الاثنين ٤ شباط (فبراير) ٢٠١٩
مقدمة في الكتابة بالوجدان،
بقلم أحمد المريني

دراسات في سرد سعاد الناصر

يعتبر الكتاب الجماعي الموسوم ب "الكتابة بالوجدان، دراسات في سرد سعاد الناصر"، الصادر مطلع هذه السنة عن منشورات مركز مدارك للدراسات والأبحاث في العلوم الإنسانية وعلوم التربية بمدينة فاس، من الكتب النقدية التي تتناول بعض الأعمال السردية للكاتبة التي اشتغلت لأكثر من ثلاث عقود على استجلاء قضايا الكتابة النسائية، من خلال الخصائص الفنية والجمالية لهذه الكتابة.

يأتي هذا الكتاب ليضيء المسار الأدبي لسعاد ناصر "أم سلمى" أستاذة الأدب العربي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل، ورئيسة فرقة البحث في الإبداع النسائي بالكلية. ويهدف الكتاب إلى تسليط الضوء على السرد النسائي، في الوقت الذي يشكو المغرب من قلة الدراسات التي عالجت موضوع الأدب النسائي بالبحث والتمحيص دراسة خاصة. ويضم الكتاب دراسات وازنة لعدد من الباحثين من المشرق والمغرب.

شارك في تأليف هذا الكتاب مجموعة من الأساتذة الباحثين والدارسين من الكتاب، وهم محمد حسن بريغش من سوريا، وحلمي القاعود من مصر، وشارك باحثون وناقدون من المغرب وهم عبد الرحيم الإدريسي، ونجيب العوفي، وخالد أقلعي، ومسلك ميمون، وأسماء الريسوني، وعبد المجيد بطالي، والحسين زروق، ومحمد الفهري، وأحمد رزيق.

وترصد الدراسات المتضمنة في الكتاب تجربة الدكتور سعاد الناصر في الكتابة السردية النسائية، من وجهة نظر نقدية لباحثين ومهتمين في المجال. ويستخلص القارئ لهذا الكتاب، أن الكاتبة منذ اقتحمت عالم الكتابة، نظرت إلى تجنيس الكتابة بخوف وحذر شديدين من خلال مقاربة جل النصوص، فالكتابة عندها تتدفق انطلاقا من وجودها الأنثوي، وقدرتها الإنسانية في تعال على الأنوثة التي تستقطب الهم الذكوري. كما تنظر إليها بكونها طاقة متحررة من النظرة التجنيسية الضيقة التي تحصر كتابة المرأة في مساحة ضيقة، كاستكمال لأنوثتها ووسائل إغرائها.

إن الطابع الغالب على الكتابات السردية عند الكاتبة، لا تكون الذات الانثوية فيه هي المركز المسيطر على عموم الأحداث، ففي معالجتها لقضايا عامة تخرج عن نظرة تلك الذات الضيقة، وتتفاعل مع الآخر ولا تختلف معه سواء كان رجلاً أو امرأة. يبدو إذن من خلال التجربة السردية للكاتبة أن المرأة لا تخوض في صراع بين الرجل من أجل الغاء موقعه، بل بهدف الى إعادة النظر في اللاتوازن الانساني.

وبالغوص في أعماق الكتابات السردية للكاتبة، يخلص أي باحث للمسار العلمي والأكاديمي لها، أن إسهامها المكثف يروم تعزيز الساحة الأدبية بالمغرب والسردية على وجه الخصوص، بمجموعة من الإصدارات تهتم بقضية المرأة من جوانب متعددة ومن أبرزها الدراسات السردية. وقد صدر لها كتاب "السرد النسائي العربي بين قلق السؤال وغواية الحكي" من مكتبة سلمى الثقافية بمدينة تطوان. ويتناول الكتاب الذي يقع في 210 صفحة، موضوع الكتابة النسائية وفق تصورات ومفاهيم وضوابط، وعلى حضور المرأة المبدعة في الذاكرة المغربية الحضارية والثقافية، ويستحضر الكتاب آليات منجزها السردي الحديث، ويستنتج بنيته انطلاقا من مقاربة من اعمال إبداعية نسائية.

وأصدرت الباحثة الناصر كتاب "محكي المقاومة في السرد النسائي المغربي" من إصدارات ملتقى الدراسات المغربية والأندلسية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان. وهو عمل نقدي في موضوع السرد النسائي المغربي يقع في ستين صفحة، حاولت الأديبة سعاد الناصر في هذا الكتاب، إبراز العلاقة الأزلية بين الكتابة والمقاومة، منطلقة من إشكالية فعل المقاومة في السرد النسائى، في إطار اهتمامها الأدبي الأول المتعلق بالكتابة النسائية.

ففي هذا الكتاب تؤكد بالدرس والتحليل أن محكي المقاومة في السرد النسائي، جزء لا يتجزأ من السرد المغربي عامة. وقد تناولت الباحثة هذا الموضوع عبر خمسة محاور، وهي مقام البدايات والامتلاء الكلي بجاذبية المقاومة، وهوية الذات وتشظياتها، وسلطنة العنفوان الأنثوي واستبداد العنف من تشكيل الوعي إلى تخييل المغايرة.

وصدر لنفس الدكتورة كتاب يحمل عنوان "بلاغة القص في القران الكريم" والكتاب من إصدار مكتبة سلمى الثقافية بمدينة تطوان، وسبق أن صدر ضمن السلسلة الدورية كتاب الأمة التي تصدر عن إدارة البحوث والدراسات الإسلامية بدولة قطر.

وفي مجال القصة أصدرت الدكتورة الناصر المجموعة القصصية في ظلال وارفة، وهي بمثابة سيرة ذاتية كما يظهر في قصة "مرآة". ويكشف هذا المتن القصصي مستوى الاحتراق الذي يتواتر في كل وقت وحين، ذلك أن كل قصة تشكل مستوى من مستويات احتراق المرأة، تتمثل في معاناة المرأة وفي اختيار الزوج، ومن هجرة أولادها.. وكابوس الطلاق النفسي المتجسد أساسا في الروتين الزوجي. وتتضمن المجموعة القصصية مجموعة من القضايا كالإيمان والموت والفقدان والبطالة والهجرة والغربة والفراق. وتحمل المجموعة القصصية "ظلال وارفة" بطاقة سفر إلى مرافئ الروح عبر لغة صوفية تمتح معجمها من منبع الروح.

كما أغنت الخزانة الأدبية بعدة أعمال، قاربت موضوع الكتابات الإبداعية والنقدية في الرحلة والشعر، كلعبة اللانهاية و فصول من موعد الجمر، وسأسميك سنبلة، ايقاعات في قلب الزمن، و قضية المرأة.. رؤية تأصيلية.

من خلال هذا الرصد، يبدو أن سعاد الناصر أسهمت بقوة في تراكم الانتاج السردي للمرأة المغربية، منذ انخراطها في عالم الكتابة. فقد حسمت منذ ذلك الحين موقفها الثابت في تحديد شكل علاقة المرأة بالكتابة، وسط نقاشات تتواصل في اللقاءات والندوات المنظمة بفضاءات ثقافية وجامعية لا تنتهي حول كتابة المرأة وإبداعها، وتباين المواقف حولها بين رافض لهذه التعابير والمصطلحات ومقرة بأن الكتابة الأدبية واحدة.

والقول أن الخلاصات عديدة يستشفها أي قارئ لهذا الكتاب ومنها، أن الدكتورة الناصر حاولت من خلال مسيرتها الأدبية الطويلة على مستوى النقد والإبداع، أن تزيل ما يشوب مصطلح الإبداع النسائي من الغموض، معتمدة على كتابتها السردية المتنوعة في إطار معرفي وإبداعي. لإزالة الغموض الحاصل في أدب المرأة، وبهدف مقاربة الخطاب الابداعي والنقدي العربي والمنطلقات التي توجه تصوراته، وما مدى مشروعيتها وتماشيها مع نظرية الأدب بشكل عام. ومن ثم فهي تسهم من جانبها في إزالة هذا الغموض الذي وقفت عليه الناقدة المغربية زهور كرام في كتابها " السرد النسائي العربي مقاربة في المفهوم والخطاب "، الصادر دار نشر المدارس الدار البيضاء. حين أقرت بوجود غموض في مصطلح الإبداع النسائي.

يستنتج المتتبع للتراكم السردي الذي خلفته الدكتورة الناصر، أن منظور الكتابة السردية عندها، يتفق وما عبرت عنه "نظرية ديفز" حول السرد النسائي التي تقوم على المزج بين الذاتي والموضوعي في التعامل مع متخيّلة المرأة. فقد جعلت متخيلها السردي النسائي مسكونا بهاجس الذاتي، كسيرة ذاتية تستنطق كل ما يحيط بها ذاتا وموضوعا. لكنها في ذات السياق احتوت على جوهر قضايا الإنسان. بهدف مقاربة الخطاب الإبداعي والنقدي والمنطلقات التي توجه تصوراته، وما مدى مشروعيتها وتماشيها مع نظرية الأدب بشكل عام.

إن اعتماد سرد الكاتبة على التجربة الذاتية أو المسموعة حول المرأة كما يستنتج من بحوث هذا الكتاب، يعدُّ خاصية من خصائص السرد النسوي. إذ تعتمد في معظم منجز السرد النسائي مغربيا وعربيا، لاعتبارات عديدة منها تجربتها اللصيقة من الذات الساردة، وموضوعها الذي يسهل تذكره وسرده، والتعبير عن انشغالات وهموم حياتية مفصلة تبصم على خارطة الطريق التي تخدم الغرض السردي. فالسرد النسائي عند الناصر لا يقتصر في اطار التجربة الذاتية على ذات المرأة، بل يتعداه الى مستويات أشمل مع شريكها الرجل باعتباره جسداً وعلاقةً روحية ومادية، فهي تحرصَ على أن تعطي الرجل ما يستحقه من أهمية في البناء السردي.

وأخيرا يمكن القول أن الكتابة النسائية عموما والسرد النسائي خصوصا أصبح واقعا ملموسا ترسخ في الأدب المغربي بفضل مجهودات العديد من الكاتبات والمبدعات، وهذا الكتاب شهادة إقرار واعتراف بالحضور السردي النسائي من طرف عدد كبير من الباحثين والدارسين من المغرب وخارجه، رغم أن السرد عموما يبقى حديث الميلاد بالمغرب لم يتجاوز نصف قرن من الزمن. هذا الكتاب وهذا الحضور يدحض ما ذهب إليه الكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطو. حين قال أن السرد المغربي الحديث شبه منعدم بالرغم من كل المحاولات الإبداعية، بسبب دخول المغرب في مرحلة كونية الأدب، الذي أصبح له مرتكزات يشترك فيها العالم دون فئة معينة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى