الجمعة ٦ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٤
بقلم ديمة جمعة السمان

رواية «ذاكرة في الحَجْر» لكوثر الزين في ندوة اليوم السابع

ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية رواية "ذاكرة في الحَجْر" للشّاعرة الإعلاميّة كوثر الزين، صدرت الرواية التي تقع في 165 صفحة من القطع المتوسط عام 2024 عن دار الأهليّة للنّشر والتّوزيع في العاصمة الأردنيّة عمّان، لوحة غلافها للفنان البولندي توماز ألين وصمّم غلافها يوسف الشّايب.

افتتحت الأمسية مديرة الندوة ديمة جمعة السمان فقالت:

"ذاكرة في الحجر" .. بين الهويّة والمصير.

"ذاكرة في الحجر" عنوان موفّق يعكس رمزيّة متعدّدة المستويات، يرمز إلى فكرة أنّ الذّاكرة محجورة أو مقيّدة داخل إطار محدّد، تفرضها الظروف الداخلية أو الخارجية، بسبب القمع السّياسي والحروب والنّزوح. وعلى الرّغم من كونها شيء غير مادّي، إلا أنّها محاصرة وغير قادرة على الانطلاق أو التّحرر، إذ يتم الحجر على استعادة الذّاكرة، أو الحفاظ على الهويّة تحت وطأة التّحديات والصّعاب.

لم تحدّد الكاتبة اسم موطن البطل " عربي"، الذي كان يتحدّث في بداية الرّواية مع قطّته التي أسماها "مشرق". فقد كان للاسمين دلالات رمزية واضحة، إذ قصدت الكاتبة "المشرق العربي"، وهو مصطلح جغرافي يُطلق على جزء من منطقة الشرق الأوسط، الذي يمتدّ من البحر الأبيض المتوسط غربا حتى الهضبة الإيرانية شرقا. إذ تعيش منطقة "المشرق العربي" تحت وطأة الصراعات الدّولية والاقليمية. واللافت للانتباه هو انفجار صراع مصالح قومية متناقضة وخيارات سياسية وإستراتيجية متضاربة في حيز جغرافي ضيق، ووقوع هذا الصراع على ساحة دول عربية أنظمتها مهتمة بالبقاء في السلطة، ولو على حساب البلاد والعباد ومستقبلهم وانسانيتهم.

لقد اختارت الكاتبة أسماء شخوص روايتها بعناية تُحسب لها، إذ أن اسم بطل الرواية " عربي" يعكس بشكل مباشر هويّة البطل وانتماءه إلى العالم العربي، وربط شخصيّته بالهويّة القوميّة والثّقافيّة.

"عربي" ليس مجرّد فرد، بل هو تجسيد لمجتمع كامل يمرّ بتجارب مشابهة من التّمزّق، والنّزوح، والصّراع الدّاخلي.

الاسم يُحمّل الشخصية رمزيّة ثقيلة، حيث يصبح "عربي" صورة مكثّفة للشعب العربي الذي يواجه تحدّيات وجوديّة في الحفاظ على هويّته، وسط الظّروف السّياسيّة والاجتماعيّة القاسية.

أما اسم القطة "مشرق" فهو رمز للمشرق العربي، إذ كانت المنطقة بأكملها مفعمة بالحياة وبالأمل والأحلام.

ولكن موت "مشرق" يمثّل نهاية هذا الأمل، أو إطفاء النّور في المشرق العربي. وهو تلميح إلى التّحديات الكبيرة التي تواجه المنطقة، مثل النزاعات المسلّحة والاستبداد، وفقدان الأمن والاستقرار.

أما رفض قوة الأمن الفرنسية السماح ل "عربي" بدفن قطته "مشرق" بعد موتها، عندما اقتحمت منزله لاعتقاله، يشير إلى فقدان " عربي" حتى القدرة على توديع آخر ما تبقّى من علاقته بجذوره.

الرّواية تعكس ببراعة حالة الاضطراب والاغتراب التي يعيشها مواطنو "المشرق العربي"، الذين يحاولون الهروب من القمع، سواء كانوا يهربون من وطنهم أو من أنفسهم، ليجدوا من يتربّص لهم خارج بلادهم، فيكونوا أشبه بمن هرب من رشرشة المطر ليجد نفسه تحت المزراب.

أما عن اللغة، فقد استخدمت الكاتبة لغة بسيطة، ولكنها مليئة بالرّمزية، مما يمنح النّص بعدا تأمّليّا يعكس واقعا مؤلما يعيشه الكثيرون.

وفي الختام، لا شكّ أن الرواية تعتبر إضافة نوعيّة للمكتبة العربية، فهي تجمع بين الواقع المرير والرّمزيّة العميقة ، تقدّم تصويرا مؤلما لصراع الانسان العربيّ مع القمع والبحث عن الحرّية، وتعكس حالة الذّاكرة المحاصرة.

والرّحلة التي يمرّ بها "عربي" تعكس رحلة نفسيّة وجسديّة مليئة بالتّحديات.

الرّواية تترك القارىء أمام تأمّلات عميقة حول الهويّة، الحرّية، والمصير في عالم لا يرحم.

وكتب جميل السلحوت:

رواية “ذاكرة في الحجْر” تدعو إلى الحرّيّة

عرفنا كوثر الزّين كإعلاميّة ناجحة، خصوصا في برنامجها “الصّالون الثّقافي”، الّذي تقدّمه على شاشة الفضائيّة الفلسطينيّة، كما عرفناها كشاعرة رقيقة، تعيش هموم شعبها وأمّتها. وأذكر أنّها أرسلت لي قبل سنوات قليلة إلكترونيّا مجموعة قصص طويلة، وارتأيت في تلك القصص نفسا روائيّا، ونصحتها بنشرها، لكنّها لن تنشرها، وإن لم تخنّي الذّاكرة فإنّ هذه الرّواية” ذاكرة في الحَجْر” كانت واحدة من تلك القصص، ويبدو أنّ الكاتبة عادت إليها وتشعّبت في أحداثها، وقدّمتها للقرّاء كرواية متكاملة البناء والحبكة الرّوائيّة، وهذه الرّواية الّتي يطغى عليها عنصر التّشويق جاءت في خمسة وثلاثين فصلا، وتسلسلت أحداثها بلغة أدبيّة شاعريّة وشعريّة. ساعدها في ذلك سعة ثقافة الشّاعرة الرّوائيّة، هذه الثّقافة الّتي تشكّل خليطا من الفلسلفة والتّاريخ وعلمي النّفس والاجتماع، والتّاريخ والمعتقدات.

وإذا ما توقّفنا عند عنوان الرّواية سنرى أنّه يثير تساؤلات كثيرة، فما المقصود بالذّاكرة المحجورة؟ ومن هم الّذين يحجرون على الذّاكرة وعلى العقول؟ ولماذا يقومون بهذا الحجْر؟ وما مصير أصحاب العقول المحجورة؟ وما عواقب ذلك؟

أثناء قراءتي للرّواية عادت بي الذّاكرة لروايتي المبدع الرّاحل عبد الرّحمن منيف:” شرق المتوسّط” و”الآن هنا”، ورأيت أنّ هذه الرّواية تتقاطع معهما بشكل وآخر، وإن اختلفت الأحداث والحكايات فيهما، لكنّ القمع والاضطهاد يشكّلان قاسما مشتركا بينهما.

بطل الرّواية “ذاكرة في الحجْر” اسمه عربيّ، يحمل ماجستير في الحاسوب، لكنّه متّهم في نظر الجهات الأمنيّة في بلده، وتهمته الأولى أنّه ابن لرجل حريص على عروبته ووحدة أمّته، ويسعى إلى “الوحدة العربيّة”. وهذا الأب مغيّب في السّجون منذ عشرين عاما، دون أن تعرف أسرته عنه شيئا، بل لا تعرف الأسرة إن كان لا يزال على قيد الحياة أم لا. وها هو ابنه” عربي” في المعتقل يعاني من التّعذيب، فاستعمل ذكاءه للخلاص من خلال الاعتراف على أناس وهميّين:” فاعترفت لهم عن أشخاص وهميّين، وألّفت لهم أحداثا وقصصا من صنع خيالي…….فكافؤوني….وأوكلوا لي مهمّة توزيع الطّعام، وتنظيف غرف الضّباط….” ص31. وعندم نال ثقتهم:” أطلقوا سراحي في مهمّة شريفة لاستدراج المذنبين بأفكارهم….فهربت” ص32.

وبعد اطلاق سراحه هرب إلى منطقة أخرى، حيث استقبله “أصحاب الّلحى”، وهذه إشارة إلى من استغلّوا الدّين لتحقيق مآرب سادتهم وهذه إشارة إلى “داعش وجبهة النّصرة،” وغيرهما من التّنظيمات الإرهابيّة الّتي تدثّرت بعباءة الدّين والدّين منها براء، فقتلت وشرّدت الملايين، ودمّرت بلدانها مثل سوريّة والعراق، وهناك خضع للتّحقيق من قبل “أصحاب الّلحى” واستطاع خداعهم واكتسب ثقتهم، وأطلقوا عليه اسم “أبو مسلم” ص35:” كافأني الأمير مالا وحظوة قبل أن يكافئني بــ “جيلان” ص35.

وجيلان هذه حسناء ” إيزيديّة” وهم جماعة يعيشون في العراق، هاجمهم الدّواعش فقتلوا رجالهم ونهبوا أموالهم واسترقّوا نساءهم.

لم يقترب “عربي” أو أبو مسلم من “جيلان” بل أشفق عليها، وخطّط لحمايتها وإطلاق سراحها، وعندما حاول أحدهم شراءها أو استبدالها بأخرى؛ لتكون سبيّة له، رفض ذلك” كما أكّدت له أنّك نطقت بالشّهادتين، وتؤدّين فروض الصّلاة”. ص39. واستطاع الهروب هو و”جيلان” بعد أن هاتف عمّها، وسلّمها له رافضا أن يأخذ منه فدية، وهناك ترك “كردان” والدته- قلادة من الذّهب- وبعض المال معها، وغادر المكان ليبحث عن مهرّبين يخرجونه من هذه البلاد، وهذا ما حصل حيث وصل إلى مرسيليا في فرنسا بعد رحلة شاقّة كاد أن يخسر حياته فيها. وفي أحد مخيّمات “طالبي اللجوء” تعرّف على صحفيّة فرنسية اسمها “أوود”، ساعده في ذلك معرفته للغة الفرنسيّة، وهناك انتبه لفحولته الّتي فقدها بسبب التّعذيب الّذي تعرض له أثناء اعتقاله في وطنه.

الدّيانات السّماويّة والوضعيّة والحروب

يرى بعض المفكّرين أنّ الحروب والصّراعات تعود أسبابها “للاقتصاد”، لكنّ “عربي” في حواره مع قطّته يرى أنّ صراع الحضارات يتمحور حول المعتقدات الدّينيّة:” لم أستطع أن أقول لها- جيلان- إنّي أرى الأديان، بسماويّها ووضعيّها وصحيحها ومحرَّفها تجتمع كلّها في توقها إلى الله، وتفترق في الوصول إليه، ثمّ تتناحر باسمه لغايات أبعد ما تكون عنه.” ص47. ثمّ يتساءل أمام قطّته:” ماذا يا مشرق لو خلقنا الله مثلكم معشر القطط؟”ص47. ويجيب على هذا التّساؤل:” لما سالت دماء باسم دين أو فكرة، أو طائفة أو تنظيم، لما سُبيت جيلان وقتل قومها.” ص48.

الثّقافة

لم يتخلَّ” عربي” عن مواصلة تنمية ثقافته، ففي أثناء عيشه مع الصّحفيّة الفرنسيّة ” أوود” واصل مطالعاته وحضر اطلاق كتاب “غرق الحضارات” للمفكّر اللبناني أمين المعلوف الّذي هاجر من لبنان إلى فرنسا وحمل جنسيّتها عندما اندلعت الحرب الأهليّة في لبنان عام 1974م، وهناك أنتج فكرا مستنيرا.

وفاة أوود واعتقال عربي

بعد خمس سنوات من إقامة”عربي” في باريس توفّيت صديقته “أوود بمرض السّرطان” بينما خضع هو لجراحة استئصال “المصران الزّائد”، وتمّ اعتقال “عربي” في فرنسا وخضع للتّحقيق حول علاقته بالجماعات الدّينيّة التّكفيريّة الإرهابيّة، ووضع في السّجن مع معتقلين أصيب أحدهم بفيروس الكورونا “كوفيد”، وهناك جاء وصف مؤلم لعربيّ:” أنا عربي…اليتيم الخائف، الشّهم العاجز، السّجين الهارب، المجاهد المرتدّ، الطّريد المستطرد، اللاجئ الحرّاق، العاشق النّاقص، البريء المتّهم.”ص165.

الّلغة والأسلوب: استعملت الرّوائية كوثر الزّين لغة أدبيّة شعريّة رشيقة، وانتقلت من حكاية إلى أخرى بأسلوب سلس يطغى عليه عنصر التّشويق.

الزّمان والمكان

من خلال قراءة هذه الرّواية وما ورد فيها عن إصابة أحد المعتقلين في فرنسا بالكورونا، بعد أن مكث فيها خمس سنوات، فمن المعروف أنّ الكورونا انتشرت عام 2019م، نرى أنّ زمن الرّواية يمتدّ خلال السنوّات العشرة الأخيرة، أيّ منذ العام 2014 حتّى انتهاء الأديبة من روايتها ونشرها في العام 2024. ومن خلال الحديث عن قتل الإيزيديّين وتدمير بيوتهم وسبي نسائهم نستشفّ أنّ المكان هو العراق، ومنه انتقل إلى تركيا حيث ركب البحر تهريبا من هناك إلى فرنسا، كما دارت أحداث أخرى في فرنسا.

وماذا بعد: واضح أنّ الرّوائيّة طرحت في روايتها هذه مأساة المواطن العربيّ في بلاده، فهو متّهم حتّى تثبت إدانته، وقد يضطرّ إلى الهروب إلى أعداء فكره ومعتقداته لينجو بحياته، وهناك سيعيش اضطهادات من نوع آخر، فيضطرّ إلى الّلجوء تهريبا إلى دولة أجنبيّة، ستضّطهده هي الأخرى.

والقارئ للرّواية سيجد أنّ الكاتبة لم تلجأ إلى المابشرة فيما تريد طرحه، بل تركت للقارئ أن يستنبط ذلك من بين السّطور.

هذه الرّواية صرخة قويّة تدعو إلى الدّيموقراطيّة وإطلاق الحرّيّات واحترام حقوق الإنسان في العالم العربيّ.

وقال محمود شقير:

حين شرعت في قراءة رواية كوثر الزين: ذاكرة في الحجر، خشيت من استخدام ضمير المتكلم لبطل مذكر في رواية تكتبها امرأة، فلم تحدث هذه الخشية، لأن الكاتبة استطاعت أن تتوارى في الظل في حين برز بطلها على نحو سافر، وهذه نقطة لصالح الرواية.

غير أنني لم أجد ضرورة فنية لاستخدام ضمير الغائب في بعض فقرات مختزلة كانت تجمع الشخصية الرئيسة في الرواية: عربي مع قطته مشرق. وكان يمكن أن يستمر السرد بضمير المتكلم حتى في حالة الموت المؤقت الذي أصاب عربي أثناء خضوعه لعملية جراحية مستعجلة بعد أن تجرع كمية من الخل الحارق معتبرًا أن فيه حماية له من وباء الكورونا.

«2»

ورغم الجهد الكبير الذي بذلته الكاتبة في هندسة تفاصيل روايتها إلى حد لافت، فقد لفتت نظري البداية غير المقنعة التي تنطوي على تذهين واضح أثناء الحوارات الفكرية بين عربي وأبيه،كذلك بينه وبين تالة، ليحلّ في مكانها سرد متقن بلغة شاعرية على امتداد الرواية، وخصوصًا أثناء وقوع عربي في أيدي الجماعة المتأسلمة، وتمويهه شخصيته بادعائه أنه مناصر لهم لكي ينجو من شرهم، فصدقوه ومنحوه اللقب: "أبو مسلم"، وهو الذي حمى الفتاة الأزيدية السبيّة جيلان، التي خصّه بها أمير الجماعة، فلم يمسها أبو مسلم بسوء، بل ظل يعاملها معاملة حسنة إلى أن استطاع بحيلة محكمة الهرب بها ومعها إلى مكان إقامة عمّها بعيدًا من حكم الدواعش، ليسلمها له من دون أن يقبل استلام فدية من جرّاء إعتاقه لها، بل إن "عربي" الذي ركب البحر متسللًا إلى أوروبا ترك كردان أمه الذهبي أمانة عند جيلان، وفي هذا دلالة على الثقة التي نشأت بينه وبينها أثناء وجودهما في معسكر الدواعش.

3

تلفت النظر تلك النظرة السوداوية التي سيطرت على أجواء الرواية، وخصوصًا حين يتعلق الأمر بالبلاد التي ينتسب لها عربي، وقد ظل اسم تلك البلاد مبهمًا لكي ينطبق على كل دول العروبة المستبدة. فقد اعتقل والده، واختطفت خطيبته تيماء، وماتت أمه، وتحولت صديقته تالة الشيوعية المثقفة المدافعة عن حقوق الكادحين إلى زوجة سليل لعصابة من عصابات المافيا في البلاد، بما يوحي أنها تنكرت لأفكارها ولقناعاتها.

وحين زار طيف عربي أثناء موته المؤقت بلاده وجد الخراب عامًّا طامًّا وليس ثمة بصيص أمل. وحتى قبل تلك الزيارة المتخيلة، فقد كانت المقارنة بين بلاد البطل عربي وبلاد اللجوء تجري لصالح هذه الأخيرة؛ فقد قذف البحر بعربي على شواطئ مرسيليا، ثم وجد هناك فتاة فرنسية احتضنته وأحبته وأحبها مع مرور الوقت، في حين أن تجربة المهاجرين المتسلّلين إلى أوروبا تشهد كثيرًا من المعاناة والعذاب والإهانات والإذلال على أيدي رجال الأمن هناك، وثمة دليل من مشاهدات عربي ذاته، فقد رأى ثلاثة شبان وهم يُضربون ويُجبرون على مغادرة أوروبا اضطرارًا لعدم قبولهم فيها، فيما انفتح باب الحظ لعربي حين احتضنته الفتاة أوود، ومكنته من العمل في بلادها في ميدان تخصصه في الحاسوب، وفي الوقت ذاته كانت أوود مكتملة وهو الناقص الذي ظل يعاني من عجز جنسي، وذلك من تأثير التعذيب الذي تعرض له في بلاده، ولكي يتفاقم النقص فقد شكَّ عربي فيها حين لاحظ تغير سلوكها تجاهه وإكثارها من البكاء وشرود الذهن، ما جعله يتهمها بأنها تحب زميلها فيليب، وظل كذلك إلى أن عرف حقيقة إصابتها بمرض السرطان الذي وضع حدًّا لحياتها.

«4»

ولكي يكتمل "النعيم" الأوروبي الذي يعيش في ظلّه الهاربون من جحيم بلدانهم المتخلفة الظالمة، فقد عرف عربي عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن جيلان تعيش في ألمانيا مع زوجها عدي وطفلهما، وأنها ما زالت تحتفظ بكردان أمه محافظة على العهد، لكن زوج جيلان لا يلبث أن يموت من جراء إصابته بفايروس كورونا، ويبدو أن الكاتبة كوثر الزين قرّرت له ذلك المصير من دون أن تفصح عن الغاية من ذلك، لكن سياق السرد يلمح إلى تلك الغاية، فقد اعتقلت السلطات الفرنسية اللاجئ عربي بعد أن شكّت فيه لشرائه كمية من الخلّ الذي يمكن استخدامه في تصنيع متفجرات بدائية، وقد تعزز هذا الشك حين وصلت إلى هذه السلطات معلومات تكشف علاقة سابقة لعربي مع الجماعة الإسلامية، وبالطبع يمكن أن تظهر براءته بعد انتهاء التحقيق معه، ومن ثم سيخرج من المعتقل ولن يجد سبيلًا لمواصلة حياة مستقرة آمنة إلا بالسفر إلى ألمانيا حيث تقيم جيلان الأرملة، فيعرض عليها الزواج وتقبل به زوجًا لها. وبالطبع فإن الرواية لم تقل ذلك، لكن السياق الذي تركته كوثر الزين مفتوحًا بذكاء يوحي بذلك.

وقالت وجدان شتيوي:

رواية إنسانيّة أكثر من رائعة غاصت في علم النّفس والاجتماع والسّياسة والتّاريخ بلغة شاعريّة ممتعة بعيدة عن المباشرة.

تناولت ما يعانيه المواطن العربيّ من غربة وصعوبات في وطنه، جرّاء الأنظمة القمعيّة، وما يكابده في منفاه من خلال رحلة حياة بطل الرّواية عربي منذ طفولته، حين رأى الاعتقال الوحشيّ لوالده، الذّي كرّس عمره للدّفاع عن أمّته ومبادئه أمام عينيه، فتخشّب جسده، وتبوّل على نفسه، ممّا جعل عقدة الخوف والحذر تلازمه في حياته.

لم يكن والده يعلم أنّه حمّله وزرا حين سمّاه عربي، الذي كان كشبهة أو وصمة عار في بلاد الغربة، كما سبّب له اسم أبيه المشاكل في بلده، إذ أودى به للاعتقال والتّعذيب بسبب تاريخ والده المعارض للنّظام.

عربيّ حامل شهادة الماجستير في هندسة الحاسوب مع خبرة خمس سنوات، واسع الثّقافة، يهرب من وحدته وكآبة واقعه مسافرا عبر الكتب في مكتبة والده.

ارتبط عربيّ بتيماء التي اختارتها أمّه زوجة له لما تمتلكه من صفات تشبهها، جميلة صالحة تبذل كلّ جهدها لإسعاده رغم بساطتها، وقلّة ثقافتها، في حين فشلت علاقته بتالا زميلته في الجامعة اليساريّة كثيرة المعرفة، التي نعتته بالغرور والأنانية، وهنا إشارة أنّ نجاح العلاقات لا يقاس دائما بقدر التّشابه فيها.

يدخل عربيّ المعتقل ويصف ما يراه هناك من أصناف العذاب وويلاته مشبّها إيّاه بالمسلخ، مكّنه ذكاؤه من نيل الإفراج والهرب، ليجد نفسه بعدها معتقلا لدى جماعة داعش، لكن ثقافته الدّينية أسعفته؛ ليبدو معارضا للنّظام، حتّى جعلوه نائب أمير الجماعة وسمّوه أبا مسلم.

ولأنّ "مصائب الحياة كفيلة أن توحّد بين المغتربين في الأرض"، جمعت بينه وبين جيلان السّبية الإيزيديّة التّي أهدوها له، فأحسن معاملتها كأخ لها، وساعدها على الهرب وسلّمها لعمّها، وترك معها كردان"مصاغ" أمّه أمانة لديها، ثمّ هرب مرّة أخرى إلى أوروبا بمساعدة تجّار الأزمات والإنسانيّة، الذين طالما حذّرته أمّه منهم بقولها:" إيّاك يا عربي أن تثق بمن يقبض ثمن مساعدتك سلفا، ناهيك عن أن الرّاشي والمرتشي في النّار." التقى هناك بالصّحفية النّاشطة الإنسانية أوود التّي أحبته وأحبّها ووثقت به ودعمته، وكانت على مقياس عقله وروحه، وساعدته في الحصول على أوراق الإقامة، وهنا انتصار للإنسانيّة والحبّ على اختلاف الأصول والسّلالة والدّين.

ظهرت إنسانيّة أوود ونزاهتها ومصداقيّتها حين كشفت زيف الوجه الحقيقيّ للغرب، وما يتغنّى به من عدالة مصطنعة بقولها له: لا يغرّنّك حريّاتنا وديمقراطيّتنا الغربيّة كثيرا، هي اسم يفتقر إلى مسّمى حقيقيّ، بدليل أنّنا نؤمن بها داخليّا، وننتهكها خارج حدودنا، ومع غيرنا.ليس كلّ ما يلمع ذهبا.

لكن الدّنيا كعادتها مع عربيّ تمرّ سريعا على مواسم فرحه، وتضيق به بفقدان أوود بمرض السّرطان، يحاول بعدها قتل الفراغ الذي خلّفه غياب أوود بالعثور على أحد من ماضيه، باحثا عبر الفيسبوك الذي لم يكن من محبّيه منتحلا اسما افتراضيّا، يبحث عن تيماء وجيلان وتالا، فلا يتمكّن إلا من الوصول لمعلومات عن تالا فيتفاجأ بزواجها من أحد مافيات الاقتصاد، وعيشها حياة البذخ متنازلة عن مبادئها الشّيوعيّة السّابقة، وهذا حال الكثير من النّاس تسقط مبادؤهم أمام أوّل حفنة دولارات.

تستمر رحلة كبد عربي بإصابته بالقرحة جرّاء شربه الخلّ؛ ليقي نفسه من شرّ فيروس كورونا، إذ تمّ استدعاؤه أمنيا، لضبط الأجهزة الأمنيّة له وهو يشتري الخلّ بكميّات كبيرة، ممّا دفعهم للبحث في ملفّه الأمني، فاكتشفوا بذلك أنّه هو ذاته "أبو مسلم" واعتقلوه.

بدأت الأحداث باعتقال وانتهت باعتقال بعده موت، حتّى "مشرق" قطّة عربي التي كانت ملازمة له ماتت، ولم يتمكّن من دفنها بسبب اعتقال السّلطات له.

يتجلّى في الرّواية أثر الأمّ والأب في حياة عربي، من خلال حضور نصائح أمّه التّي كانت تحذّره من السّياسة دائما؛ حتّى لا يلقى مصيرا كأبيه كتخيّلها تقول له أثناء هجرته:" اتّكل على ربّك ودعائي تنجو يا ولدي" محذّرة له من المهرّبين، ونصائح أبيه الذي كان له كلّ الأثر في ثقافته التّي كانت مخرجا له في مواقف كثيرة في الرّواية، حتّى بعد فقدانه مثل تخيّله وهم مهاجرون على المركب يقول له: "كن أبيّا يا عربي وإيّاك أن تستسلم."

وكان للأسماء رمزيّة محكمة كما في اسم عربي ومشرق، إذ لم يحصر البطل بجنسيّة معيّنة ، فهذا حال الكثير من المواطنين في الدّول العربيّة.

وكتب نافذ الرفاعي:

لدى دعوتي من ندوة اليوم السابع المقدسية للمشاركة في قراءة رواية كوثر الزين "ذاكرة في الحجر"والتي اعرفها إعلامية متميزة وشاعرة فازت بجائزة "بابطين"عن قصيدتها "شطحات"، فاقتربت من سرديتها الروائية بكثير من الريبة، وهل تحولها نحو السرد يوازي اعتلائها صهوة الشعر وفوزها بالجائزة مناصفة مع شاعرة يمنية ،

وعليه استعنت بمثابرتي وتحملي لأصناف الكتابة غير مكترث بما أواجهه من نص يحمل مسمى الرواية،

والعنوان "ذاكرة في الحجر" أثار لدي تكهنات بأن هذا العمل له صله بعملها كأعلامية وشاعرة وقد يبتعد عن عالم الرواية، وبما أن العنوان هو مفتاح الكتاب وما تحمله التسمية من غموض وتورية، قررت قراءة النص لسببين: أولهما معرفتي بالأديبة والإعلامية والشاعرة، وثانيهما استكشاف ماهية النص وهل تنطبق عليه معايير الرواية.

وأعترف بكل صراحة أن وجهة نظري انقلبت رأسا على عقب لدى ولوجوي هذه السردية، تفاجئت بحكاية تحمل رؤيا وأفكار وفلسفة ورسالة تحاكم الوجع العربي المزمن.

حيث سحبني النص وما سببه لي من فضول بالركض مع أحداثه المشوقة رغم اكتنازها بالعمق المعرفي والفكري والتنوع السياسي والعقائدي،

وتجسد الروائية شخصية "عربي" الرجل البطل في الرواية امتدادا لوالده المثقف العضوي، والذي دفع ثمن موقفه الصلب والواقعي في السجن واختفاء اثاره بعد الاعتقال، ورث "عربي" الثقافة والقراءة ولكن سكنه الجبن والخوف من اتخاذ موقف بحثا عن النجاة،

واللافت للنظر أن الاستهلال للرواية حوار ومولونوج مع القطة "مشرق" وهو اسم قطته المهداة من حبيبته الفرنسية "اوود" فهي بدلالة اسمها قدره الموعود،

المرأة في عالم "عربي" بدءا بصديقته المثقفة الشيوعية "تالا" وغروره المعرفي يتمثل أنه الجبل وهي التلة،

وخطيبته تيماء والتي هي نسخة عن والدته في الطيبة وتعكس المرأة البسيطة المهتمة فقط بزوجها، وهي تعكس الرجل العربي وسي السيد، واضحت ضحية الاعتقال من البوليس في زمن ثورات الربيع العربي من الاستبداد، ونجاة "عربي" بالاختباء على ظهر التينة ليرقب اعتقالها ووالدها،

لقد عرت الكاتبة عصر الاستبداد وتجربة اعتقال "عربي" المهادن والخائف وتعذيبه بالكهرباء وأثر ذلك على رجولته لاحقا.

لقد أوقعت كوثر الزين بطل روايتها في رحلة هروبه من البوليس وهجرة وطنه بين يدي التكفيريين، لينتحل مسمى "ابو مسلم" ويستخدم علمه وثقافته وإصراره على النجاة، ويهرب مجددا منهم مع السبية جيلان اليزيدية،

تجسد الروائية رحلة الهروب نحو أوروبا مطمع الحياة، يلفظه البحر في فرنسا مارسيليا، تعرض الرواية معاناة الهاربين إلى أوروبا ووقوعهم فرائس للمهربين وسوء المعاملة من سلطات الهجرة،

تستحضر القدر ومعجزته التالية مع "اوود" الصحفية الفرنسية العاملة في “مجموعة صحفيون بلا حدود” لتستضيفه في بيتها ورحلة العلاج للاستشفاء من أثر التعذيب على فحولته،

لا تترك الروائية القدر وتسرده في نسق درامي لا يريحه من بؤسه الذي يسلب منه الطمأنينة، تموت "أوود" كما ماتت أمه واختفاء والده واعتقال حبيبته، تموت الفرنسية بمرض السرطان وينتشر مرض الكيوفيد الكورونا،

يبحث في الفيسبوك ليجد جيلان اليزيدية قد هاجرت لألمانيا وتحتفظ بكردان والدته الذهبي الموروث عن جدته لأبيه وهو ما دفعه مهرا لحبيبته تيماء واسترده في حركة نذالة لدى اعتقالها، يحتفظ به في رحلة الهروب ووقوعه بيد التكفيريين الذين احتال عليهم بآثار التعذيب وسعة المعرفة بعالم الكمبيوتر والتكنولوجيا، واستأمن جيلان عليه،

وهنا سخرية القدر والخوف من الموت والمرض الوباء وبحثا عن قراءته المعرفية للصوص الذين سرقوا موتى الطاعون في مارسيليا من خلال الخل،

ملاذه الخل كي يتجنب مرض الكورونا الكيوبيد سبب له قرحة ودمار في المعدة وتم اجراء عملية عاجلة له في المستشفى .وخروجه قبل التشافي إلى البيت ليطعم "مشرق" قطته والتي هي ما تبقى له من "أوود" الفرنسية،

بقيت القطة دون غذاء وماء خلال مكوثه بالمستشفى،

يصل متأخرا و"مشرق" في النزع الأخير يسقيها الماء ولكنها تموت،

في لحظة البحث عن دفنها يفاجئه البوليس السري ويعتقله لينبش ماضيه في "ابو مسلم".

والترياق للوباء الخل هو موطن الشبهة والتهمة لصناعة متفجرات، يتحاشى السجناء مصاب بالكورونا لكن "عربي" اقترب منه واسنده،

يودع "عربي" خوفه بل يعانقه في مريض الوباء لانه تغلب على جبنه وخوفه.

روايه في منتهى الروعة وجمال السرد واللغة عالية ومتماسكة ومشوقة وعباراتها جزلة، رواية فيها رمزية عالية بل واضحة جدا وهي بطل الرواية "عربي" تضعه رمزا لأمة العرب وما يواجهون وأحلامهم في الهجرة والعثرات والخيبات والانكسارات،

وأما رمزية "أبو مسلم" هو التدثر بالدين ومحاكمة التطرف الملتبس، واأيضا الالتباس في الموقف من الإنسان يجسده “عربي” في تعامله مع جيلان السبية اليزيدية بمنتهى الإنسانية ولا ينساق لفقه النكاح،

أما "مشرق" قطته فهي ترمز إلى عالمه وهو الشرق البائس كقطته الجميلة، تحاكي مجرد روح الشرق بتجلياته وسحره، ولكنه موؤود بالاستبداد والتخلف والفساد،

استعرضت الكاتبة أوروبا بلاد التنوير ولكنها غاصت في ازدواجية المعايير، فرنسا الأدب والفلسفة ومعرفتها بفرنسا أدبا وفلسفة وتاريخا من سيمون ديبفوار وسارتر وأحدب نوتردام، تبيع فرنسا أسلحة القتل لتستخدم ضد اليمنين،

وتطرقت إلى أمين معلوف الهارب من لبنان قبل عشرين عاما لتستمر مسيرة الهروب في “عربي” والذي تمثلت شخصيته في قراءة ما كتبه معلوف.

حملت كوثر الزين تالا الأفكار الماركسية والبروليتاريا ولكن نهايتها على حساب الفيسبوك تزوجت ثري من لصوص الاقتصاد.

أما خطيبته تيماء اختفت في السجون تماما.

وأما سبيته جيلان هاجرت وتزوجت ومات زوجها في الكويفييد.

وحبيبته الفرنسية ماتت بالسرطان.

يبدو أن هذه التراجيديا التي تحيط بعربي في طفولته باعتقال واختفاء والده والربيع العربي دمر حياته واعتقال خطيبته واعتقاله وتعذيبه،

وهروبه ووقوعه في فخ التكفيريين ، نجا ولكن طاردته تلك الحقبة لتصنع نهايته رغم براءته منها،

الخوف يطارد هذا العربي إلى أن تحدى الكويفييد والموت.

أن الترميز في الرواية أكثر انكشافا من اسماء عربي وكنية ابو مسلم وقوله أنه اسمه اسم والده أحمد.

في الرواية تعرض موقف عربي من جيلان وهي يزيدية وهو يتصرف بأخلاق إنسانية عالية، وهي رسالة ضمنتها الكاتبة أن الدين صلة ما بين الإنسان وخالقه ويجب أن لا يحكم البشر على بعضهم لمن هذه العلاقة كمقياس، وتعري استباحة الآخرين للبشر سواء تحت دافع الدين أو الاستبداد من الحاكم.

اخيرا وليس أخرا أن المكان في الرواية هو الوطن العربي بلا فواصل وبلا حدود جغرافيته سكانه"عربي".

فعلا لقد تميزت الأديبة كوثر الزين في روايتها كما تميزت في شعرها وشهدت لها مؤسسة البابطين.

وقالت د. رفيقة عثمان:

لعام 2024. صدرت رواية "ذاكرة في الحجْر" للكاتبة: كوثر الزّين

"ذاكرة في الحجر" رواية تنطبق على معظم الدّول في كافّة أنحاء العالم العربي. سردت هذه الرواية الأحداث النّاجمة عن الحروب؛ مثل: الدّمار، والتهجير، والتجويع، والإبادة الجماعيّة، والهجرة لدول العالم الأوروبي، وباقي دول العالم.

اختارت الكاتبة شخصيّة محوريّة وأساسيّة؛ لسرد الأحداث على لسان الرّاوي البطل (عربي)، لم يكن اختيارالإسم عفويًّا، ربّما قصدت الرّوائيّة الزّين، بأن يكون الإسم رمزًا لكلّ إنسان عربي عاش، وما زال يعيش نفس الأحداث في الإغتراب كالحياة الّتي عاشها البطل عربي.

اختارت الكاتبة البطولة الثّانويّة لشخصيّات معظمها نسائيّة؛ لسرد أحداث الرّواية مثل: أم عربي وهي مرتبطة جدّا بإبنها عربي؛ لأنّ زوجها مفقود، فهي قدوته بكلّ أمور الحياة، وشخصيّة تيماء الّتي أحبّها عربي ورغب بالزّواج منها؛ لأنّها تشبه أمّه في مساعدته والقلق من أجل راحته؛ وهي الّتي قادها المعتدون مع أبيها للأسر، ولم يحاول عربي حمايتها، فاختفت علومها مع السّبايا؛ وشخصية تالا صديقة عرب في الجامعة، وجيلان الفتاة السبيّة المأسورة مع السّبايا، وفُرضت على عرب والّذي بدوره حافظ على شرفها ورعاها؛ ونجح في تهريبها، وأخيرًا شخصيّة أوود العاملة في حقل حقوق الإنسان في فرنسا، وأحبّها عرب، وعاش معها بحب وطمأنينة، حتّى وافتها المنيّة.

من المُلاحظ في سرد الرّواية غلبت الشّخصيّات النسايئّة على الذّكوريّة؛ والّتي شكّلت شخصيّة البطل عربي؛ وأبرزت مواصفاته ومكنونات شخصيته من خلالها، في الأماكن والأزمنة المُختلفة.

اتّسمت شخصيّة عربي بمواصفات عديدة مثل: الحكمة، والذّكاء، وحسن الخلق، والإلمام بكافّة العلوم والمعرفة، وإتقان التّعاليم للدّيانة الإسلاميّة؛ بالإضافة للنّزاهة، وسرعة البديهة، وإتقان لغات أجنبيّة متعدّدة؛ وحسن المعاملة مع النّساء.

لم تصرّح الكاتبة باسمي المكان والزّمان، لأحداث الرّواية في بدايتها؛ ولكن من الممكن التّبّؤ بهما من خلال السّرد، ما بين السّطور، وفقّا لذكرها كلمة الحجْر أثناء انتشار وباء الكورونا، والّذي ابتدأ عام 2020 – بينما المكان، من الممكن الاستدلال عليه من خلال ذكر كلمة ( المعزّة) وهو اسم حقيقي لشركة تصنيع الخل في تونس (ويكبيديا: المجلّة الحرّة).

تعدّدت أماكن سرد الأحداث في الرّواية مثل: تونس، واليونان، وفرنسا.

انتقت الرّوائيّة كوثرعنوان "ذاكرة في الحَجْر"؛ نظرًا لسرد البطل عربي أحداث من ذاكرته، أثناء الحَجْر الصّحي الّذي تعرّض له في الغربة، عند انتشار وباء الكورونا. عِلمًا بأنّ سرد ذكريات عربي، ظهرت في القسم الأخير من الرّواية؛ هنا من الممكن التّلميح لكلمة الحَجْر في عدّة مواقف مثل: الحجْر الصّحي، والحجر بالسّجن؛ خاصّةً بأنّ عربي تعرّض للإعتقال أكثر من مرّة، أو حَجْر لإنسان تصرّف لصغر السّن، َأو الحَجْر على إنسان غير سوي، والحجْر البيتي رهن الاعتقال.

برأيي الشّخصي، إنّ تعدّد أنواع الحَجْر المذكورة أعلاه، تنطبق على سرد الرّواية، و بعيدة عن التّصريح حول نوع الحجْر الصّحي الحقيقي، خاصّةً؛ لأنّ الذكرى اشتملت على كافّة مراحل حياة البطل عربي، ولم تقتصر على الحجر الصّحي فقط.

في نهاية الرّواية تعرّض عربي للإعتقال بتهمة اقتنائه عبوات من الخلّ، والّتي حرص على شرائها؛ لاستخدامها للوقاية من الإصابة بوباء الكورونا.

كانت التّهمة بأنّ عربي منتمٍ لتنظيم معادٍ، ويقوم بتحضير متفجّرات كيميائيّة للإعتداءات والتفجير. برأيي الشّخصي: ترمز هذه التّهمة لفكرة وصمة العار المُلصقة بالمغترب العربي، مهما كانت مكانته، وجنسيّته، وديانته؛ وتفشّي العنصريّة نحو المغتربين، وأنّ الإنسان العربي مُلاحق ومُتّهم أينما كان، لا حقوق له، وأنّ الحيوان يحصل على حقوقه أكثر منه؛ كما سردت الكاتبة، حول نُفوق مشرِق قطّة عربي، عندما اعتُقل للتّحقيق، فاتُّهم بقتلها، وأنّهم سيتوّلون بأمرها. هذه الرّسالة كانت قويّة ومؤّثِرة على النّفس.

نهجت الكاتبة كوثر الزّين أسلوبًا سرديًّا شيّقًا، ومعتمدًا على سرد الذّكريات، والحوارات الذّاتيّة المُتكرّرة، والغيريّة، كما ظهر مع النّساء المذكورات سابقًا، بالإضافة للحوار مع القطّة مشرق لفظيًّا وإيمائيًّا.

اتّسمت لغة الكاتبة، بلغة فصحى قويّة، وسلسة تخلو من اللّهجة العاميّة؛ برأيي؛ الرّواية بحاجة للتنقيح؛ لتفادي الأخطاء اللّغوية الواردة فيها.

ظهرت العاطفة في الرّواية بالعاطفة القوميّة، والوطنيّة بصورة قويّة، على الرّغم من عدم الإفصاح عنها بشكل مباشر؛ كذلك برزت العاطفة الإنسانيّة (عاطفة الحب، والعشق، والانتماء، عاطفة الحزن، والألم على الفراق، بينما عاطفة الفرح لم تبرز كثيرًا)؛ وبالإضافة للعاطفة الاجتماعيّة؛ ممّا تعزّز من معنى القصّة، وتثير اهتمام القارئ.

استعرضتِ الكاتبة عددًا لابأس به من الأسماء الغربيّة، لعلماء، وفلاسفة؛ كدلالة على الثّقافة الغربيّة، إنّ هذا الإستعراض كان مبالغًا فيه.

في نهاية مقالتي هذه، أبدي إعجابي وتقديري لرواية "ذاكرة في الحَجْر"؛ نظرًا لسردها المشوّق، وتناول قضايا اجتماعيّة، وسياسيّة واقعيّة من وحي خيال الرّوائيّة كوثر الزّين؛ ساردة لأحداث هامّة ومُلحّة لأوضاع المغتربين، ومعاناتهم أثناء رحيلهم، وغربتهم، وكيفيّة صعوبة التكيّف في البيئة خارج الوطن. عندما يسكن المُغترب في الغربة، يظل الوطن يسكنه.

وقالت نزهة أبو غوش:

لقد اختارت الكاتبة لروايتها بطلا – عربي- رجلا، رغم أنّها امرأة. أرى بأنّ هذا الخيار يعكس قدرة الكاتبة للخوض في عالم مختلف عن عالمها النّسائي؛ وقد قدّمت الكاتبة منظورا جديدا حول القضايا العاطفيّة والسّياسيّة، وغيرها؛ وقد يكون الاختيار تحدٍ للأدوات التّقليديّة.

أرى أنّ هذا الاختيار للكاتبة قد أضاف عمقا أدبيّا للرواية.

اختارت الكاتبة الزّين أن يكون اسم بطلها، عربي والّذي شكّل له هذا الاسم حياة صعبة في حياته، إذ اعتبر اسم عربي وصمة جعلته كريشة تطير في مهبّ الرّيح. أرى أنّ أي اسم عربي – محمد علي، محمود...- أيضا يشكّل وصمة في حياة الفرد الّذي يعيش في بلاد الغرب في معاملتهم العنصرية، حتّى وإن تظاهروا بعكس ذلك. هذا أسلوب من أساليب النّقد الّذي تعطي ضوءًا أحمر في وجه العالم.

عاش البطل حياته في صراع ثقافيّ وحضاري وديني، لحياته البائسة في بلد عربيّ؛ وبلاد غربيّة تختلف كثيرا بمعاييرها وثقافتها وحضارتها وتاريخها؛ وذلك بسبب تنقّله بظروف مختلفة، وغريبة بين عدّة بلدان مثل فرنسا وروما.. وغيرها.

استخدام الحيوان في الرواية استخدمت كرمز لانتقاد تصرّفات الإنسان جوانب من المجتمع وهذا ما فعله البطل عربي الّذي من خلال مخاطبته للقطّة مشرق.

قد أسقط عليها كلّ ما يحمله من ظلم، وجشع وتسلّط، وسلوك مستهجن بذيء، من أفراد ينتمون الى فصائل دينيّة، وانتماءات طائفيّة وعرقيّة؛ والّذي تمثّل في حياة النّساء اللواتي سُبين - النّساء اليزيديّات - .

فقد عربي محبوبته الأولى تيماء بعد أن غابت في سجون النظام الحاكم، والتي تشبه أمه بحنانها وحرصها عليه وعلى رضائه.

أمّا جيلان، فقد مثّلت دور الطبقة المحظوظة، نسبيّا، على الرغم من سقوطها بأيدي داعش، إلا أن وجود عربي، شكّل لها حماية، فصانها وحافظ على شرفها؛ وحرّرها من الأسر.

أمّا شخصيّة تالا زميلته الجامعيّة، فقد مثّلت الطبقة المتحرّرة المثقّفة المتحدّية للقوانين المجتمعيّة؛ والّذي من خلالها رأى أنّها منافسة قويّة له، تشاركه معلوماته المكثّفة في رأسه؛ أمّا شخصيّة أوود فقد مثّلت شخصية الطبقة الصّادقة الأمينة على عملها كصحفيّة، فهي تؤمن بالأعمال الانسانيّة وتحترم الانسان كانسان دون النّظر إلى أيّ دين أو عرق أو لون، أو أيّ سياسة، والدليل على ذلك حبّها لشخص عربي وزواجها منه عن اقتناع مطلق، حتّى بعد أن عرفت عن الخلل الجنسي الّذي أصابه نتيجة تعذيبه في السّجن؛ بسبب أنّ والده ناشط ثوري مجاهد ضدّ الظلم.

هناك ظاهرة منتشرة في الوطن العربيّ، وهي هروب الشّباب من أوطانهم، واللجوء إلى الدول الغربيّة معتقدين أنّهم سيجدون أمنا وأمانا عوضا عن بلادهم. لقد تمثّل هذا الدّور في شخصيّة عربي، الّذي لاقى الأهوال؛ حتّى استطاع الهروب من بلده تونس. ما هي الأسباب الّتي تجعل الشّاب العربي أن يهرب من بلده؟ لقد تبيّن في الرّواية أنّ الاضطهاد السّياسي، والخلافات الدّينيّة والعقائديّة، والخلافات المستمرّة حول السّلطة، والتدخّلات الخارجيّة الّتي أشعلت نار الفتن؛ أعتقد أنّ شخصيّة عربي قد عبّرت عن تلك الصّراعات بشكل موجز نسبيّا، كما أنّه تبيّن لعربيّ أن الحياة في الغرب لا كما يتوقّعه الشّباب أبدا، اذ أنّ هناك صعوبات كثيرة تواجهه، منها العنصريّة المباشرة..

الأسماء الاجنبيّة للمشاهير والفنّانين الّتي أدخلتها الكاتبة في سياق الرّواية ساهمت في إثراء النّص الرّوائي، حيث عزّزت الواقعيّة في الرّواية. وأرى أنّ الكاتبة قد أبرزت ثقافتها واطّلاعها على الثقافات الأخرى؛ مّما يعكس عن عمق معرفتها.

عنوان الرّواية " ذاكرة حجر" تشمل كلمة حّجُر على عدّة معانٍ، فهي الحجر القانوني والحجر الاجتماعي، أو الحجر الصّحيّ؛ أرى بأنّ العنوان ينطبق على ما جاء في محتوى الرّواية؛ فقد تزامنت أحداث " مرض الكوليرا" الرّواية، ممّا سبّبت صعوبة تنقّل الشّخصيّات بحريّة، وخاصّة شخصيّة عربي.

نهاية الرّواية تظهر المفارقة؛ حيث أنّ عربي، بطل الرّواية كان انسانا معتدّا بنفسه، دائما يفتخر بأنّه شخص حذر جدّا؛ حتّى أنّه فسّر تخاذله للدّفاع عن محبوبته الّتي اختطفت، هو حذر وذكاء واستدراك، وبعد النّطر؛ كما أنّه توخّى الحذر خلال مراحل حياته مع الفتيات اللواتي تعرّف عليهن. ومن الغريب أنّ البطل عربي قد أصيب بالمرض في أمعائه، وكاد أن يفقد حياته؛ بسبب تناوله الخلّ بكثرة منعا لإصابته بالكورونا؛ هنا فقط نسي عربي أن يستخدم الحذر الّذي كان يشدو به.

إنّ قصّة موت عربي لعدّة دقائق أثناء العمليّة، حيث رفرفت روحه فوق بلده ورأى آثار الدّمار في بيته؛ ترمز إلى أنّه لا يوجد أمل لعودة المهاجر إلى وطنه.

وقالت تالا تُشير:

اعتمدت الكاتبة في روايتها ( ذاكرة في الحجر) سرد أحداث تدل على الزمن الحاضر قاصدة مناشدة جمهور معاصر. دلالة على ذلك ص٣٥ حين تطرقت الشخصيات لأسلوب تنشيط مواقع التواصل الاجتماعي بهدف التأثير والتعبير. سلاسة وبساطة اللغة تسمح الوصول لجمهور واسع. تعددت المواضيع المطروحة في الرواية ترزها الهوية، تمكين وعدم تمكين العلم للنجاة واستمرارية الحياة في بلاد تخوض حروب.

تعمدت الكاتبة اختيار أسماء مثل أبو مسلم (ص٣٤) وعربي (ص٧) كوسيلة للتعبير عن هوية المواطن العربي. تعددت الأحداث التي تدور حول هذه الشخصيات وكان الموت ينتظرهم في كل طريق. رغم الصعاب كان النجاة من حليف هذه الشخصيات. "لولا أن احتميت بجذع تينة عالية، ونجوت" (ص ٢٧)، "فطفوت ونجوت حيث غرق غيري وهلك" (ص٨)، " كاد البحر أن يطفئني.. لكني نجوت" (ص٧٥). تكررت كلمة نجوت ٧ مرات في الرواية بهدف زرع الأمل في فكر القارئ في زمن كاد يفقد فيه الامل بسبب أوضاع البلاد.

من المتداول أن العلم وسيلة الاستمرارية الحياة وتحسين مستوى المعيشة في الشعوب. منذ البداية تذكر شخصية أبو مسلم وهو متخصص بعلوم الحاسوب، يتقن ٤ لغات، وبليغ في مجال التاريخ. عندما توجه للميناء وواجه صعاب في دفع تكلفة ثمن الهروب سخرت له مواهبه وأسلوبه البارع بإقناع مجموعة من الناس بالانضمام إلى مغامرة الهروب المحفوفة بالموت. مع تسلسل الأحداث يحتار أبو مسلم ويتسأل عن أهمية شهادته وهو لاجئ في بلد غريب. تمكنت الكاتبة من إبراز وجهين متناقضين للعلم وتمكينه في حياة الشخصيات للنجاة والاستمرارية.

التطرق الفقدان والمعاناة أثر الحروب شائع في كتابات يومنا هذا. تطرح الكاتبة من خلال الشخصيات تساؤلات مثيرة للجدل مثل "ماذا لو خلقنا أمة واحدة" (ص 47) ومن ثم تأتي الإجابة "لما كانت سالت دماء باسم الدين أو فكرة أو طائفة أو تنظيم" (ص٤٨).
تدفع الكتابة القارئ للتساؤل والتفكير بعناوين آخر الأخبار، سببها، كيفية الامتناع من عناوين أليمة، وتساءلت شتى.

نجحت الأديبة بعكس واقع الإنسان العربي في عصرنا هذا من تعريف هويته إلى دور التعليم في نجاته في الحياة وطرح أسئلة و مواضيع تتمحور حول التعايش وعدمه في زمن كثرت فيه الحروب واللازم فيه الهروب.

وقالت خولة سالم:

تدور فكرة رواية " ذاكرة في الحجر" حول قناعات مفكر عربي اسمه "أحمد" يدفع ثمن قناعاته السياسية ، اعتقالا ثم اختفاءا ، وتعاني عائلته المكونة من الزوجة ثمن غيابه جوعا وحرمانا واعتقالا، لا لشيء سوى انهم عائله مناهض سياسي .

بطل الرواية الابن واسمه "عربي" – ربما إشارة الى محور الرواية وهي شخصية العربي أينما حل وارتحل تلازمه صفته ويدفع ثمنها في أي دولة يقيم فيها مهجرا، مطرودا، مشردا بحيث يبقى وحيدا بعد ان تقضي امه في فترة الفايروس ويبقى يصارع الحياة كونه ابن معارض سياسي.

الاحداث في مجملها تكرس قناعات الاب رغم ظهوره عبر السرد في كلمات غرسها في ذاكره ابنه منذ صغره وتبقى تلازمه طوال حاله وترحاله.

الجميل في السرد أنه يوثق قناعات وفكر العربي، واعتزاه بعروبته، وقيمه واخلاقه، بل وينتقد التيارات الإسلامية وما تحاول جاهدة فرضه بما يتعارض والقيم العربية الاصيلة.

مبارك للكاتبة إصدارها القيم والجريء في طرح قناعاتها.

وقال المحامي حسن عبادي:

تتناول رواية "ذاكرة في الحجر" مسألة اللجوء والغربة في الوطن وخارجه، أحلام اليقظة واليقين، والحـرية المفقودة والمنشودة، والوهم والخذلان سيّد الموقف.

تتناول الربيع/ الحلم العربي الذي صار بين ليلة وضحاها خريفاً قاتلاً لكلّ من آمن به وعوّل عليه، ولكن هيهات، يا فرحة ما تمّت.

حلم "عربي" (اللا بطل الرواية) وأمِل بمستقبل أفضل بعيداً عن أهله وبلده ولكن خابت آماله وتحطّمت أحلامه عبر البحار.

ذاق عربي الأمرّين في بلده؛ غريباً في وطنه، تلازمه معاناة والده المثقّف واعتقاله وتعذيبه بسبب مبادئه ومواقفه، وورّثه أبوه اسمه وتاريخه النضاليّ ومكتبة لا تسمن ولا تغني من جوع، ولازمته الوِرثة كشبهة/ تُهمة/ وصمة عار.

عربيّ جامعيّ، يحمل شهادة الماجستير في هندسة الحاسوب، مع خبرة وتجربة في مجاله، من بلد عربيّ، حلمه الهروب من بلده إلى الغرب طالباً الأمان الشخصي، مثله مثل الملايين من المتعلّمين والحرفيّين الذين رحلوا عن أوطانهم ممّا أدى إلى تفريغها من الطبقة الوسطى ليعيدوا إعمار الغرب الاستعماري، أيادي عاملة وعقول رخيصة، فنلاحظ أنّ غالبيّة من يهاجرون من البلدان العربية هم "من يفكّون الحرف"، بعقولهم أو أياديهم.

يُعتقل عربي ويُعذّب، يُفرج عنه ويبدأ بالتخطيط للهرب من بلده، ومعه وِرثته، كردان (قلادة ذهبيّة/ مصاغ) أمّه، رابطه الوحيد مع ماضيه، وفي طريقه يقع في مخالب داعش، فاستغل علمه (الحاسوب) وثقافته الدّينية ليصير (أبو مسلم) ونائب أمير الجماعة، ويحظى بجيلان/ سبيّة إيزيديّة، لكنه خاواها، حافظ عليها وهرّبها وأعادها إلى أهلها لتحقّق حلمها بالحرية، ومن بعدها اللجوء إلى أوروبا التي صارت الحلم العربي.

تصوّر الكاتبة درب الآلام التي يمر بها عربي أثناء الهروب من بلده عبر البحار والمخاطر حتى يصل إلى مارسيليا الفرنسية ومن ثم إلى أحضان (أوود)، ولكن فرحته لم تتم، إذ يفقدها إثر مرضها بالسرطان.

يلجأ عربي إلى "الحِكمة العربية" فيشتري الخلّ بكميّات لإيمانه بأنّه سيقيه من بلوى الكورونا، ولكن غاب عنه أنّ الكلّ مراقب في أوروبا، والكاميرات في المتجر صوّرته مما أثار الشبهات، فالعربي مشتبه به أينما كان، فيعتقل من جديد ويخرجون الدفاتر القديمة، حيث كان (أبو مسلم)، تهمة تلاحقه وتلازمه كلّ الوقت.

حمل عربي وصيّة والده: "كن أبيّا يا عربي وإيّاك أن تستسلم، إنّ البحر يحبّ الأُباة" (ص81)، ووصيّة والدته: "احذر السياسة يا عربي... السياسة خراب بيوت".

تناولت الكاتبة وسائل وطرق التعذيب داخل المعتقلات، وأخذتني مجدّداً لما أسمعه من الأسيرات والأسرى الذين ألتقيهم في سجون الاحتلال، فيبدو أنّ الساديّة واحدة موحّدة في كل بقاع العالم: "كلاب جائعة لاستفتاح الحفلة ولعقِ عصائر النزيف... عِصِيّ غليظة لهشاشة العظام... حبالٌ لتعليق الجلود الممزّقة بالسياط، ودواليبٌ لطيِّها... كلاليب للأظافر... شَبحٌ للسهر... بُصاق وأكفّ غليظة للصحو... مسامير وسجائر مطفأة للكلام... أسلاك مكهرِبة، تجوس بين السُرّة والفخذين لامتحان الرجولة... صيام للنهارات والليالي، ينتهي بربع رغيف عفن، وطاسة ماء صدئة... وقتلى بلا جنازة... لكنّني نجوت" (ص31).

تناولت الرواية نساء/ بطلات كُثر، كلّ ودورها؛ تيماء (شبيهة والدته) التي اختارتها له أمّه لتكون شريكة حياته ولكن الفرحة ما تمّت، تالا الجامعيّة التي تشدّقت باليسارية لتحط ترحالها بحضن زوج برجوازي رأسماليّ لتطلّق المبادئ مقابل حفنة من الدولارات، جيلان التي نجحت، بمساعدة عربي، بالهروب من براثن الدواعش وتتزوّج من حبيبها الأول ليمرض ويموت بعد سنوات قليلة في الغربة، وأوود الملائكية التي مثّلت حلم الشاب العربي الذي يطمح بالحصول على الإقامة في بلد أجنبي عبر حضن فتاة غربيّة.

صوّرت الكاتبة بحرفيّة الحرب وويلاتها، والابتزاز الذي يتعرض له ضحاياها المنكوبين، أينما كانوا.

من خلال قراءتي في السنوات الأخيرة وجدت أن موتيفاً مركزيّاً في الكثير منها يتمحور في حلم الهجرة من البلد، بغضّ النظر عن هويّة الكاتب؛ وجدتها في روايات الروائي العراقي علي بدر، الروائي التونسي شكري المبخوت، الروائيين الأردنيين قاسم توفيق وزياد محافظة، الروائية الكويتية بثينة العيسى، الروائيين الفلسطينيين سامح خضر وعاطف أبو سيف وصديقتي الكاتبة باسلة الصبيحي.

صوّرت الكاتبة درب الآلام ورحلة الهروب من معسكرات التعذيب داخل الوطن إلى أوروبا المنشودة عبر البحار، وحين قرأتها تخيّلتني أُعيد قراءة رواية "زهور تأكلها النار" لأمير تاج السر، ورواية "اغتيال الرحيل" للكاتبة باسلة الصبيحي أو رواية "حقيبة من غمام" للكاتب محمد عبد السلام كريّم التي تناولناها في ندوة اليوم السابع.

الكاتبة واسعة الاطلاع، ولغتها شاعرية، ولكن نعمة اللازورد الدرويشيّ تتحوّل إلى نقمة حين الإفراط باستعمالها، وكذلك الإستبرق وغيرها.

راق لي تصويرها للأماكن عبر أدب رحلات عربي وأوود؛ تأخذنا لجولة سياحية لنزور حي لوبانيية وساحة لانش في مارسيليا، مدافع سيزار ونافورة سان ميشيل ونشطح في معالم باريس وبناية المعهد العربي هناك لتُنصف المهندس جان نوفيل الذي خطّط عمارته.

وكذلك سخريتها السوداء حين تناولت ازدواجية المعايير الغربية (ص.107).

وعذريّة الفم والجسد (ص. 51، 88)؛ نعم، عقليّة الشرقي تسمح له بتقبيل، وحتى ممارسة الجنس، مع عشيقته ولكنها لا تصلح للزواج لأنها فقدت عذريّتها... معه!

لا شك أن الكاتبة مثقّفة ولكنّها أقحمت شوبان ورقصات الشموع (رغم روعتهما) وكان أكثر وقعاً لو ذكرتهم مرّة واحدة بدل التكرار، وكذلك الحال مع ال(شيزوفرينيا) وال(إيزوتيريك) وطقوس التنفّس العميق للاستعاضة عن الطعام بالطاقة الكونيّة (ص. 31).

سافر عربي ساعات ليشارك حفل إطلاق كتاب "غرق الحضارات" للروائي والكاتب الفرنسي اللبناني أمين معلوف ولكن فرحته لم تتم ولم يحضر الحفل...

أشارت الكاتبة إلى كتاب بعنوان "تجارب الموت الوشيك" للكاتبة كورازا أورنيللا (ص. 159)، وتساءلت بيني وبيني، هل قصدها كتاب "تجارب اقتراب الموت: استكشاف الصلة بين العقل والجسد"؟ ولم أفهم كنه إقحامه؟

نعم؛ الصمت موت... كلّنا سنموت ذات يوم بشكل أو بآخر... أشرف لنا أن نموت شهداء حقيقة ونحن نهدم ممالك الصمت.

ويبقى السؤال: لماذا أغضبتِ جيلان حين استبدلتِها بماشو (ص. 45)؟

وقال بسّام داوود:

الرواية سياسية اجتماعية ذات بعد عميق اشارت الى الكثير من القضايا في منطقتنا العربية\ الشرق الاوسط.

واهمها مطاردة الانظمة الحاكمة التي تتصف بالتسلط والقمع والديكتاتورية للمثقفين واصحاب الفكر وتعتبرهم اعداء لها وخطرا يهددها فاما ان تعتقل هؤلاء المثقفين او تعمل على تصفيتهم كما حصل مع والد عربي الذي يؤمن بفكرة العروبة وقد سمى ابنه عربي ليبقى وساما على صدره لكن العروبة هي التي ادت به الى المعتقل او المصير المجهول تاركا خلفه زوجته وابنه الوحيد عربي. وكانت تنبهه زوجته انه في خطر وتطلب منه ان يختفي لانهم سيفرمونه كما فرموا غيره ولن تنفعه مبادئه عند حلول المكروه لكنه اصر على موقفه لانه صاحب فكر شرعي.

كان والده قد تزوج من ابنة عمه بناء على رغبة عمه، وكان بينهما اختلافات فهو رجل قارئ صاحب فكر وهي امراة بسيطة طيبة همها الوحيد الاهتمام بالبيت وزوجها وتوفير السعادة له، لكن كان يجمعهما الاحترام والتقدير المتبادل كان والده يقول له خذ من امك طيبتها وصبرها لكن ابتعد عن بساطتها، كان والده بالنسبه له راسا يفكر وامه قلبا يعطف ويتسائل عربي لماذا تزوج ابي من امرأة لا تشاطره فكره فهو المثقف والحقوقي والمناضل والناشط الحزبي وان يكتفي بزوجة تمسح الغبار عن اوراقه وكتبه دون ان تطلع عليها، ويقول لكنني لم اطرح السؤال على نفسي حينما اخترت تيماء التي احبها لتكون شريكة حياتي رغم بساطتها وغياب شغفها المعرفي فهي تشبه امي ببساطتها.

اما صديقته تاله فهي اليسارية المتحررة الواثقة بنفسها غزيرة الثقافة فقد راقت لي كما انها انبهرت بمخزوني الثقافي وحصل انجذاب متبادل بيننا على الرغم ان جمالها متواضع بالنسبة لجمال تيماء. كما ان امي توجست من علاقتي منها ومدى حرصها على اصلاح الكون وقالت اخشى ان تفعل بحياتك ما فعله ابوك بحياتنا، فدع المكروه يبتعد عن حياتنا يا بني وتمت خطبتي من تيماء وابتعدت عن تاله التي كانت تجيد الحوار والنقاش والتعبير عن رايها وقد صدمها عدم شغفي بالسياسة وكانت تقول لي ما فائدة المعرفة لديك ان لم توظفها للصالح العام وكنت اعتبر ان المعرفة بحد ذاتها هي صالح عام لمن يعلم ونبهتها انه قد يحل المكروه في حياتها ان لم تتوقف عن محاربة طواحين الهواء، فانا اعجبت بها لكن لم احبها بقلب كامل.

مضى على اختفاء والده اكثر من عشرين عاما ولا يعلم عنه شيئا لكن اسم والده على بطاقة هويته بقي يطارده كدليل ادانة الى ان تم ايقافه على احد حواجز النظام واعتقاله ليلقى به مع عشرة من أمثاله المشبوهين للمكروه في مسلخ التعذيب , وبحنكته وذكائه استطاع ان يتحايل عليهم ويوهمهم انه سيساعدهم في الكشف عن اشخاص مطلوبين، وثقوا به واطلقوا سراحه بشرط ان يتعاون معهم، فكانت هذه فرصة ذهبية امامه ليهرب من منطقة النظام ليجد نفسه امام منطقة يسيطر عليها ذو اللحى بحد سيفهم بعد ان قطع مسافات طويلة متخفيا بشخصيات مختلفة حاملا صرته على ظهره ,استقبلوه واستحسنوا شكله بلحيته الطويلة واخذ يكبر الله اكبر الله اكبر ظهر الحق وزهق الباطل اريد ان انضم إليكم أو أموت دونكم , حقّقوا معه وجدوه حافظا للقرآن والاحاديث ومتفقّها بالدين مما نال اعجابهم ليصير خلال ايام مقربا من امير الجماعة ,وقد استأمنه على الجماعة واسرارها سيما انه يحمل مؤهل علمي عالي بعلم الحاسوب لسيستفيدوا منه في تفعيل التواصل الاجتماعي واستقطاب اشخاص جدد للجماعة وهذا ما كان واطلقوا عليه اسم ابو مسلم , واجاد بعمله معهم فكافأه الامير بان اهدى له سبية بنت في العشرينات جميلة جدا اسمها جيلان من الطائفة اليزيدية وقد لاحظ انها تشبه تيماء التي ابعدها عنه النظام وضاعت ولم يعرف عنها شيئا ليصادروا العروس والعرس.

استقبل عربي جيلان في خدره لكن سيطرت عليه الانسانية والاخلاق السامية والشهامة وقرر ان يحافظ عليها ويصونها من اي مكروه فاحترمها وقدرها لتثق به وترتاح معه دون ايذائها على عكس السبايا الاخريات اللواتي تعرضن لكل انواع الاذى والاهانة ممن اهدين اليهم. في داخل نفسه قرر ان ينقذها من هذا الجحيم فاشاع انه سيتزوجها وانها تصلي وتصوم وتنطق بالشهادتين, هي تقول انها توحد الله وانها تصلي وتصوم حسب ما يشاء الملك طاووس حارس الكون بامر خالق الكون لكنكم انتم القتلة والمغتصبون وهاتكوا الاعراض. عربي يرى ان الاديان تجتمع في توقها الى الله وتفترق في طرق الوصول اليه ثم تتناحر باسمه لغايات ابعد ما تكون عنه .وتساءل ماذا لو خلقنا الله امة واحدة لما كانت سالت الدماء باسم دين او فكرة او طائفة او تنظيم . توطدت الثقة بينهم حتى وصلت لنوع من الصداقة الحميمة .جاءت لحظة الانقاذ وبحيلة ذكية اشاع انها حامل وعلى وشك الولادة وانها بحاجة لمستشفى فاستغل نوم الامير والجماعة وركبوا السيارة وقطع حاجز الحراسة مستغلا علاقته القوية مع الامير مما جعل الحراس لا يوقفونه، وقطعوا المسافات الطويلة الى ان وصلوا الى مخيم اللاجئين الذي يقيم فيه عمها حيث استقبلهم وحضن ابنة اخيه وشكر عربي على شهامته وشجاعته وعرض عليه الفدية لكنه رفضها فهو هارب من الجماعة كما هي جيلان هاربة منهم.

بدأ عربي يعد العدة للهجرة من كل المنطقة التي فيها النظام المكروه و الجماعات المتسترة بالدين وتدعي انها ستقيم دولة الحق .تواصل مع المهربين تجار البشر الذين ينهضون على كوارث البشر ليملؤوا جيوبهم ، فمصائب قوم عند قوم فوائد.

وكانت طريق الهجرة طويلة وشاقة وكلها عذابات بالاضافة للتعرض الى الاهانات والشتائم من قبل المهربين واستغلالهم ماديا، حيث يتم تجميع المهاجرين في اماكن مخفية مخصصة لذلك وينقلون الى شاطىء البحر لنقلهم في مركب الموت الذي يتسع لخمسين شخصا ليضعوا به مئة شخص، ابحر بنا المركب وفي عرض البحر بدأ يتأرجح مما ادى لغرق معظم الركاب ولحسن حظي كنت انا من بين الناجيين العشرين من الغرق حيث انتشلتنا سفينة بانامية لتقذفنا على شواطىء فرنسا الجنوبية، ليستقبلنا حراس السواحل بالشتائم ووجوه نافرة ومشاعر بليدة، لكن ما علينا الا ان نتحمل ونصبر وقال بعض الشباب القوا بنا في البحر ولا ترجعون الى بلادنا، انفرج الموقف عند قدوم فتاة فرنسية لطيفة اسمها اوود وتم تحويلنا الى مراكز الاستقبال. اوود تعمل مع مراسلين بلا حدود بالاضافة الى عملها الانساني مدافعة عن حقوق الانسان، استمعت لي، ارتحت لها وارتاحت لي، ولحسن حظي تقرر ان ارافقها لعمل اجراءات الحصول على اوراق الاقامة من اجل اللجوء الانساني، عرضت علي ان تستضيفني بشقتها وهذا ما كان وساعدتني ايضا في ايجاد وظيفة في احدى شركات الحاسوب. حصل انسجام بيننا في ظل تكافؤ فكري هي تؤمن بتقبل الاخر، نموذجا للفكر الحر تتقن النقاش وتجيد الاستماع، اردت ان ارافقها في احد الايام للتعرف على والدتها لم تشجعني على ذلك خوفا من الاحراج مع والدتها التي تؤمن بدمها الارزق ولا تزال رهينة افكار بالية، اكتفيت باوود صديقة وحبيبة، تذكرت جيلان علاقتي معها كانت قسرية تذكرت تاله علاقتي معها كانت تنافسية اكثر منها تفاهم، تذكرت تيماء خطيبتي الضائعة، تذكرت والدتي التي كانت منكبة على ماكينة الخياطة تخيط الستائر وتبيعها لتؤمن لنا عيشا كريما دون سؤال احد لاكمل تعليمي واحصل على شهاداتي العلمية والتي توفيت بسكتة قلبية.

خرجت اوود في احدى مهامها بزيارة استقصائية في بلادي المشبعة بالاحداث، تأملت ان تعود باخبار عن ابي وعن تيماء ومصيرهما المجهول، والد مفقود وخطيبة ضائعة، الا انها رجعت خالية الوفاض، وقد قتل زميلها برصاص مجهول واصيبت هي بجروح في ذراعها، فقلت لها تبا لبلاد تشتت ابنائها وتقتل زوراها متحاملا على بلاده التي لا قيمة للانسان فيها على عكس بلادكم يا ابنة العالم الحر فقالت لا يغرنك حريتنا وديموقراطيتنا الغربية هي اسم يفتقد الى مسمى حقيقي بدليل اننا نؤمن بها داخليا وننتهكها خارج حدودنا ومع غيرنا كانها حق محتكر لنا ونحن من جر العالم الى حربين كونيتين واحتللنا نصف العالم واذللنا الشعوب .ها هي الحكومة الفرنسية تقمع المتظاهرين اصحاب الستر الصفراء تخيل لو بعث فولتير من جديد فانه سينتحر، هذه اساليب لا تليق باسلوب الثورة الفرنسية حرية اخاء مساواة .وانظر ماذا تعمل الحكومة الفرنسية من قتل المدنيين في اليمن من خلال دعم التحالف العربي باسلحة هجومية، هذا ادى لاستدعائها من قبل الامن الداخلي للتحقيق معها. وقالت ما هذا الاستخفاف بعقولنا تطالبون بوقف الحرب وتصدرون اسلحة القتل لقتل المدنيين. ظلت اوود تعمل بكل جد واجتهاد لكشف الحقائق ودعم حقوق الانسان الى ان اصيبت للاسف بمرض السرطان لم يمهلها طويلا لتفارق الحياة وكانت قد اهدتني قطتها المحبة واسميتها مشرق.

اما جيلان فقد هاجرت الى المانيا والتقت بحبيبها عدي وتزوجا وانجبا طفلة الا انه توفي بسبب وباء كورونا.

اما تاله الشيوعية المتطرفة فقد تزوجت من رجل اعمال من مافيات الاقتصاد ممن انتفخت بطونهم بالتخمة على موائد الجياع واصبحت تعيش عيشة الترف متجاهلة مبادئها التي كانت تنادي بها.

مضى على وجود عربي في فرنسا ثلاث سنوات، رأى ما تقوم به الحكومة من دعم للثقافة والمؤسسات الثقافية وتقدم الاموال بسخاء على عكس الدول العربية التي تنفق اموالها على الحروب الداخلية وبناء السجون، وهنا ما الغرابة ان تقوم الحكومة الفرنسية بالاستعاضة عن البعد العربي ببعد متوسطي، حتما ستتحرق المتوسطية الدخيلة شوقا للاندماج بل وستكون سعيدة برفع نجمتها السداسية على انقاض خيباتنا.

في ظل الحجر الذي هو فيه من كورونا تذكر مرض الطاعون الذي حصد اكثر من ثلث السكان قبل قرنين من الزمان.وقرا قصة خل اللصوص الاربعة على حاسوبه ليتبين له ان اللصوص استخدموا الخل ليقيهم ويعطيعهم المناعة ضد الوباء، وكانوا يتمتعون بصحة جيدة ويقومون بسرقاتهم بكل اريحية والناس تعاني من الطاعون. فقام بشراء كميات كبيرة من الخل ورجع لبيته ليدهن جسمه ويشرب منه ليقيه من وباء كورونا لكن للاسف اصيب بقرحة المعدة، اضطر لاجراء عملية جراحية غاب عن بيته لمدة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى