حوار مع الشاعر سلوم الياس سلوم
وردّ في تقديم الكتاب (تغاريد وهمسات – الزّجل) أن العسكرية بأنظمتها الصارمة قد تحدّ من نشاط وحرية الفكر.
مع الشاعر سلوم الياس سلوم، نجد تجاوزاً لهذه المقولة...
يعتبر كتابه مرجعاً مهماً، وبحثاً قيّماً للشعر الزّجلي بكل أصنافه وأنواعه..
كتب الفصيحة فأبدع، كتب الزّجل فأثرى وأطرب، ومن جهوده المثمرة نقتطف بعض الأسئلة، لنسلط الضوء على هذا الفن الشعبي الأصيل.
– تغاريد وهمسات الزجل كتاب احتوى على أنواع الزجل وألوانه وأوزانه. هل لك أن تحدثنا عن أسباب إنجازك لهذا الكتاب؟ وما الغاية من إصداره؟
– إن هذا البحث العلمي بمجال الشعر الزجلي كان ضباباً في مخيلتي، تحول إلى نور حيّ في لحظة عابرة، عندما كنت أمام التلفاز أتابع محطة العربية بتاريخ 16/1/2004 لبرنامج (منارات) تدير حواره الإعلامية الشهيرة كوثر البشراوي مع مجموعة من الشعراء من مختلف الأقطار العربية، وخاصة من الجمهورية العربية السورية الشاعر الملحمي عبد الله خبازة، ومن لبنان الشاعر الشهير جوزيف الهاشم (زغلول الدامور)، والناقد الأدبي الأستاذ عبد الغني طليس، ومن مصر شاعر زجل شهير لا أذكر اسمه الآن. وكان الحوار الملفت بين مديرة البرنامج والشاعر عبد الله خبازة حول تاريخ الشعر المحكي (الزجل) ومكان نشوئه، إذ اعتبرت ملحمة جلجامش 2700ق.م هي أول أثر أدبي للشعر المحكي، ثم تلتها مزامير داوود، ومخطوطات أفرام السرياني، وتقاريض يوحنا الدمشقي.
وفي العصر العباسي تناغم الشعر العربي مع الشعر الإسباني، فكان أول ديوان للشعر الزجلي في الأندلس لابن قزمان (توفي سنة 1160 م). ثم انتشر هذا اللون من الشعر في الأمصار العربية، ومن المغرب إلى مصر، إلى سوريا الطبيعية (قبل سايكس بيكو) وتجذّر في لبنان أكثر من سواه. كل تلك المعلومات حفّزتني لمتابعة البحث والتقصي وإزالة الضبابية، لتنوير أبناء أمتي ووطني بمعلومات مهمة عن حضارتنا وتراثنا الأصيل. خاصة وأنه يتناول وبدّقة تصوير الحياة، والموقف منها في مختلف ميادينها الإنسانية، وبمجموع صورها: الاجتماعية (في مواسم الأحزان والأفراح على إطلاقها) وكذلك الاقتصادية والسياسية، ويمتلك قدرة المأثور الذي يتناقله الناس، ويجدون فيه الاستجابة لما يقولون في الداخل والخارج، مصوغاً في قوالب موزونة موقّعة (في الأزجال والمواويل والأغنيات). أو دون هذه القوالب (في الأمثال والحكايات والقصص والملاحم ورواية المواقف الحيّة والأساطير والأحاجي والخوارق ..إلخ...) وما يحتفظ منها بما يشبه الإيقاع من هنهونات وأغانٍ خفيفة للأطفال، فلتوثيق هذا التراث، اندفعت لإصدار كتابي هذا.
– تيمَّمت نحو الشعر الشعبي (الزجل)، رغم أنك تكتب الفصيحة، لماذا؟.
– إن تقسيم الشعر إلى زجلي أو فصيح، وكذلك تقسيم الفصيح إلى كلاسيكي أو تفعيلة أو منثور، هو تقسيم وهمي، مثله مثل تقسيم الزمن إلى ماض وحاضر ومستقبل، أو تقسيم الأرض وفق خطوط الطول وخطوط العرض.
الشِّعر هو الشِّعر، لا تقسيم فيه على الإطلاق، وهو ليس أكثر من تغيير الثوب واللون لكائن واحد يرتديه، ألا وهو الشِّعر.
وكثيراً ما حدث معي، حيث أفكر بقصيدة زجلية تجاه أمر ما، فأجد نفسي أكتبها بالفصحى والعكس صحيح. ولكن وبكل صراحة، في الشعر المحكي تقرباً للموسيقى المجرّدة أكثر من الفصيح، لأنه لا تكلُّف فيه، فهو أكثر دقة في وصف الانفعالات، والتي تقصر الفصحى عن وصفها، فلولا الحاجة إليه ما ظهر أصلاً. وقد جاء في محاضرة ألقاها الدكتور عبد الكريم الأشتر ما يلي: ((إن الأدب الشعبي هو أدب منتزع من صلب الحياة اليومية ومواقفها، خالطت لغته أدبنا الفصيح منذ وقت مبكر في عصوره الزاهية. فقد قال الجاحظ الذي تحفل كتبه بألفاظٍ وتراكيب يحاكي فيها لغة العامة في حياتها اليومية. ويترخص في اللحن فيقول: >الإعراب يفسد لغة المولدين<. >وإذا وجدتم في هذا الكتاب، لحناً أو كلاماً غير معرب، ولفظاً معدولاً عن جهته، فاعلموا أنّا إنما تركنا ذلك، لأن الإعراب ينغِّص هذا الباب، ويُخرجه من حدّه<. ويأخذ على هذا النحو يحاكي في أدبه لجلجة السكران وتخبُّل لسانه فيقول: _ سكران والله... أنا والله سكران
وكذلك نداء الباعة على بضاعتهم: >الخوخ، الخوخ< ويقول: > إذا سمعت بنادرة من نوادر العوام، ومُلحةٍ من مُلَحِ الحَشْوة والطَّغام، فإياك أن تستعمل فيها الإعراب، أو أن تتخيّر فيها لفظاً حسناً... فإن ذلك يفسد الإمتاع بها، ويخرجها عن صورتها<.
وهناك جملة أسباب تستدعي نتاج هذا الأدب وتعمل في تكوينه وهي:
_ طبيعة الحياة في الطبقة الشعبية، والصلات التي يقوم بين أفرادها، وتصوير أثرها في نفوس أهلها.
_ تقصير الأدب الفصيح في الاستجابة لحاجات ظرف من ظروف التاريخ، يُلجئ الشعب إلى الرجوع إلى موروثه الشعبي، يستمد منه القدرة والحزم والتماسك.
_ تلمُّس الإحساس بجمال التعبير والتصوير، باللغة التي تمارس بها الحياة اليومية.
_ الاستجابة، لحاجات الغناء والموسيقى في مجالس الإثارة العامة، في مواجهة الأحداث الكبيرة.
هذه الدواعي استدعت استجابة بعض شعراء الفصيحة أنفسهم إلى إبداع نصوص شعبية، على نحو ما وقع في الأندلس من قبل، في تركيب خرَجْة الموشّح التي صيغت بلغة الناس الدارجة المستلطفة.
وهكذا نظم أمير الشعراء أحمد شوقي المقطوعات الغنائية، غنّى منها المطرب محمد عبد الوهاب مثلاً (الليل لما خلي ... وغيرها). وكذلك نظم للبحارة والصيادين في النيل ( نشيد المراكبية وغيرها: مثل، صلّح قلوعك يا ريّس) ووصف المراكب في النيل بقصائد زجلية أخرى.
وينسب إلى الشاعر أبي ريشة، في مخاطبة محبوبته موال شرقاوي.
وللأخطل الصغير، مثلاً (يا ورد مين يِشتريك). وأحمد رامي (في أغاني أم كلثوم).
وبيرم التونسي: الذي كتب النصوص الغنائية باللّغة المحكية، ولا يكاد يعرف بغيرها.
وهنا نتذكر قول الشاعر نزار قباني (والحب عليك هو المكتوب يا ولدي).
ومن شعراء الزجل، كثيرون استطاعوا مع المتابعة، امتلاك الموهبة وكتابة الشعر الفصيح، مثل (ابن قزمان) زَجَّال الأندلس الأول، والشاعر المهجري (الياس فرحات)، والشاعر (عمر الفرَّا) ولكنهم يجدون التعبير باللَّغة المحكية في بيئاتهم، وأحياناً كثيرة، أقرب إلى أنفسهم، إذ يكون ألصق بتفصيلات حياتهم، وأقدر على نقل انطباعاتها وألوانها، وتصوير انطباعات عامة الناس من حولهم، عنها.
فلهذا النوع من الأدب، قيمة كبيرة، في تتبع بعض ظواهر تطورنا اللغوي، وفي رصد الآثار التي تخلفها وقائع الحياة وأحداثها، مما يتناوله التاريخ، حين يتناوله بخطوطه العامة، ويهمل في كثير من الأحيان، تفاصيله الدفينة)).
– ما هي ألوان الشعر الشعبي (الزَّجل) في بلاد الشام؟ في أيهم تجد نفسك؟ ولماذا؟
– إن ألوان وأنواع الشعر الزَّجلي في بلاد الشام تختلف بحسب اللّهجات بين منطقة وأخرى فمنها: البدوي (الشروقي والنبطي) - الفراتي - الساحلي (البحري) - وأخيراً الجبلي (اللّبناني) وهو أكثرها تميزاً وأقربها للفصحى. ومنه:
أولاً: المعنَّى بأنواعه: - العادي البسيط (المطلوع) - القصيد - الجناس - الطنطراني.
ثانياً: الموشحات الأندلسية، بأنواعها: الفصيحة – الزّجليّة، وبأوزانها المختلفة.
ثالثاً: القرَّادي بأنواعها: -العادية البسيطة – مخمس مردود – محبوك – مطبَّق – مغصوب – مرصود - كرج الحجل – طرق النَّمل – المرصّع – المهمل – المنقّط – القلاّب – المجزَّم.
رابعاً: المواويل وأغاني التراث: العتابا – الميجنا – أبو الزلف – الحداء – الترويدة – الزلغوطة – أغاني التراث.
خامساً: الشروقي بأنواعه: -القصيد – النبطي – الجوفية – الدبكة النسائية – جلوة العروس – الموال البغدادي.
سادساً: الندب بأنواعه: الندب الذي يؤدونه الرجال – الندب الذي يؤدينه النسوة.
إن هذه الألوان بأنواعها، تقال في جميع أنحاء بلاد الشام ولو بلهجات مختلفة، لكن الأبرز منها والأكثر شيوعاً بين عامة الشعب، ما يقال في قرى ومدن سلسلة جبال لبنان الغربية والشرقية على حدٍ سواء، ويعود سبب ذلك للكثافة السكانية في المناطق الغربية من بلاد الشام إضافة لمستوى التعليم والثقافة في هذه المناطق، فضلاً عن نشاط الشعراء فيها ووصولهم إلى البث الإذاعي والتلفزيوني الذي ساعد كثيراً بانتشارها عن طريق الأغاني والتمثيليات المختلفة.
وإن أنواعها تختلف باختلاف أوزانها، والتي نظمت على أبحر الفراهيدي وجوازاتها.
وإنني أجد نفسي أقرب إلى هذه الأوزان بلهجتها الجبلية، لأنني ابن بيئتها، ومنذ طفولتي أقرأ الكثير منها، فضلاً عن سماعها على لسان أقاربي بمختلف أوزانها.
– هل هنالك فرق بين المواويل البغدادية وباقي المواويل على مساحة الوطن العربي؟
– إن الأشعار الغنائية بما فيها المواويل كانت تخضع في شكلها اللغوي واللحني وفي مضمونها من حيث الغناء والتطور الأولي للبيئات التي نشأت فيها والتي هاجرت إليها، وإن أداء النوع الواحد منها يختلف من منطقة لأخرى وعندما تنتقل أغنية أو لون من الغناء من البادية إلى المدينة، فإنها تخضع لمؤثرات بيئية تكون وراء ما يعتريها من تغيير اللّهجة واللفظ واللحن لتكون مناسبة للأذواق والمناخات الجديدة.
إن الغناء أعلى أشكال التعبير عن الروح، وهو شعور إنساني نبيل يعبر عن همسات النفس ويفصح عن خوالج القلوب، والأغاني الشعبية في واقعها هي لوحات تعبيرية عن خصائص ولهجات كل شعب من الشعوب، وصفحة معبِّرة عن حياة كل أمة وواقعها، وصورة عن طبائعها وأهوائها واستعاراتها وتشبيهاتها في شتى مناسبات الحياة. لقد خلَّد الشعب نفسه في أغانيه وعلى مدى العصور الإنسانية، لم يكن الغناء بدعة أو ملئ فراغ أو هرباً من حياة صعبة الانقياد وإنما كان الغناء الشعبي لوحات رسمت بدقة متناهية بريشة الشعب وبمداد من معتقداته وإيمانه لتصور مختلف أوجه الحياة. لقد كانت الأغنية رفيقة الإنسان في بيته وحقله ومرعاه، وشكلت لنا مع الزمن تراثاً ضخماً يضاف إلى أي تراث تعتز به أمتنا وتفتخر بوجوده.
وتمتاز الأغاني الشعبية والمواويل بصفات أساسية هي:
البساطة في الكلمات، والعمق في المعنى، وتعتمد أساساً على أدوات موسيقية بسيطة، كالرّبابة والدّف والمزمار. ومن خصائصها الأخرى، الصدق والعفوية.
فالأغنية الشعبية والمواويل تلبي حاجات الإنسان ورغباته التعبيرية أكثر من الأغنية الفصيحة لأنها أقرب إلى القلب بمضمونها ومعناها.
ولعلّ أقرب صور الأدب الشعبي إلينا (الموال الشرقاوي) الذي تشيع نصوصه في شمالي القطر العربي السوري. ويعرف في تونس باسم (المألوف)، وفي الجزائر باسم (الوهراني)، وفي المغرب باسم (الملحون). ويطلق على ما يشبهه في الخليج (الشعر النبطي وهو: المطاوَل من المواويل الذي يزيد على خمسة عشر سطراً).
والأنباط (وعاصمتهم البتراء) قوم عرب كانوا يكتبون لغتهم بالحروف الآرامية. ويقال: إنهم، بعد سقوط دولتهم، التحقوا بسواد العراق. وما يزال يطلق، إلى اليوم على فلاّحي السَّواد اسم (الأنباط). وأكثر ما يكتب اليوم في دول الخليج هذا الشعر.
والذي انتهت إليه الدراسات اليوم، هو أن الموال قَدِمَ من الشرق فسمِّي (شرقاوي).
وقد يسمى (بغدادي) أو (سبعاوي) لأنه مكوّن من سبعة أشطر. ويسمى في العراق (الزهيري) ازداد انتشاره في شمال سورية ، خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. ووصل مصر عن طريق برّ الشام.
إن صفّي الدين الحلّي يقول: (إن أهل واسط أبدعوه، وأخذه عنهم عبيدهم. فالصلة إذن ما تزال تستشف، بينه وبين الشعر النبطي من ناحية لغته الملحونة، وبينه وبين الموشح، من ناحية نظمه في التمهيد والعَرْجة والخَرْجة، وبصور الزَّجل الأخرى).
ثم رسَّخت حلب صورة هذا الموَّال، لانتشار الغناء والموسيقى فيها.
ووصلت إلى (حماة وحمص) وأطرافها. وتعددت صورها: فمنها الموَّال (الرباعي المكون من أربعة أشطر ويسمونها خانات). المَّوال (الأعرج المكوّن من خمسة أشطر وهو كثير في مصر) بحيث فيه الشطر الرابع مخالف للقافية. والموَّال (السُّداسي فيه الشّطر الرابع والخامس بقافية تختلف عن القافية العامة). وأخيراً الموَّال الشرقاوي ونظامه معروف سباعي الشطر – ثلاث خانات في المطلع بقافية واحدة، تتكرر فيها لفظاً وتختلف معنى (عن طريق الجناس التام وهو أقْوَم في الصنعة، أو الجناس الناقص أحياناً)، - وثلاث خانات بعدها في العَرْجة) بقافية واحدة أخرى، - ثم (القفلة – وقد يسمونها: الطبَّاقة أو الغْلاق)، وتجيء على قافية المطلع، وتنفرد بمكانة خاصة تذكّرنا بمكانة الخَرْجة في الموشَّح. وتبلغ أحياناً مبلغ الأمثال، أو القول الجامع، أو العظة المستخلصة من تجارب البشرية وأقوالها السائدة. وهي كلمة قوية الأثر تختتم بها مقولة الموَّال، فتهز السامع المتلقي بتقريرها الحاسم.
– الموشَّحات الأندلسية لها خصائصها، ما هي أهم الخصائص؟ وما الفرق بين الموشح الزَّجلي والأغنية الزَّجلية؟
– إن أهم خصائص الموشح الأندلسي ما يلي:
_ خولفت فيه القواعد المرعية في أوزان الشعر العمودي وقافيته.
_ أساليب نظمه تعتمد على الأقفال والبيوت في تركيب يختلف باختلاف الأنواع.
_ القفل هو بيت أو عدة أبيات من الشعر تبتدئ بها الموشحات في أغلب الأحيان وتتكرر قبل كل دور (بيت).
والقفل يسمى (سمطاً) لأنه كالقلادة في الموشح. وكذلك يسمى (لازمة) للزوم تكراره بعد كل دور.
ويشترط في الأقفال التزام قافية واحدة، والوزن، والأجزاء، وعدد الأبيات الشعرية وهكذا يكون الموشح ذو موسيقا لفظية وتلحينية واحدة.
_ البيت (الدَّور) وهو ما نظم بين قفلين من أبيات شعرية، ويشمل أغضاناً وهي تتعدد بتعدد الأغراض والمذاهب. ويتألف الدَّور من ثلاثة أجزاء، وقد يتألف من جزئين أو ثلاثة ونصف.
ويتألف جزء البيت من فقرتين، أو ثلاث أو أربع فقرات. وقد يكون مفرداً. ومن شروط الأدوار (الأبيات) أن تكون كلها متشابهة وزناً ونظاماً وعدد أجزاء. وأما الروي أو القافية فيستحسن تنويعه.
_ من شروط الموشح الكامل أن يبتدئ بقفل (لازمة) وأن ينتهي بقفل أيضاً، وأن يتردد فيه القفل ست مرات، فإن كان الأمر كذلك سُمِّي الموشح تاماً.
أما إن بدأ الموشح بالدور سمي أقرع وهكذا يتردد القفل خمس مرات في الموشح الأقرع وست مرات في الموشح التام.
_ الخَرْجة: هي القفل الأخير من الموشح وقد اشترطوا فيها أن تكون فكاهة، ملحونة الألفاظ، جارية على لسان ناطق أو صامت، فهي عادة عامية غير معربة إلا في المدح إذا ذكر فيها اسم الممدوح أو ما يدلُّ عليه، أو ذكر اسم الجليل.
أما عن الفرق بين الموشح الزَّجلي والأغنية الزجلية فهو الآتي:
_آ- الموشح الزَّجلي ينظم وفقاً لبحر مجزوء المتدارك مع القطع والتشعيث، شرط أن يتكون الصدر في كل بيت شعر من أربع تفعيلات والعجز تفعيلتين فقط كما هو الحال في أغنية فيروز (يدور الدوري ع الداير، يا ست الدار...) وقد يكون العكس أيضاً صحيح أي تفعيلتين في صدر البيت الشعري وأربع تفعيلات في العجز كما في أغنية (يا أهل الدار، طلّوا طلّوا الحبايب...)
_ب- بينما الأغنية الزجلية فهي تبنى عند نظمها على البحر المتدارك التام مع القطع والتشعيث مثال أغنية (الهوَّارة) أو على وزن أي بحر من بحور الشِّعر أو مجزوئه والأمثلة على ذلك كثيرة. وقد تنظم على مشطور أو منهوك أي بحر فلا حصر لها.
– كثيراً ما نتغنَّى بمواويل العتابا والميجنا وأبو الزُّلف، ما الذي يميزها عن غيرها؟ ولم هي الأكثر انتشاراً بين الناس.
– لقد سبق وذكرت سابقاً حول أسباب تأثر الشعب بهذا النوع من الشعر وقربه من روح وعواطف وأحاسيس الإنسان الشرقي وكذلك الشفافية والبساطة في الألفاظ.
كل ذلك جعل هذا النوع من الموال أقرب ومحبَّباً أكثر لدى العامة وأكثر انتشاراً.
فضلاً على أنه يوجز ما تعمر به القلوب من مشاعر ، إذ كل قطعة أو نتفة منه تكوّن فكرة كاملة ولحناً متكاملاً، وفيها من الأنغام الطبيعية ما يثير كوامن الذات البشرية.
وكذلك تلخص حقبة تاريخية ناصعة من حضارتنا. إذ لا يعلق في ذهن الإنسان إلاّ ما هو صحيح وكامل ومفيد، أما الغث فيذهب أدراج الرياح.
وتنظم أبيات العتابا على البحر الوافر مع العصب. وكذلك الميجنا إذا كانت عتابا.
كما تنظم الميجنا على وزن بحر الرجز إذا كانت غنائية.
أما مواويل أبو الزُّلف فهي على البحر البسيط التام، أو مقطوع العروض والضرب.
– هل للبيئة الجبلية؟ أو الساحلية أو البدوية؟ على منجز شعر الزجل تأثير فعال؟ أيهم الأكثر فعالية؟ ولماذا؟
– لا شك أن للبيئة تأثير أكيد على الفنون قاطبة ولأن الفن الأدبي ابن بيئته وهي معين الأديب ومستوحاه فكان لها كل الأثر في تطور الأدب بشكل عام والشعر على وجه الخصوص، ففي الماضي قالوا أن الحداء ضبطت أوزانه على وقع أقدام الإبل في البيئة البدوية وهكذا كان في الصحراء حيث تعتبر الإبل وسيلتها الرئيسة لجميع النشاطات وهي مصدر المعيشة فيها.
وضبطت الأوزان في المناطق الساحلية (البحرية) على وقع حركة البحّارة والصيادين خلال إنجاز أعمالهم.
أما البيئة الجبلية وبسبب تضاريسها القاسية ومدقاتها وشعابها الجبلية الوعرة. كانت تحتاج للتنقل وسائط نقلها الخيول بأنواعها، قصيرة الخطوة سريعتها، وعلى إيقاعها ضبطوا وزن أشعارهم وأزجالهم الغنائية، مثل القرَّادي التي تنظم على البحر المتدارك قصير التفعيلة سريع الإيقاع.
أما الآن وبعد انتشار وسائل الاتصال التي أفرزتها العولمة ازداد انصهار البيئات بعضها ببعض، فأصبحت المدينة قرية كبيرة، والقرية مدينة صغيرة، وبالتالي تغيَّر مفهوم البيئة الذي نعرفه.
– ما هو سبب تسميتك للكتاب بتغاريد وهمسات الزَّجل كعنوان؟ ولماذا هذه القصدية؟
– في حقيقة الأمر تشكل الكتاب من أربعة فصول:
الفصل الأول: منهجي تعليمي يهمس بأنواع وألوان وأوزان الزَّجل باختصار مكثَّف.
الفصل الثاني: مجموعة تغاريد من القصائد والموشحات الغزلية بأوزانها المختلفة.
الفصل الثالث: همسات تحاكي حالات اجتماعية باطنية الفكر والمدلول، رَسَمْتُ بعضها بريشة عبد الله بن المقفع.
أما الفصل الرابع: فهو تغاريد وزغاريد وتراويد وهنهونات وأغانٍ، كنت قد نظمتها في مناسبات خاصة ولأشخاص مقرَّبين.
ولأن للمُسَمَّى نصيب من اسمه، ونحن أمام ألحان شجية تغنَّيها العامة، وتناجي الطبيعة بأسرها، ولأن الموسيقا هي روح الحياة، وهي أخيلة الكائنات الحيّة، ولغة واحدة لجميع المخلوقات. لذلك أطلقت على كتابي اسم (تغاريد وهمسات الزَّجَل).
– الفنون الأدبية الشعرية هي: الشِّعر القصصي أو الملحمي، والشعر الغنائي أو الوجداني، والشعر التمثيلي، والشعر التعليمي، الفرق بين كل واحد على حدة؟
– أولاً: إن الشعر القصصي أو شعر الملاحم، هو ذاك النوع من الشعر الذي يتخلى فيه الشاعر عن شخصيته، ويتناول الأبطال والجماعات والوقائع الحربية والمناقب القومية بأسلوب السَّرد القصصي، وتكثر فيه الخوارق. كما فعل هوميروس في الإلياذة، والفردوسي في البشاهنامة، وكذلك سيرة بني هلال، والزير سالم، وألف ليلة وليلة وغيرها.
ثانياً: الشعر الغنائي أو الوجداني: هو الذي يتناول فيه الشاعر نفسيته، أو يتقمص حالة معينة، ويصف في قصائد صغار، مظاهر عواطفه ونزعات قلبه، وخلاصة أفكاره وآرائه، وصفوة تصوراته وتخيلاته في الكائنات المحيطة به.
ثالثاً: الشعر التمثيلي: هو ما يتناول فيه الشاعر حادثاً تاريخياً أو خيالياً من أحداث الحياة البشرية ، ويجريه على المسرح بواسطة أشخاص يتصورهم ويُنْطِقُ كلاً منهم بما يتفق والشخصية التي تمثل موقعها.
رابعاً: الشعر التعليمي: هو شعر يرمي فيه الشاعر إلى تثقيف العقل ورفع مستوى المعرفة بتقديم العبر والخبرات والبراهين والأمثال بقالب شعري محبوب وسهل الحفظ لدى الشعوب، عن طريق التلميح أو الإشارة إلى معلومات ومعارف معينة.
ومثال ذلك القصيدة التالية:
شِعْرُ الزَّجَلسألتيني عن الشِعر ومجالوهَيَفْ أشعارنا رَجْزٍ المُعَنَّىالخليل بْوَزنِ أشعارو تهنَّىجَمَعْ أشعارنا وفيها تغنَّىليالي الشِّعر عِمْرِتْ في وَطَنَّاامرؤ القيس ارتجل شِعْر وتمنَّىليلى الأخيَلِيَّة كَمْ تَجَنَّىجموع الشعب عنَّا وغير عنَّاوديع من الزَّجل أمجاد جنَّىدَخَلنا مَنْبَر الشِّعر المكنَّىتَمَائِمْ شِعْرِنا شْفَار الأَسِنَّةبألوانو بأوزانو وْرِجَالووَزِنْ مُجْتَثِّ قِرَّادِةْ حِجَالوبُحُور الشِّعر طوَّعها جلالووَزَنْها، بْوَزْنِها الشِّعار جالووْسَمَا مَنْبَر زَجَلنا بإرتجالويعود علا الحمى ويربح سجالوعَلَيها الحقد، دخلك شو إجالوتَغَنُّوا في زجلنا وفي رجالوبْقَصَائد من زَجَلنا ومن زِجَالوتُرَاث بلادنا خُضْنَا مجالوبَوَارِقْ في الوَغَى ما صام حدَّا
وْبِوَصْفِ الوِلْفِ نَاجَتْ اختجالو
خلاصة القول: إن الشعر القصصي: هو شعر اجتماعي تتراءى فيه حياة الجماعات، وهو يدل على تيقظ الجماعات البشرية وتنبهها للحياة، ولا يظهر عادة إلاّ في طفولة الشعوب.
وأما الشعر الغنائي، فيدل على تطور الحضارة، واتساع سبل الحياة، إذ يتاح للفرد أن ينكفئ على ذاته ويتنبه لشخصيته، فهو خطوة الفرد نحو الشخصية.
والشعر التمثيلي: يدلُّ على تطور قوي في الحضارة، وعلى تقدم الإنسان تقدماً واسعاً في سبيل الحرية الفردية والاجتماعية.
والشعر التعليمي: يدل على إقبال الأفراد والجماعات على العلم والتحصيل.
– هل لنا زجلية من تأليفك مُمَيَّزة على قلبك تهديها لقراء الحوار – مع الشكر؟
–
الشاعر ومصدر الإبداعالشَّاعر متل نحلة بتصويروبيجمع رحيق الورد والمنثورالشَّاعر قَلَمْ مسحور والجمهورمنكم بياخذ فِكْرِةْ المأثوربيسكب جنى المحصول أحرف نوركونوا مع الشّاعر سند غيُّورعَ الرَّوْض بِ كَثِّر مشاويروبيغني القفير بشهد تعبيروريشة ذهب بجناح تفكيرووبيرسم المشهد بتأثيرومن فلسفة عقلو وبتدبيروبتحريض فكرو ومصدر الإلهامبتشجيعكم يزداد تقديرو