الثلاثاء ٢٧ آذار (مارس) ٢٠١٨
بقلم فاروق مواسي

سلامة الصدر والتعليل الحسن

ما أهنأ العيش مع التعليل الحسن لكل ظاهرة، وخاصة تلك التي لم ترق لنا أصلاً-، وما أجمل قول إيليا أبو ماضي:

أحكم الناس في الحياة أناس
عللوها فأحسنوا التعليلا

طلحة بن عبد الرحمن بن عوف- هو أحد أجواد العرب، وقد لاحظت زوجته اختلاف أصحابه عليه، فقالت له:

ما رأيت ألأم من إخوانك وأصحابك!

سألها: ولـمَ ذلك؟

أجابت: إذا اغتنيت لزموك، وإن افتقرت تركوك.

قال: "هذا والله من كرمهم، فهم يأتوننا في حال القوة بنا عليهم، ويتركوننا في حال الضعف بنا عنهم". (والمعنى يأتوننا في حال قدرتنا على إكرامهم، ويبتعدون عنا في حال عجزنا عن القيام بحقهم).

علق الماوردي على هذه القصة، فقال:

"انظر كيف تأوّل بكرمه هذا التأويل، حتى جعل قبيح فعلهم حسنًا، وظاهر غدرهم وفاء، وهذا محض الكرم ولُباب الفضل، وبمثل هذا يلزم ذوي الفضل أن يتأولوا الهفوات من إخوانهم".

(الماوردي: أدب الدنيا والدين، ص 221)

قال بعض الشعراء:

إذا ما بدتْ من صاحب لك زلةٌ
فكن أنت محتالاً لزلته عذرا

فالتغافل عن الإساءة يكون آنًا من أبواب الفطنة.

قال أكثم بن صيفي: "من شدد نفّر، ومن تراخى تألف، والشرف في التغافل.

ولا أعرف إن كان أبو تمام قد عنى بالتغابي ذلك الذي يتغافل عن إساءة:

ليس الغني بسيد في قومه
لكنّ سيد قومه المتغابي

(م.س)

فهل رأيتم أو قرأتم مثل "حسن الظن" هذا، ومثل هذا التغافل أو التجاهل أو التعليل الإيجابي المقصود؟

فقد وجدت من وراء مثل هذه الحكايات أن بعض الظن راحة بال.
..
ما أروع أن يكون القلب سليمًا من الشحناء والبغضاء، فلا غلِّ ولا غدر، ولا خيانة، أو حقد أو ضغينة. فهؤلاء الذين نهجوا هذا النهج إنما عملوا بقوله تعالى:

وَلاَ تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ-فصلت، 34.

فهل نستطيع حقًا أن نطبق قول الشاعر:

إذا أدْمَتْ قوارِصُكمْ فُؤادي
صبرتُ على أذاكُمْ وانطويتُ
وجئت إليكمُ طَلْقَ المُحَيَّا
كأنِّي ما سمعتُ ولا رأيتُ

أعود إلى التعليل الحسن وأخذ الأمر على المحمل الإيجابي- فأقتبس ما أورده الشيخ د. محمد العريفي في مدونته:

* رجل بلحية طويلة يمر من أمام المسجد، والناس يصلون، فيمضي دون أن يدخل للصلاة.!!

التعليل الإيجابي: لقد صلى في مسجد آخر تقام فيه الصلاة مباشرة بعد الأذان.

* رجُل جلست جانبه في القطار، ألقيت التحية فلم يردَّ عليك السلام.
التحليل الإيجابي: لم يسمعك.

* صديقك في الدراسة يرفض الخروج معكم لاحتساء كوب قهوة في المساء.

التحليل الإيجابي: هو ليس بخيلا، ولكن يرى العرق والشقاء الذي يتحمله والده ليرسل له تلك الدريهمات كل شهر.

في أغلب الأحيان أنت لا ترى سوى جزء من الصورة.

فتخيل الجزء الآخر بشكل إيجابي لكي لا تظلم الناس ولا تبخسهم حقوقهم!

وأضيف: لكي تريح بالك!

أحسن الظن بالآخرين كي تريح وتستريح، ولا تأخذ بنصيحة أكثم بن صيفي هذه المرة وقد قال:

حسن الظن ورطة، وسوء الظن عصمة!

هنا يجدر أن أقول وإلى حد ما: حسن الظن عصمة!

قال أحد السلف: لو رأيت أحد إخواني ولحيته تقطر خمرًا لقلت ربما سكبت عليه!!

ولو وجدته واقفًا على جبل وقال: أنا ربكم الأعلى

لقلت أنه يقرأ الآية!!

فهل قرأتم أجمل؟

فلنحسن النوايا، ولن نخسر!

ملاحظة:

أرجو ممن في جعبته قصص من التعليل الإيجابي أن يضيفها في تعليق.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى