حوار مع صلاح معاطي
الإعلامي صلاح معاطي يجمع بين أكثر من موهبة فهو يكتب القصة والرواية والخيال العلمي وتحولت بعض كتاباته إلى مسلسلات وسهرات إذاعية وتليفزيونية ولاعجب في ذلك فأسرته قدمت من المبدعين الكثيرين وفي هذا الحوار أبحرنا مع المبدع صلاح معاطي.
في البداية نتعرف على مسيرك العلمي؟
صلاح معاطي، حاصل على بكالوريوس التجارة (قسم المحاسبة) من جامعة القاهرة ثم استكملت دراساتي العليا فحصلت على دبلوم الإعلام من كلية الإعلام جامعة القاهرة والماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة.
متى بدأ حبك للإذاعة والأدب ؟
بدأ حبي للإذاعة منذ مولدي فقد تربت أذني على صوت الراديو حتى أكاد أجزم أن تراث الإذاعة كله محفوظ في ذاكرتي قبل أن أحتفظ به في مكتبتي الخاصة. ألف ليلة وليلة، من وراء القضبان، غواص في بحر النغم، من الحياة، أحسن القصص، قال الفيلسوف، مع الأدباء الشبان، لغتنا الجميلة، زيارة لمكتبة فلان.. وغيرها الكثير والكثير أحفظه عن ظهر قلب بالمقدمة الموسيقية، ثم تأتي الصور الغنائية الدندرمة، قسم، علي بابا، عواد، عوف الأصيل، عذراء الربيع وغيرها أيضا الكثير، ويتردد في ذهني اسم عبد الوهاب يوسف مخرج هذه الروائع النفيسة.. حتى المسلسلات مازلت أذكرها الرجل الثعلب، ملك الأرنس، ريا وسكينة، موهوب وسلامة، شنطة حمزة.
من خلال المذياع التقطت أسماء.. أعرفها عن ظهر قلب كأنني أرى أصحابها أمامي.. فاروق شوشة، صفية المهندس، سامية صادق، هدى العجيمي، محمد عثمان، عبده دياب، أنور قزمان، يوسف حجازي.. حتى يخيل إلي أن حاستي الأدبية نبتت من الراديو قبل أن تروى من الكتب وتمنيت أن أعمل بالإذاعة لكي أنجز كل هذه الأشياء دفعة واحدة أذيع وأكتب صورا غنائية ومسلسلات إذاعية.
قصة دخولك الإذاعة كيف بدأت ومتى تحققت ؟
ظل حلم العمل بالإذاعة يراودني طوال سنوات طويلة منذ كنت في السادسة من عمري أخطب كعبد الناصر وأقلد أصوات المذيعين كجلال معوض وصالح مهران ومحمد عروق الذي يمت لنا بثقة قرابة وثيقة فهو ابن عمتي لزم.. فكنت أشترك في الإذاعة المدرسية.. بل قمت أنا وأخي الأصغر الكاتب والسيناريست يوسف معاطي بعمل إذاعة خاصة بنا بمشاركة بعض الأصدقاء ولها برنامج يومي ونشرة أخبار، كنا نسجلها على شريط كاسيت ونجمع أفراد الأسرة والأصدقاء ليستمعوا إلى برامجها من خلال جهاز التسجيل، ثم قمنا بعد ذلك بتحرير مجلة أسبوعية أصدرنا منها سبعين عددا اسمها "أخبار البيت" كنا نقدم فيها أخبار بيتنا من مشاكل وأحداث وكنت أقوم بكتابة القصة والرواية المسلسلة .. حتى قرأت إعلانا بجريدة الأهرام عن إنشاء إذاعة القناة بالإسماعيلية وأنهم بحاجة إلى مذيعين من أهل القناة فأسرعت بالتقدم إليه وأنا فاقد الأمل في أن يقع علي الاختيار، ولم أوص أحدا على الإطلاق بل لم أبلغ شخصا عن هذا الاختبار خاصة وأنني كنت أعمل بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية في عمل إداري بحت يعتمد على التقييد في الدفاتر وأقصى ما يمكن عمله التوقيع على ورقة لكنني قنعت بهذه الوظيفة عملا بالمثل القائل "عصفور في اليد" أو كما يقول البعض : "وظيفة والسلام"
ماهى اللجنة التي اختبرتك وكيف كانت مشاعرك وقتئذ ؟
يوم الامتحان دخلت الاستوديو وطلبوا مني قراءة خبر في جريدة فقرأته وقد وطنت نفسي أني ملتحق بعملي في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فلن أخسر كثيرا لو لم أقبل في هذا العمل هذا الإحساس أزال عني الخوف والرهبة إلى حد ما، فقرأت الخبر بلا توتر ثم خرجت لألتقي باللجنة كان هناك ثلاثة رجال وامرأتان عرفت بعد ذلك أنهم الأستاذ أحمد أبو السعود مدير إذاعة القناة والإذاعي المعروف عبد العال هنيدي والأستاذ عطية السيد مدير عام التدريب والأستاذة فتحية القناوي وعايدة شكري.. وقد أشاد بي الأستاذ عبد العال هنيدي وخرجت لألتقي بأعضاء اللجنة وكان معي كتابي الأول "أنقذوا هذا الكوكب" فكان هو واسطتي الوحيدة، فقدمته لهم وأخبرتهم بعلاقتي بيحيى حقي ونهاد شريف فقالوا لي: يعني كاتب .. أنت مكسب للإذاعة .. ثم سألتني فتحية القناوي من هو رائد القصة القصيرة في فرنسا وروسيا ومصر فقلت لها موباسان في فرنسا وتشيكوف في روسيا وبالنسبة لمصر قلت يحيى حقي فقالت لي وإدريس ؟ أجبتها إن هذه ليست قاعدة فهناك أيضا محمود تيمور.. ثم عادت لتسألني فتحية القناوي : لو وجدت أمامك حدثا يمكن تغطيته إعلاميا ستحقق منه شهرة ونجاحا لكنه سيضر ببعض الناس فهل ستذيعه ؟ أجبتها بدون تفكير: بغض النظر عن قبولي في هذا الامتحان وبكل صدق لن أذيعه مهما كان العائد فابتسمت لي وقالت بالتوفيق..
تركت اللجنة ولم يكن بداخلي أي أمل للنجاح لسببين أني لم أقبل في امتحان المحاسبين بالإذاعة من قبل فهل سأنجح في امتحان المذيعين والسبب الثاني أني وجدت توصيات كبيرة للبعض علانية وعلى الملأ فقد عرفت أن رئيس إحدى الجامعات جاء بنفسه ليوصي على ابنته وأصدقائها فأدركت أني خارج اللعبة تماما.. لكن عندما جاءني خطاب يفيد بقبولي في امتحان الإذاعة ومن أوائل المتقدمين لم أصدق نفسي وغمرني شعور بالسعادة فقد ظفرت بما كنت أحلم به طوال عمري وسرعان ما قدمت إخلاء طرف من عملي القديم.
ما هي مشاعرك عندما خرج صوتك للمستمعين لأول مرة ؟
طلب مني عمل تسجيلات للاستعدادات لاحتفال أوبرا عايدة ورحت أجمع معلومات عن أوبرا عايدة من مكتبتي الخاصة فأوبرا عايدة ألف قصتها ميريت باشا عالم المصريات الفرنسي الشهير، وبعد ترجمتها سلمت إلى الموسيقار الايطالي "فيردي" في عام 1870 وقد أمر الخديوي إسماعيل ببناء دار الأوبرا لتكون جاهزة خلال ستة أشهر في عام 1869، للاحتفال بافتتاح قناة السويس، أنشئت الأوبرا بين حي الأزبكية وحي الإسماعيلية وتم استخدام العديد من الرسامين والمصورين لتجميل الدار برسوم وصور لكبار الفنانين من الموسيقيين والشعراء وأوبرا عايدة عبارة عن قطعة تشتمل على مناظر ولوحات راقصة يتخللها أغاني موسيقية متوزعة على أربعة فصول تجسد الصراع بين الواجب والعاطفة، تحكي عن قصة الحب التي نشأت بين الأسيرة الحبشية عايدة وراداميس قائد الجيش المصري، الذي حكم عليه فرعون مصر بالإعدام بعد أن ثبت عليه محاولته للهرب مع عايدة إلى الحبشة وبعد أن قمنا بإعداد المادة المقروءة ذهبنا للتسجيل مع رئيس مجلس إدارة شركة مصر للصوت والضوء وقد وافقوا على اللقاء الذي أجريناه وتمت إذاعته الليلة في الحادية عشرة إلا الربع. بإذاعة القاهرة الكبرى ومنذ هذه اللحظة ارتبطت بإذاعة القاهرة الكبرى ومذيعيها ونشأت علاقة قوية بمعظمهم قبل الانتقال للعمل فيها بعد ذلك خاصة صديقي مدحت عبد التواب وصديقي العزيز الراحل وجيه عرفات. الذي كثيرا ما حضرت معه شيفتات فكان يسمح لي بتقديم بعض الأغنيات فكانت هذه بمثابة منحة.
ماهى البرامج التي قدمتها وتعتز بها ؟
بعد ذلك بدأت آخذ شيفتات منتظمة بإذاعة القاهرة الكبرى والشعب والشباب والرياضة حتى تم افتتاح إذاعة القناة وأصبحت مسئولا عن التنفيذ فيها خاصة عندما تولي إدارة الإذاعة الإذاعي القدير محمد مرعي وأصبحت لي برامج سواء على الهواء أو برامج مسجلة منها برنامج لقاء على الهواء بإذاعة القناة كان يخرجه محمد مرعي شخصيا واستضفنا فيه عبد الرحمن الأبنودي ومحمد ثروت ولطيفة وغيرهم ومن البرامج التي قمت بإعدادها وتقديمها ثقافة وفنون الذي كان يغطي الحياة الثقافية والفنية في محافظات القناة الثلاث والحقيقة استطاع الأستاذ محمد مرعي أن يطور الإذاعة وأهم ما فعله أنه اكتشف كل الطاقات التي فينا خاصة ونحن جميعا من الشباب فبدأ يستفيد من مواهبنا ويسخرها في خدمة الإذاعة والارتقاء بها فعمل كوادر من الكتاب والمخرجين والممثلين.. كنت أنا واحدا منهم فاستفدت من وجود عبد الله قاسم في الكتابة الإذاعية وقد أخرج لي محمد مرعي بنفسه بعض الأعمال.. كبرنامج مواقف
وقد أوكل إلي الأستاذ محمد مرعي مهمة تنظيم عمل المذيعين على الهواء من وضع جدول المذيعين بالإضافة إلى بعض الاختصاصات الأخرى الخاصة بتوزيع العمل بين المذيعين في تنفيذ الإذاعات الخارجية. فكانت ثقة كبيرة من الأستاذ محمد مرعي فلا يكفي أن نكون مذيعين فحسب وإنما يجب أيضا أن نتدرب على الإدارة حتى نتمكن من إدارة المؤسسة عندما يتاح لنا ذلك.. بهذا الأسلوب سار العمل تحت إدارة محمد مرعي. بعد ذلك انتقلت للعمل في إذاعة القاهرة الكبرى وقدمت العديد من البرامج فيها بالإضافة إلى الهواء مثل الفن في القاهرة ومزيكا وهذا هو عالمي ثم في منتصف التسعينيات انتقلت للعمل في إذاعة صوت العرب ولهذه قصة أود سردها لأن النقل كان صدفة .
كنت قد دفعت بكتابي الثالث "وصية صاحب القنديل" إلى هيئة الكتاب وهو عبارة عن وصية أملاني إياها الأديب الكبير الراحل يحيى حقي وتوقعت أن أجده في الأسواق لكنه لم يتحرك خطوة واحدة. ولما يئست من الانتظار ذهبت إلى دار الحرية لنشره في كتاب الحرية حيث كنت قد تعرفت على مدير النشر فيها وقال لي لو عندك كتاب قدمه للنشر فقدمت وصية صاحب القنديل ولكن الأمر لم يكن أفضل من هيئة الكتاب راحت الأيام تمر دون أن ينشر الكتاب وكل حين أذهب إليه ليقول لي كلمة واحدة: الكتاب في القراءة.. وأخيرا قلت له بنفاد صبر: يا أخي أخبرني عن هذا القارئ حتى أذهب إليه وأتعجله.. فقال لي: هذا من أسرار الدار فممنوع أن نكشف عن أسماء قارئينا. لكنني سأخبرك به خصوصا أنه من عندكم من ماسبيرو.
- من؟
– الأستاذ حمدي الكنيسي رئيس إذاعة صوت العرب.. فذهبت إليه.. واستقبلني الأستاذ حمدي الكنيسي بحفاوة وترحاب خاصة بعد أن أخبرته بأني مؤلف كتاب "وصية صاحب القنديل" وراح يثني على الكتاب وفكرته ثم قال لي إن هذا الكتاب لا يناسب دار الحرية حيث دأبت الدار على نشر الكتب السياسية وليس الأدبية. ثم قال لي:
- إنني أريد أن أطعم صوت العرب ببعض الكفاءات وأرى أن اهتماماتك الثقافية مناسبة فهل لديك استعداد للانضمام إلى صوت العرب؟
قلت بحماس: بالطبع.
فما أجمل من أن يقدر إعلامي قدير كحمدي الكنيسي إمكانياتي الأدبية، فهذا ما لم أشعر به من قبل ومن بعد مع أي من المديرين الذين تعاملت معهم إلا مع الأستاذ محمد مرعي الذي سمح لي بكتابة بعض الأعمال الدرامية في إذاعة القناة.. ثم قال لي الأستاذ حمدي:
– أكتب طلبا.
وبالفعل كتبت الطلب في مكتبه وذهب به الأستاذ حمدي بنفسه لتوقيعه من رئيس الإذاعة وقتها الأستاذ فاروق شوشة وتم النقل بأسرع ما يمكن وفوجي الجميع بنقلي إلى إذاعة صوت العرب
استقبلني الجميع في إدارة البرامج الثقافية بترحاب شديد وعلى رأسهم الأستاذة أسمهان البلك مدير عام البرامج الثقافية بشبكة صوت العرب والأستاذ وفيق مازن وزكريا شليل وراحوا يسألونني عن علاقتي بالأستاذ حمدي الكنيسي واندهشوا أن علاقتي به حديثة ومن خلال كتاب "وصية صاحب القنديل" الذي تم نشره بعد انتقالي إلى صوت العرب عن هيئة الكتاب وقام الأستاذ وفيق مازن بعرضه في برنامجه "قرأت لك".
بدأ اهتمامي يتحول من المحليات والبرامج الخدمية "على أهميتها" ليتسع إلى التوجه العربي والقضايا العربية كالمشكلة الفلسطينية وحرب الخليج والأزمة العراقية وبدأت أشعر بأهمية هذا التوجه وأدعمه بالقراءة السياسية والثقافية وقدمت عددا من البرامج المهمة مثل أدباء ولكن، فرسان الكلمة، فارس أحلامي، صاحبة الجلالة المرأة، من الخيال العلمي، مرسال.. وغيرها كثير بالإضافة إلى عدد من السهرات والبرامج الخاصة "كعبق من عطر الأحباب عن يحيى حقي"، "وأبواب القاهرة القديمة أين هي الآن".
كذلك قمت بالتسجيل مع عدد كبير من الأدباء العرب .
هل دور الإذاعة من وجهة نظرك تقلص أمام انتشار الفضائيات ووسائل التكنولوجيا الحديثة؟
– دور الإذاعة لم يتقلص وإنما قلص من قبل المسئولين النهمين إلى تولي المناصب، فالإذاعة كجهاز مثله كأي جهاز لا ينتهي بالتقادم وإنما يتم تطويره بمرور الزمن والراديو له مهمة لا يمكن الاستغناء عنها وهي استغلال سماته كسهولة الحركة وسرعة الوصول للحدث وسهولة الحمل بالنسبة للمتلقي فيعتبر أسرع وسيلة لتوصيل المعلومات في الأوقات التي يكون المواطن مشغولا فيها وهو يقود سيارته وهي تقوم بإعداد الطعام كذلك الراديو لا ينبغي أن يدخل في منافسة مع الفضائيات لأنه لو قام بدورها سيفشل فكيف نتعامل مع جهاز يعتمد على الأذن بمنطق الصورة. هذا دوره ولا يمكن أن يحيد عنه.
ننتقل إلى عالم الأدب فأنت تكتب القصة والرواية والخيال العلمي فحدثنا عن كل فن من هذه الفنون الأدبية ؟
بدأت التجربة الإبداعية لدي في فترة مبكرة للغاية ربما في المرحلة الابتدائية.. لكنني لم أدرك أن ما أكتبه له قيمة إلا في المرحلة الإعدادية عندما تقدمت في مسابقة للقصة في المدرسة وفزت بالجائزة الأولى وكان لابد لي أن أؤكد هذه الموهبة بشهادة من كاتب كبير كنت أعشق يوسف السباعي أرسلت له رسالة بأنني أريد أن أقابله لأعرض عليه أعمالي لم يرد يوسف السباعي لكنني سمعت نبأ اغتياله في قبرص.. أرسلت إلى نجيب محفوظ خطابا فرد علي ووافق على مقابلتي ورحت أتردد على الندوة التي كان يعقدها في كازينو قصر النيل لكنني لم أستفد فلم يقرأ لي ولم يوجهني فامتنعت عن الذهاب إلى ندوته واكتفيت بقراءة أعماله الأدبية فأفادتني أكثر من مقابلته حتى نصحني أخي الأكبر أن أذهب ليحيى حقي فهو يهتم بالأدباء الشبان.. أرسلت له رسالة فرد علي على الفور والتقيت به وسرعان ما نمت بيننا صداقة وفي أول لقاء قرأت عليه قصتي فبادر بإرسالها إلى الأستاذ فاروق جويدة بالأهرام ونشرها وكانت أول قصة تنشر لي أما عن الكتابة في أدب الخيال العلمي فكنت أكتب تلك النوعية من القصص بتلقائية المبتدئ المحب للمغامرة دون أن أعرف لها اسما محددا وكثيرا ما كنت أطلق عليها اسم القصة العلمية. حصلت على بعض الجوائز في المدرسة والجامعة لكن كان ينقصني شيء مهم في تلك الفترة المبكرة من حياتي.. هل ما أكتبه يعد أدبا أم لا؟ وكان علي أن أبحث عمن يوجهني إلى الطريق الصحيح، ووجدت ما أنشده في مكتبة أخي الأكبر مجموعة قصصية بعنوان "رقم 4 يأمركم" تأليف نهاد شريف.. عكفت على قراءتها فإذا بها تشع في نفسي بعض الأشياء لم أكن أدركها في تلك المرحلة المبكرة جدا من حياتي في منتصف السبعينيات.. فأنا أكتب نفس النوعية ولكن ينقصني الكثير بالتأكيد هناك أدوات ينبغي أن أمتلكها لكي أكتب هذه النوعية. لذلك كان علي أن أقوم بهذه الخطوة المهمة والتي غيرت مجرى حياتي وهي مقابلة الأستاذ نهاد شريف.. وقد أرشدني إليه أحد الأصدقاء "د.عبادة كحيلة" أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة الذي كان وقتئذ يعمل بهيئة الكتاب على مكان عمله بالمجلس الأعلى للثقافة. وكانت بيننا صداقة تجاوزت الإبداع فقد كان نهاد شريف إنسانا بمعنى الكلمة.. فساعدني في نشر الكتاب الأول لي عن المجلس الأعلى للثقافة ثم الكتاب الثاني بهيئة الكتاب وتوالت الأعمال بعد ذلك.
لماذا نجد العدد القليل ممن يكتبون الخيال العلمي؟
كتاب أدب الخيال العلمي ليسوا قليلين بالعكس هم كثر لكنهم أشبه بالجزر المنعزلة كل منهم يكتب في وادي ولا يقرأ لغيره فاختلط الحابل بالنابل وصار كل من يذكر كلمة صاروخ أو فضاء أو ذرة يعتبر نفسه كاتبا للخيال العلمي الخيال العلمي له أصول ومقومات واضحة وهي المنطقية العلمية وإمكانية التحقق العلمي المشكلة في أن الدولة لا تلتفت إلى هذه النوعية التي تدفع إلى المستقبل فأرجو من وزارة التربية والتعليم تطبيق بعض قصص الخيال العلمي على طلاب المدارس حتى يكون هناك تنشئة علمية صحيحة تعتمد على أسس التفكير العلمي.. لقد عانيت مع أستاذي الراحل نهاد شريف رائد أدب الخيال العلمي في إنشاء رابطة تجمع كتاب الخيال العلمي في مصر، وكلما حاول الرجل في طرح الفكرة يصطدم بالمعوقات.. حلمنا معا بمجلة للخيال العلمي في مصر لكن المستحيلات كانت تطاردنا في كل مرة.. حتى إقامة ندوة دورية كل شهر للخيال العلمي كانت بمثابة المستحيل الأكبر.. لكن الرجل لم يحبط ودائما ما كان يعزيني بقوله لا تيأس سنحاول سنحقق.. وأخيرا في دمشق وبواسطة الصديق كاتب الخيال العلمي السوري د. طالب عمران تم إنشاء رابطة كتاب الخيال العلمي العرب وتم إنشاء مجلة الخيال العلمي، وتم تكريم الأستاذ نهاد شريف وتكريمي في هذا الملتقى الكبير.. كل هذا تم بعد أكثر من ثلاثين عاما.. ثم بعد رحيل الأستاذ نهاد شريف أنشأنا صالون نهاد شريف لأدب الخيال العلمي الذي وصلت عدد ندواته حتى الآن إلي خمس عشرة ندوة تحت رعاية أسرة الأستاذ نهاد شريف والتي بادرت بإطلاق جائزة نهاد شريف الأولى لأدب الخيال العلمي في مصر والوطن العربي تقدم إليه مائتا مشارك من جميع أنحاء الوطن العربي..
حدثنا عن اعمالك التي تحولت إلى مسلسلات وأعمال درامية؟
بالنسبة للأعمال الدرامية.. أهم ما تحقق من وجودي بمبنى الإذاعة والتليفزيون بماسبيرو أنني استطعت تحقيق حلمي بالكتابة الدرامية سواء للإذاعة أو للتليفزيون فقد كتبت للإذاعة والتليفزيون أكثر من عشرين عملا إذاعيا وتليفزيونيا مثل الحب فوق السطوح والسلمانية بنت الحاوي، البحث عن شمندل، أم عربي، خليها على الله، العبور عبر العصور، محجوب بالمقلوب، سفروت يزور المدينة.. وقد حاز هذا الأخير على جائزة تونس للإذاعة والتليفزيون عام 2012 وكل هذه الأعمال من أعمال أدبية قمت بتحويلها إلى سيناريوهات.
بما إنك أحد فرسان صوت العرب هل تتذكر بعض المواقف التي كانت إذاعة صوت العرب سببا في وحدة الصف العربي عن طريقها ؟
لعب صوت العرب العديد من المواقف في وحدة الصف العربي خاصة في بدايته أثناء ثورة الجزائر وأثناء حروب مصر مع الكيان الصهيوني وأثناء العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان وفلسطين حتى أثناء الأحداث الأخيرة لصوت العرب مكانة كبيرة في قلوب العرب وكما قلت إن دور الراديو لن ينتهي بطغيان الفضائيات صوت العرب لن ينتهي طالما أدرك المسئولون عنه دوره جيدا وأنا أرى أن صوت العرب يجب أن يلعب دوره الآن سواء في المجال الثقافي بتحقيق مواءمات ثقافية بين الأشقاء العرب أو في المجال الاقتصادي بتفعيل دور الوحدة الاقتصادية وتكوين تكتلات اقتصادية بين الدول العربية.
من شكل بداخلك المواهب المتعددة وماهو دور الأسرة ودورك في هذا الصدد؟
والدي هو الذي شكل بداخلنا جميعا هذه المواهب المتعددة فهو كان رجلا مثقفا نهما للقراءة فقد نشأت وجدت في بيتنا مكتبة ضخمة وكان والدي يضمنا إليه ويحكي لكل منا ما في هذه الكتب وكل بطريقته وحسب استيعابه حتى بدأنا نقرأ فكانت القراءة هي المحرك الأساسي لنا وكما قلت سابقا بجانب القراءة كانت للإذاعة الدور الأكبر في تشكيل وعينا في هذه الفترة المبكرة.
عرفنا على ترتيبك في الأسرة؟
ترتيبي في الأسرة أنا الابن الأوسط تماما فيسبقني شقيقان إلى عالم الأدب والإبداع هما محمد معاطي يكتب الشعر والقصة كان يعمل بوزارة التعليم العالي ثم عين ملحقا ثقافيا بواشنطن وبعد انتهاء الفترة قرر البقاء هناك ومازال يكتب ويصدر مجلات للمغتربين في أمريكا.
ثم عادل معاطي الشاعر والإعلامي الكبير الذي وصل إلى رئيس قطاع الإقليميات ولولا ارتباطه بعمله كرئيس لعدد من القنوات المحلية حتى رئيس قطاع لكان أصدر عشرات الدواوين الشعرية فهو شاعر له بصمته ويأتي من بعدي اثنان يوسف معاطي الكاتب والسيناريست وهو شاعر أيضا وإعلامي لكنه ترك العمل بالتليفزيون ليتفرغ للكتابة ثم أصغرنا سميرة معاطي وهى شاعرة رائعة وقد كتبت أغاني مسلسل خليها على الله الذي قمت بتأليفه للتليفزيون.
الأسرة بصفة عامة فيها هذه اللفتات الفنية حتى توارث الأبناء حب الكتابة والإبداع فابنتي نهاد معاطي تكتب منذ نعومة أظفارها ونشرت في فترة مبكرة جدا وفازت بعدد من الجوائز الأدبية وصدرت لها أول رواية وتستعد لإصدار الثانية والابن الثاني رامي معاطي بالرغم من أنه بدأ كاتبا لكنه اتجه إلى الفن التشكيلي ويقوم بإعداد أول معرض له.
هل زواج المهنة الواحدة يسهم في المزيد من الإبداع؟
نأتي إلى الزوجة د. عطيات أبو العينين ، فهي تكتب بحكم الوراثة أيضا هي تعتبر ابنة خالتي وقد جمعنا منذ البداية حب الأدب والقراءة والكتابة والإبداع.. أما بالنسبة للإجابة عن سؤالك فليس من الضروري أن زواج المهنة الواحدة أو الإبداع الواحد يسهم في مزيد من الإبداع بل إنني أعرف قصصا فشلت بسبب تنافس الزوجين. لكن بالنسبة لنا فالأمر مختلف فليس بيننا تنافس كما أنه ليس بيني وبين أي من إخوتي أي تنافس كل منا يكتب ويبدع ونقرأ لبعضنا ونتناقش ونختلف وقد نتشاجر ولكن بهدف جودة الإبداع وتقديم الأفضل للقارئ والمشاهد والمستمع أيضا. كل منا وقر في ذهنه أن إبداع الآخر هو المادة الخام لإبداعه وأن النقد الحقيقي يبني لا يهدم من هنا كان انطلاقنا من البداية واستمرارنا المهم في الأمر هو تفهم دور كل منا وقيمته وتجربته الإبداعية التي يعتز بها وبالتالي نعتز بها جميعا.