سيزيف والمائة ياردة
وضعت كلتا يديها على كتفي بأنوثة لا تتحاشى الموقف ورفعتني إلى أعلى ملصقة جسدي والطين بجسدها السماء ما زالت تمطر فيما أنا تعثرت أمام منزلها في لحظة لم أدرك فيها كيف تعثرت أو حتى انتابتني الجرأة الغير المعتادة لالتصق بالتراب الذي طالما داعبته قدماها
كانت عيناها تهبان تحية أخفتها مدة وكذا عيناي ليتخلى جسدي عن من فرط اندهاشه عن شيا من قوامه الذي اعتاد أن يتباهى به أمام ضعيفي البنية من أصدقائي لتزداد درجة مرونته عند كل خطوة مزدوجة متجاوزين الباب الخشبي الذي ربما لم يبدي راحة لدخولنا إلى أن صرنا إلى أول درجة من السلم، تأوهت حسرة لملامسة قدماي ذلك السلم الذي كانت آخر مرة وطئته قدماي في عام 94 م لتتوقف بعد ذلك خطواتي البريئة تاركا تتلاشى أو لعلها حبست في قمم ذلك التاريخ تنتظر النجاة
كانت خطواتنا المؤدية إلى غرفتها في الطابق الأول أشبة بموسيقى كونية صامتة تتخللها استاتيكا السكون إلا من صوت التحام جسدينا والطين وما تبقى من قطرات المطر، فلا أنا امتلكت زمام المبادرة لأخبرها كم أنا في غاية السعادة والدهشة ولا هي امتلكت جسدها لتبدو كطير مبتل بالرغم من أنها هي التي أخذتني وانتشلتني من المطر ... ربما هي الرهبة من ملامسة الجسد الآخر الذي اعتادت فقط أن تراه في فترات متقطعة وعلى مسافة مائة ياردة أو أزيد
لحظات ربما هي كالحلم أو أكثر ...( ربما لحظة نورانية تكتسبها الأجساد حين يجتمع شدة الحب وشدة الكبت لتنطلق بعدها الأجساد بعيدا عن عوالم الإنس و الجن)
ربما يكون هذا سببا منطقيا لتواجدنا في غرفتها فردين مع العلم انه من الاستحالة أن نجتمع بمفردنا دون أن نجد من ينادي بقتلنا لانتهاكنا العرف الاجتماعي في عالم قد تؤدي بك نظراتك الحميمة إلى الجسد الآخر إلى قعر جهنم
_فليكن ما يكون_ قلت في نفسي محاولا تجاوز الهذيان الذهني الذي بدأ يتقمص لحظتي محاولا التمسك بمبدأ وجودنا جسدا لجسد لا يفصلنا عن بعضنا سوى الهواء الذي بدا أكثر توصيلا لحرارة جسدينا من أي شي آخر ليلتئم الجسدان في لحظة اختفت فيها كل افتراضات القدر التي ألهمناها منذ صغرنا تحاشيا لوقوعنا في الحرام، دعك من الصمت الذي كان الأكثر غرابة لوجوده بين جسدين كان يفصلهما عن بعضهما أزيد من مائة ياردة ولسنوات مضت، هاهو أيضا مقيم في موضع تستحيل فيه المسافة إلى عناق
لم يكن ثمة شي يخفف من حدة العناق سوى تلك الموسيقى الصاخبة التي أحسست أني أجبرت على سماعها تكرارا ولم أتمكن من تحديد مكان انبعاثها بالرغم من إحساسي بوجودها بالقرب من جسدي أو ربما من مكان آخر في الذاكرة لتتغير الموسيقى تارة عربية وتارة أخرى أجنبية بتنوع مريب جعلني اشعر وكأني لا أعيش اللحظة
( العالم الآن...الفساد وارتفاع الأسعار والفقر والبطالة عوامل أدت إلى انهيار اليمن المفاجئ ...كان صوت المذيع حادا ومقاطعا تلك الموسيقى ليجعلني أتخلي عن جسدها في لحظة ظلت هي كالطفلة التي انتزعت منها الرضاعة
حاولت أن اخبرها أني بدأت أتوجس من تلك الأخبار التي أحس بأنها تبث من أعماقي بيد أني شعرت انه ليس لي سوى خياران كلاهما مر ... فربما شجرة الكلام ستخرجني من الجنة بعيدا عنها
ربما كانت الطريق الوحيدة التي استلهمتها ربما لبقائنا معا هي ان اتركها واذهب سريعا إلى منزلي لأحضر ذلك الشريط رغبة مني بإشعارها بمدى حبي لها بالاحتفاظ به طول تلك المدة ... بالرغم من اعتراضي في بادئ الأمر فكرة تسجيل صوتها على ذلك الشريط الذي يحوي أغان وطنية لفيروز ...لم يكن همها سوى أني اسمعها لذا مع مرور الزمن صرت أعدها جزءا من المنظومة الموسيقية لفيروز أو ربما أكثر قداسة
لم يكن الشعور بمفارقتها ينتابني في بادئ المر ليزداد في تسارع فينا كنت أحاول أن أتعدى حدود نافذتها لتدركني عيناها اللتان كانتا اشد رغبة للتحرر من جسدها دافعة بنافورة من اللون الأحمر الشفقي مكتسيا بياض أنوثتها إلى أن ضننت ان عيناها ستفقدان
ربما كان سبب قلقها أنه ثمة علاقة بين الضوء وجسدي .... كان ذلك الشعور يتبادر الى ذهني حين أحاول أن أزيح نظراتي زاوية بسيطة باتجاه عقارب الساعة نحو الشمس ...فاخالها تفقد لون بشرتها و عينيها حين أحاول ذلك
لكن ما علاقتي بالشمس وهل لتلك الشمس البعيدة القدرة على إبعادنا عن بعضنا وكيف سيكون ذلك...هل ستحيلني إلى بركة من منصهرة من الجسد الذائب و.......
كان العرق هو صلة الوصل بين جسدي والسقف الخرساني لمنزلنا الذي وجدت نفسي فيه مستلقيا والشمس تعلو بكبرياها منزلها بضعة أمتار ...لم أكن هنالك ! ولم يكن هذا المكان منزلها ! والمسافة هي كما كانت ......
كنت بمفردي حائرا لا يأبه بوجودي لا الشمس الساخرة ولا المذياع الذي بدا وكأنه مشغول بإكمال ما تبقى من إذاعة (سوى) أو أنه أكملها فبقى الصوت يتردد من ذاكرتي
قذفت بالمذياع بعيدا عني ومنحت جسدي للخرسانة كسيزيف علني أضفر بغفوة تأخذني اليها متجاوزا المائة ياردة