صاحب الرقم القياسي العالمي في تدمير الدبابات
انتصار السادس من أكتوبر عام 1973 ـ العاشر من رمضان 1393 هـ سيظل محفورا في ذاكرة التاريخ لأن هذا الأنتصار قلب موازين الكثير من الخطط العسكرية وقدم الجندي المصري بطولات عظيمة أذهلت العالم.. ومن الجنود البواسل الذين أدوا مهامهم القتالية بدرجة كفائة عالية بلغت حد الإعجاز البطل (محمد المصري) ابن مصر و(شنبارة منقلا) مركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية وصاحب الرقم القياسي العالمي في تدمير الدبابات.. ألتقينا به وحاورناه وإليكم التفاصيل:
.......................................؟
محمد إبراهيم عبد المنعم المصري الشهير بمحمد المصري: من مواليد الأول من شهر يونيو عام 1948 بشنبارة منقلا مركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية.
.........................................؟
في طفولتي شربت الشجاعة والإيثار والسماحة فوالدي توفي وعمره (28) سنة وتزوج وعمره (14) سنة من إبنة عمه ، وأنا أكبر أخواني (صلاح - لوزة - عبد الرحمن - السيد - سمية) وفي يوم جنازة والدي كنت مصابا بالحمى وكنت بالمدرسة وأثناء مرور الجنازة نظرت من شباك الفصل لالقى نظرة الوداع علي والدي فإذا بمدرس الفصل يصفعني علي وجهه ، وهي الصفعة الوحيدة في حياتي ، فبكيت فقال التلاميذ للمدرس: يا استاذ هذه جنازة والد محمد ، وبعد أنتهاء اليوم الدراسي وقفت في سرادق العزاء ومعي أخي صلاح وأختي لوزة وفي صباح اليوم التالي ذهبت إلى المدرسة وكنت بالصف الخامس الإبتدائي ، وفي طابورالصباح نادى على المدرس وطلب مني السماح وقال: أنا لم أذق طعم النوم طوال الليل ويدي التي ضربتك أحركها بصعوبة.. فقلت: أنا مسامح.. والجدير بالذكر أننى كنت طالبا متفوقا وحصلت على الشهادة لإبتدائية من مدرسة شنبارة منقلا الإبتدائية
..........................................؟
من عادة أهل الريف أن الزوجة الأرملة تتزوج من شقيق الزوج المتوفي لأجل مواصلة رحلة الحياة ولذلك تزوجت والدتي من عمي (السعيد) وذات ليلة قرأت قسيمة الزواج وفهمتها تماما رغم صغر سني ثم واصلت تعليمي فحصلت علي الإعدادية ثم الثانوية من ديرب نجم.
..........................................؟
طفولتي لم تكن مثل بقية الأطفال ولذا عشت طفولتي مع أولادي ، وأذكر أن جدى أعطانى قرش صاغ لاشترى الطعام فقلت: وانت يا جدي؟ فقال: سوف نأكل كلنا في المنزل مع أمك وأخوانك.. ومن هنا تعلمت الإيثار.
..........................................؟
البطولة لاتولد بين يوم وليلة.. البطولة تركيبة خاصة والظروف تصنع وتصقل البطل.
.........................................؟
بعد حصولي علي الثانوية العامة تم تجنيدي في الرابع والعشرين من شهر سبتمبر عام1969 وألتحقت بسلاح الصاعقة وأثناء أجازتي كنت حريصا علي تقبيل يد والدتي في الحضور والأنصراف ، وعند توديعها كانت تقول (خليك راجل يا محمد) وفي الأجازة الأخيرة أحتضنتي بشدة وكان حضن الوداع لأننى عندما عدت في الأجازة التالية لم أجدها فقد انتقلت إلى الدار الآخرة وذلك عام 1970
........................................؟
طوال خدمتي العسكرية كنت مطيعا للقادة وكنت أنتظر اليوم الذي نقاتل فيه حتي تحرر أرضنا المحتلة ونخرس غرور إسرائيل فموشي ديان كان يقول (إن خط بارليف سيكون الصخرة التي تتحطم عليها عظام المصريين وسيكون مقبرة الجيش المصرية) وجولدا مائير كانت تقول (إن تصور عبور القوات المصرية إلى الضفة الشرقية يعتبر أهانة للذكاء) والخبراء قالوا (إن تحطيم خط بارليف يحتاج إلى قنبلة ذرية)
.....................................؟
بعد حل فوج الصواريخ جراد بي أثناء خدمتي بالصاعقة أنتقلت إلى سلاح المظلات وكنا النواة الأولى لتشكيل كتائب الفهد والصواريخ المضادة للدبابات وأتقنا العمل علي السلاح وبكفاءة عالية ، وفي اليوم الخامس من أكتوبر عام 1973 تم ألحاقنا علي قيادة الفرقة الثانية أحتياطي (م.د) اللواء 120 مشاه وفي الساعة الثانية والثلث ظهر يوم الثالث من أكتوبر عام 1973 الموافق للعاشر من رمضان عام 1393 هجريا عبرنا قناة السويس في قوارب مطاطية وتسلقنا الساتر الترابي والذي هو جزء من خط بارليف وذلك بواسطة السلالم الحبلية ، ولكن كان الخوف يتملكني برغم التدريب المكلف والتسليح فالخوف فلسفة فالإنسان غذا لم يخف من الله تعالي فلن يحرص على طاعته.. وكان منطلق خوفي هو عدم توصيل الصاروخ للهدف الذي صنع من أجله لأننى أعلم تكاليفه ولكن خوفي تبدد بمجرد رؤية سيناء
...............................؟
القائد رمز وأذكر أن قائدى (صلاح عبد السلام حواش) أول ماوضع قدمه على أرض سيناء سجد حمدا لله تعالى وهذا المشهد هزنى هزا ورفع روحى المعنوية إلى عنان السماء وقلت: النصر او الشهادة.. وفى الثامن من اكتوبر استشهد قائدى البطل (صلاح حواش) واسمح إلى أن ارثيه بهذه الكلمات:
حزنى عليك سيطول بمقدار ماتتيح لى الحياة من فرص.
............................?
الصاروخ أخر مدى له 3 كيلو مترات ويقطع هذه المسافة فى 27 ثانية (زمن المرور) وفى أول لقاء لى مع الدبابات الإسرائيلية وفى أقل من الزمن المطلوب وجهت صاروخى الأول على دبابة إسرائيلية فتحولت إلى كومة من النيران.. وسمعت القائد يقول لى (مسطرة يامصرى) بمعنى: أن خط مرور الصاروخ من قاعدة الإنطلاق إلى الدبابة كأنه خط لاعوج فيه.. وفى هذا اليوم.. السابع من أكتوبر وفى القطاع الأوسط (تبة الشجرة) دمرت 4 دبابات إسرائيلية فمهمتى كانت قطع الطريق على الدبابات الإسرائيلية والمكان الذى أتواجد فيه ليس فيه إصابات فإما الحياة أو الشهادة.. ويوم الثامن من أكتوبر 1973 سمى (اليوم الأسود) و(اليوم الحزين) عند إسرائيل لأن فى ذلك اليوم إنتهوا تماما وتعجبوا لعدم دخولنا تل ابيب.. وفى ذلك اليوم أجتمع بداخلى تناقض عجيب.. ففى أول النهار أستشهد قائدى ومعلمى وأستاذى البطل المقدم (صلاح حواش) بعدما تناولنا شرب الماء من زمزميته الخاصة وكنا نشرب من غطاء الزمزمية وكل بطل كان يحرص على تناول زميله أولا وأثناء تناولى غطاء الزمزمية من البطل (صلاح حواش) سقط على الأرض فظننت أن به سوء ولكنه أستشهد أثر إصابته بشظية إسرائيلية وكانت آخر كلماته (مصر أمانة بين إيديكم يامصرى)
وبعد رجوعنا إلى وادى النخيل (منطقة التمركز) صممنا على أحضار جسد الشهيد البطل (صلاح حواش) وفى آخر الليل حضر عندى أحد الجنود وطلب منى الذهاب معه إلى اللواء (حسن أبو سعده) بمركز قيادة المعركة بالفرقة الثانية وعندما شاهدنى اللواء (حسن أبو سعده) قال: أهلا يابطل.. ووجدت عنده (عساف ياجورى) قائد اللواء 190 مدرع الإسرائيلى والذى كنت لاأعرفه.. فقد وقع فى الأسر بعد أن دمرت دبابته.. وعندما تم أسره طلب من اللواء (حسن أبو سعده) كوب من الماء ورؤية الجندى الذى دمر دبابته.. وعندما شاهدنى (عساف) ظل يتفحصنى وهو فى ذلة وإنكسار لمدة 35 دقيقة.. وهنا إرتفعت روحى المعنوية إلى عنان السماء.. فقد أخذت بثأر قائدى (صلاح حواش) والشهداء الأبرار.. وفى هذا اليوم دمرت 6 دبابات إسرائيلية.
..........................؟
الحكمة التي أرددها قول رسول الله صلي الله عليه وسلم (أطلب الله تجده تجاهك وإذا أستعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو أجتمعت علي شئ فلن يضروك إلا بشئ قد كتبه الله لك)
.........................؟
أقرأ لعباس العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ وجمال الغيطاني ويوميات إسماعيل النقيب التي يكتبها في جريدة الأخبار.
......................؟
شنبارة منقلا: أصل وجودي.
ديرب نجم: مركزي الذي أنتمي إليه وأعتز به.
الشرقية: محافظتي العريقة.
السلام: إسم من أسماء الله تعالي.