الخميس ١٥ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم
شهيد .. وخمسة ملوك
شوقي إلى فتح الفتوح رهيبُ | لأكاد من فرط الحنين أذوبُ |
وعلى الحدود أخوّتي مجروحة | وعلى بلادي النائباتُ تنوبُ |
وعلى الخدودِ تأسُّفٌ يجتاحُني | والدمعُ خَلَّفَ في الفؤادِ نُدُوبا |
يا قدسُ طالَ البُعدُ وانْفَطَرَ العلا | فمتى أراني من ثَراكِ قريبا |
بانَ الهلالُ، متى يُشعشعُ نورُهُ | بدرًا يُجَلّي أُفقَنا المصلوبا |
كم أرّقتْنا سكرةٌ وضميرُنا | قد غارَ في عمقِ الدُّجى محجوبا |
وكرامةٌ جُرحَتْ وأفقٌ نازفٌ | والرأسُ كان مُطأطِئًا مغلوبا |
لكنَّ جيلَ الفاتحينَ مزلزِلٌ | أرضَ الطغاة، فمَن يَرُدّ غضوبا؟ |
سأرى العدوَّ على أسنّة ثورتي | وعلى سياط كرامتي مرعوبا |
وأميطُ عن زيتونتي هذا الخنا | وأضخُّ من إشراقتي يعبوبا |
بدمي أضيءُ على المكارِهِ غُوطتي | وأخطُّ في هذا الظلام دروبا |
إنّي على أبوابِ قُدسكِ يا دمشقُ | مجاهدٌ والدهرُ كان رقيبا |
وبذرتُ بذرةَ ثورتي في تونسٍ | وسَقَيْتُها والطينُ كان خصيبا |
وعجبتُ لمّا أثمرَتْ في لحظةٍ | قلبًا على هذا الغباءِ غضوبا |
فقطفْتُ من ثمراتِها وغدوتُ في | عامٍ أفيضُ على الشبابِ قلوبا |
فَجَرَتْ بكلّ عروقِنا صَيْحاتُها | وتفجّرتْ فوقَ البلادِ هُبوبا |
فزعَ العجوزُ وصارَ يَهذي قائلًا | وَلَدي لكُمْ خيرُ الطّغاة نصيبا |
ومضى يَصُبُّ بنيلنا أرواحَنا | حتّى غَدَا من قُدْسِها مرعوبا |
والنيلُ يسقي مصرَ حتّى أُتْرِعَتْ | بالحزنِ، يَنْثُرُ في الجنائزِ طِيبا |
والشرُّ يجلِدُ أُفْقَنَا وسياطُه | رَسَمَتْ على أحلامِنا التّعذيبا |
لكنّ في الإيمانِ ما يكفي لِأَنْ | يبقى الشبابُ على اللهيبِ لهيبا |
فانْهارَ هذا الشّيبُ من تكبيرهم | والسّجنُ أحرى أن يكونَ مَغِيبا |
سَخِرَ الجنونُ وقال إنّي غيرُهم | أنا ثائرٌ لمّا أزلْ محبوبا |
مَلِكُ المُلوكِ وذا كتابي ثورة | في عالم لا يَقْبَلُ التّجريبا |
والشعبُ حاكمُ نفسِه، بُتْرُولُه | مِلْكي فإنّي أُحْسِنُ التّنقيبا |
فأفاقَ من هَذَيَانِه قَلِقًا على | صيحاتُ شَعبٍ أَبْطَلَ التّكذيبا |
واستأجَرَ الشيطانَ كي يغتالَهم | والشعبُ لمّا يُتْقِنِ التّدريبا |
عشرونَ ألفًا أو يزيدُ دماؤُهم | سالتْ لتجرفَ صائلًا مجذوبا |
كانت نهايةُ أمرِهِ في حُفْرِةٍ | تَعِظُ اللبيبَ وتُسْكِتُ التّأنيبا |
ذهبَ الثلاثةُ في أذلِّ نِكايةٍ | مَنْ بَعدَهم قد يستذلّ شعوبا |
يا أيُّها الحكامُ كم ذا عبرةٍ | تُرِكَتْ فلم تُدْرِكْ فؤادَ لبيبا |
لم يتّعظْ كرسيُّ رابعِهم بهم | ومِزاجُهُ قد هدّنا تقليبا |
فَهَوَتْ عليه من المآسي زفرةٌ | حَرَقَتْهُ إنّ على الصدورِ لهيبا |
نهرُ الدماءِ مضى عليهم مُثْقَلًا | والبَغْيُ يَسْحَقُ حُلْمَهُم تغريبا |
والآن قد هَرَبَ الظلامُ مُؤَمَّنًا | ودمُ الضحيةِ لم يَزَلْ مَصبوبا |
يا شؤمَ من قد أثخنوا في أرضِنا | ثم استقالوا يطلبونَ هروبا |
هيّا اهربوا من قبضتي نحو الردى | واستشرِفوا يومًا أراه عصيبا |
يومَ الحسابِ فلا سياسَةَ عندَه | تُنجي الطغاةَ وتُفْلِتُ التّخريبا |
يا ربُّ إنّ نساءَنا في الشام قد | أدْمَيْنَ قلبي وانفطرنَ وجيبا |
أطفالُنا أدركْتُ من صرخاتهم | وعيونِهِم قبلَ الأوانِ مشيبا |
وإليكَ أشكو مَن تَرَاخَوْا عن دمي | وأبَوا إذا حَمِيَ الوطيسُ رُكوبا |
أرْسَلْتُ للشام الأبِيَّةِ دعوتي | واللهُ خيرُ السامعينَ مُجيبا |
والجامعُ الأُمويُّ يَعْرِفُ جُرأتي | فأنا الغنيُّ بنجدتي تلقيبا |
وأنا الشهيدُ أبيعُ رُوحي طائعًا | ما كان سَعْيِي في الرّدى مَرهوبا |
أعلو وأسْتَبِقُ الحياةَ مُلبِّيا | أَمَلي إلى أُفق أراهُ رحيبا |
أَمْضي وأحْمِلُ للأسيرِ مروءَتي | وأضمُّ نفسًا للقراع طروبا |
إن القصاصَ لنا حياةٌ مَنْ عَدَا | يُعدَى عليه كما اعْتَدى تأديبا |
إيهٍ دمشقُ من الشجون فإنه | ما زال في شرياننا مرغوبا |