في داعِجاتِ اللَّياليْ اسْتَرْوَحَ العُمُرُ |
وَجْهَ المَعانيْ فَغَامَ السَّمْعُ والبَصَرُ |
يَرُبُّنِيْ في ابْتِداءاتِ الرُّؤى وَجَـلٌ |
ويَزْدَهِيْنِيَ في أُمِّ الدُّجَى سَــمَرُ |
يُعِيْدُنِـيْ في دَمِ الأَيـَّامِ آوِنَـةً |
ويَنْتَضِيْنِيْ أَوانًا حِيْـنَ يَنْهَـمِرُ |
يَشُدُّ فِيَّ جَبِيْنَ الوقْتِ ، مِنْ يَـدِهِ |
أَعُبُّ مـاءَ القَوافي ما بِهِ كَـدَرُ |
أَسْرَتْ خُطَاهُ بِطَرْفِيْ والدُّنَى لُجَجٌ |
حَتَّى تَبَلَّجَ دَرْبِيْ والخُطَى شَـرَرُ |
ما كانَ مِنْهُ ومِنِّي غَيْر ُ رَاحِلَـةٍ |
مِنَ الخَيَـالِ تخـبُّ ثُمَّ تَنْكَـدِرُ |
مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ، وفي صوتي انْحَنَتْ شَعَفٌ |
مِنَ الجِبـَالِ تَحُثُّ الشـَّوْقَ : ما الخَبَرُ؟! |
ماذا هُنَاكَ ، لماذا الشَّمْسُ في خَفَرٍ |
تُغَفْغِفُ اليومَ كالعذراءِ تَنْكَسِـرُ؟ |
وكانتِ الأَمْسَ نِيْـرانًا وغاشِـيَةً |
كمْ أَمْطَرَتْكَ رُعافَ الجَمْرِ يَنْثَجِرُ! |
ولِمْ أَرَى، عَجَبًا، فيكَ الضُّحـَى ولَهُ |
مباسمٌ تَهَبُ التُّفـَّاحَ .. تَعْتَصِرُ؟ |
إِنِّي عَرَفْتُكَ لا تَلـْوِيْ على فَرَحٍ |
إِلاَّ يُنَغِّصُهُ في وَجْهِـكَ الكـَدَرُ |
إِنِّي عَرَفْتُكَ جَوَّابَ الفَضَاءِ على |
ساقَيْنِ مِنْ تَعَبٍ أَزْرَى بها السَّفَرُ |
إِنِّي عَرَفْتُكَ قَبْـلَ اليَوْمِ تَعْرِفـُنِي |
فَتَنْثَنِي خَجَلاً أَنْ مَسَّـكَ الضَّرَرُ |
وتَبْتَغِيْ جَاهِدًا في السُّوْقِ مُدَّخَلاً |
أَنْ لا تراكَ عُيُونُ السُّوقِ يا جُبَرُ |
ما هذه النِّقْلَةُ النَّوْعِيَّةُ التَحَفَتْ |
في شَمْلتَيْـكَ ففيكَ البَدْوُ والحَضَرُ؟ |
يا أيُّها الشَّبَحُ الذِّكْرَى أَمَا خَبَـرُ |
عمّا بَراكَ جديـداً حينَ تُدَّكَـرُ؟ |
قُلْ غَنِّ إِنِّي وَهَبْتُ السَّمْعَ ضَوْءَ دَمِيْ، |
مَنْ ذا يَـلُمُّ سـرابَ القَـفْرِ أَوْ يَذَرُ! |
قُلْ: أين ثَوْبٌ على المَتْنَيْنِ مُهْتَرِئٌ |
تَخِيْطُهُ مِنْ لَيَـالِيْ قَهْرِكَ الإِبـَرُ؟ |
قُلْ: أين ظِلْعَانِ، كانا شُهْرَتَيْكَ،وما |
بَيْنَهُمَا جُرُفٌ ، إِنْ تُبْتَغَى الشُّهَـرُ؟ |
ماذا فَعَلْتَ بِباقِيْ الحَبِّ يَوْمَ غَزَا |
دَبَا الجَرَادِ وما في الجُرْنِ مُدَّخـَرُ؟ |
كيف اسْتَطَعْتَ حياةً والمَدَى كَفَنٌ |
كيف اسْتَعَادَتْ بَيَاضَ الدِّرَّةِ الدِّرَرُ؟ |
هل ما تَزَالُ بِحَبَّاتِ الفَـنَا أُمَـمٌ |
هنا تَمُوتُ لِتَشـْقَى بَعْدَها أُخَـرُ؟ |
مَنْ غَيَّرَ الحَالَ حَالاً طَلْعُها أَلَـقٌ |
عِنْدَ اللِّقَاءِ فَتُطْرَى الحَالُ والغِـيَرُ؟ |
قال: اتَّئِدْ!، فَلِسَانِيْ طائِرٌ حَصِرَتْ |
دُوْنَ الذُّرَى جَانِحَاهُ والذُّرَى سِيَرُ |
ماذا أَقُولُ، وإِذْ مِثْلُ اسْمِهِ جَبَـلِيْ |
فَيْـفَاءَ لا مَطَرٌ تُرْجَى ولا ثَمـَرُ |
وإِذْ أَفاوِيْقُ ما يَجْنِيْـهِ قاطِنـُهُ |
فِيْهِ المَجَاعَاتُ والأَمْراضُ والخَطَرُ |
والمَوْتُ يَمْلأُ شِـدْقَيْهِ وقَبْضَتَـهُ |
يَمْشِيْ الهُوَيْـنَى وبالأشْلاءِ يَأْتَزِرُ! |
يُعَابِثُ المَرْأَةَ الحُبْلَى يَقُوْلُ لَهَا: |
المَوْتُ طِفْلِيْ ومَهْدُ الطِّفْلِ مُحْـتَفَرُ! |
ويَلْكُـزُ الكَهْـلَ في أَوْدَاجِهِ جَنَفًا: |
كَمْ ذا يُعَاشُ! وكَمْ ذا يُشْتَكَى الكِبَرُ! |
لَيْتَ الأُلَـى أَكَلَ المَوْتُ الزُّؤَامُ قَضَوا |
يَوْمَيْ حَيَـاةٍ ، تُرَوَّى الأَعْظُمُ النُّخُـرُ! |
كَيْمَا يَرَوا غَرْسَهُمْ، أَحْـفَادَ ما سَغِبُوا، |
ماتُوا انْتِظَارًا عسى أنْ يُوْرِقَ الشَّجَرُ |
تاللهِ ما جِئْتُ مَدَّاحًا، ولستُ أَنا |
مَنْ يُحْسِنُ المَدْحَ إِمَّا المَدْحُ يُنْتَقَرُ |
يا صاحِ، إنَّ اللَّيالي أَعْقَبَتْ قَـمَراً |
يَضُـمُّ كـُلَّ جِبـَالِيْ ذلكَ القَمَرُ |
يَلُمُّ فيها شَـتِيْتَ المَهْدِ يُرْضِعُها |
حَلِيْبَـهُ فَيَـرِفُّ الغُصْنُ والحَجَرُ! |
إِنْ جِئْتَ تَسْأَلُ عَنْ حَالِـيْ وكَيْفَ غَـدَا |
فَلْتُسْـأَلِ الأرضُ والأنسـامُ والزَّهَـرُ |
يَوْمَ الْتَقَى سَحَرُ التَّارِيْخِ مِلْءَ يَدِيْ |
صَفْوَ السُّيُوفِ، ألا يا نِعْمَ ذا السَّحَرُ! |
يَوْمَ اسْتَفَاقَ بِأَعْرافِ الخُيُولِ ضُحًى |
نَخْلُ السِّـنِيْنِ الذي قد كادَ يَنْدَثِرُ |
حَتَّى تَبَجَّسَ قَلْبُ الصَّخْرِ مُنْتَفِضًا |
طَـيْراً مِنَ المـاءِ يُرْوِيْنـَا ويَعْتَذِرُ |
وسابقتْ مَوْجَةٌ تَحْتَثُّ جارتَهـا |
تَسَـامَقَتْ صُوُراً تَشْـتَقُّها صُوَرُ |
ذُؤَابَةُ المَجْدِ واختالَ النُّواسُ بِها |
نَشْوَى الفَخَارِ وأَنْفُ الذُّلِّ مُنْعَفِرُ! |
تَهُزُّ في مُهْجَةِ الصَّحْراءِ عَوْسَجَةَ(م) |
الزَّمَانِ ، ما غُرَرٌ جاشَتْ بها غُرَرُ! |
وَتَفْغَمُ الجَوَّ في كُلِّ القُرَى عَبَـقًا |
أَرْدَانُهُ العِـزُّ والتَّمْكِيْنُ والظَّـفَرُ |
كَأَنَّما قد وَعَتْ كُلُّ الجَزِيْرَةِ أَنْ |
قَدْ احْتَوَتْ قَدَرًا أَحْشَاؤُها الصُّـبُرُ |
كَأَنَّما هِيَ زَرْقَاءُ اجْتَلَتْ غَدَهَا، |
وذِمَّةُ المُسْتَحِيْلِ البَيْـرَقُ الخَضِرُ! |
عبدُ العَزِيْزِ لَهُ في دِيْنِ كُلِّ فَتًى |
دَيْنٌ فَتًى أَبَدًا ما إِنْ لَهُ عُـمُرُ |
مَنْ وَحَّـدَ الأَرْضَ، أَرْضَ اللهِ، في جَسَـدٍ |
المَسْـجِـدانِ بِهِ العَيْنَـانِ والحَـوَرُ |
ومَنْ أَحاطَ رِقَابَ الجِيْـلِ مَأْثُـرَةً |
مِنْ بَعْدِهِ الجِيْـلُ يَتْـلُوْها ويَأْتَثِرُ |
مَنْ قَبْـلَهُ لَمَّ هذا الشَّعْثَ في رِئَةٍ |
أَنْفاسُها الشِّـيْحُ والكَاذِيُّ والمَطَرُ! |
ومَنْ تُرَاهُ ابْتَنَى للعُرْبِ مَمْلَكَةً |
في شَكْلِ قَلْبٍ بِنَبْضِ القَلْبِ يَعْتَمِرُ! |
هَبَّتْ صَبًا حَمَلَتْ وَطْفَاءَ ما هَدَأَتْ |
حَتَّى تَغَشَّتْ بِلادي وَهْيَ تَنْهَمِـرُ |
فَغَيَّرَ اللهُ حَالِيْ نَضْرَةً ورِضًى |
وسَنْبَلَ الحَقْلَ صَخْرٌ يانِـعٌ نَضِرُ |
يا صفحةً مِنْ دَمِ التَّاريخِ قَدْ طُوِيَتْ |
لا حُزْنَ، هذا كتابٌ كُلُّهُ عِبَرُ! |
ما ماتَ مَيْتُ الوَرَى فِيْنَا وثَمَّ لَهُ |
هذا التُّراثُ وهذا الفَرْعُ والثَّمَرُ! |
تَبْقَى النَّخِيْلُ شُمُوْخًا، كُلَّما سَقَطَتْ |
أعذاقُها أَيْنَعَتْ مِنْ أَصْلِها أُخَرُ! |
إِنِّي اسْتَفَقْتُ وفي كَفَّيَّ مَدْرَسَـةٌ |
مَبْنِيَّـةٌ بِعُيُـونِ النُّـوْرِ تَنْتَظِرُ |
إِنِّي اسْتَفَقْتُ وما أَلْقَى أَخِيْ وأَخِيْ |
خَصْمَيْنِ في رَحِمٍ .. واللَّيْلُ مُعْتَكِرُ |
إِنِّي رَأَيْتُ سَبِيْـلِيْ لاحِبًا أَمَـمًا |
مُعَبَّـدَ الخَطْوِ لا تَنْبُوْ بِهِ العثَرُ |
وقَدْ تَسَدَّتْ جِبالِيْ الشُّـمَّ فارِعَـةٌ |
مِنْ دَوْحَةِ النُّوْرِ أَفْنَانِيْ بهَا زُهُرُ |
والدَّرْبُ أَعْمَى تَجَلَّى ناظِراهُ كما |
جَلَّتْ مَحَاجِرَها بالأَنْجُمِ الدُّجُـرُ |
فَشَعَّ عَهْـدٌ وَلِيْـــدٌ عـاصِفٌ عَـرِمٌ |
أرساهُ مَنْ سَافَرَتْ في كَفِّهِ العُصُرُ |
كالفجرِ ليليْ، وعَبْدُ اللهِ مشعلُهُ، |
رَبُّ الحِوَارِ، ورَبُّ البِرِّ يَنْهَصِرُ |
في كَفِّهِ صِنْوُهُ، سَيْفُ السُّيُوْفِ، إذا |
سُلْطانُ زَمْجَرَ هَبُّ الجَيْشُ والنُّذُرُ |
ونايفٌ نافَ في كلّ الذُّرى عَلَمًا |
أزرَى بتخطيطِ من خانوا ومن غَدَرُوا |
فَجْرٌ جَدِيْـدٌ مُرِبٌّ كُلُّـهُ لُغَةٌ |
مِنَ التَّفَوُّقِ والإِقْـدَامِ تَنْصَهـِرُ |
يَرْنُـوْ إِلى أَسْطُرٍ أُخْرَى تُزَوْبِعُها |
حُرِّيَّـةٌ سَـنَّها الإِسـلامُ والنَّظَرُ |
تَرْمِيْ فِجَاجَ الرُّؤَى عَنْ كُلِّ قافِيَـةٍ |
فَيَسْـتَهِلُّ قَصِيْـدٌ ثـائِرٌ خَطِرُ! |
فَقُلْتُ، إِذْ قَالَ، وارْتَفَّتْ على شَفَتِيْ |
فَراشَةُ الشِّعْرِ، واسْتَشْرى بِها الوَتَرُ: |
إِنَّ المَسَــافَةَ عَجْزٌ حِيْنَ تَذْرَعُها |
وهِمَّـةُ الحُلْمِ تُدْنِيْـهَا وتَخْتَصِرُ! |