الثلاثاء ٥ آب (أغسطس) ٢٠٠٨
رسائل تتحدى النار والحصار
بقلم زكية علال

رسائل تتحدى النار والحصار

منذ العام الأول من زواجنا كنت ألاحظ ابتسامتك التي تأتي كمواسم وأعياد متباعدة.. وحزنك المقيم الذي يسبقك إليّ ليعلن عن قدومك..

سألتك مرات عديدة عن سبب ذلك، وكنت تجيبني عند كل حيرة بحكمةٍ لمْ أكن أدركها:

ـ عندما نستعذب الذل ونستسيغه يصبح الفرح عابرا والحزن مقيما..وحين يصير تفكيرنا مرتبطا بالرغيف قبل الشرف تعتذر الإبتسامة من عيد لآخر ويرقص اليأس على ملامحنا الشاحبة..

كنتُ أصمت متظاهرة بالفهم.. لكن الأسئلة تظل تطل من ستائر صمتي..
اليوم..

وبعد عشري نكبة من الغياب أفهم حكمتك..

أفهم..

أنّ أقسى من الألم أن تتعوّد عليه..

وأوجع من الوجع أن يندس بين ملحك فيصبح من عناصر طعامك..

وأبشع من الخيانة أن تمارسها وأنت تعتقد فيها بعضا من الوفاء..

...............

منذ السنوات الأولى لرحيلك ووحدتي لم أجد ما أدفع به يأسي سوى رسائل أكتبها لك..

رسائل أزرع فيها أوجاعي وأحصد عند نهاية كل موسم خيبتي داخل خرائط عربية متهاوية..

كنت على يقين أنها لن تصلك لأني لا أعرف لك أرضا ولا سماء..

وكنت سأتوقف عند الرسالة العاشرة..

لكن وجوه أحبتي كانت تدفعني للاستمرار..

في كل قطر عربي وجه يغريني بالكتابة ويساعدني على أن أجعلها تتحدى النار والحصار..

وفي كل شبر منه قلب يحتويني بكل تفاصيلي الموجعة..

عندما يقرأ رسائلي مغربي.. أقول: هذا فيه بعض ملامح عبد الله!!

وعندما تسقط بين حضن تونسي أقول: هذا الرجل فيه قبس من نور عبد الله..

وعندما تمر على قلب مصري أهمس في سري: يا ألله كم فيه من دفء عبد الله وكم أجد على راحة قلبه كثيرا من الأمان!!

وعندما يندس بين حروفها جزائري أصرخ كطفلة صغيرة: يا إلهي.. كم في صدره من ثورة تشبه التي كنت أحسها في صدر عبد الله وأنا أحتمي به بعد كل غارة وخيانة!!

وحين تقع في قلب أردني أبتسم وأنا أرى في تعاطفه بعضا مني وكثيرا منك..
لكن... وحين يتوسد رجل من فلسطين حرارة رسائلي أتنفس الصعداء وأنا أرى فيه ملامح غزة التي رحلتْ معك...

رغم الوجع.. كنت أحس بفرح خفي وهذى القلوب تتجدد مع حرقة حروفي..
هؤلاء أحبتي الذين تعاطفوا مع قضيتي.. وهذي وجوههم التي أحب..

في بعض تعاطفهم وفاء..

وفي بعضه أمان..

وفي بعضه المتبقي أمل في غد تكون شمسه لي ولغزة..

لكنهم تعوّدوا على وجعي..

واستكانوا لكل عناوين رسائلي..

وفي تعودهم خيانة!!

وفي فتور تعاطفهم معي ومع حصار غزة انتحار لرسائلي الآتية..

الآن..

وأنا أفارق وجوه أحبتي في آخر رسالة.. يتقهقر بي الزمن أكثر من عشرين سنة..

حين تقرر فراقنا.. كنت أنا مفرغة من تاريخي وجغرافيتي.. وكنت أنت ممتلئا بالشوق إلى نصر في صفحات الغيب!!

وقفتُ أمام امتلائك خائفة..

ووقفت أمام انكساري مضطربا..

ومن ارتعاش خوفي نسيت أن أخبرك أني أحمل في أحشائي جنينا لا يشبه كل الأجنة...

آه..يا عبد الله

وأنا أفارق وجوه أحبتي أحس وكأني أجدد حرقة فراقي لك..

لكن هذه المرة أفارقكم جميعا ببطن فارغة وقلب ممتلئ بكل خراب العرب!!

وهذي القلوب التي أحب تتعوّد على وجعي.. أحس بالخيانة..

فالتعود على الألم خيانة للجرح!!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى