ســجــن
صَحـَوْتَ من حُـلمك المُعـطـّـر بنسائم الفجر الوليد .. كأن ساعات الاستنطاق الطويلة لم تكـْبح موعدك الدائم مع القصيد .. وجَـدت نفسك بيـنَ جُـدران ثلاثة و رابعُها قضبان..وفي الرواق حُرّاس كـالخُـشب المُسَـنـّـدة يُراقبون منك حتى الأنفاس..استفـزهم سُكونك الصُّوفي .. تهامسوا.. ثم دخـلـوا سِجـنك وأوقفوك ليفــتــّـشوك من جديد .. بحثوا في جيُوبك وفي كل زوايا جسمك المَكدود .. أثـناءها كنت تـَنتـشي بترتيـل شِعـرك وتدندن بأوتار قلبك المتعالية ما تحفظه من نشيد للوطن غير مبال بزبانيتك..هـيّجهم انتشاؤك برائحة الأرض المعجونة بألوان لا يرونها. كنت كمن يجلدهم بسياط من نور، كنت تعانق روح الوطن .. حبيبك الأوحد الذي نذرت له وهج الحرف ونبض القوافي .
استـشاط القوم غـَضبًا وفاحت من رؤوسهم كما من أحذيتهم رائحة الغدر والخيانة .. بـدا لهم أن لا جدوى من المحاولة معك .. قرّرُوا أن يُـزهِـقـُوا فيك رُوحًا ظلوا يترصّدونها عبر كل قصيدة قرأتها في الناس ... طرحوك أرضا.. شـقـوا صدرك بعد ثوبك.. أخرجوا قـلبك النابض الفائـر، تلقفته أياديهم و ظنوا أنهم سحقـوه .. حينها.. شاع نـــورُ ذهب بأبصارهم وصهيل أصم آذانهم .. فجأة أرْعدت سماء السجن وجفـّت حنفياته وانقطعت فيه الجاذبية وأصبح كل شيء يسبح في الهواء .. حتى حروف الأبجـدية أفلتت من عـقالها والـتحـفت الليل غاضبة هادرة فعملت عملها ومارست على جلاديك كل عذابات قصص الإعـراب وأضحت ألفية بن مالك سمفونية انتقام .
سقط الجميع ونهضت كالنبي الموعود بالنصر.. تركـتهم في سجـن قضبانـه من ليل لا ينام ... ومضيت تردد أخر أبيات ولدتها لحظة الانعتاق ..