الأحد ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم عبد الباسط محمد خلف

عائشة وعطاف و"تغريبة" وانتخابات...

تتحلق طائفة من الكتاب الشباب حول مائدة مستطيلة، نظمتها مؤسسة عبد المحسن القطان. بإشراف الكاتبة الروائية د.سحر خليفة في رام الله.

يستمع تسعتهم لتفاصيل رحلة المناضلة-الكاتبة عايشة عودة، تختزل لهم ولهن حكاية مريرة في ساعتين وأكثر. تقرأ و تتحدث و تحلل وتسترجع شريط ذكرياتها المكلوم.

تأسر عايشة ربى ورولا ونورا وسليم ووسيم وعادل وباسمة وسونيا وأنت.

وتملأ كلماتها عيون "قائدة السرب" بالدموع ، وتشق الأحزان طريقها إلى قلب الروائية خليفة.

ويشعر مدير برنامج الثقافة والعلوم، محمود أبو هشهش، وكأننا انتقلنا إلى دير جرير، مسقط رأسها، قبل حفنة من السنوات، بفعل الوصف الدقيق والحي للبيت وللطبيعة وللتفاصيل.

تقرأ عايشة من كتابها-الوثيقة صفحات ذات دلالات، عن قصة اعتقالها والحوار الذي جرى مع ابن عمها المطلوب لجيش الاحتلال، وتصف ربيع دير جرير:

"...لست على استعداد للتنقل من بيت إلى بيت، ولا أفكر في الخروج إلى الأردن مطلقًا.لن أترك لهم الوطن... "

"الأول من آذار 1969. الجو ربيعي، السماء صافية تلامس خبايا الروح. أشعة الشمس رقيقة، دافئة. حركت أعماق الحياة المختبئة من رد الشتاء، فخرجت تستعرض نفسها تحت أشعتها‘أرض البستان مكسوة بأزهار صفراء وحمراء، وأخضر له لون الحياة الغض، يغري القلب بالتدحرج عليه كطفل.شجر اللوز بأزهاره البيضاء يحتفل بعرس الطبيعة. شجرة التين، براعمه الرقيقة لم تتفتح بعد على غصون فضية لامعة، أنا عاشقة الطبيعة انتبهت للون الفضي ذاك لأول مرة. وددت لو يطول الطريق أكثر لأسير لساعات في هذا البهاء الإلهي.... أرأيت، لقد أمسكنا بك بسرعة! أنت مطلوبة لقوات جيش الدفاع الإسرائيلي..."

تتحدث عن لحظة الأسر والتحقيق والقلم والهموم ورفيقات الأسر والحواجز والمجتمع الذكوري. ويستوقف الحضور الحوار الذي أدارته مع عمها بعد أن حصلت على شهادتها الثانوية بتفوق. وما قاله له" خسارة بس أنت بنت."

بعد حفنة من الأيام،تسرع إلى الشاشة الصغيرة. تتمسمر أمامها. تتابع بشغف التغريبة الفلسطينية للنسخة السادسة، وتكتشف وكأنها المرة الأولى التي تتفرج فيها على مشهدنا المكلوم.

مع كل جولة إعادة تشعر وكأنك اكتشفت شيئاً جديداً، فيتوجع قلبك، وترحل إلى ماضي أجدادك، وترى العذاب وكأنه يستعصي على الرحيل، وتترشح للبكاء.

في النسخة الأولى، تستكشف ملامح شتات شعبك. في الكرة الثانية تتعمق قليلاً في جوانب المعاناة. في التارة الثالثة تعقد تحالفاً مع الشخوص كأبي صالح وخضرة وعلي وحسن والأم والأب. وتتضامن مع الشخوص الناعمة اللواتي يعانين كثيرا. في العرض الرابع تتفحص جوانب الحياة الفلسطينية: طبيعة وتراثا وتفاصيل صغيرة وبؤس وضنك. في التجربة الخامسة تشاهد وكأن التاريخ يكرر نفسه من جديد. وفي السادسة تستمر في تجرع العلقم وتتأهل لوجع القلب والذاكرة.

تفتش عن بريد إلكتروني، أو طبيعي لوليد سيف وحاتم علي(الكاتب الراوي والمخرج)، لتبث لهم شكرا على تدوير الحال الفلسطيني المدمع بحِرَفيّة عالية.

تلتف إلى صغيرك أحمد، فتراه هو الآخر يرحل إلى داخل الصندوق الناطق، ويتفاعل مع الممثلين الصغار على طريقة.

تسرع إلى نوم إجباري، فتستقطعه أصوات لقُطّاع الحياة والهدوء، تكرر لنفسك: الماضي يأتي غدًا وبعد غد، وتطل الشاشة ذاتها بأخبار عاجلة وبطيئة تشير إلى المزيد من الوجع...

بعد يومين، وفي الحافلة العمومية البرتقالية، يطلب جارك الطارئ أن يتصفح مجلة "ينابيع" التي ترفقك. فالرحلة طالت كثيرا، والحواجز كشّرت عن أنيابها.

يُبحر دارس علم النفس في قراءاته، ويعود إليك بسؤال: هل قرأت هذه المقابلة؟

تجيب: أي مقابلة؟

يرد:مع الصحافية والمناضلة عطاف يوسف.

تقول: نعم، وما الذي استوقفك فيها؟

يفتح الصفحة ويقرأ بتأثر كبير ما قالته الزميلة عطاف لمحاورها زياد خدّاش:

" بيتي لم يكتمل بناؤه بعد، وأمامي ثلاث إلى أربع سنوات لإكماله. آمل أن تزول المستعمرات خلال هذه الفترة، وتعود الجبال لطبيعتها الجميلة قبل أن تشوهها المستعمرات. وروايتي لم تنضج بعد. وربما تحتاج إلى عدة سنوات أخرى لتخرج إلى النور. أما إذا بقيت المستعمرات على حالها فسأجلس على الشرفة الغربية وأتجاهل الجهات الأخرى التي تحيط بها المستعمرات. وبالتأكيد وجود المستعمرات يخنقني ويخنق روايتي، فالمستوطنون ثقيلو الدم والوجود. لن أنسى أنهم حدوا من حريتي في التجول عبر الجبال التي عشقتها وأكلت من نباتاتها وخيراتها، فأنا اقرب إلى النباتيين، أستسيغ كل ما يؤكل من النباتات وأفضلها على اللحوم وغيرها."

يواصل الاقتباس من حديث الزميلة عطاف:"دوافع الكتابة لديّ كثيرة، أولها أنني عشت تجارب صعبة، وأريد أن يشاركني الناس فيها من خلال القراءة لأنني لا أجيد الحديث عن تجاربي، أحيانا تنهمر الدموع من عيني، ولا يسعفني صوتي.."

نصل وجهتنا. وفي اليوم التالي، تستمع إلى الحوار التالي:

الأول: سأصوت لكل النساء في قائمة فتح اليوم.

الثاني: لماذا؟

الأول: لأنني متأكد من أنهن سيخسرن، وأنا أريد تشتيت الأصوات!

الثاني: يا ريت..!

يطور آخرون حوارات مختلفة، فيخرج أحدهم في ساعات المساء، ويتحدث عن تخوف حقيقي من فوز النساء. فهناك الكثير من الرجال الذين صوتوا لصالحهن، لخلط الأوراق.

يدعى أحدهم أن النساء لا يستطعن ممارسة الحياة السياسية، فالمطبخ وتربية الأولاد والتدريس (إن طارت) هي وظائفها الأساسية في الحياة!

تخبرك ناشطة نسوية أن الانتخابات في إحدى القرى ستكون خالية من المرشحات. فالعائلات اجتمعت واتخذت قرارات حاسمة لا تقبل الطعن، بمنع النساء من الترشح. لأن ذلك "كلام فاظي"، والرجال لم يعتادوا على الحديث عن قضايا القرية والناس والمشاريع في حضور النساء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى