الأربعاء ١٢ تموز (يوليو) ٢٠٠٦
بقلم محمد دلة

دوائر الليل

الليل يلغي كل أسفار المدائن في متاهات الدوار
ويبوح بالعشق المعبئ في جرار النحل
يغسل بالنجوم سقوف باريس الشهية كالمطر
 
الليل
يمطر وجه باريس المعرش غصن دالية بأحراش القبل
ويسر في القلب المحلق دفء خمرته
فتنتشر النجوم كروم نور
أسكرتها رهبة الأطفال
ينسابون بين أصابع الطرقات نهرا للأماني
الشوارع
رغبة في الرقص والتحليق
والشرفات
أكمام تطل على الأغاني
العاشقون كما السكارى
يصلبون الوقت في ساعاتهم
كي لا يفاجئهم بأشواك الوداع المر
تمثالا من الصخر المحنط عند باب الصحو
ينطلقون
ينطلقون
كالأنوار في أيدي الشجر
 
الليل
 
يسبقنا إلينا
يستحث خطاه أن تعوي وتنخرنا عظاما
صغرت معاركه
وجزنا لجتيه بخافق وجل
وذللنا الجساما
ظهرا يناسل في محارتنا عناكبه
ويسكن ماءنا
يحتل ندف القمح في شفة الصغار
يجز صوف الحكاية
ينثر الأشباح في دمنا
يغلَِق كوة الأنوار بالأحزان
يسرق ما تناثر من رذاذ العمر في حبق المخيم
يرتدي صمت الأخوة خوذة عرجاء تملؤنا ظلاما
 
للموت موعده الرتيب
على خطانا تنقب الأرواح
الطاعون والجندي والأسلاك
والصمت المعلب كالسجائر
يختفي قمر الحواس
وتشرق الأفراس من وجع الترقب صرخة بلهاء
تحملنا على عبث البحار
سؤال فجر لا يسام ولن يساما
 
تلقى مدافعهم قذيفتها
فلا تبقي
وقد تمضي إلى نجماتنا
فتلمها في حبل سجان بعيد عن موافينا
ونصحو خيمتين
ومن يعيد لخيمة العشاق وحدتها
ويمسح عن خدود الدار دمعتها
ويصفع غول جنزير الغزاة
 
ستأكل الصحراء أعشاب الجسد
ويجوع نبض الأرض للأطفال والشرفات
ينطلق الحمام
تدق أجراس الكنائس في محاولة لصهر الصمت شكلا للفرح
فتجيب أوجاع التوحد "لا أحد"
 
الآن
صوت أخوتنا الذين استشهدوا طلقا تماما
يستهزئون بسطوة الجلاد
يحترفون قهر الموت
ينتشرون في محل البلاد بيادرا وهوى حراما
 
وارى العواصم
نصف عارية تعد طقوس قتلي
طبل بعطر الهال اسمر
طافح بالرقص يبعث نرجس الشهوة
جمر كعين الصقر
تقذفه جهنم
في دوار الراقصين يدور حولي
وارى النساء تزف موتي للقبيلة
موعدا للخمر والقهوة
طلقات
لا أبكي
ولكني دموع أو دماء
يسيل قلبي حنطة أو نهر
تغمرني البلاد
يلعق المتوحشون مداد جرحي
ينتشون
يقهقهون كمقبرة
وأعض ترس الحقد
أبصق عارهم والرغبة المستهترة
 
الآن
صوت الراحلين إليك نعرفه تماما
الآن
صوت الخارجين عليك نعرفه تماما
وقلوبهم هتفت معك
وسيوفهم جزت مداك وأضلعك
وصلت مراثيهم
وما وصل الحسام
فكم نميري ستسقى من دمك
حتى نعلق في شواهدك الغماما
 
والآن
غزة في هواجسك الطليقة
هيأت وجع الظهيرة غرزة في كفيك
وانتشلت حنينك من بوارجهم وأهدتك اللثاما
هذا مقامك في الحصار يطيب
للأمم التي وأدت بصفين الذبيحة
راية الشهداء وانفجرت قتاما
 
غرناطة الحزن المعلق في قناديل المآذن
صدقت مسراك من عدن إلى حجر بلا أسماء
يعصف بالسموم
وأنت تمطره خزامى
غرناطة الوشم المحنط في دفاترهم
قديما أو حديثا
لا تؤجر جرحها للباعة المتجولين
أو للساسة المتسولين
حربا أو سلاما
أتنام في سرر الغزاة
تظن جلجلتي هياما
يا قوس جرحى
ما كل قرآن تعليه البيارق يحفظ التنزيل
ما كل البيارق
خطوة تمشي أماما
 
الليل
يأتي قبل موعده
ونوقظ نرجس الشهداء فجرا مستهاما
ونؤوب للأكوان
ينطلق الحمام
تدق أجراس الكنائس
تسرج الأحزان
نلمح بيت ساحور الصبية
تغزل القمر البهي بمنجل الأشواق
يغمرها اختيالا وابتساما
تمضي إلى حقل الرعاة تظل مريم
إنهم شحذوا عواصمهم لصلب وليدها
قمرا أتم فصوله
صلبوه كم صلبوه
كي ينسى فأعلن في مواسمنا القياما
وهناك تتبعه الأيائل صهوة للحلم
تهمسه نبيا أو غراما
تتردد الوديان في جريانها
لكنها أبدا تسير لبحرها قما وتسبقنا إماما

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى