الجمعة ٢٢ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم مروان نزيه مخّول

سعدي يوسف

من سماءِ "هِيثْرو"،
حيثُ الضّبابُ ضبعٌ يكشِّرُ عن أنيابِ المكان
عينايَ نافذةٌ على ثرَواتِنا المسروقةِ
على ضفّتيِ النّهرِ في لَندن
تُدغدغُ أسفي على الماضي
وعلى الشّرقِ الغارقِ في النّوم
داخلَ المُتحف.
 
لا شيءَ يلمعُ في المدينةِ
يا العراقيُّ المهشَّمُ،
يا تَمارا النّاسِ يا شيخَ الشّموخِ
لا شيءَ أبدًا..
سوى السّائرينَ على طريقِكَ، فالمَعْ
من حيثُ انطفأ الآخرون.
 
قد لا تُجدي الدّبلوماسيّةُ معك،
فلا أحُولُ دونَ حزنيَ المغامرِ في الوضوح
ها أنتَ في ضاحيةِ المدينةِ - يا سعدي -
وحيدًا تُطِلُّ على نفسِكَ لا سعيدًا
فيما ترى، ولا حزينًا..
هو الشِّعرُ ما يقذفُ رأسَكَ عن مسقَطِ رأسِك
أعرف ذلك جيّدًا
لكنّه الشِّعرُ، أيضًا، ما كان أنيسَكَ في الغربةِ
والمِدفأة.
 
تُوَلْوِلُ كالطّائرِ المجنونِ وحدَكْ
ووحدَكَ مَن يرى بيتَه خارجَ بيتِه في الصُّحُفْ،
غرّدْ لنفسِكَ، لا للحاضرِ الغائبِ
ولا تُوَلْوِلْ؛ رِفْقًا بصوتِكَ أوّلًا،
بل، أوّلًا؛
لأنّ غُصنَ العراقِ - كما ترى - أطرش.
 
لا الشّرقُ شرقٌ في غيابِكْ
ولا الغربُ غربٌ في حضورِكْ
ذهابُكَ صعبٌ، وإيابُكَ أصعبْ
غرّدْ!
غُضَّ طرفَكَ عن ذكرياتِكْ
واحذَرْ من نفسِكَ قبلَ كلِّ شيءٍ، فالحنينُ
هو العدوّ.
 
لا بلدَ في بلدِكَ.. الآنْ، ولا أهلُكْ
لا الأحياءُ هناك أحياءٌ
ولا القتلُ مات كي ينساكْ،
بغدادُ سَرَقَت متاحفَها بيدَيها
واشترت جِلبابَها الفَضفاضَ من حانوتِ أمريكا.
أختُ الجوعِ والجهلِ هذي الجلابيبُ الغريبةُ،
أمّا الأغبياءْ..
فهُم وحدَهم من طرّزوا التّراجعَ في المواجِعْ
يجترُّون أمجادَنا وحاضرُهم خاصرتان:
واحدةٌ للرّاقصاتِ على جوعِ أجسادِهم
وواحدةٌ.. للحِزامِ النّاسفْ.
الجلابيبُ هي الجلابيبُ، بيضاءَ كانت أو سوداءَ، لا فرقْ؛
قطيعٌ يُطيعُ طاغوتَهُ ويَخِرُّ -
يا سعدي - في اللّيلِ ساجدْ!
 
دعك منّي، فلا جديدَ عندي
وفي الشّرقِ، لا شيءَ حتّى الآنْ
سوى أنّ على الشّينِ في "الشّرقْ"
ثلاثَ رصاصاتٍ قاتلاتْ؛
الغربْ..
والجهلْ..
ثمّ غيابَكْ.
 
دعكَ منّي
ومن هذي القصيدة
يا أيّها "الشّيوعيُّ الأخير"
كُن كما أنت دومًا، ويكفيكَ
أنّكَ نقطةٌ في أوّلِ السّطرِ الجديد.

مشاركة منتدى

  • صديقي مروان نزيه مخّول يعجبني جدًا صدى حرفك مع إيقاع القلب..
    وملامسة الكلمات لزجاج اللغة "هكذا هو الشعر" وهنا يلمع كالبرق ويدخل من جهة البحر إلى القصيدة..
    بحرية المقاوم وقلم الشاعر الذي يرسم رمل اللغة
    بهذا البياض الناصح وشفافية الموج..
    تحياتي صديقي الان ودائمًا
    وهيب

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى