

رواية «حسناء فارس» في ندوة اليوم السابع

ناقشت ندوة اليوم السّابع المقدسيّة الثّقافيّة الأسبوعيّة الدّوريّة رواية الفتيات والفتيان "حسناء فارس" للأديبة روز اليوسف شعبان. صدرت الرّواية عام ٢٠٢٤ عن منشورات (دار الهدى - عبد زحالقة) وتقع في 78 صفحة من الورق الصقيل، وبغلاف مقوى ورسومات لا تنقصها الجودة للفنانة مريم الرفاعي، وتنسيق آلاء مارتيني.
افتتحت الأمسية مديرة النّدوة ديمة جمعة السّمان فقالت:
الرواية التي بين أيدينا تسلط الضوء على علاقة مميزة تجمع بين الإنسان والحيوان. تجمع الرواية بين عناصر المغامرة، والإصرار، والحب العميق الذي يتجاوز المألوف، ليجسّد معاني الوفاء والارتباط العاطفي بين فارس وفرسه حسناء.
هذه العلاقة ليست مجرد علاقة بين مالك وحيوانه، بل علاقة تكشف عن قيم سامية، كالمسؤولية، والشّجاعة، والإصرار على استعادة الحق مهما بلغت التحديات.
قوّة السرد والبناء الدرامي:
اعتمدت الرواية على سرد خطّي تقليدي يركز على الأحداث وتصاعدها بشكل واضح.
في بداية الرواية، قدمت لنا الكاتبة فارس كفتى يعشق الخيل، وهي بداية تستقطب الفتيات والفتيان على حدّ سواء، إذ تجعلهم يتعلقون بشخصية فارس، التي تمثل طموحاتِهم وشغفَهم الشخصي.
تطور الأحداث من شراء الفرس، إلى تدريبها والفوز في السباقات، ثم إلى محاولة سرقتها، يُظهر تصاعدًا دراميًا جذابًا يثير فضول القارئ ويجذبه لمتابعة الرّواية حتى نهايتها.
الشّخصيات ورمزيتها:
· فارس: يمثل الشغف والإصرار والطموح.
اختياره كفتى في عمر المراهقة يجعل القارئ الشاب يتماهى مع أحلامه وتحدياته.
· حسناء: ليست مجرد فرس، بل رمز للوفاء والحرية والقوة.
إذ أنّ حسناء ليست شخصية ثانوية، بل رفيقة درب لفارس، تفهمه وتشاركه المغامرات.
· الشخصيات الثانوية مثل اللصوص والتاجر البريطاني: على الرغم من أنها لم تحظَ بالكثير من العمق، إلا أنها كانت ضرورية لدفع الحبكة وإبراز التّحديات.
الثيمات الرئيسة في الرواية:
الرواية تتمحور حول عدة ثيمات، أهمها:
· الشغف والمسؤولية: يظهر فارس كشخص قادر على تحمل المسؤولية، وهذا يعزّز لدى القارئ الشّاب أهمية الالتزام بما يحب.
· القيم الإنسانية: مثل الوفاء بين الإنسان والحيوان، والعدالة في استعادة الحق.
· الإصرار على الحلم: يظهر ذلك في قرار فارس استكمال دراسته في لندن فقط لاستعادة فرسه.
· اللغة والأسلوب: تميزت الرواية بلغة بسيطة وسلسة تناسب الفئة العمرية المستهدفة، مع لمسات وصفية جميلة خاصة في مشاهد اللقاء بين فارس وحسناء.
استوقفتني بعض المواقف والمشاهد التي تحمل في طياتها معانٍ ورسائل ضمنيّة ومدلولات خفية وعميقة:
• مشهد المحاولة الأولى الفاشلة لسرقة حسناء: يعبر عن أن الطموح المدعوم بالعزيمة والشجاعة قادر على مواجهة أي عقبة.
· سرقة حسناء لاحقا: يشير إلى أنه حتى الأحلام قد تُسلب أحيانًا، لكن المثابرة تعيدها.
· السباقات كرمز للتحدي والانتصار، ومشاركة حسناء في السباقات، وتحقيقها المراكز الأولى، ترمز إلى رحلة تحقيق الأحلام التي تحتاج تدريبًا، التزامًا، وإصرارًا.
· السباقات تُبرز كذلك جانب التنافس الشريف كقيمة مجتمعية.
· اللصوص ليسوا مجرد شخصيات شريرة، بل يمثلون في القصة العقبات الخارجية أو الأشخاص الذين يحاولون استغلال الأحلام أو تحطيمها.
·السفر إلى لندن: قرار فارس بالسفر يعكس معاني التضحية والتكيف مع تغييرات الحياة الكبرى من أجل هدف سامٍ. لندن هنا رمز لعالم جديد يحمل تحديات وفرصًا مختلفة.
· فارس، على الرغم من عمره الصغير (14 عاما)، يظهر مستوى عاليا من المسؤولية والالتزام تجاه حسناء. هذا يوجه رسالة للمراهقين حول أهمية تحمل المسؤولية في سن مبكرة.
· القصة لم تُظهر دور الوالدين بعمق، لكنها أشارت إلى دعمهما المادي والمعنوي لفارس، وهذا يعكس أهمية الأسرة في دعم الشغف وتطوير المواهب.
القيم الأخلاقية: كان هناك العديد من القيم، منها:
· الوفاء: يظهر في علاقة فارس بحسناء وكيفية رفضه التخلي عنها رغم الإغراءات المالية.
• الإصرار على تحقيق العدالة: لم يقبل فارس الاستسلام للظلم وسعى لاسترجاع حقه، وهي رسالة مفادها أن الأحلام تحتاج إلى تضحية، فلم يكتف فارس بالحزن على فقدان حسناء، بل حوّل ألمه إلى طاقة إيجابية قادته إلى النجاح الأكاديمي، والانتقال إلى لندن، وتحقيق هدفه باستعادة فرسه.
· العلاقات الإنسانية عبر الحدود: التعارف مع زميلته لارا، ابنة الرّجل البريطاني الذي اشترى حسناء، يعكس قدرة الإنسان على بناء جسور تواصل مع ثقافات وشعوب مختلفة، مما يعزز قيمة الحوار والتّفاهم العالمي.
· أهميّة التّمسك بالمبادئ: القصّة تعلم القارئ الشاب أن المال ليس كل شيء، وأن الوفاء والحبّ والشّغف يجب أن تبقى فوق كل الاعتبارات المادية.
وأجمل ما في الرواية هي النهاية المفتوحة التي اختارتها الكاتبة، فهي تسمح للقارئ بتخيل مستقبل فارس وحسناء.
هل سيعود فارس مع حسناء إلى وطنه؟ أم أن حياته ستتغير كليًا في لندن؟ كيف ستؤثر علاقته بابنة الرجل البريطاني في مستقبله؟ هل سينطلق فارس في مغامرات جديدة مع حسناء؟
هذه النهاية تشجع على التفكير النقدي والتفاعل مع النص، وهو ما يجعل الرّواية أكثر جذبًا للمراهقين الذين يبحثون عن قصص تلهمهم دون أن تقيد خيالهم.
في الختام، لا شكّ أنّ رواية “فارس وحسناء” تحمل رسالة قوية للشباب عن أهمية التمسك بأحلامهم ومواجهة التّحديات بشجاعة.
رواية تستحقّ الإشادة كعمل يلهم القرّاء الشباب ويشجعهم على تقدير بعض القيم مثل الوفاء، والإصرار، والمسؤوليّة.
وقال محمود شقير:
1
في 78 صفحة من الورق الصقيل، وبغلاف مقوى ورسومات لا تنقصها الجودة للفنانة مريم الرفاعي، وتنسيق آلاء مارتيني، وفيها تتبدّى خبرة الكتابة ويتبدّى الجهد الذي بذلته الدكتورة روز في كتابة روايتها المكرّسة للفتيات والفتيان، بحيث أخضعت تفاصيل الرواية وأحداثها لهندسة دقيقة متقنة، بحيث يفضي بعض هذه التفاصيل إلى بعض محقّقة بذلك عبر اللغة السهلة الجميلة متعة القراءة، وتشويقًا لا بدّ منه للإبداع الروائي عمومًا، وللروايات والقصص المكرسة للأطفال وللفتيات والفتيان على وجه الخصوص.
ومن يدقّق في الإهداء الذي تصدَّر صفحات الرواية الذي خصّت به الكاتبة ابنها حسام الذي جعلها تعشق الخيل مثله، يدرك أنها تكتب روايتها هذه عن معرفة بالخيل وخبرة في التعاطي معها.
2
منذ البداية، يجد القارئ نفسه أمام أب وأمّ يدركان كيف يمكن التعامل مع طفلهما فارس الذي رغب في اقتناء مهرة في سنّ مبكرة لا تؤهّله للتعاطي مع الخيل، لكنهما أقنعاه بالدخول في دورة لركوب الخيل.
ولم يطل الوقت حتى أصبح في وسع فارس أن يقتني مهرة بمباركة من أمّه وأبيه، يذهبان إلى معرض الخيول القريب من بلدتهما ترمسعيا، وتقع عينا فارس على مهرة أصيلة داكنة اللون، نتعرّف على تاريخها وعلى كل ما يتعلّق بها من سائس الخيول سعيد، بحيث ازداد فارس تعلّقًا بها بسبب فرادة صفاتها ومزاياها.
هكذا أصبحت لفارس مهرة قوية رشيقة أحبّها فارس كثيرًا، وازداد حبّه لها حين أنقذته من ثلاثة لصوص استدرجوه لكي يستولوا على المهرة، لكنها حين أدرك فارس أنه ومهرته عرضة للخطر انطلقت تعدو بقوة وثبات منقذة فارسها ومنقذة نفسها من خطر مؤكد.
3
وعبْرَ إثارة فضول القراء لمتابعة تفاصيل الرواية تتعدّد المآزق التي تدخل فيها مهرة فارس ثم تنجو من كل خطر بفضل قوّتها وبراعتها، ويكرّسها فارس عبر إعدادها من أجل الدخول في مسابقات للخيول في ميادين السباق المحلية والدولية، ولا تنسى الكاتبة أثناء الوصف المسهب لانهماك فارس في حبّ مهرته وفي دوام التحدّث عنها والافتخار بحبه لها، أن تشير إلى لحظة تربوية بالقول: "الجميل في هذا الحبّ، أنه لم يُعقه عن الاهتمام بدراسته، فبقي طالبًا متميزًا"ص14.
ومع تكاثر المآزق التي تعرضها الكاتبة ببراعة وانسجام، تتصاعد الدراما في النصّ حدّ الوصول إلى سرقة المهرة وافتقادها لفترة من الوقت، ثم شاءت الصدف أن يشاهد فارس مهرته وهي تشارك في سباق دوليّ للخيول، فيقرّر الذهاب إلى لندن لتلقّي العلم في الجامعة وللبحث عن مهرته في محاولة لاسترجاعها.
4
وآنذاك، يكون فارس قد أصبح شابّا لديه خبرة في الحياة، بحيث يتعرف إلى أناس جدد يقدمون له خدمات تدلّل على مشاعرهم النبيلة، وتتعدّد المصادفات التي يتقبّلها القارئ لأنها تشبع فضوله لعلّ المهرة المسروقة تعود إلى صاحبها.
المصادفة الاكثر لفتًا للانتباه تحدث حين يتعرّف فارس إلى طالبة جميلة في الجامعة التي يتلقّى العلم فيها اسمها لارا.
تتوالى المصادفات المثيرة لنكتشف أن والد لارا هو الذي اشترى مهرة فارس من سارقيها، تأخذه لارا في سيارتها إلى مزرعة أبيها حيث توجد المهرة حسناء، ويكون فارس قد وقع في حبّ الحسناء لارا، بحيث يمكن الاستنتاج أن فارس قد حاز على حسناء بشرية في مقابل حسنائه الفرس، وفي هذه الحالة فإنه لم يخسر بتاتًا.
5
بقيت ملاحظة، وهي أنه لا يمكن التعاطي مع اسم ترمسعيا من دون أن يخطر بالبال بأن هذه البلدة واقعة تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي، كذلك لا يمكن التعاطي مع اسم لندن من دون أن يخطر بالبال أنها لم تكتف بالحصول على مهرة مسروقة، بل هي قدّمت العون والمساعدة لمن سرقوا بلادًا بأكملها.
كنت أتمنى لو أن الدكتورة روز اليوسف شعبان أشارت إلى ذلك عبر سياق السرد بجملة هنا وأخرى هناك، أو لو أنها اختارت أسماء رمزية غير واقعية لروايتها الجميلة هذه.
وقال جميل السلحوت:
عندما قرأت رواية الأديبة د. روز اليوسف شعبان" حسناء فارس" الموجّهة للفتيات والفتيان، عادت بي الذّاكرة إلى أهميّة الخيل والفروسيّة في تراثنا الدّينيّ والثّقافيّ، فقد جاء في "سورة العاديات" في القرآن الكريم:" وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا، فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا". وهنا " يقسم الله- سبحانه وتعالى- بالعاديات، وهي الخيل التي تعدو بركابها عند الحاجة، ومعنى "ضَبْحًا" أي: ارتفعت أصواتها عندما تعدو،" فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا" أي: أنها تقدح بحوافرها الحجارة عندما تغير،" فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا" هي الخيل أيضًا، وكلّ هذا أوصاف للخيل وحالاتها عند الغارة.
وقد وردت الخيل في الحديث النّبويّ الشّريف:" الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ: الأَجْرُ وَالمَغْنَمُ".
ووردت الخيل كثيرا في الشّعر العربيّ ومنها قول المتنبّي:
الخيل والّليل والبيداء تعرفني.....والسّيف والرّمح والقرطاس والقلم
ولن نطيل هنا في الحديث عن الخيول في ثقافتنا العربيّة، فهذا يحتاج أبحاثا ودراسات طويلة.
وعند الحديث عن الخيول في الرّواية العربيّة المعاصرة، فإنّه لا يمكن القفز عن رواية" زمن الخيول البيضاء" للأديب الكبير ابراهيم نصرالله.
ما علينا، فرواية الأديبة الفلسطينيّة د. روز اليوسف شعبان ابنة بلدة طرعان الجليليّة، "حسناء فارس-للفتيات والفتيان"، فإنّ هذا يقودنا إلى بدهيّة معروفة وهي ضرورة معرفة القارئ شيئا عن حياة الكاتب، فالكاتب يكتب شيئا عن ذاته دون أن يقصد ذلك، لكنّ أديبتنا د. روز هنا يبدو أنّها تعمّدت الكتابة عن شيء عاشته وعايشته، فقد علمت من مصادر موثوقة أنّها تمارس هي وزوجها وأبناؤها رياضة ركوب الخيل، بل إنّ ابنها حسام يحترف الفروسيّة ويشارك في سباقات الخيول، وأعتقد أنّه لولا هذه المعايشة لما استطاعت الكاتبة أو بالأحرى لما ورد في خاطرها أن تكتب عن الخيل والفروسيّة.
الأسلوب والّلغة: استعملت الكاتبة أسلوب السّرد الانسيابيّ، الّذي يطغى عليه عنصر التّشويق، وقد تركت شخوص روايتها يتحرّكون بحرّيتهم، وكانت تنتقل بسهولة عذبة من حدث لآخر بلغتها الفصحى الجميلة.
وقالت هدى عثمان أبو غوش:
رواية لليافعين،تستحضر الخيل العربي وعلاقته المتينة مع اليافع فارس، وتمرّر رسالة بأن اليافعين يستطيعون الدّمج بين التكنولوجيا وعراقة الماضي المتمثلة بالخيل وأهميته عند العرب.
ففي الرّواية يمارس فارس هواية ركوب الخيل،يهتم بخيله حسناء، ويبحث من خلال الذكاء الاصطناعي معلومات عن الخيل العربي.هذا الدمج هو جانب إيجابي لصالح الرّواية.
راق لي اختيار الأسماء في عنوان الرّواية مثل :
حسناء، فارس، فحسناء تحمل الصفات الجميلة وفارس يحمل أيضا صفة الإنسان الفارس المحارب راكب الجواد الشّهم، وإن العنوان حسناء فارس يوحي بجميلة لفارس، تبدو هناك علاقة عاطفية في الرّواية،ونكتشف من خلال الرّواية علاقة فارس وحبه وتعلّقه بخيله حسناء.
النهايه المفتوحة-
ما يلفت القارىء في هذه الرّواية،هو النهاية المفتوحة، حيث توقفت الكاتبة عن مشاركة القارىء في نهاية الحدث، وجعلت النهاية مفتوحة أمام القارىء؛ يتساءل هل سيسترجع فارس خيله من والد صديقته أم سيظل الخيل بصحبة والدها ؟ تلك الأسئلة متاحة للقارىء؛ ليتخيل النهاية وربما أيضا لكتابة الجزء الثاني من الرّواية،ومن ناحية أخرى قد تكون النهاية محبطة للبعض، بسبب شغف معرفة النهاية.من سيفوز بحسناء؟.
أسلوب الكاتبة: جاءالسرد بلغة فصحى إنسيابية وجميلة،أحسنت الوصف ،واستخدمت الحوار الخارجي والداخلي(المونولوج) من خلال شخصية فارس.
مررت معلومات عامّة من خلال الذكاء الاصطناعي، عن الخيل العربي،حيث أثرت القارىء بمدى جمال الخيل وأهميته.
استخدمت الأسلوب الرومانسي العاطفي من خلال عدّة جمل وعبارات.
علاقة فارس بخيله.
"التقت عينيه بعينيها".
"سأعاملها بلطف ومحبة يا سعيد".
"قبّلها بين عينيها، داعب خصلات ذيل شعرها".
"يعانق حسناء بحب كبير".
"كيف أبيع عشقي وحياتي".
"بدأت دقات قلبه تتسارع".
"كان فارس فخورا بمهرته يحبها حبا جما".
كما وحملت إحدى العناوين الفرعية للرّواية المعاني الرّومانسية مثل"حبّ وهيام"،"الحبّ الأول".
كما وعبرت عن الناحية العاطفية في علاقة فارس تجاه لارا الأجنبية.
وأيضا صور الحنين من قبل فارس تجاه أهله.
كانت القدس حاضرة في الرّواية من خلال الحديث الذي جرى بين فارس ولارا .
جاء المكان متنقلا بين القرية الفلسطينية ترمسعيا وبين لندن.
استخدمت اقتباسا من قصيدة الشاعر محمود درويش"أحن إلى خبز أمي".
ملاحظة لفتت انتباهي، ألا وهي دعوة فارس صديقته الحبيبة لغرفته ليرتشفا القهوة العربية،برأيي أن سلوك فارس في دعوته لحبيبته بالاختلاء بالغرفة، فيها
ثقافة الحرية التي تتناقض مع ثقافة الشرقي،خاصة أن الرّواية موجهة لليافعين.
ملاحظة وسؤال آخر، لماذا اختارت الأديبة قرية ترمسعيا بالذات المعروفة بتعرضها الدائم للإعتداء من قبل المستوطنين،هل لذلك رمزية ما،خاصة باللصوص الذين سرقوا الخيل العربي؟
مبارك للأديبة روز اليوسف شعبان في روايتها الجميلة،وكلّ التّوفيق في أعمالها الأدبية إن شاءالله.
وقالت نزهة ابو غوش:
تحمل الرواية أبعادًا تربوية واضحة تنسجم مع حاجات المراهقين وتطلعاتهم، وأبرز ملامحها:
تنمية القيم الأخلاقية: يتعلّم القارئ من خلال فارس حب الحيوان، والإخلاص، والصبر، والاهتمام بالمخلوقات الضعيفة، مما يزرع في نفوس الناشئة القيم الرفيعة.
تعزيز الإرادة وتحقيق الأهداف اذ ان إصرار فارس على استعادة حسناء، وتطوير نفسه أكاديميًا (بدراسته الحقوق في لندن) يظهر كيف يُمكن أن تكون الأحلام محفّزًا للتقدّم رغم التحديات.
الاهتمام بالهوية والانتماء: بالرغم من انتقال فارس إلى لندن، فهو يُعبّر عن جذوره الفلسطينية ومحبته لقريته، ويجعل من ارتباطه بحسناء (الفرس العربية الأصيلة) رمزًا لارتباطه بأصالته وهويته.
التعامل مع الفقدان والألم: تسلّط الرواية الضوء على أهمية الدعم النفسي من الأسرة والمدرسة، وكيف يمكن أن يتحول الحزن إلى دافع للتغيير والنمو.
ثانيًا: التحليل اللغوي
اللغة السردية: تمتاز اللغة بالسلاسة والجاذبية، وهي مشبعة بعناصر شعرية في بعض الأحيان، ما يجعلها ملائمة لفئة اليافعين من حيث الإيقاع والجمال.
المفردات: تم توظيف مفردات غنية ومُعبرة، مثل (صهيل، غُرّة، أريج، هفهف الريح...)، تُنمّي الذائقة اللغوية للجيل الناشئ وتغذّي مخيلته.
الحوار الداخلي والخارجي: تتداخل الأصوات الداخلية لفارس مع الحوار الخارجي بسلاسة، مما يعزز البنية النفسية للنص ويقرب القارئ من شخصية البطل.
البنية النحوية: رغم بعض العبارات الكلاسيكية، إلا أن الأسلوب يحافظ على وضوحه، مع توظيف الجمل المتوسطة الطول المناسبة للفئة العمرية المستهدفة.
ثالثًا: تحليل شخصية "فارس"
السمات النفسية: فارس شغوف، حالم، حساس، وفيّ لمشاعره ومبادئه. يظهر ذلك في ولعه الكبير بحسناء وفي رفضه بيعها، حتى عندما عُرضت عليه مبالغ مغرية.
السمات الفكرية: يمتلك ذكاءً عاطفيًا وفضولاً معرفيًا، يتجلى في قراءته، استخدامه للتكنولوجيا للبحث عن حسناء، وتخطيطه لدراسة القانون ليحمي حقوقه وحقوق غيره.
التحوّل والنضج: تبدأ الرواية بفارس الطفل الحالم بالفرس، وتنتهي به شابًا ناضجًا يبحث عن العدالة. هذا التحوّل يُشكّل مسارًا تربويًا ونفسيًا واضحًا يُحتذى به.
العلاقة بالآخر: فارس ابن بار، يُحاور والديه بمحبة واحترام. علاقته بعامر السوري في لندن تُظهر قابليته للتواصل والتآخي، حتى في بيئة غريبة.
العاطفة المحرّكة للشخصيات: الرواية تنبض بعاطفة إنسانية عميقة، تتجلّى في علاقة فارس بوالدته، ثم بتطور مشاعره تجاه حسناء. فـ الحب، والخوف، والحنين، والحزن، كلها تشكّل نسيجًا داخليًا يدفع بالشخصيات إلى اتخاذ قرارات مصيرية.
الحب في الرواية لا يظهر بشكل مباشر فقط، بل يتسلّل من بين التفاصيل اليومية، من خلال الحوار، والنظرات، وحتى الصمت. حب فارس لحسناء لم يكن سطحيًا، بل ارتبط بكيانه، وقد عبّرت الكاتبة عن هذا الحب بلغة شفافة، متوازنة بين الواقعية والرومانسية.
نلحظ حضورًا قويًا لعاطفة الأمومة، خاصة من خلال شخصية الأم التي تمثّل الحضن الدافئ لفارس. يُستشعر دفء العلاقة بينهما، ويتضح كيف أن فقدانها أو الخوف عليها يحرّك مشاعره ويكشف جوانب ضعف وقوة داخله.
الحنين إلى الطفولة والماضي: تتكرر نغمة الحنين إلى الطفولة أو لحظات الصفاء الأولى، وكأن الشخصيات تبحث عن شيء فقدته، وهو ما يعمّق الشعور بالفراغ أو الأمل. وهذا الحنين هو عنصر عاطفي يُعطي الرواية بُعدًا وجدانيًا حميمًا.
الصراع الداخلي: الكاتب تعكس العاطفة أيضًا في الصراع الداخلي الذي يعيشه فارس، خاصة في المواقف التي تُختبر فيها مبادئه أو مشاعره. يظهر القلق، والتردد، والتفكير العميق، وهي كلها مشاعر صادقة تعبّر عن مرحلة النضوج.
اللغة العاطفية: لغة الرواية تعبّر عن العاطفة بأسلوب راقٍ دون مبالغة، فالصور البلاغية والتشبيهات التي تستخدمها الكاتبة تُثري الجانب العاطفي وتجعله أكثر تأثيرًا في القارئ، مما يخلق تواصلاً وجدانيًا بين النص والمتلقي.
وقالت نزهة الرملاوي:
بلغة انسيابية جميلة وجّهت الكاتبة روايتها للفتيان والفتيات، واختارت الفتى فارس والفرس حسناء ليكونا مع آخرين أبطال هذه القصة الإنسانية. تعتبر الخيول العربية محطّ اهتمام العرب في حلّهم وترحالهم، فهي رمز ثرائهم وقوتهم وعزهم وانتصاراتهم على مدى التاريخ.
ولاقتناء الخيول ومعرفة أصولها ونسبها أبعاد نفسية واجتماعية ورياضية ودينية عظيمة، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) وأخبرنا أن الخيل تدعو لصاحبها، وتطلب بدعائها أن تكون محبوبته، يرى فيها الحسن والجمال فلا يتركها.
وعن عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أنه قال (علّموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل).
ومن الصفات التي يتمتع بها مربي الخيول، حبّه للرياضة والتنظيم والترتيب، ويتميز بطموحه وهدوئه وحبّه للحرية ويأبى الذلّ والخنوع.
من هنا نعي أن هذه الصفات انطبقت على فارس بطل القصة الذي عشق حسناء فرسه الجميلة، إلى الحدّ الذي جعله يبحث عنها بعدما سرقت في مدن عديدة، ويتابع أخبارها من خلال سباقات الخيول، ويتابع المجلات الرياضية، وقنوات التواصل الاجتماعي حول العالم دون كلل أو ملل.
توالت أحداث الرواية وتطورت منذ أن طلب فارس من أبيه أن يشتري له خيلا كي يربيه ويعتني به، لبّى الوالد مطلب ولده بحبّ واهتمام، وأهداه مهرة بمناسبة عيد ميلاده.
عشق فارس حسناء واهتم بها، شاركه والداه الاهتمام بها، وساعداه في تربيتها، وتعلما معه ركوب الخيل والجريّ بها، واعتنت الأسرة في أكل حسناء وتنظيفها وتنظيف اسطبلها، وتعاملوا معها بلطف وحنان، وعرضوها على الطبيب البيطري أثناء مرضها.
كبر فارس وأصبح فتى يافعا مشهورا بركوب الخيل، حصل على ميداليات ومراكز مرموقة بين متسابقي الخيول في سباقات عديدة جرت في مدينة أريحا ومدن أخرى.
لفتت الفرس حسناء أنظار الطامعين من تجار الخيول بحسنها ورشاقتها وتقدمها على خيول أخرى في السباق، عرضوا على فارس شراءها، لكنه رفض بيعها بأيّ ثمن.
ظلت حسناء محطّ أنظار اولئك الأشرار، فقد قاموا بسرقتها وإخراجها من (ترمسعيا) في فلسطين وبيعها إلى أحد الأثرياء في بريطانيا.
سردت لنا الكاتبة أحداث الرواية بطريقة لافتة وحبكة مضبوطة مثيرة حتى النهاية، أخذت فكر القارئ ليتابع قصة فارس الذي راح يبحث عن محبوبته حسناء، ويتابع أخبار فوزها بالسباقات الدولية، وينتقل من مكان إلى آخر كي يجدها ويسترجعها.
شخصية فارس شخصية متطورة ذات إرادة وتحدّ، فبعد أن سرقت فرسه حسناء أصابه الحزن وألم الفقد، وبعدما علم بأنها في بريطانيا، قرر أن لا يتخلى عنها ولا يستسلم، وظل مقتفيا أثرها حتى يسترجعها ويعيدها إلى بلده، كحقّ ومطلب شرعيّ لإعادة ما سلب منه.
أخذ فارس على عاتقه أن يبدأ بكتابة قصته، وراح يعرض صور حسناء على قنوات التواصل الاجتماعي، وفكر بملاحقة الجناة في المحاكم الدولية، لذا قرر أن يدرس الحقوق الدولية في بريطانيا، لعل وجوده لدراسة الموضوع هناك يساعده في استرجاع محبوبته.
بذل فارس مجهودا جبارا في إيجاد المكان الذي يسكن به (وليام جيمس) المالك الجديد للفرس حسناء، اعتنى بها، وأخذ يعرضها في السباقات العالمية، واحتلت المراكز الأولى بسبب رشاقتها وحسن قوامها العربي الأصيل وقوّة سرعتها.
تميّزت الرواية بقيمها الأخلاقية السامية وإرشاداتها الحكيمة، قدمتها الكاتبة بطريقة سردية مشوقة ومن أهمها:
**أن للأهل دورا مهما في تربية الأبناء وتشجيعهم على تنمية مواهبهم ومهاراتهم، كمهارة ركوب الخيل وغيرها.
** على الأبناء استشارة أولياء أمورهم ومشاركتهم في اتخاذ القرارات والأخذ بنصائحهم.
** عدم الاستسلام للطغاة، والمطالبة بحق الفرد دون تنازل أو ضعف.
** الإبقاء على كرامة الإنسان بلا ذلّ ولا انكسار.
** التعليم وسيلة لبلوغ الغايات ورفعة للإنسان أمام نفسه وحضارة مجتمعه فمن جدّ وجد ومن زرع حصد.
**لا نغرق نفسك بالحزن والتفكير، ابحث وجرّب وابذل ما بوسعك دون خوف أو يأس، فالمحاولة بحد ذاتها نجاح.
** الاهتمام بتربية الخيول العربية لما لها من مميزات لا تتوفر بالخيول الأخرى، وصفات عديدة كالذكاء وسرعة التعلم، وسرعة العدو، وحبها لصاحبها، وغضبها إذا عوملت بطريقة سيئة.
أرشدت الكاتبة القارئ إلى أماكن السباقات المشهورة عالميا والتي تقام في ايرلندا، وبريطانيا، ودبيّ وذلك من خلال مغامرة فارس في البحث والتقصّي عن حسناء.
أخذتنا الكاتبة في جولة سياحية في شارع اكسفورد في لندن، عرفتنا على المطاعم والمحلات التجارية والمقاهي هناك، وأشارت إلى كثرة السّياح والعرب المتواجدين هناك، حيث تعرف فارس على شاب سوري اسمه عليّ، أخبره فارس عن سبب وجوده في لندن، وأعلمه بأنه جاء لتعلم القانون الدوليّ المختص بإرجاع الممتلكات إلى أصحابها، والبحث عن فرسه حسناء التي سرقت منه.
عرفتنا الكاتبة على طريقة تعريف الطلاب الجدد على الجامعات البريطانية والترحيب بهم، وتعريفهم على أقسامها المتعددة، وأخذ دورات مهمة لتقوية اللغة الانجليزية للتعلم فيها.
تميزت رحلة فارس أثناء بحثه عن حسناء ومالكها جونسون بالتشويق والإثارة والخوف والتخيل، مشحونة بعاطفتي الأمل والألم أثناء تنقله من مدينة إلى اخرى، ومن شارع إلى مقاطعة إلى مزرعة، حتى التمّ شمله على محبوبته حسناء التي شمّت رائحته وعرفته بعد طول غياب.
من اللافت أن فارس تعرف على ابنة السيد ويليام جونسون مالك حسناء الجديد المقيم في مدينة نيو ماركت وأحبها، وهنا تركت لنا الكاتبة نهاية مفتوحة للتفكر والتأمل ووضع نهاية لها، وإثارة أسئلة حول الرواية..
والأسئلة التي تطرح نفسها:
* هل حبّ فارس لابنة ويليام جونسون المالك الجديد لحسناء، سيعينه على إبقائها عنده،(إبقاء الوضع قائما على ما هو عليه) ولن يقوم بالمطالبة بها وإعادتها إلى الوطن، لأنه أصبح قريبا منها لقربه من حبيبته لارا؟
*هل حقا بريطانيا التي جرّدت الشعب الفلسطيني من حقوقه، وساعدت في تهجيره وسلب أراضيه، وإهداء وطنه لمن لا وطن له، هي ملاذ النازحين لنيل حقوقهم واستعادت وطنهم وعودتهم إليه؟
* إذا اعتبرنا رواية حسناء فارس رمزا لمعاناة الفلسطينيين على مرّ العقود، لماذا نلجأ لمن قام بتهميش مطالبنا، وأوقف المساعدات وأغلق المدارس التي أنشأتها (الأونروا) لأجل مساعدة المهجّرين؟ لماذا لا يحركون ساكنا أمام مخطط الإبادة والتهجير؟ وهل دراسة فارس للقانون الدولي في بريطانيا، ستعيد له حسناء، وتعيد للشعب حقوقه؟ أم أن الواقع لا يمثل أحلام المضطهدين النازحين بالعودة واسترجاع ما سلب منهم في مؤتمرات حقوق فاشلة، ستبقي الأوراق في ملفات النسيان، ومفاتيح الرجوع في مهبّ رياح عاتية؟
وقالت د. رفيقة عثمان أبو غوش:
أهدت الكاتبة روايتها لابنها حسام، حيث استوحت فكرتها من ولعه بركوب الخيل؛ ممّا أثّر عليها في حب الخيل اقتداءً به.
تهدف الرّواية إلى غرس القيم التربويّة في نفوس اليافعين؛ مثل قيمة الإصرار والعزيمة، والاعتماد على النّفس في مواجهة التّحدّيات، كما تُسلّط الضّوء على كيفيّة تعامل الآباء مع أبنائهم في مرحلة المراهقة، من خلال شخصيّة البطل.
إن اختيار موضوع "الفروسيّة" جاء مناسبًا تمامًا لهذه المرحلة العمريّة، إذ يسهم في التّنفيس عن النّفس، وتفريغ الطّاقات السّلبيّة والغضب، الّتي ترافق مرحلة النمو الجسدي والنّفسي للفتيات والفتيان.
اعتمدت الكاتبة على عدد محدود من الشخصيّات، أبرزها فارس (بطل الرّواية)، زميلته لارا (الفتاة الشّقراء ذات العينين الزّرقاوين، ويبدو أنّها بريطانيّة الجنسيّة)، والدا فارس، والفرس "حسناء". تعارف البطلان على بعضهما أثناء دراستهما موضوع الحقوق في جامعة بريطانيّة.
تحمل أسماء الشّخصيّات دلالات رمزيّة واضحة، ف فارس يرمز إلى الفتى المغرم بركوب الخيل، أمّا "حسناء"، فهي الفرس، الّتي تحمل اسمًا يدلّ على صفاتها الشّكليّة والجمالية؛ بينما اسم لارا فهو اسم لاتيني معناه النّبيلة والرّاقية، وهو اسم عربي أيضًا ومعنها النجمة اللّامعة.
يقرّر ويصرّ فارس على دراسة الحقوق في لندن بإرادته؛ ليصبح محاميًّا، ويُحقّق العدالة من خلال ملاحقة وضبط المجرمين، الّذين سرقوا فرسه "حسناء"، واسترجاعها عن طريق القضاء الدّولي.
هذا الهدف التّربوي مهم جدّا، حيث يشجّع اليافعين على تحديد اختياراتهم المهنيّة بناءً على شغفهم، حتّى وإن كان خلافًا لرغبة الوالدين، كما حدث مع فارس.
الزمنكيّة في الرّواية، حيث توزّعت احداث الرّواية على أماكن محدودة: ترمسعيا والّتي تقع في محافظة رام الله والبيرة، المكان الثّاني هو والقدس، والثّالث لندن وإيرلندا؛ أمّا الزّمن فلم يُحدّد صراحة في الرّواية.
وُصفت الأماكن بطريقة جميلة جذبت القارئ ، لا سيّما وصف القدس صفحة، الّذي جاء شاعريّا ملوّنًا بالحنين والانتماء: استطردت الكاتبة بوصف مدينة القدس صفحة71 "القدس زهرة المدائن، تنتصب في عزّ وإباء. أمام تاريخ مضى وتاريخ آتٍ، تكسو محيّاها جمرة مشوبة بخجل العذارى، يخطف الأبصار، وجديلة مطوّقة بتج ذهبي، يأخذ بمجامع الألباب. تنتصب أمامهاأشجار الزّيتون، تعلو فوق أسوار تمتد بعيدًا في الآفاق. تروي قصصًا مضت، وقصصًا تروي لتاريخ آتٍ. في شموخها رائحة البخور والعنبر، تعبق في فضاء الأسواق، تخترق الكنائس والمساجد والآفاق, تنشد مزمورًا ملفّعا بالأماني والأشواق، في إبائها تمضي، تروي حكايات جسام. يبوس، أورساليم، وإيلياء.". صدر هذا الوصف على لسان فارس، تعليقًا على صورة معلّقة على الجدار، شارحًا لصديقته لارا.
في نهاية الرّواية، نجح فارس في استعادة فرسه حسناء؛ بواسطة الصّدفة الّتي لعبت دورًا هامًّا، عندما تعرّف فارس على والد زميلته لارا (السيّد وليام جونسون) صاحب مكانة مرموقة في مجتمعه، وهو مسؤول عن مسابقات الفروسيّة في منطقته.
برأيي، استخدام الكاتبة لعامل الصّدفة أضعف الحبكة، إذ لم يُحقّق فارس هدفه كما خطّط له عن طريق القانون والقضاء، بل حصل على الفرس بطريقة غير مقنعة وغير تربويّة، وهذا يُضعف البعد التّوجيهي في الرّواية.
حبّذا لو اختتمت الكاتبة الرّواية بتحقيق البطل لعدالته من خلال الوسائل القانونيّة، كما كان ينوي. كما ذكر فارس: سأتعلّم في كليّة الحقوق، وسأتخصّص بالقانون الدّولي" صفحة 35 وكذلك " سأتعلّم القوانين الدّوليّة، خاصّة الّتي تتعلّق بسرقة الممتلكات وبيعها، أو تهريبها لدول أخرى.".صفحة 38.
اجد بأنّ الكاتبة استخدمت عامل الصدفة بشكل متكرّر، أوّلًا عند تعارف فارس على لارا في المكتبة، وملاقاة لارا لفارس بالشّارع بالصّدفه، حيث أقلّته للجامعة، ثمّ مرافقته لبيتها، وبالصّدفة يظهر بأنّ أبا لارا هو نفسه وليام جونسون، وهو نفسه صاحب الفرس حسناء ( الّذي اشتراها من التّجار السّارقين)؛ وبالصّدفة وجد فارس حسناء أثناء زيارته لبيت صديقته لارا. إنّ سلسلة الأحداث المستصدفة أضعفت الحبكة في المبنى الرّوائي.
استخدمت الكاتبة لغة عربيّة فصحى مُتّزنة، غنيّ بالصّور الشّعريّة الجميلة، تُلائم الفئة المستهدفة؛ وأدخلت مصطلحات وألفاظًا تخصّ، موضوع الفروسيّة وما يتعلّق بها. تميّزت الرّواية في الحوار، خاصّةً بين فارس ووالديه؛ ممّا أضاف حيويّة ومتعة لقراءة النّص.
سردت الكاتبة الرّواية بصيغة ، وكأنها الرّاوي العارف بكل شيئ؛ مستخدمة أسلوبًا تقريريًّا في عرض الأحداث.
اقتبست الكاتبة من شعر محمود درويش إلى أمّي: "أحنّ إلى خبز أمّي، وقهوة أمي، ولمسة أمّي". برأيي الشّخصي: هذا الاقتباس كان موفّقًا؛ لتعريف الفتيان والفتيات على شعراء فلسطينيين مشهورين.
واكبت الكاتبة العصر الحديث من خلال الإشارة الى استخدام وسائل التّكنولوجيا الحديثة، مثل: البحث عبر الإنترنت، والذّكاء الاصطناعي، وبرامج مثل: "تشات جي بي تي"، ممّا يتماشى مع اهتمامات الجيل الحالي.
رافقت الرّواية، صور توضيحيّة لبعض احداث الرّواية؛ لكنّني أرى أنّه كان من الأفضل الاستغناء عنها؛ لأنّها تُحدّ من خيال القارئ، خصوصًا وأنّ الرّواية موجّهة لليافعين.
"حسناء فارس" رواية مناسبة لللفئة ما قبل المراهقة، تميّزت بجمال اللّغة، وقوّة الرّسالة التّربيّة في بدايتها. تهدف لغرس الإصرار وقوّة الإرادة لدى الفتيان والفتيات، وتشجّع الآباء على اكتشاف مواهب أبنائهم ودعمهم لتحقيق طموحاتهم.
تناسب المرحلة المتوسّطة ما قبل المراهقة، لغتها جميلة وجزلة؛ هدفت إكساب قيمة الإصرار، وقوّة الإرادة لدى الأبناء.
تساهم هذه الرّواية في توجيه الآباء نحو التّعرّف على مواهب الأبناء وتشجيعهم ، بل ودعمهم نحو تحقيق مرادهم.
وقالت وجدان شتيوي:
أخذتني هذه الرّواية لعالم الطّفولة ببراءته، وتعلّق الطّفل الشّديد بلعبته أو حيوانه المفضّل واهتمامه به كما هو الحال مع فارس في تعلّقه بمهرته حسناء التي أهداها اياه والداه في عيد ميلاده الرّابع عشر. وحين يُذكر الخيل الأصيل أوّل ما يتبادر إلى الذّهن العرب وعاداتهم،
وطباعهم الأصيلة كالكرم والوفاء، وتراثهم الجميل.
ممّا أعجبني في هذه الرّواية الإصرار والتّحدي لدى فارس الذي جعله لا ينسى حسناء أبدًا بعد
تعرّضها للسّرقة، إذ ظلّ يتابع أخبار سباقات الخيول حتى شاهدها في سباق دوليّ على التّلفاز،
وظلّ يبحث حتّى عرف أنّها في لندن، وقرّر أن يكمل دراسته الجامعيّة في القانون الدّوليّ هناك
حتّى يتمكّن من العثور عليها فهي لم تكن مجرّد هواية بل صارت حلمًا بالنّسبة له ما جعله
يتجاوز كلّ العقبات من أجل الوصول إلى ذلك الحلم، وكان له ذلك؛ فلكلّ مجتهد نصيب. وهنا
تُستخلص عبرة مهمّة مفادها أنّ سعي الإنسان الدّؤوب نحو أيّ شيء سيوصله له مهما كانت
العقبات، وأنّ مع الإرادة والعزيمة لا وجود للمستحيل، وأنّ الوصول قد يأتي بطرق غير
متوقّعة، فالحياة تزخر بالمفاجآت كما فاجأت فارس بمكان العثور على حسناء في النّهاية، وهذه
نتيجة حتميّة لمن يتمسّك بحقّه ولا يتنازل عنه مهما كلّفه الأمر، فلا يضيع حقّ وراءه مطالب.
كما قال أحمد شوقي:
وَما نَيلُ المَطالِبِ بالتّمنّي
وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا
كما تشير الرّواية إلى عدة نقاط مهمّة منها:
* أهميّة الهوايات للطّفل، والاهتمام بها من قبل الأهل، وتشجيع أبنائهم على ممارستها لما لذلك
من أثر في صقل شخصياتهم وملء فراغهم بالمفيد.
* إنّ لمشاركة الوالدين أبناءهم في هواياتهم أثر لا يمكن إنكاره في توطيد العلاقة فيما بينهم.
* ضرورة التّدرّب على الرّياضات قبل ممارستها، وتجلّى ذلك في إدخال فارس في دورة
تدريبيّة للفروسيّة قبل أن يمنحه والداه المهرة التي يتمنّاها؛ حتّى يكتسب المهارة التي تؤهّله
لامتطائها والعناية بها، والفوز في السّباقات كما حدث.
* أهميّة دور الوالدين في تقديم الدّعم النّفسيّ لأطفالهم لإخراجهم من الحالة النّفسيّة السّيّئة التي