الجمعة ١٤ تموز (يوليو) ٢٠٠٦
بقلم زكية علال

زمن العري العربي

في البدء سقطت القضية الفلسطينية من تفكير الحاكم العربي ، وتدحرجت إلى رصيف الإهمال لتصبح في نظر الإنسان العربي قضية عادية ككل القضايا العالقة والتي يترك فيها الإنتصار للأقوى ، وأصبحت إسرائيل – في لغة الصحافة العربية – دولة مجاورة ، وحق لها حسن الجوار ، وضرورة التعامل الإقتصادي ، وانكمشنا في جحور خيبتنا نتفرج على قوافل الشهداء من الرضع والعجزة ، كما نتفرج على ضحايا الإجرام في أمريكا وفرنسا وإيطاليا...

واعترفنا في قرارة يأسنا – أن العرب تعروا من عروبتهم ، وانكشفت عورة انتمائهم ، بل بات لا انتماء لهم و ولا دما يجري في عروقهم ، فيميزهم عن باقي شعوب العالم . ثم هوت بغداد... وتلاحقت صور الإنهيار ، وظلت – لمدة شهور – تلاحق خاطر العربي وتتعلق بأسوار ذاكرته المثقوبة ، ولم تبق إلا صورتان : صورة صدام وهو يرد إلى أرذل نهاية وأقبح عاقبة يمكن أن ينتهي إليها بشر يدب فوق الأرض ... ثم صورة ذلك الجندي الأمريكي الذي كان يعتلي دبابته في ساحة الفردوس ، وهو يلوك بين أسنانه قطعة ً علك ً ثم ينفخ منها بالونة حتى تغطي وجهه ، ثم يفرقعها في الهواء ، ويعيد ً العلك ً ليلوكه مرة أخرى ... وكأنه يقول لصاحبه ً ليس أسهل من تدوس عربيا وتهزمه ، لأنه مهزوم في أصله ويحمل أسباب نهايته وفنائه ً وكأنه – أيضا- يوجه لنا خطابا بأنه قادر على أن يحتل بيوتنا وجيوب قلوبنا .
صورة وقحة جعلت العربي يتعرى من نخوته وكبريائه ، وانكشفت عورة نفسه المهزومة.

وبقي عزاؤنا الوحيد أن مازالت لنا ثياب تستر أجسامنا ، وتجعلنا نستشعر بعض الحشمة ، لكن الفضائيات العربية مدت يدها الناعمة ومرت – بهدوء – إلى أجسامنا لتسحب ما يسترها وتكشف ما كنا نستحي أن يراه منا الآخرون ...
هي فضائيات تلمع بمنشطات ومغنيات وفنانات شبه عاريات أحيانا ، وعاريات في كثير من الأحيان ، فهذه منشطة تتمايل أمام المشاهدين بتنورة فاخرة ، وتستقبل مكالماتهم وأرائهم ورغباتهم بعنجهية فاضحة ... وتلك مطربة كاسية بشراشف متناثرة على بعض أجزاء جسمها وهي تحدثنا عن رسالتها النبيلة ، ورغبتها في إسعادنا وتهذيبنا بأغانيها وأفلامها . وهذا مطرب محترم جدا يحمل امرأة بين ذراعيه ، ويجمع جسمه إلى جسمها ، وتمتد أصابعه إلى أجزاء كثيرة من جسمها ... وممثلة أخرى تكتسي بذراع من القماش الشفاف ، والمنشط يقابلها ويحدثها على أساس أنها إنسانة محترمة جدا ، وتريد من خلال أفلامها أن تعلمنا الأخلاق الفاضلة والمبادئ السامية .

لقد بات من المستحيل أن تجتمع العائلة على قناة عربية ، و كان هذا محصورا في القنوات الغربية فقط ، فماذا تبقى للعرب يسترهم ؟ فعلا إنه زمن العري العربي...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى