خَبَرٌ عَاجِلٌ مِنْ أَرْضِ كَنْعَان
((مِنَ البَحْرِ لِلنَّهْرِ ..
هَذَا التُّرابُ ..
وَهَذَا الهَوَاءُ ..لَنَا ..
هَذِهِ أَرْضُنَا ..))
قَالَ طِفْلٌ ..وَغُصَّ ..وَأَجْهَشَ
كُرْسِيُّهُ المُتَحَرِّكُ ذُو العَجَلاتِ
يُذَكِّرُني بِمُعَلِّمَتِيْ
وَبِمَدْرَسَتِيْ فِي الطُّفُولَةْ
وَقَدْ كَانَ لِيْ مِثْلُ كُرْسِيِّهِ
اغْرَوْرَقَتْ مُقْلَتَاهْ
وَأَشْرَقَ فِي البَالِ صَوْتُ " حَيَاهْ "
مُعَلِّمَتِيْ وَقْتَهَا
كُلَّ دَرْسٍ تُرَدِّدُ
كُنَّا وَرَاءَ " حَيَاةَ " نُرَدِّدْ
((فِلَسْطِينُ دَارِي
وَدَرْبُ انْتِصَارِيْ ))
وكَانَ اسْمُ مَدْرَسَتِي آَنَذَاكَ – اخْتِصَارَاً –
"جَمِيْلَةْ"
"جَمِيْلَةْ بُوحَيْرِدْ "
وَأَفْلَتُّ مِنْ قَبْضَةِ الذِّكْرَيَاتِ قَلِيْلَاً
وَغُصْتُ عَمِيْقَاً
أُسَافِرُ فِيْ مُقْلَتَيْهِ
وكَيْفَ تَجَذَّرَ مِلْؤُهُمَا الحُزْنُ
مِثْلَ ابْتِسَامَةِ أَقْدَمِ أَجْدَادِهِ
وَهْوَ يَحْرُثُ حَقْلَاً لِيَزْرَعَهُ حِنْطَةً
وَيُهَيِّئُ " حَاكُورَةً " قُرْبَ مَنْزِلِهِ
وَيُنَادِيْ عَلَى زَوْجِهِ مُتْعَبَاً فِيْ حَيَاءْ
(أَعِدِّيْ الغَداءَ لَنا يَا امْرَأَةْ)
وَفِيْ يَدِهِ شَتْلَةُ الكِبْرِيَاءْ
وَقُرْبَةُ مَاءٍ بِطِينِ فِلَسْطِينَ مَعْجُونَةٌ
وَالحِكَايَاتُ لا تَنْتَهِيْ فِيْ فِلَسْطِيْنَ
رَغْمَ مُرُورِ القُرُونِ المِئَةْ
حِكَاياتُ أَجْدادِنا ما تَزَالُ
بِكُلِّ تَفَاصِيلِهَا الحَاضِرَاتِ
حَلِيبَ انْتِمَاءْ
طَرِيقَاً إِلى عَرْشِ رَبِّ السَّمَوَاتِ
مَهَّدَهَا الأَنْبِيَاءُ
لِكَيْ يَصْعَدَ الشُّهَدَاءْ
وَ وَجْهُ "جَمِيْلَةَ" يَحْدُو قَوَافِلَهُمْ
وَهْيَ تَعْبُرُ بَوَّابَةَ الخَالِدِينَ
لِتَمْنَحَ لِلشَّمْسِ إِشْرَاقَهَا
وَتَخُطَّ عَلى جَبْهَةِ المُسْتَحِيْلِ
تَراتِيْلَ مِنْ "سُوْرَةِ الفُقَراءْ"
وَ يُكْمِلُ سَرْدَ حِكَايَتِهِ
تَحْتَ أَنْقَاضِ مَا كانَ مَنْزِلَهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ
وكَانَ الغُبَارُ كَثِيْفَاً
ثَقِيْلاً عَلَى صَدْرِهِ
(كَانَ يَحْضُنُنِيْ
لَمْ أُحِسَّ بِبَرْدٍ شَدِيدٍ
وَلَكِنَّنِي بَعْدَ ذَلِكَ
أَدْرَكْتُ أَنَّ أَبِيْ مَاتَ
فَالْبَرْدَ صَارَ أَشَدَّ
وَ دُوْنَ مُبَرِّرْ
أَخِيْ قِيْلَ لِيْ : مَاتَ أَيْضَاً بِقِسْمِ الحَوَاضِنِ
أُمِّيَ لا أَعْرِفُ الآَنَ بِالضَّبْطِ أَيْنْ
وَلَمْ أَمْتَلِكْ أَنْ أُقَرِّرْ
وَ دُوْنَ مُخَدِّرْ
أَنَا الآَنَ لا أُمَّ لِيْ
لا أَبٌ ..
لا أَخٌ ..
وَ بِلا رُكْبَتَيْنْ)
وَمَا زَالَ عَالَمُنَا " الحُرُّ "
عَالَمُنَا المُتَفَرِّجْ
يُشِيْحُ بِوَجْهٍ كَوَجْهِ المُهَرِّجْ
لِتَسْقُطَ كُلُّ عَنَاوِينِه وَشِعَارَاتِهِ المُسْتَفِزَّةْ
أَمَامَ رُكَامِ مَشَارِفِ غَزَّةْ
لِيَنْهَارَ بُنْيَانُهُ
وَ مَوَاثِيْقُهُ الأُمَمِيَّةُ
حَقُّ الحَيَاةِ: لِمَنْ يُطْلِقُ النَّارَ
وَ العَدْلُ: مِيزَانُهُ مِنْ حَدِيدِ السِّلاحِ
وَ حُرِّيَّةٌ: في انْتِقَاءِ الضَّحَايَا
المُسَاوَاةُ: بَيْنَ القَتِيْلِ وَسَفَّاحِهِ الهَمَجِيِّ
الإِخَاءُ: المَقَابِرْ
لِتَبْقَى فِلَسْطِينُ
دَيْنَاً نُسَدِّدُهُ في خِطَابِ المَنَابِرْ
وَ يَبْقَى الطَّرِيْقُ إِلى إِيْلِيَاءْ
(.. يُسَمُّونَهَا أُورْشَلِيْمَ ..
.. يُسَمُّونَهَا ...)
سَمِّهَا مَا تَشَاءْ ...
فَمِنْ هَهُنَا
مَرَّ كُلُّ الغُزَاةِ ...الطُّغَاةِ ...الجُنَاةْ
لِتَبْقَى الطَّرِيْقُ إِلى القُدْسِ
مَفْرُوشَةً بِدِمَاءِ وَأَشْلاءِ أَطْفَالِ
عِزَّتِنَا العَرَبِيَّةِ
مَجْزَرَةً ..مَجْزَرَةْ
تُرَقِّعُ نَخْوَةَ عَالَمِنَا
وَ مُرُوْءَتَهُ المُسْتَبَاحَةَ
أَحْلامُهُمْ تَتَشَظَّى
تَطَايَرُ مِثَلَ العَصَافِيرِ ...
مِثْلَ الفَرَاشَاتِ ....
أَحْلامُهُمْ بِغَدٍ
لا تَكُوْنُ مَقَاعِدُهُمْ فِي المَدَارِسِ
مَحْضَ شَوَاهِدَ فِيْ مِقْبَرَةْ
وَأَنْ يُفْسِحَ العَتْمُ عَنْ شُرْفَةٍ
تَتَفَتَّحُ أَزْرَارُها لِتُسَطِّرَ
"حُرِّيَّـــــــةً"
بِاسْمِ
"سِفْرِ فِلَسْطِينَ"
كَيْ لا يَكُوْنَ دَمُ الأَبْرِيَاءِ
سِوَى مِحْبَرَةْ