زعامة الحمار
في الوقت الذي يشكل فيه الحمار شعارا للحزب الديمقراطي الأمريكي، نجده قد صار اسما لحزب كردي، و رمزا وطنيا أو دينيا لجماعة أخرى، تبقى الدلالة الاصطلاحية للحمار عند الجميع حالها محصورة في المعنى الذهني و الفكري دون تحقير شخصي للكائن البائس ولا لجليل خدماته، ولا المستوى الذهني المختلف الذي يتمتع به فالبعض ينعتونه بأنه من كبار المهندسين الذين يعرفون معالم الأرض عن ظهر قلب بما يسهل له معرفة طريقه بشكل يفوق البشر!، و الحمير كما يعلم الجميع أنواع منها العالية الفارهة و منها الأهلية، و منها ذوات الأرجل القصيرة و البرية و الوحشية، لكنها جميعا في المحصلة حمير على اختلاف المواصفات و المقاييس التي تتوزع عليها، و نجد في اللغة أن الجحش هو وليد الحمار إلى أن يفطم، و سمي جحشا لمدافعته، و الأنثى منه تسمى بالأتان، فيما يطلق على الحمار الصغير بعد فطامه و قبل تطبيعه اسم الكُر، التطبيع الذي هو كناية عن التمهيد لتدريبه على الخدمة من ركوب و حمل و تلقي الاوامر.
نعت الإنسان بالحمار؛ في مجتمعي على الأقل؛ يحمل العديد من المعاني من مثل الصوت العالي النشاز، و مثل العناد و المدافعة " الجحشنه"، أو قلة التفكير و الغباء مما يجعله سهل الاستدراج على طريقة العصا و الجزرة و توجيهه، و حمار في الشتيمة تعني أيضا قلة الحياء لكونه يمارس نداء الطبيعة جهارا نهارا حيثما اقتضت غريزته بلا تواري، كما أن لفظة حمار تعني القدرة البهيمية في التناسل، كما يكنى الحمار أبو صابر لجلده و احتماله المشقة.
من المشاهير الذين حازوا هذا اللقب كان مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية لما عرف عنه كم جلد في حرب الخوارج، وقيل: سمي بالحمار لأن العرب تسمي كل مائة سنة حمار فلما قارب ملك بني أمية مائة سنة كان مروان هذا خليفة بني أمية فلقبوه بالحمار وأخفوا ذلك من قوله تعالى في موت حمار العزير: " وانظر إلى حمارك".
ذات مساء خريفي غاب عن ليله القمر كنت في جلسة تنادى إليها عدد من متثقفي قريتي حين زف أحدهم البشرى بتغير أحد المسئولين ممن تلخص دورهم بعقدة المنشار، و مع مشاعر السرور التي انتابت الجمع، و الابتهاج بغد أفضل تحلحل فيه من الشدة أوضاعنا، صدر عن أحد المتشائلين زفرة تحمل الاستنكار و اليأس، بررها لنا حين حملنا عليه بمثال من تراث عالم الحمير ضربه لنا.
بعد تذكيره لنا بأهمية زمن الحمير، جاء على سرد طريقة تجارتها، حيث كانت تقام الأسواق المتخصصة لهذه الغاية فيما سمي بخانات الحمير، و نظرا للاختلاف في الحجم بين الحمير و باقي الحيوانات، فمن الصعوبة بمكان ربط مجموعة من الحمير و السير بها معا، أو حتى حصرها بمكان انتظارا لمشتري.
و لهذه الغاية يلجأ صاحب القطيع إلى أسر أعندها بربطه إلى جذع شجرة، لتحوم خلف قيادته و بشكل دراماتيكي تشكيلات الحمير صادحة بنهقات موسيقية كأنما تعلن عن فرحتها بحصولها على زعيم يحررها من ربقة البشر، لكن ما لا تعلمه الحمير مجتمعة بما فيها زعيمها، هو أن هذه الزعامة آنية مرهونة برأي المشري و احتياجاته الذي لربما وقع اختياره في الشراء على زعيمها، لتعود عقب بيعه الكرة من جديد إلى تزكية صاحب القطيع الذي ينصب حمار آخر ليحل مكان الأول، و هلم جرا.
الرواية يمكن تخيلها و قياسها على زعيم من مثل بوش الابن، الذي ربطته مطامع المحافظين الجدد؛ حسبما ارتأت فيه؛ إلى المكتب البيضاوي، ينبئنا بذلك اعتراف المحافظين أنفسهم بغباء هذا المزعوم قائدا، و أقل ما باتوا يقولون عنه مما يزين لنا هذه المقاربة، بأنه كائن يفتقر إلى أشكال الفضول الفكري، حتى أنهم باتوا يهربون من دورهم في هذا الاختيار عبر تسريباتهم لشعارات من مثل : هل بوش أحمق؟ و في الحقيقة فإن الإجابة كما الصياغة لا تقبل النفي، فصمويل هاتنجتون صاحب نظرية صدام الحضارات بات يقر بخسارة أمريكا للحرب على العراق، و فرانسيس فوكوياما بات يرى في الحرب على العراق غلطة جسيمة و يعلن ردته عن مجتمع المحافظين الجدد.