شيخ الدراسات العربية والإسلامية في فرنسا
يعتبر جاك بريك (1910-1995) من أعلام الفكر الاستشراقي البارزين على الصعيد العالمي.. تخصص في الدراسات العربية والإسلامية، وألف في مجال تخصصه العديد من الكتب القيمة، والدراسات الجادة المفيدة.. كما شغل على مدى ربع قرن كرسي التاريخ الاجتماعي للإسلام في الكوليج دي فرنس؛ هذه المؤسسة العريقة التي تعتبر أول مؤسسة علمية في أوروبا الغربية، أدخلت في برامجها تدريس اللغة العربية بانتظام، وذلك في سنة 1587م، الأمر الذي يؤكد اهتمام الأوروبيين بدراسة الإسلام. ولا شك بأن انضمام الأستاذ برك إلى هذا المحفل العلمي العريق وتخصصه كعالم اجتماع وعالم أجناس ومؤرخ الدراسات العربية، الإسلامية، سوف تجعل من الرجل صاحب مشروع فكري متميز، أوقف حياته كلها من أجل إنجازه..
لم يكن بريك يحب أن يصنف ضمن دائرة المستشرقين التي أساء العديد من أقطابها، إلى الحضارة الإسلامية، فقاموا بالتهوين من دورها وإسهاماتها الفكرية والعلمية، والعمرانية كما تحاملوا على علمائها، وقادتها، وشعوبها، وعملوا على تشويه معالمها، وأهدافها، ومقاصدها النبيلة.
هذه الفئة من المستشرقين المملوءة بالحقد والتعصب، وسوء الظن، هي التي دعمت الاستعمار القديم، والجديد، من أجل إحكام السيطرة الغربية على المجتمعات الإسلامية. وقد اقترن الاستشراق بظاهرة الاستعمار، كما أن الدراسات الاستشراقية ازدهرت في عصر السيطرة الأوروبية، والتمركز الاستعماري..
وقد شعر برك بأزمة الا ستشراق التقليدي كخطاب وممارسة، فحاول الإجابة عليها من خلال الدراسات المندرجة كلها في التاريخ الاجتماعي للعالم العربي، وذلك بغية الوصول إلى مقومات نهضته الدينية، والثقافية...
وكان جاك برك يرى بأن عملية التطور، لا تتحقق بصورة إيجابية، إلا في إطار جدلية تربط بين الأصالة، والفعالية، ومن ثمة فهو يعتبر بأن "الدين" من أهم المقومات التي تحافظ على شخصية الأمة، أما الأصالة فيرى بأنها تؤدي إلى الانسجام بين طبيعة الشعب، وثقافته كما أنها تنطوي على قوة محركة بالوعي التاريخي..
كان برك يتميز عن العديد من نظرائه المتخصصين في الدراسات العربية الإسلامية، بكونه عرف كيف يتخلص من المنهجية المتبعة، من طرف الاستشراق التقليدي، وذلك بتبني منهج جديد قادر على معالجة القضايا المستجدة، وهكذا يكون قد أسهم، كما فعل أستاذه لوي ماسنيون، بدور كبير، في تجديد الدراسات الاستشراقية، وذلك بتطبيق مناهج العلوم الإنسانية، في دراساته العديدة، التي تتناول السوسيولوجيا الحضرية، واللسانيات، وعلم النفس، والتاريخ... بحيث كان يرى بأن الاستشراق التقليدي كان عاجزا عن مواكبة التطور المنهجي الذي عرفته العلوم الإنسانية الأمر الذي أدى بالدراسات الإستشراقية إلى التحول إلى عملية إسقاط إيديولوجي ترمي إلى الانتقاص، و إزدراء كل انجازات الثقافة العربية الإسلامية.
ولعل ما ميز جاك برك عن غيره من كبار علماء الاستشراق والمتخصصين في العالم العربي هو أنه كان قريبا بفكره ووجدانه بالعالم العربي، والحضارة الإسلامية.. جاب جل أقطارها، ودولها؛ وعايش عن قرب مختلف التجارب والأحداث التي شهدها العالم العربي منذ الثلاثينات وأنصب اهتمامه على مظاهر اليقظة، والنهضة، والتحرر الوطني في مختلف الأقطار العربية..
وقام كعالم إجتماع قدير بدراسة مختلف الظواهر، والإشكاليات، والآثار التي أحدثتها الصدمة العنيفة بين الحضارة الغربية الحديثة، والعالم العربي والإسلامي.
لقد تمحور فكره الموسوعي، والمتعدد الإهتمامات على مقاربة الخصائص والمكونات باحثا في القوانين، ومستنبطا للقواعد، والعوامل المؤثرة في النظم الإجتماعية، وكل ذلك بهدف الكشف عن التحولات العميقة التي عرفتها المجتمعات العربية، وإبراز دينامكية التطور الخلاق المنطلق نحو المستقبل؛ والتي تتجلى في إرادة الشعوب وتطلعها إلى الدخول في دائرة الحداثة الصناعية، والفكرية، مع المحافظة على ما هو أساسي وجوهري في الشخصية الحضارية، والثقافة الإسلامية.
وإذا كان العلم، في أبسط معانيه هو البحث عن الحقيقة في مصا درها المختلفة فإن برك، قد كرس حياته العلمية في سبر أغوار الحقيقة العربية – الإسلامية؛ والتعريف بها، وتقديم صورة نزيهة وموضوعية عن ملامحها الحضارية المتعددة والثرية، رابطا الماضي بالحاضر، مستشرفا لآفاق المستقبل.
بالإضافة إلى مشروعه الفكري، فإن برك، كان صاحب رسالة كما هو شأن كبار المفكرين، وقادة الرأي..
كان يرى بأن أهم تحول عرفته منطقة المتوسط يكمن في التمازج بين الحضارتين اللاتينية والعربية – الإسلامية، ومن ثمة كان يعتقد، بضرورة الربط بين الضفتين الشمالية والجنوبية للمتوسط، وكذلك بوضع أسس للتعاون الخلاق، بل كان يتطلع إلى أبعد من ذلك: قيام كتلة متوسطية لمواجهة الهيمنة الأمريكية العالمية..
جاك برك رجل متوسطي كانت أمنيته أن يرى حضارة البحر الأبيض المتوسط تنهض من سباتها، وتقوم بدورها الإشعاعي، والتنويري على ضفتي المتوسط، لأجل ذلك بذل جهدا مضنيا، ليقرب الإسلام إلى الأوربيين في أنصع صوره وأصدقها، وأقربها إلى النفاذ للعقول..
أما العالم العربي فقد دعاه إلى الخروج من الجمود والتخلف، والآخذ بأسباب التطور والرقي، مع التمسك بالأصالة، ومن هذا المنطلق كان يأمل بقيام تحالف بين ضفتي المتوسط، كما دعا إلى حوار مثمر، وبناء، يدعم الوحدة المتوسطية..
يروى، برك في مذكرات، الضفتين (1989)، أبرز محطات حياته الحافلة بالمواقف، والأعمال والمنجزات، والمشاعر الفياضة.. وتحدث عن لقاءاته ومناقشاته مع أبرز قادة الفكر والرأي، والزعماء والعلماء في العالم العربي والإسلامي.
ويعتبر برك من أبرز المستشرقين الفرنسيين الذين تخصصوا في الدراسات الاجتماعية في العالم العربي بدأها بدراسته حول العادات والعقليات المغربية.. وانتهى بمعالجة القضايا الحضارية والسياسية للعالم العربي..
ومن أبرز مؤلفاته في هذا المجال : تحرير العالم (1963) ومصر والامبريالية
والثورة (1967) والعرب، بين الا مس والغد (1969) والشرق الثاني (1970)..
ويلاحظ برك على نفسه، بأنه يجوز أن يكون أخطأ حين مزج الإيديولوجيا، بما كان يلزم أن يبقى بحثا موسوعيا..(1)
وكان يرى أن الاستشراق، عاجز، عن مواكبة العلوم الإنسانية ذات القدرة الإكتشافية، وعاجز أيضا، عن النظر إلى العرب والمسلمين. بكونهم قوة بشرية حضارية، وثقافية، فاعلة في التاريخ..
قام بشرح الاستعمار كظاهرة تاريخية، تستلزم جدليتها قيام نقيضها في حركات التحرر من السيطرة الاستعمارية..
في كتابه العرب بين الأمس والغد، حاول استشكاف التحديات التي تواجه العربي، موضحا، أن الإنسان التقليدي، عليه أن يتخلى عن مجمل المقولات الذهنية، والرؤى، التي تعوق مجال تكييفه مع واقع العالم الحديث، المطبوع، بالبحث، عن الفعالية الاقتصادية، والتقنية، وكذلك بعلاقات الشفافية والعقلنة، والتعاقد على الصعيد السياسي..
و بالتالي فعلى العرب لكي يخرجوا من حالة العزلة والرفض أن ينخرطوا في معارك الحضارة الحديثة، من أجل الانتماء الفاعل الخلاق إلى العالم المتطور. (2)
كان يرى بأن إرادة التغيير مرتبطة بالدور الذي سيأخذه الإسلام في مسيرة الحداثة الشرقية، وبتعبير آخر بالعلاقة بين الصيرورة التاريخية والأصول.. (3)
إن كتابات برك مليئة، بالمشاهد، والأصوات، والروائح والمذاقات..، الأمر الذي يدل على آن الرجل تشرب العالم العربي بكل جوارحه..، وكأنه شخص يرى سائرا في شوارع مدينة فاس الضيقة "عيناه منخفضتان، خطوته تعبر، عن احتقاره لمشاهد العالم، من حوله،يشبه أحد رجال الحاشية القدامى، كما أن تعلقه بالمخمل المستعمل للزينة، والحصي المنحوت في المنازل الرائعة، يجعله البطل المثقف، لحضارة تعبر عنها جيدا موسوعية رجل الفكر ومهارة الحرفي ومتعة مأكلها". (4)
لقد قضي برك الشطر الأكبر من حياته في لعالم البحر المتوسط وتعمق في دراسة العصور القديمة للعالم المرتبط بهذا البحر مما كان له التأثير العميق، في وجدانه..
قضى بعض سنوات طفولته في المكان الذي اعتكف فيه العلامة ابن خلدون ليتأمل في التاريخ الطبيعي للممالك، وكانت روح إبن خلدون من ضمن الأرواح التي لازمت فكره.
في كتابه عربيات يتحدث عن نفسه باعتباره عربي-لايتني من المتوسط، لهذا فهو يشعر بالسعادة تغمره إذا ذهب إلى البلدان العربية...
أما ترجمته التفسيرية للقرآن الكريم، التي تعتبر آخر أعماله المنجزة(5)، فإنها تدخل في إطار مشروعه الفكري العام، الذي يعطي للثقافة العربية، والإسلامية، بعدها الكوني والحضاري، ومن ثم فإن هذه الترجمة كما يرى الأستاذ علال سي ناصر، ربما تكون الأولى، في اللغة الفرنسية، التي تتطرق لقضايا أكثر أتساعا، وشمولا، مثل مكانة الإسلام في العالم، والعلاقات مع العالم، طبقا لأحكام القرآن والشريعة.. (6)
وتعلق الدكتورة زينب عبد العزيز على ترجمة جاك برك لمعاني القرآن الكريم (1990) فتقول: "من البديهي أنه كلما ارتفعت مكانة العالم، وارتقى ، كلما كانت "هفواته" بنفس القدر إنحدارا ولا شك في أنه واحد من المع المستشرقين المولعين بالشرق، حتى بثيابه وجلبابه الذي يرتديه، ولا شك في معرفته اللغة العربية بدليل حصوله على عضوية مجمع اللغة بمصر..
ولا شك أن الجهد الذي قام به لترجمة معاني القرآن، ذلك الجهد الذي استغرق، ما يزيد على عشر سنوات على حد قوله، هو جهد عملاق، وكم كنا نود آن يؤتي ثماره لتكلل المكانة العلمية التي يحتلها، ولكن من المؤسف أن تخرج ترجمته هذه إلى النور، وهي تحمل بين صفحاتها العديد، من الظلمات، والنواقص، فما من صفحة تخلوا من الأخطاء، وما كنا نرجو لمن في مثل مكانته العلمية أن تحمل آخر أعماله - وعن القرآن بالذات – مثل هذه السقطات المتعمدة.
وتضيف الدكتورة زينب بأن ما ورد في مقدمة الترجمة، من مغالطات وتحريف، ومعاني تتخفى بمسوح العبارات المعاضلة والسفسطة العلمية..، من تشويه واستفزاز يحتم على المختصين والمهتمين بهذا الموضوع مجابهة، فرياته، والتصدي، لما أتى به جاك برك في هذه الترجمة الجديدة، وما تضمنته من نزعة استخفافية، برزت، من بين ثنايا عباراته، بجانب تلك المغالطات، التي تشي بدرجة كبيرة من التعسف، في تناول الوقائع.. (7)
أما جاك برك فإنه يقول عن عمله: "ما سأقوم به، إن هو إلا بحث يزاوج، بين التأمل، والتحليل (إنها إعادة القراءة..)
وذلك بالتسلح بالمنهجية الحديثة، من آجل الإحاطة بالنصوص الكبرى التي فهمتها الأجيال السالفة على طريقتها..
فإعادة القراءة لنص جليل مثل هذا..، لا تتم، من غير تفسير معكوس فهذا النص يصعد إلينا، موجة، من الأصوات، موجهة بشعاع الإيمان والسلوك، والمعتقدات، بالنسبة لملايين البشر، إنه يضم كل الكتب الكبرى المؤسسة لروح العالم..
إلا أنني، لن أقاربه، من موقع الإيمان، ولكن من موقف البحث، والموضوعية النقدية..
إن تقدما متطورا، بما فيه الكفاية في المعرفة القرآنية، سوف تنتهي إلى أن التبعثر المفروض، في معالجة المواضيع إنما هو ملازم، لوحدة المجموع، ثمة وحدة، تتجلى في التعدد، وتشكل هذه الرسالة في وحدتها، سمة، جوهرية للشكل وللعمق، إنها سمة ناطقة جدا تجعل من القرآن المجسد لوحدانية الله. (8)
وقد تطرق جاك برك في حوار مع الدكتور علاء طاهر إلى الأسباب التي دفعت به إلى القيام بترجمة القرآن الكريم فقال: لقد إبتدأت ترجمة القرآن، في هذه المرحلة من حياتي وبعد تجاوزي سن الستين من العمر، لسببين:
الأول هو الخوف والحشمة، فلم أقدم على ترجمة القرآن، في السابق خوفا من أن أصغر، في نظر المتخصصين، فيما لو لم تكن الترجمة جيدة، وفي المستوى المطلوب، فأثرت أن انتظر لكي أزداد نضجا، بحيث أكون مؤهلا، لتقديم ترجمة جيدة وأمينة.
وكنت أخجل من نص عظيم، مثل النص القرآني، فلم أتجرأ على القيام بترجمة لهذا الكتاب الهام، دون أن تكون عوامل المعرفة به وبالإسلام، قد تعمقت من خلال دراساتي، المتواصلة والمستمرة، بحيث، أكون في مستوى ترجمة النص، ولكي لا يحدث أي تقصير، في النص الفرنسي، الذي يتوخى تقديم القرآن الكريم بكل أبعاده اللغوية والروحية إلى لغة أخرى.
أما السبب الثاني، فهو سبب شخصي، فنحن عندما نتقدم في العمر، نبدأ بالتفكير، بطريقة أخرى... نبدأ بطرح الكثير من الأسئلة الميتافيزيقية، حول الموت وجدوى الحياة...
وقد وجدت، في القرآن كثيرا من الاطمئنان الروحي، الذي أسعى إليه..
وقد وجدت في القرآن سلوى لي، وفي ترجمته، شيئا، من هذه الاستجابة إلى عالم ما بعد الحياة..
وتطرق برك إلى الترجمات التي صدرت قبل ترجمته، فقال: "إن الترجمات التي قدمت لحد الآن إلى اللغة الفرنسية، كانت من مترجمين يحسنون اللغة الفرنسية أكثر من اللغة العربية أو بالعكس، ولذلك فإن هذه الترجمات، كانت معرضة لبعض الخلل والنواقص، أما من ناحياتي فقد تعلمت اللغة العربية وأزعم بأنني أتقنها بشكل جيد، لأنني درستها لسنوات طويلة وعشت في البلاد العربية لسنوات طويلة، ولعلي أتقنها أكثر من المستشرقين الفرنسيين الآخرين، الذين ترجموا القرآن سابقا إلى اللغة الفرنسية. وبذلك أزعم أن معرفتي باللغة الفرنسية وباللغة العربية، هي معرفة متوازنة، ومتعادلة ..، وهذا ساعدني على تقديم ترجمة جديدة، تتلا في نواقص الترجمات السابقة وتقديم ترجمة أفضل من كل ترجمة قام بها، مترجم أجنبي آخر، ولا أقول أنني سوف أصل في عملي هذا إلى مرحلة الكمال (فالكمال لله تعالى) ولكن سيكون عملي –إنشاء الله - مفيدا للمسلمين الذين لا يحسنون اللغة العربية، ويحسنون اللغة الفرنسية، عندها ستكون قراءة القرآن سهلة بالنسبة لهم(9)
لقد أحدثت ترجمة جاك برك للقرآن الكريم عند صدورها ضجة كبيرة، ونقاشا عريضا حول مضامين هذه الترجمة الجديدة، وأسلوبها، والأسئلة والقضايا التي آثارها المترجم. من خلال قراءته وتحليله للنص القرآني ضمن منظور المنهجية الحديثة لقراءة النصوص وسبر معانيها الدلالية..
إن الأهمية القصوى لموضوع ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الحديثة، وما قد يترتب عن ذلك من صعوبات وإشكالات تشبه إلى حد بعيد زرع الأعضاء، نتيجة أن لكل لغة مجموعة، من الخصائص والبصمات الخاصة بها، لا يمكن بالضرورة أن تكون متوفرة للغة أخرى"..
ومن ثم فإن الخيط الرابط بين مختلف الترجمات يكمن في التعاطي مع الترجمة كنوع من التفسير، وما دام القرآن يحتمل كثرة التفاسير التي تبرز غنى النص القرآني فإنه إذن يحتمل أكثر من ترجمة..
ومن أسرار البلاغة والإعجاز في القرآن أن معانيه تتجدد بالنظر والتدبر. الأمر الذي يوجب إعادة ترجمته بلا انقطاع، فكل لغة مطالبة بأن تنقل جانبا من هذه المعاني المعجزة.(10)
ضمن هذا الإطار تندرج محاولة جاك برك لترجمة معاني القرآن إلى اللغة الفرنسية، فهذه الترجمة كغيرها من الترجمات الأوروبية، معرضة للخلل، والنواقص الكثيرة إلا أنها في نفس الآن تسهم في نقل بعض معاني الخطاب القرآني إلى الناطقين باللغة الفرنسية..
ومن البديهي أن كل ترجمة لمعاني القرآن الكريم تبقى مؤقتة، لأن الخطاب القرآني يتضمن فلسفة حياة، تستخرج المعاني المتجددة في كل غرض من أغراض الفكر والضمير..
فليست معاني الكلمات، في المعجمات اللغوية، هي مدار الحديث عند تفسير أو ترجمة آيات القرآن الكريم..
والأمر الذي لا محل فيه لخلاف أن تفسير القرآن أو ترجمة معانيه، لا يكون بالتخمين..
وكل باحث في معاني القرآن، يقر بأن صرف اللفظ عن معناه يعد، ضربا من التخمين، لأن قواعد اللغة تقتضي ذلك، وهذا المبدأ، لا يجيز للمسفر أن يجزم بقول، إلا أن يكون قوله تخمينا يعوزه، السند القاطع، ولا يلزم أحدا غيره..
وصفوة القول أن المسلم مأمور في القرآن بالتفكير، والتأمل والتدبر، والاستقلال بذلك عن الآباء والأجداد وأحبار الزمن القديم وأئمة الدين فيه، إذ ليس من المعقول أن يفكر الإنسان على نسق واحد في جميع العصور..
ومن ثم فإننا مطالبون أن نفهم القرآن الكريم، في عصرنا كما كان يفهمه العرب الذين حضروا الدعوة المحمدية، لو أنهم ولدوا، معنا، وتعلموا، ما تعلمناه، وعرفوا، ما عرفناه، واعتبروا بما نعتبر به، من حوادث الحاضر، وحوادث التاريخ، منذ الدعوة المحمدية إلى اليوم.. (11)
ولعل الدرس الذي يجب أن نستفيده، من الترجمات الحديثة للقرآن الكريم، هو أن نقف عند آراء المفكرين، ومذاهب العلماء، إدراكا نافعا لنا، في التأمل، والنظر، دون أن نؤمن، بصحة كل خبر، وصواب كل رأي، وصدق كل نظرية..
–
الهوامش:
بنسالم خميش، في معرفة الآخر، ط2، 2003، دار الحوار، ص 20.
نفس المصدر، ص 46.
نفس المصدر، ص 48.
البرت حواراني، الإسلام في الفكر الأوربي، دار نوفل، بيروت ، 1994، ص 164.
د/ زينب عبد العزيز: ترجمات القرآن إلى أين؟، دار الهادي، ط1، 1994، ص 10-11.
جاك برك، إعادة قراءة القرآن، ترجمة وتعليق د/ منذر عياشي، مركز الإنماء الحضاري، ط1، 2005، ص 29.
مقتبس من حوار جاك برك مع د/ علاء طاهر.
القدس العربي /6/6/2006/ أنظر ملخص لمحاضرة الأستاذ محمد المختار ولد باه حول ترجمة معاني القرآن..
عباس محمود العقاد، الفلسفة القرآنية، دار الهلال، ص 180.
أخي العزيزعادل،
أرجو أن تكون بخير وعافية. تجد أدناه تعليقا وجيزا على المقال المعنون «جاك بريك
شيخ الدراسات العربية والإسلامية في فرنسا». كما أرفق صورة لنا التقطت في «المدائن» العراقية، و تظهر في الخلفية صورة تخيلية لمعركة القادسية.
مع أطيب تحياتي
الدكتور حلمي الزواتي
هذه إشراقة منصفة للأستاذ العلامة جاك بيرك. لمن لا يعرف البروفسور بيرك، فهو من مواليد 4 حزيران 1910 في فريندا، ولاية تيهرت في غرب الجزائر لأبوين فرنسيين خلال الاحتلال الفرنسي للجزائر. لقد زاد إعجابي بهذا العلامة بعد لقائي الأول به في بغداد خلال فعاليات مهرجان الآمة الشعري خريف 1984. الأستاذ بيرك على دراية بالعربية لغة وحضارة أكثر من أبنائها المستغربين الذين أساءوا لها أكثر من غلاة المستشرقين، وإن أعماله المنشورة بما في ذلك ترجمته المميزة لمعاني القرآن الكريم إلى الفرنسية شاهد على احترامه وغيرته على الفكر العربي والحضارة العربية. وإن معظم التهم الموجهة إليه عارية عن الصحة ولا أرضية فكرية لها.