

زيارة عن زيارة بتفرِق «13»

قمت في السنوات الأخيرة بمئات الزيارات لأسرى وأسيرات في سجون الاحتلال، وكان لكلّ زيارة مذاق آخر.
لكن اليوم قمت بزيارة مغايرة.

واكبت، برفقة صديقي الفنان ظافر شوربجي، إصدار كتاب "الطريق إلى اتفاقيات أبراهام- العلاقات الخليجية الإسرائيلية" لهيثم أحمد سمارة العنتري، وكتبت في التصدير "واكبت في السنوات الأخيرة من خلال مبادرتي "من كلّ أسير كتاب" الغالبية العظمى لإصدارات أسرانا خلف القضبان؛ ولاحظت شموليّتها، لم تعُد تتمحور في التعذيب والمعاناة، ولم تعد في خانة "الرواية" التقليديّة، ولم تعد تؤطّر في باب "أدب السجون" الكلاسيكي، بل أخذت تتناول الشعر، والقصص القصيرة، والخواطر، والنقد، والسيرة الذاتيّة، والفلسفة، والحكايات والمذكّرات، والسرديات، وغيرها ووصفتها بأدب الحريّة، وفي الآونة الأخيرة بدأنا نشهد الدراسات الأكاديميّة والأبحاث العلميّة الجادة كما هو الحال في كتاب هيثم.
وجدت هيثم يُبدع في بحث علميّ وفكريّ رصين، صاحب رؤية ورؤيا، قد لا تتّفق معه، ولكنه يأخذك لعصف ذهنيّ يشحذ الهمم ويحفّزك على التفكير العميق لعلّك تستوعب ما يدور حولنا.
خلقت الكتابة متنفّسًا لأسرانا، ومقاومة من نوع آخر، صار القلم أشرس من البندقيّة، والكلمة هزمت السجّان، وانتصرت على الأسلاك والقضبان والجدران والأسوار."
ترتّب حفل إشهار وإطلاق الكتاب يوم السابع من أكتوبر في مدينة نابلس وجاء الطوفان مدويّاً ومزلزلاً وتأجّل الحفل.
وها هو هيثم يتحرّر بصفقة الطوفان.
التقيته في حضن عائلته الدافئ، ورغم تواصلي مع أهله كثيراً عبر الهاتف، كان اللقاء الوجاهي الأوّل بيننا وكأنّنا عِشرة عُمُر.
حدّثني عن وضع الأسرى بعد الطوفان، ساديّة السجّانين والتنكيل الوحشيّ، غير المسبوق، الضرب ع الطالع والنازل، "وجوهم صارت تنقط سم!"، مصادرة كلّ قصقوصة ورق، وها هو حلمهم بالحريّة يتحقّق بفضل الطوفان ورغم السجّان.

خبّرني وعيناه تبرقان فرحاً عن حلم المفتاح الذي تحقّق، صار يستعمل المصاري على كيفه "الكل برفض يوخذ مقابل شو بَشتري"، التحضيرات لرخصة السياقة… والدكتوراه في مراحلها النهائيّة.
فوجئت بإهدائي لوحة بورتريه.
أهديته نسخة من مجموعتي القصصيّة "على شرفة حيفا"، عربون صداقة إلى حين يجمعنا على شرفة الحريّة، وتناولنا طقوس تحضير القهوة في الأسر، وطقوس تحضير القهوة الحيفاويّة.
كتب لي هيثم في الإهداء: "إهداء للأستاذ الصديق حسن عبادي، والشكر على جهدك المتواصل في خدمة الأحرار. شكراً جزيلاً. 22.2.2025. هيثم العنتري".
لم أعتد زيارة عائلات الأسرى والأسيرات؛ وكم ماطلت بتلبية دعواتهم، ولم أعتد المشاركة بمهرجانات "التحرّر" ودروع التكريم، ولكن لقائي بهيثم وعائلته الحاضنة مدّني بالأمل، وحثّني على إصراري لمتابعة مشروعي التواصلي مع أحرارنا حتّى تصفير كافّة السجون.
آمل بحريّة قريبة لجميع أسرى الحريّة.
اعذرني غسّان؛ والله زيارة عن زيارة بتفرق.
السبت 22.02.2025 (دير شرف/ حيفا)