رواية «نيران طرفي النهار»، للدكتورة لطيفة حليم
لقد استمتعتُ كثيرًا بقراءة رواية (الأستاذة الدكتورة لطيفة حليم)، "نيران طرفي النهار"، ولا سيما بالتقنيات السرديَّة التي اتبعتها في كتابة الرواية، والتي تتميز فيها عن روايتها الأولى "دنيا جات"، وروايتها الأخرى "نهاران".
ويمكن لي أن أصف هذه الرواية بأنها "رواية تتحدى الجنس الأدبي"؛ من حيث هي تتجاوز الأشكال الأدبية التقليدية، وتمزج السردي بالشِّعري المحبَّب، ممَّا يحفز المتلقِّي على مواصلة القراءة بشَغَف خاص.
ويلحظ القارئ الناقد أنَّ الرواية نُسِجت عبر تقنيات سرديَّة مختلفة، مشتملةً على عوالم تاريخية، وأدبية، وسياسية، وفنية. إذ تمزج كاتبتنا (لطيفة حليم)، ببراعةٍ لافتة، بين التراث العربي القديم والمعاصر، إلى جانب التراثات العالميَّة من هنا وهناك. دامجةً خلال ذلك مجموعة من الشخصيات الخيالية والشِّعرية والتاريخية في نصٍّ واحد. إضافةً إلى شخصيات من كُتَّاب الأدب السردي، والنقد الأدبي، وعلى نحوٍ خاصٍّ، شخصيَّات من ميادين علم اللسانيات الحديثة، والدراسات اللغوية البنيوية.
وبهذا تمنح الروايةُ للقارئ متعةً سرديةً فريدةً من نوعها، وبصورة آسرة حقًّا. ذلك أن تقنياتها السردية الشعرية تستخدم، على سبيل المثال، آليَّة السرد التكرارية بذكاء، مع علوِّ صدى التعبيرات الشعريَّة الرهيفة أثناء ذلك كله. على أنْ ليست للرواية "ثيمة"، أو موضوعة، رئيسة واحدة، بل تبدو شبكةً من الثيمات المتعددة، لعلَّ أهمها ثيمتان: تتثمَّل الأولى في مفردة "نيران"، بأبعادها التأويليَّة المحتملة، التي تتقد مجازيًّا من شارع المتنبي في (بغداد) إلى شارع في (أوسلو). ولربما تضمَّنت تلك الإشارة السردية أيضًا حمولات مفضيةً بتفسيرات أخرى، ذلك أنَّ من المثير للاهتمام أن عنوان الرواية نفسه يبعث على تفسيرات متنوعة، وفي مستويات مختلفة. أمَّا الثيمة الأخر، فتتبدَّى من تركيز هذا النص الروائي البديع على فكرة نفض الغبار عن الكُتب، وهي فكرة بدورها ترمز إلى بعد سرديٍّ واسع. ذاك أن الشخصية الرئيسة في هذه الرواية هي امرأة شغوفة بالحفاظ على مكتبة خالية من الغبار، والغبار نفسه هاهنا يحتمل أبعادًا تأويليَّة متعددة. إلى جانب تسليط الضوء على قدسية الكتب، التي كانت ذات يوم تحظى بالإجلال، حتى من ذوي التعليم المتوسط، على حين تواجه الآن الكساد والإهمال. والرواية تستكشف هذه التغيرات الثقافيَّة من منظورٍ سياسيٍّ في المقام الأول. وفي هذا السياق تحلل الرواية نقديًّا ما سُمِّي (الربيع العربي)- وبدرجةٍ عاليةٍ من الوعي السياسيِّ للراهن والمستقبل- كاشفةً عمَّا انطوى عليه من تداعيات مأساويَّة في جميع أنحاء الوطن العربي.
إنَّ رواية "نيران طرفي النهار"، بقلم (الدكتورة لطيفة حليم)، تبرز كروايةٍ استثنائيَّةٍ بامتياز، بشمولية تسليطها الضوء على جوانب مختلفة من حياتنا العربية المتهاوية باطِّراد. لتأتي هذه الرواية بمثابة نبوءةٍ تحذيرية، ودعوةٍ صادقةٍ لإنقاذ شعوبنا من المزيد من التدهور.
لقد انبعثت عن قراءة هذه الرواية متعة هائلة، جاءت أشبه بإبحارٍ في محيطٍ عالمي. ولا غرو؛ فأسلوب "نيران طرفي النهار" يمتد أُوار حداثتها الرفيعة إلى ما هو أرقى من الحداثة المعاصرة.
وفي الختام، أتقدم بالتهنئات القلبية لـ(أ.د. لطيفة حليم) على هذا الإنجاز الأدبي الباذخ، والرافد باقتدار لمكتبتنا العربية. متمنيًا أن يكون هذا العمل الفذ في متناول كل قارئ عربي؛ في نداءٍ عاجل لمواجهة الذات، والاعتراف الصادق بواقع الحال، منتبهًا ذلك القارئ إلى نفسه، مصغيًا إلى تلك الصرخة التي أطلقتها روائيتنا المبدعة، محذرةً من تلك الحرائق التي تلتهم الكثير من جوانب حياتنا، مهدِّدة بالإتيان على كل جميل فيها وفينا
مشاركة منتدى
6 أيلول (سبتمبر), 09:33, بقلم مالكة العاصمي
رؤية دقيقة
تقدم رواية نيران طرفي النهار للدكتورة لطيفة حليم في قراءة عميقة متبصرة للهم الذي تنوء به الروائية الخاص بالتدهور الذي تعرفه الأمة على مستوى التراث العلمي الثقافي ومستوى التراجع والاخفاقات الحضارية سيما النتائج الكارثية لما سمي الربيع العربي