صرخة من أطفال
وتتوالى القصص، هذه واحدة من تكساس، هاهو غاري كويلز الأب القلق، الوالد الذي ذهب للصيد أحد الأيام محاولا تناسي الأزمة التي يمر فيها ابنه الجندي أثناء الهجوم على الفلوجة، أخبره ابنه منذ يومين في رسالة أن الهجوم وشيك والتحضيرات قد تمت، كان ابنه هناك يدمر البيوت الآمنة والمساجد المطمئنة، لم يستوعب الأب الأمر فابنه ما زال في مخيلته طفلا يحبو ويلعب بسياراته ويمسك بعصا البيسبول البلاستيكية، استلم الأب هذه الرسالة من ابنه الذي يحثه فيها على الصلاة من أجله وأن يمنحه النصيحة، ثم بعد ساعة من عودته من الصيد والتأمل والصلاة لابنه جاءت النقرة على باب المنزل وإذا برجال من المارينز يستأذنونه بأدب واضح في الدخول، وها هم يدلفون إلى المنزل ويبلغونه الخبر:
يوسفنا أن نخبرك بأن ابنك مات في الهجوم على الفلوجة، مات بطلا والقصص كثيرة عن شجاعته وإقدامه وقد مات دفاعا عن الحرية والعدل ونحن واثقون من أنك فخور به. ثم سلموه رسالة رسمية وانصرفوا بأدب واضح.
هل حقا مات ابنه في الدفاع عن البلاد أو العباد! أم هل مات ابنه فداء للعدل المنشود المنشور في وسائل الإعلام! ليلتها طار من بين الغيوم ثم نزل باتجاه والده في المنام محاولا إقناعه بعدل الهدف وسمو القصد فارتعدت فرائص الأب وتململ ثم صحا من نومه وقال هذا ما لم يقله ولدي وهو حي فكيف به وهو ميت، هل غير رأيه أثناء الاحتضار؟! لا أصدق، لا أصدق فهذه حرب الساسة الجمهوريين وليست حرب الشعب.
الكابتن شان سيمز من تكساس أيضا أصيب بكمين في الفلوجة ثم قضى فيه، ترك وراءه رضيعا يصرخ ويؤنب كل من كان في سدة أخذ القرار وكان وراء قتله، وترك خلفه زوجة ترسل ببطاقات إلى من حولها تحثهم على الدعاء للمقاتلين بأن يعودوا سالمين حتى أتاها الخبر الذي خافت منه شهورا طوالا. لم تقنعها الحرب قيد أنملة وما فتئت تقول إن الحرب هجومية وليست دفاعية وزوجها في رسائله يقول لها تريثي فالبلد بحاجة إلينا مهما يكن الثمن، كان يقول ذلك لأنه تدرب على هذا أما في قرارة نفسه فالثمن لا يجب أن يكون الحياة وتيتيم طفل بريء لا ذنب له في الحرب ولا في قراراتها. ولم تستطع زوجته إخفاء خوفها من الخبر الذي كان ينتظرها، فمن كان ينتظر الآخر، الخبر أم هي.
كم من عراقي أو أفغاني أو فلسطيني ترك وراءه أطفالا تصرخ في وجه الإنسانية كفى كفى، هؤلاء يدافعون عن أرضهم فهم ليسوا أعداء للحرية والديمقراطية كما تزعم وسائل الإعلام نقلا عن الساسة الكبار المستكبرين، هؤلاء بشر أعطاهم الله ومن دونه الشرائع الأرضية حق العيش وفرسة الإعمار فجاء من جاء يسلبهم هذا الحق دون هوادة ودون وجه حق أو سلطان، هؤلاء يدافعون عن أرضهم وشرفهم ومقدساتهم، هؤلاء لم يرحلوا آلاف الأميال ليتهجموا أو يهجموا على بشر مثلهم دون أسباب لا سبيل لها إلا الدمار والإغتصاب.
هؤلاء هم الأطفال يصرخون بمل رئاتهم أيها البشر لا تملوا من التنديد لا تهملوا القضية لا تتركوا المجرمين يهنؤون بما يحصدون من الحقد وما يأكلون من دماء الأبرياء وما يدخرون من العنجهية والصلف البشري وما يكدسون من الأرصدة في بنوك الحياة الفانية. نحن أطفال العالم لا نريد حروبا مدمرة ومن يريد حربا تحصد الأرواح دونما حق، وكيف لنا ألا نتأثر وقد منحنا الخالق قلوبا رقيقة تتحسس من الدمار والظلم ووهبنا عقولا تنعم بالمنطق والتفكير السليم ضد التهديد والتنكيل والجريمة، ونحن أطفال أمريكا لا نريد حربا فمن يريد حربا هجومية لا تبقي ولا تذر فإما قاتل أو مقتول ولو قـُتل أب واحد لما تسعنا الدنيا بكاء، ونحن الشعب الأمريكي لا نريد حروبا لا هجومية ولا استباقية لا نخرج منها إلا بكراهية البشرية لنا وها نحن ندخل التاريخ من أضيق أبوابه وأبشع إطاراته، فمن سيذود عنا ويحمينا من أنفسنا ضد العنجهية الكبرى التي ابتلينا بها من ساستنا وكيف لهم أن يحصلوا على تأييد أعمى من بعض الجهلة بأمور الإنسان على هذه الأرض.