الخميس ٢٢ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٠
بقلم حسن عبادي

ريحة الجوز ولا عدمه

كان محمد في ريعان شبابه، انتكب وفقد كلّ ما يملك من حطام الدنيا، سُلبت أرضه وأُتلَف زرعه، رحل بحسرته، دون حسّ ونسّ؛ بقيت عريفة، ابنة عمه، مع سبعة أولادها وحامل بشهرها السابع. أرض انشقّت بلعَته.

كلّ محاولاتها، وأبناء القرية، تقصّي أخباره باءت بالفشل، لا في الأرض ولا في السماء.

مرّت الأيام، وعريفة تعمل في حقول القرية، مع من كَبُر من الأولاد لتُعيل صغارها، في المستوطنات المجاورة، في كرومٍ كانت ذات يوم لعائلتها، وحيدة بشقائها وبؤسها، همّها تأمين قوت أولادها وملبسهم، وزوجها الذي فقدته دون سابق إنذار، وهي في حيرة من أمره ومصيره.
كبُر حسين، صار جامعيًّا، ليتخرّج وينتقل للسكن والعمل في حيفا، تعرّف من خلال عمله على " نيسيم "، محقّق له اتصالات، أخبره بقصّة اختفاء جدّه قبل 36 عامًا، وكانت دهشته كبيرة حين عاد له "نيسيم" ليعلمه أنّ جدّه حيّ يُرزق، بل زوّده برقم هاتفه.

لم ينم تلك الليلة، وفي الصباح الباكر اتصل بذلك الرقم فردّت عليه برجيتا وقالت منفعلة: "يوسف بانتظار هذه المحادثة سنين عديدة، لا ينام الليل ويحلم بها"، نحن بانتظارك لنتناول الغذاء معًا.

عاد حسين في إجازة نهاية الأسبوع لقريته الوادعة، حضن جدّته عريفة قائلًا: "عندي إلك خبريّة يا ستّي؛ سيدي جاي عبالُه ييجي عالبلد ويشوفك. شو رايك؟".

تمتمت الجدّة قائلة: "أنا عارفِة يا ستّي، أوّل عآخر بظلّ ابن عمّي. ريحة الجوز ولا عدمُه".

(نُشرت القصّة في العدد الثالث، السنة السادسة، أيلول 2020، مجلّة شذى الكرمل، الإتّحاد العام للأدباء الفلسطينيّين – الكرمل 48)


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى