رواية «شات» وسؤال الحداثة
يمثل الأدب الرقمي مرحلة ما بعد العولمة، مرحلة ثورة الاتصالات التي بلغت أوجها في شبكة الانترنت. فمن إفرازات العولمة النقد الثقافي، والنص الرقمي، والعالم الافتراضي. وهي مجالات مستحدثة تفرض واقعها، وذاتها على مثقفي عصرها؛ لإيجاد أنجع الأسئلة اللازمة لحل مشكلاتها المعقدة. فكل فعل إنساني صادر عن معرفة ما. وقد رافقت العولمةَ ثورةٌ معلوماتية هائلة، وتقدم تكنولوجي مذهل في مجالات الحياة. والأدب الرقمي موجود، ويتطور ولا بد له من وسائل نقدية خاصة به. وهو تجل أدبي غير مألوف للمتلقي؛ لذا يمثل التعامل معه في غياب شروط معرفية نقدية واعية إخلالاً بمنطق تلقيه، ورفضاً له.
وليس الأدب الرقمي بديلاً من الأدب الورقي. فهو أدب أفرزه العصر، وله خصوصيته. فالكتابة الرقمية استجابة لدخول البشرية في مرحلة العصر الرقمي.
مما لا شك فيه أن كل ممارسة أدبية جديدة للفكر والإبداع تثير تساؤلات حول شرعيتها وقدرتها على خلق مساحة أوسع؛ لتفجير طاقات التفكير، والإبداع. وهي نظرة لها بعد فلسفي. فكل انتقال حضاري بمنزلة انتقال في أسئلة الواقع، وفي وسائل التفكير في الواقع.
وإذا كان الأدب الرقمي هو التجلي الثقافي الأهم للعصر الرقمي فأين مكانة العقل العربي في هذا العصر؟ وما قدرة الثقافة العربية وممثليها على الدخول إلى هذا العصر؟
وأما فيما يتعلق بإشكالية تجنيس هذا العمل الأدبي فانفتاح التجربة على تعددية التأشيرات الأجناسية هو من صميم نوعية التجربة. والجديد في هذه التجربة دخولُ تعبير التأليف الذي يعد تعبيراً أساسياً في الأدب الرقمي إلى حد الحديث عن منتج النص الرقمي.
رواية «شات»
يرى محمد سناجلة أن العصر الرقمي يخلق كاتبه، وقارئه، وناقده؛ لأننا أمام عصر جديد، وعالم جديد مختلف عن العصر الورقي والثقافة الورقية."1"
وقد أُطلق موقع اتحاد كتاب الانترنت العرب، وهو الأول من نوعه في الثقافة العربية، يركز على نصوص إبداعية رقمية عربية بنسقها الإيجابي، ونشرها رقمياً على أوسع نطاق؛ لخلق تيار إبداعي رقمي في الأدب العربي يهدف إلى نشر الوعي الرقمي بوساطة الكتاب والمثقفين العرب، ويهدف هذا الاتحاد في مرحلة تالية إلى تشجيع الكتاب العرب على الدخول في خضم الكتابة الرقمية، وليحدث تغييراً في مدى استجابة الكاتب العربي للفتوحات الرقمية اليومية.
تعد رواية «شات٢» للكاتب محمد سناجلة متعة سمعية وبصرية وذهنية في الوقت نفسه، وهي معدة للقراءة على شاشة الكمبيوتر باستخدام برنامج فلاش ماكروميديا.
يشبه إخراج هذه الرواية الفني الإخراج الفني للأفلام السينمائية؛ إذ تبدأ بغلاف رقمي بصري تتساقط فيه الأرقام من أعلى الشاشة إلى أسفلها، ثم يظهر عنوان الرواية متوهجاً.
ويبدأ الفصل الأول "العدم الرملي" بلقطة ليل حالك السواد، ثم تتضح الرؤية قليلاً مع بزوغ الشمس حين تتكسر أشعتها على صحراء ممتدة مترامية الأطراف، وتتحرك الكثبان الرملية على إيقاع صوت ريح الصحراء مضفية رؤية مشهدية بصرية كاملة لأجواء هذا الفصل الذي يصور حياة بطل الرواية، وترصد لحظة تحول الإنسان الواقعي من كينونته الواقعية إلى كينونته الجديدة بوصفه إنساناً رقمياً افتراضياً يعيش ضمن المجتمع الرقمي بتجلياته المختلفة.
وتدور أحداث الرواية في الواقعين الحقيقي والافتراضي، وفي صحراء سلطنة عمان تحديداً؛ إذ يعمل بطل الرواية في إحدى الشركات متعددة الجنسيات، فتصور هذه الرواية جدب الواقع، وفقره، ووحدة الإنسان المفزعة فيه. ويعزز هذا الشعور حركة الكثبان الرملية التي تأتي خلفية للأحداث مع صوت صفير الريح، فتبدو رسالة المبدع من هذه المؤثرات متمثلة في فكرة أن الوجود الإنساني شبه مستحيل في هذا العالم الواقعي.
ثم تنتقل الرواية إلى العالم الافتراضي بانتقال بطل الرواية من عالمه الواقعي إلى كينونته الرقمية، وولادة الإنسان الافتراضي الذي يعيش في المجتمع الرقمي. وتأتي الرؤية الخلفية البصرية للمشاهد حافلة باللوحات الجميلة المصحوبة بالموسيقى التي يعلو صوتها تدريجياً للتعبير عن الوجود الافتراضي الجديد والجميل.
ويمكن للمتلقي أن يرى هذا الوجود بديلاً مقترحاً من الوجود السابق. فالعالم الافتراضي لدى المبدع هو العالم الواقعي الذي يريده، وهو بذلك يحمل رؤيا تدخل في علاقة ضدية مع الرؤية التي يقدمها بالعالم الواقعي.
ويلجأ سناجلة إلى توظيف مقاطع من فيلمي: THE «بيوتي»، و«ذماتركس أميركان» وهما فيلمان أمريكيان؛ ليعمق أفكاره التي تثيرها روايته الرقمية، فتضفي هذه المشاهد متعة بصرية حركية على الرواية.
ويمكن للناقد أن يقف عند الشكل الفني لهذه الرواية الرقمية، ولغتها، والرؤية الفلسفية التي تقدمها.
– الاختلاف بدءاً بالعتبة النصية
يعدّ الخطاب السردي أقدر الخطابات على التعبير عن خصوصية الهوية، وتفردها. ومصطلح الهوية مصطلح فلسفي متداول في نظرية المعرفة منذ زمن طويل من تاريخ الفلسفة، وقد تسّرب في المرحلة الأخيرة إلى المفاهيم النقدية الجديدة، فأصبح جزءاً من مصطلحاتها. وثمة سؤال يقدّم نفسه في مجال مقاربة رواية شات هو سؤال الهوية. فثمة سؤال الهوية للذات في نفسها، وسؤال عن منهجية تفضي إجراءاتها إلى إثبات هذه الذات في الكتابة السردية، وربما هو سؤال ينصرف طوراً إلى هذا الطرف، وطوراً إلى ذلك.
ومن المعروف أن الهوية شيء يساوي جوهر ذاته. وما كان له هذه الطبيعة لا يحتاج إلى مساءلة. لكن هوية شات تختلف بالنظر إليها بدءاً بالعتبة النصية.
والعنوان عتبة نصية. وهي تدعى بالنص الموازي؛ أي النص الذي يصنع من نفسه نصاً آخر. فيختصر ما يحيط بالنص الأدبي الرقمي من قضايا لغوية، ومعنوية.
لقد أضفى جيرار جينيت (3) على العنوان أهمية، فجعله من أنواع الملحق النصي، أو النص الموازي، وعدّه منجماً من الأسئلة من غير أجوبة. فالعنوان نص موازٍ يُتلقى لأول وهلة منفرداً عن سياق النص، وكلّ من العنوان والنص يمنح للآخر شيئاً؛ لإنتاح مزيد من الدلالة. وبذلك يدخل النص الموازي مع النص الأساس بعلاقة تتقاطع وتتناصّ مع نصوص أخرى يستدعيها وتستدعيه. العتبة النصية عنوان يؤسس اختلافه (تباينه) مع الأثر في تعدده، وانفتاحه على أكثر من جنس أدبي، كما يؤسس تشاكله مع الجنس الأدبي الآخر.
العتبة النصية في هذه الرواية الرقمية ذات شكل متحرك موحٍ برقمية الرواية، وجنسها الفني الجديد. فالشات مصطلح درج استخدامه في عالم النت، وهو شائع لدى مستخدمي الشبكة العنكبوتية. وهذه العتبة النصية نص مواز يرتبط بالنص الرقمي، ويحيل إليه، وهو يجعل المستعمِل" القارئ" منذ اللحظة الأولى يشعر أنه أمام عمل روائي مختلف يدور موضوعه حول الكشف عن الهموم الجديدة التي وجدت نتيجة استخدام طرق الاتصال المبتكرة على هذه الشبكة.
وتبدأ رقمية الرواية بهطول العددين 1/0 من الأعلى إلى الأسفل، وهما ثنائية تشكل أساس الشبكة العنكبوتية. وهو هطول يثير انطباعاً لدى المتلقي عن أدوات الرواية التي تعتمد الصور البصرية على أنها بنية أساس، وأداة رئيسة من أدواتها التعبيرية. وهذا الخطاب البصري ليس خطاب رؤية بصرية وحسب بل إنه خطاب معرفة قائم على الرؤية البصرية.
– الاختلاف في طريقة تقديم الرواية الرقمية، ولغتها
حين تنثال الصور البصرية الحركية مع بداية الرواية توحي بجو الملل والرتابة، ثم تأتي كلمات تؤكد أن أزمة الشخصية يمكن اختزالها بمفردتين: الصدفة، والملل.
يعيش البطل في صحراء مترامية الأطراف، ومع شعوره بالوحدة يدرك أنه متصل بالآخرين مع أنه وصل إلى مرحلة لم يعد يفرق فيها بين الأنا والـ"هم". يقول متسائلاً: "أنا أنا أو هم أنا؟ حتى علاه الوجد، فصار "هم".
تذوب الأنا في الـ"هم" وهو أمر أفرزته الحداثة، والتقنيات الرقمية التي أدت إلى غياب الأفراد وحضور الجماعة، وستؤدي مستقبلاً إلى حضور الجماعة المهيمنة الواحدة بوصفها صورة نهائية من عولمة الكوكب الأرضي.
ينفصل البطل "نزار" عن زوجه، ويتصل بأخرى؛ ليلغي شعور العزلة والوحدة عن طريق المسج والياهو ماسنجر. وهو إذ يعمد إلى وسائل الاتصال هذه يعمق الشعور لدى المتلقي باختلاف حال البطل، واختلاف أدوات الرواية، ويعترف بشكل خفي باختصار الكرة الأرضية إلى أبعد حدود الاختزال.
وتؤكد "شات" نوعية علاقة جديدة بين الإنسان المستخدِم إمكانيات الشبكة العنكبوتية والشبكة نفسها من جهة، وهذه الشبكة وأسسها الرقمية من جهة أخرى. ونجده يضع في نهاية كل فقرة أيقونة الوجه الضاحك الأصفر الدائري؛ ليشير إلى وجود محاورة بين البطل والمرأة.وهو حوار لا يمكن للقارئ قراءته إلا بنقر الماوس على الوجه؛ ليقرأ ما دار بين البطل وعشيقته الافتراضية.
وبعد العدم الرملي ونغمات الإس إم إس ينقل الروائي الأحداث إلى مقهى انترنت في شارع فرعي شبه مظلم بالقرب من بنك مسقط الوطني في بلدة عمانية اسمها صور. فحركة البطل بين مكان العمل "الصحراء" ومكان الاتصال "المقهى" تولد شعوراً لدى المتلقي أن المكان الأول يحمل قيمة سلبية تتمثل في الوحدة والانزواء والضجر، ويحمل المكان الثاني قيمة إيجابية. إنه مكان مضاد، ويحمل قيمة مضادة، يلغي العزلة، ويحطم الحواجز باتصاله عبر الانترنت بالمرأة التي تؤنس وحدته في ليالي الصحراء الموحشة. فيدور حوار بينه وبين صاحب المقهى حول إيميله هل هو على الياهو أو على المكتوب، ويسأله عن: المعرف، وكلمة المرور ليتمكن من الدخول إلى الشات، ومحاورة المرأة التي يحب. إنها لغة مختلفة تثير تساؤلات متعددة؛ لأنها من مفرزات الحداثة، ولأنها لا تستخدم الكلمات فقط. فالكلمة تغدو جزءاً من كل: الصورة، والمشهد السينمائي، والصوت، والحركة."4"
وبذلك نجد أننا أمام لغتين في هذه الرواية: لغة ترسم معالم الشخصية في عزلتها، وهي أقرب إلى لغة الرواية الورقية، ولغة تشكل معاني حياة البطل الافتراضية، وتفرض رموزها، وأدواتها الخاصة.
والمرأة التي يتعرف إليها البطل عراقية الأصل، تسكن في أمريكا. تدور الحوارات بينهما بالفصحى حيناً، وبالعاميات أحياناً الأمر الذي يثير تساؤلاً آخر عن تكريس اللهجات الشعبية على حساب الفصحى في الرواية الرقمية. وقد حاول الروائي أن يضفي مصداقية على حوار الشخصيات لكنه لم يكن متمكناً من المفردات العامية العراقية، فاستبدل بها مفردات أردنية مثل "كيفك" بدلاً من شلونك، ومنيحة بدلاً من زينة. كما أن ثمة ملاحظات على سلامة اللغة، ففي الرواية أخطاء لغوية وإملائية.
ويتداخل الشعري بالسردي في اللغة المشهدية. ولا عجب في ذلك فقد نادى كونفوشيوس منذ زمن طويل بأهمية الصورة، بل إنه عدها تغني عن عشرة آلاف كلمة. ونحن الآن في عصر الصورة واللغة المشهدية إذ تعود الكلمة إلى أصلها، فتكتب، وتقدم بالصورة والصوت والمشهد السينمائي.
يدخل نزار بعد ذلك إلى موقع «مكتوب» ومنه إلى غرفة «السياسة» فيظهر الجدال بين الاتجاهات السياسية والتيارات الفكرية عبر اختلاف أفكار الشخصيات، وهي في الحقيقة رموز للصراعات المعاصرة. فيدير سناجلة عبر بطله نزار حواراً بين بن لادن، وصدام، وجيفارا، وامرأة مسلمة، وأخرى متحررة، ويبدو حيادياً وهو يعرض آراء شخصياته. فكل شخصية تقدم فكرها الخاص من خلال مفرداتها الشائعة. أما نزار الذي يرتبط بالروائي الرقمي بعلاقة خاصة فينفرد ببناء غرفة خاصة للعشاق على غرار غرفة السياسة.
ويعود العاشق من مملكة العشق الرقمية خائباً وكأنه عاش قصة حب طبيعية خائبة؛ لندرك أن الحياة الرقمية تعادل في رموزها الحياة الطبيعية، وأن الواقع الافتراضي ظل للواقع الطبيعي. ويصل القارئ في النهاية إلى فكرة أن وجود مملكة البطل الحقيقية وهم في اللاوجود فيأخذه الشوق إلى زوجه، وتكشف إيميلاتها له عن إيمانها بالحب. فيستخدم في نهاية الرواية اللون الزهري المصحوب بموسيقى رومانسية؛ ليظهر عودة الحب الذي غاب في الرواية ليعود من جديد في النهاية.
لا تهتم الرواية بمصير كل شخصية؛ لأنها تركز على حدث أهم هو فكرة الحداثة وآثارها، وتؤسس لأدب المستقبل على وفق رؤيا صوفية؛ لذا يترك مصائر الشخصيات معلقة ما عدا شخصية نزار البطل الذي يستلم في النهاية أمر فصله من الشركة، فيذهب لشراء مقهى الانترنت الوحيد ليظل مصيره مرتبطاً بمملكته المفترضة، وبوهم وجودها في اللاوجود فيشهد التصويت على بقائها مملكة للعشاق، أو تحويلها إلى جمهورية، فيخرج كل المصوّتين حتى نزار عبر خيار اللاحق ليحيل المتلقي إلى شاشة سوداء مظلمة لا توفر له الاطلاع على ما آلت إليه الأمور.
حاول سناجلة في روايته الرقمية الثانية "شات" التي أطلق عليها اسم رواية الواقعية الرقمية"5" أن يؤكد فكرة أن للإنسان الافتراضي قيماً ونظاماً أخلاقياً يختلف عن النظام الموجود في عالم الإنسان العاقل. و تحاول رواية الواقعية الرقمية التعبير عن الإنسان الافتراضي في المجتمع الذي يعيش فيه. فهذه الرواية –شات- تحاول أن تجيب عن أسئلة الواقع الرقمي الذي يفرض نفسه في هذا العصر.
خاتمة
وبذلك نخلص إلى القول إن الأدب العربي الرقمي قيمة مضافة إلى الأدب العربي المكتوب، وليس تجريبياً فقط. فأسئلة هل ينبغي للكاتب المبدع أن يصبح مبرمجاً؟ أو هل عليه أن يبدع النص، ويسلّمه لمختص في البرمجة لإخراجه... وهي أسئلة مشروعة لكن النتيجة ستكون حتماً شائقة.
ثمة مشكلة قائمة -من وجهة نظري- تكمن في أن للنص الأدبي نسقين: ظاهراً، ومضمراً. وما يقدمه الأديب على مستوى النسق الظاهر يختلف عما يضمره. فكيف يمكن للأدب الرقمي أن يحمل النسقين معاً؟
وبما أن النص المتشعب نص من غير بداية ونهاية ففي داخله كل الاتجاهات الممكنة. إنها تجربة مفتوحة على كل الاحتمالات حتى وإن تناقضت جزئياً، أو كلياً فيما بينها. فلا توجد قصدية غير مصرّح بها. إنها مكشوفة، ومصرح بها؛ لأنها مدرجة ضمن الممكنات النصية المسهّمة التي لا تعرف أين تنتهي. البطل في النص الرقمي يمكن أن يموت ويحيا، ويسافر ويتزوج، ويصلي ويدخل الحانات طالما أن النص ليس محكوماً بمركز تنطلق منه الإحالات، وتعود إليه. واللذة الفنية لحظة تأتي مرة واحدة، أو لحظة انزياح عن زمنية مألوفة. إنها لحظة غير قابلة للتحديد. وهذا ينتفي في الأدب الرقمي. لقد رسم امرؤ القيس للمتلقي بالكلمات صورة لفرسه، فهل تعادل صورته صورة فرس يصهل؟ هل تؤدي الصورة لحظةَ الشعرية، والعوالمَ التي خلقها الشاعر بالكلمات؟ الغياب هنا أقوى من الحضور؛ لأنه استثارة ذهنية لكل أنواع الخيول. أما الحضور فحال مخصوصة بفرس ما؛ لأن الفرس في الواقع المرئي واحدٌ مهما تعددت أحجامه، وألوانه، ومتعدد في اللغة والثقافة.
البعد الأساس لهذا الأدب الصورة، وقوامها السرعة والمفاجأة. وهي عنصر لا يسهم في تأسيس فكر متأمل بل أسهمت العولمة في إزاحة الكتاب الورقي؛ لذا يجب استغلال العناصر السلبية للعولمة لخدمة الثقافة الجادة.
ولا يعني ضعف الإنتاج الرقمي الضعف الفني والجمالي للتجربة العربية، فالضعف يعود إلى علاقتنا بالتكنولوجيا، والانخراط في الأدب الرقمي إنتاجاً وتفكيراً وأسئلة يحتاج إلى تفكير مرن، ومغامر يتعامل مع الجديد بنوع من الاكتشاف، لا النفور. والضمانة الأساسية لتحصين الأدب الرقمي من كل انفلات معرفي هو البحث العلمي. فالجديد يلاقى بالعداء، والبحث العلمي يحصنه علمياً. وحين نشجع في الجامعات التفكير بهذه الظاهرة الجديدة نكوّن جيلاً يتقبلها بحس معرفي، وعلمي. فالشرط المهم انفتاح المبدعين والنقاد على ثقافة التكنولوجيا.
الإحالات
1- حوار مع محمد سناجلة على الموقع:
2- الرواية موجودة على موقع اتحاد كتاب الانترنت العرب على الرابط:
http://www.arab-ewriters.com/chat
3 - جيرار جينيت، طروس: الأدب على الأدب، ضمن كتاب آفاق التناصية- المفهوم والمنظور، ترجمة وتقديم: د. محمد خير بقاعي، مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998، ص 137
4- انظر: محمد سناجلة، رواية الواقعية الرقمية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 98ص. يناقش سناجلة في هذا الكتاب مجموعة قضايا منها فلسفة الخيال، والعصر الرقمي والإنسان الافتراضي، واللغة بوصفها ظاهرة اجتماعية، واللغة الجديدة ولغة الرواية الرقمية. وبرى أن البشرية تمر بلحظات فاصلة أقرب إلى لحظات التحول في التاريخ الإنساني التي يصحبها غالباً كثير من الارتباك والحيرة للغالبية العظمى من البشر؛ لأنها لحظات تفصل بين زمنين مختلفين، وطريقتين مختلفتين للحياة، وهي لحظات تبدو مشبوهة وغامضة.
5- تعبر رواية الواقعية الرقمية عن المجتمع الرقمي، وإنسان هذا المجتمع، الإنسان الافتراضي. وتختلف عن الرواية التفاعلية أو الترابطية، فتستخدم الأشكال الجديدة التي أنتجها العصر الرقمي، وبخاصة تقنية النص المترابط، ومؤثرات المالتي ميديا المختلفة، فتدخلها ضمن البنية السردية؛ لتعبر عن العصر الرقمي والمجتمع الذي أنتجه هذا العصر، وتعبر عن التحولات التي ترافق الإنسان حين ينتقل من كينونته الواقعية إلى كينونته الافتراضية.
ونجد تناقضاً في التسمية وما تحيل إليه. فرواية الواقعية الرقمية تحيل إلى رواية غير واقعية رقمية، وهي في الأحوال كلها لا تعبر عن الواقع بل عن واقع افتراضي، كما أن الرواية في الأحوال كلها لا يمكن أن تكون واقعية بل هي تستمد فنيتها بقدر ابتعادها عن الواقع.
مشاركة منتدى
19 نيسان (أبريل) 2014, 14:18, بقلم عامر
أصبح الأدب الرقمي فارضاً حضوره على الساحة الادبية والنقدية وأرى ان المقال مفيد كثيراً لأننا في حاجة ماسة إلى تعريفنا بالأدب الرقمي الناشئ، وأرجو أن يهتم موقعكم الكريم بالأدب الرقمي والنقد الخاص به فله أدوات تختلف عن أدوات النقد الورقي. بارك الله في جهود الدكتورة سمر الديوب