة‏‏ واكتشف عبد الحليم أن الرجل الذي امتدت له يده لشده بعيدا عن السيارة المسرعة هو مصطفى رضا رئيس لجنة الاستماع التي رفضته منذ قليل‏ وقال مصطفي رضا : أشكرك يا ابني‏ أنقذتني رغم أننا رفضنا أن نقيدك مطربا في الإذاعة‏ فضحك عبد الحليم وقال‏ :‏ أنا جريت أنقذ سيادتك‏ لأني خفت أن يتطور الغناء‏ فضحك مصطفى رضا وهو يكرر نصائحه لعبد الحليم أن يغني غناء شرقيا لا غناء الخواجات‏.‏

تقدم عبد الحليم مرة أخرى إلى لجنة الاستماع المكونة من محمد عبد الوهاب وأم كلثوم ومحمد القصبجي ورياض السنباطي وحافظ عبد الوهاب وأثنى الجميع على موهبة وإحساس عبد الحليم حيث قالت أم كلثوم: الله‏ .. وقال محمد عبد الوهاب : أعد‏ ... وقال محمد القصبجي : مبروك‏. .. وقال رياض السنباطي: أنت مكسب للغناء‏.‏

غمرت السعادة عبد الحليم وكان لابد أن يغير اسمه نظرا لوجود شقيقه المطرب إسماعيل شبانة ووفاء منه وتقديرا لمساعدات حافظ عبد الوهاب غير اسمه إلى عبد الحليم حافظ وبدأ مشواره مع الغناء وكانت قصيدة لقاء كلمات صلاح عبد الصبور أول قصيدة يغنيها بعد اعتماده في الإذاعة وهذه القصيدة كانت مكونة من 18 بيتا وأختار منها كمال الطويل 8 أبيات ولحنها وغناها عبد الحليم حافظ وهذه كانت القصيدة الوحيدة التي غناها عبد الحليم حافظ لبلدياته الشاعر صلاح عبد الصبور وتقول كلمات قصيدة لقاء:

بعد عامين التقينا هاهنا
والدجى يغمر وجه المورد
وشربنا النور يخبو حولنا
وسبحنا فى هلال الموكب
وانتهينا وتبعنا ظلنا
دمعنا ينطق واللحظ رضى
آه لو تدرين ما أكتم في دمي
يا واحة المفترق
كانت الذكرى عزائي زمنا
يوم فارقت زماني نفحات
كنت أودع قلبي الشجنا
أتعزى في ليال ذكريات
وتعللت بفجر قد دنا
يطلع الشمس نور سمات
ثم هنا نحن التقينا ها هنا
والدجى يغمر وجه المورد
لست أنساك غراما في دمي
ومنى عمري وآمال غدى
وصباحا نام في المبتسم
وشعاعا فتنه المتقد
يا غرامي في الطريق المظلم
يا غرامي خالدا للأبد
في عيوني فرحة مشرقة
والدجى يغمر وجه المورد


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى