عالم الكتابة القصصية للطفل
ضمن منشورات وزارة الثقافـة والإعلام في المملكة العربية السعودية، وضمن سلسلة كتاب المجلة العربية صدر كتاب جديد للروائي والقاص السوري: عبد الباقي يوسف حمل عنوان: ( عالم الكتابة القصصية للطفل)
وقع الكتاب في مقدمة، وستة فصول هي: الفصل الأول شخصية الطفل -الفصل الثاني شخصية كاتب الطفل - الفصل الثالث تنمية موهبة كتابة قصة الأطفال -الفصل الرابع تصنيف قصص الأطفال - الفصل الخامس المرأة والكتابة للطفل - الفصل السادس توظيف الخيال في قصة الأطفال.
إن ما يميز هذا الكتاب أن المؤلف هو روائي وقاص متمكن من أدواته القصصة والروائية بشكل جيد، وقد حصدت أعماله الكثير من الجوائز الروائية والقصصية في كثير من الدول مثل: الإمارات، السعودية، لبنان، الأردن، اليمن، وله الكثير من الأعمال الروائية والقصصية التي احتفت بها وتبنتها مؤسسات ووزارات ودور نشر رفيعة المستوى ومن ذلك:
1 - سيمفونية الصمت - قصص - دار المجد - دمشـق 1989
2- الحب في دائرة العبث - قصص - دار المجد - دمشق 1991
3- طقوس الذكرى - قصص - مجلة الثقافة - دمشق 1992
4- برويـــن - روايـة - مركز رام - دمشق - 1997
5 - ديـــــن - روايـة - دار الينابيع - دمشق 2004
6 - جسد وجســد - روايـة - دار الينابيع - دمشق 2004
7 - كتاب الحب والخطيئة - قصص - مركز الإنماء الحضاري - حلب 2004
8 - فقــــــه المعرفــــــة - في جزأين - دار المنارة - بيروت 2004
9 - فقـه المعرفــــة - الجزء الثالث / إسلام ومسلمون وفقهاء / - دارالرضوان - حلب 2004
10 - روها ت - رواية - دار المنارة - بيروت 2006
11 - غيوم مـن الشرق - قصـص - منشورات اتحاد الكتاب العرب- دمشق 2006
12 - خلف الجدار - روايــة - دار كنعان - دمشق 2007
13 - طريقـة للحياة - قصص - منشورات اتحاد الكتاب العرب - دمشق 2007
14 - إمام الحكمة - رواية - منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية -الكويت 2010
ولاقت هذه الأعمال نصيبها الجيد من الترجمة.
يعد هذا الكتاب مرجعاً هاماً بالنسبة لكتابة القصة الطفلية خاصة وأن الكاتب يضمّن كتابه نماذج تجريبية من قصص للطفل من تأليفه بشكل إختباري لكيفية كتابة القصة للطفل، وهو في ذلك - كما يقول - في الكتاب قد استفاد من تجربته الشخصية مع ابنته / روهات / وابنه / لوند /
في الفصل الأول شخصية الطفل يقول الكاتب:
كلمة الطفولة، تعني مرحلة زمنية بالنسبة لعمر الإنسان، وهذه المرحلة تختلف من منطقة إلى أخرى، ولكن في جميع الأحوال يمكننا اعتبار أن الطفولة تبدأ من الولادة، وتمتد إلى بدء مرحلة المراهقة، وعند ذاك، يتجاوز الإنسان مرحلة الطفولة ليدخل إلى مرحلة المراهقة، ولكن ثمة سنوات يستقبل فيها الطفل المؤثرات الخارجية أكثر من غيرها، ويتفاعل في تلك السنوات مع الخارج أكثر من غيرها، وهي سنوات تأسيسية بالنسبة لعمر الطفل، وهي السنوات التي تمتد من الثالثة، وحتى السادسة، بحيث يستطيع المربي أن يوجه الطفل إلى أي سلوك يشاء، إنه يشبه العجينة بيد الخباز، يصنع بها رغيفاً في الإطار الذي يريد. والإنسان مهما تقدم في العمر، فإنه يبقى حاملاً المؤثرات التي اكتسبها في السنوات الثلاث تلك.
اهتم الإنسان بتوجيه الطفل منذ القدم، ونجد في التراث الإنساني أشكال التربية والتوجيه للطفل، في التراث اليوناني وجه الشعراء والأدباء بعض نتاجهم إلى الطفل، ومنهم على سبيل المثال: موسخوس، ويوريبيديس، وبيون، وثيوكريتوس .
لقد خاطب بيون الطفل قائلاً:
يابني لاتلجأ إلى الناس دون مبرر
ولاتعتمد على الغير في إنجاز عملك
حاول أن تصنع مزمارك بنفسك
كل شيء يتم بمشيئة الآلهة
أراد بيون أن يعتمد الطفل على نفسه، وهو يشق طريقه في الحياة، وبذات الوقت جعله يشعر بأن الله يكون في عون مَن كان في عون نفسه، إنه يدفع الطفل كي يشعر بالمسؤولية تجاه الحياة، ويعتمد على نفسه.
ونرى في التراث المصري القديم أشكال العناية بتوجيه الطفل، ومن ذلك قصيدة نشيد النيل التي تقول للطفل:
حمداً للنيل ينزل من السماء
ويسقي البراري البعيدة عن الماء
وينتج الشعير، وينبت الحنطة
وهو سيد الأسماك
وهو الذي يحدد للمعابد أعيادها
كما اهتمت الإمبراطورية الفارسية بأدب الطفل، وتركت تراثاً جيداً، ومن ذلك ما ورد في كتاب / أصل الخليقة / حيث يجيب الطفل الذي يسأل عن الزمان قائلاً:
الزمان من كلا المخلوقين أقوى
الزما ن من كل متملك أملك
الزمان من كل ذي علم أعلم
زماننا يمضي ويتفرق
لايمكن للروح أن تتخلى عن الجسد
ولا حين تطير في الأعالي.
كما خاطبت حضارة وادي الرافدين الطفل في ملحمة جلجامش وهي تقول له:
من سلك سبيل العدوان واغتصبت يده ما ليس له
من نظر نظرة رضا إلى مواطن الشر
من بدّل الوزن الكبير بالوزن الصغير
من أكل ما ليس له ولم يقل ماحدث
فسوف يعاقب على جرائمه.
في الفصل الذي حمل عنوان تصنيف قصص الأطفال يقول الكاتب:
عمر الطفولة يبدأ من اليوم الأول ولاينتهي قبل السادسة عشرة من عمره، يمكننا أن نقول عن أي شخص يتراوح بين هذه الفترة الزمنية: أنه طفل، لكن يوجد طفل في بدء مرحلة الطفولة ، ويوجد طفل في متوسط مرحلة الطفولة ، ويوجد طفل في أواخر مرحلة طفولته. وكل مرحلة تتمتع بخصائصها وميزاتها الانفتاحية، والإرسالية، والاستقبالية.
يمكنني هنا أن أضع السنوات الافتراضية لمراحل الطفولة:
أ - المرحلة الأولى، من اليوم الأول، وحتى نهاية السنة الأولى / وهي مرحلة
التكوين الأولي للدخول الفعلي إلى الحياة.
ب - المرحلة الثانية، من السنة الثانية، ولغاية نهاية السنة الرابعة / وهي مرحلة
محاولة لفت النظر من خلال الأفعال التي يقوم بها، مرحلة إثبات حضوره في
البيت إلى درجة إزعاج أبويه، لأنه في هذه المرحلة لايترك شيئاً في البيت إلا
ويسعى إلى تحريكه، وهنا يستقبل خياله أوسع المشاهد القصصية الخيالية، ويكون الخيال القصصي إيجابياً بالنسبة إليه.
ت - المرحلة الانتقالية الثالثة، من السنة الخامسة، ولغاية نهاية السنة الثامنة، وهي مرحلة بدايات ظهور مشاعر الخجل من بعض تصرفاته، يبداً في هذه المرحلة في التفكير الأولي باستقلاليته، وقد تراوده بعض الأفكار السريعة لرغبته في المهنة التي يرغب بها في المستقبل، وهنا يستقبل القصص والحكايا المثيرة، والتي تدهشه،
ث - المرحلة الرابعة، من السنة التاسعة، ولغاية نهاية السنة الثانية عشرة /
يرتاح في هذه المرحلة إلى المشاهد القصصية التي تجنح شطرروح المغامرة، وقوة الإنسان، وسوبرمانيته، فهو ينظر إلى الحياة بمحمل الجد، ويريد أن يكون له شأن فعلي فيها.
في فصل المرأة والكتابة للطفل يقول المؤلف:
أريد أن أقول هنا بأن المرأة الكاتبة يحالفها النجاح في الكتابة للطفل بدرجة أعلى من الرجل، ذلك أن المرأة تمضي مع الطفل فترة أكثر من الرجل، وهي تتحاور مع الطفل أكثر مما يتحاور الرجل، كذلك فهي تحمل الطفل وهو جنين وتعقد علاقة أولية معه لمدة تسعة أشهر، وهذا ما لايكون للرجل.
حتى في البيت يمكن أن نلاحظ بأن المرأة تستوعب الطفل أكثر من الرجل، ويمكن للرجل أن ينفر من إزعاجات ابنه، أو من بكائه الطويل في الليل، فيخرج إلى غرفة أخرى ليبتعد عنه ويحقق لنفسه راحة وسكينة، بيد أن المرأة لايمكن لها أن تفعل ذلك، بل تبقى تتحايل على طفلها بكل الوسائل، وتهدهده حتى ترضيه ويغفو بين يديها.
إنها لاتتهرب من مسؤوليتها عندما يهرب الأب من مسؤوليته ، وتصبر على طفلها عندما ينفد صبر الأب، ولذلك فإن هذه الأم يمكنها مخاطبة طفلها قصصياً بدرجة أكثر قرباً من الرجل.
أقول طفلها لأن أي امرأة عندما تنظر إلى أي طفل في العالم، ينتابها إحساس بأنه جزء منها بسبب المعاناة المشتركة التي تشترك فيها نساء العالم، وبسبب مشاعر الأمومة الفطرية المشتركة بين النساء كافة سواء أكن أمهات، أم كن عانسات، أم كن فتيات.
أقول مشاعرالأمومة الفطرية المشتركة، لأن مشاعر الأب هي مشاعر مكتسبة بالمقارنة مع مشاعر الأم،كونه لايشعر بمعنى الأبوة الحقيقية إلا بعد ولادة الطفل، ونموه، ومداعبته، والتعرف على ملامحه، وكلما كبر الطفل، أكسب الأب مشاعر مسؤولية الأبوة، بينما الأم تطعمه وتسقيه، وتعالجه، وتداعبه، وتحدثه قبل تراه رأي العين، وهي بذلك لاتزداد أمومة له فقط، بل تزداد حناناً له أيضاً، هذا الحنان الذي يجعلها تفدي طفلها بعمرها من خلال كلماتها اليومية معه، في حين لايجعل الأب من نفسه قرباناً لابنه على الأقل من خلال الألفاظ كما تفعل الأم بمسرة.
إنها تعيش كل هذه المراحل مع طفلها، وتتابعه خطوة بخطوة، لذلك يمكننا ببساطة ملاحظة امرأة في أي شارع من شوارع العالم، أو في أي حافلة، تتقدم نحو طفل وتأذن أمه حتى تظفر منه بقبلة، وقد تبيّنتْ لي هذه الحقيقة من خلال التجربة الشخصية بعد ولادة ابنتي / روهات / التي هي مع كتابة هذه السطور في سنتها الثالثة والنصف، وولادة ابني / لوند / الذي هو في سنته الأولى والنصف، أذكر هذا لأنني ما أزال في ذروة المشاهدة اليومية لِما تبيّن، ويتبيّن معي.
لاحظتُ هذه الحقيقة التي لفتت نظري بسبب التكرار، ولأننا نسافر كثيراً، يمكنني القول بأن آلاف النسوة تقدمن من زوجتي وهن يقلن: أتسمحين يامدام أن اقبلها.
ثم تتي امرأة اخرى وهي تنظر إلى أخيها قائلة: أتسمحين يامدام أن أقبله؟
وعند الموافقة أرى المرأة تحمل الطفل في حضنها، وتقبله، ثم تعطيه هدية صغيرة مثل قطعة سكر،أو شوكولا، أو بسكوت. عندئذ أرى بأن صدر المرأة انشرح وهي تمضي بسرور.
وما كان يحدث بتكرار مع ابنتي، يحدث الآن مع ابني لأنه يجذب عيون النساء أكثر بسبب صغر سنه.
أذكر هذه الوقائع الشخصية لأنني أرغب في أن أعزّز فكرة إمكانية كتابة المرأة للطفل بدرجة أبلغ وأعمق مما قد يقوم به أي رجل في العالم، في الوقت الذي لاأكاد أذكر فيه رجلاً واحداً تقدم من زوجتي واستأذنها كي يظفر بقبلة من ابنتي أو من أخيها مقارنة بكل تلك الأعداد الهائلة من النسوة المختلفات الأعمار والمواقع والألوان واللغات والأديان.
وأمام جواب واحد كنتُ أردد لنفسي: الرجل الذي يتهرب من مسؤوليته الأبوية بعد منتصف الليل، لايصعب عليه ألاّ تنتابه مشاعر أبوية تجاه طفل رآه صدفة في حافلة نقل ما، أو في حانوت ما.
إذن، هذا الرجل إذا كان كاتباً للأطفال، هل سيبلغ المبلغ الذي تحققه المرأة في التعبير عن عالم الطفل، وفي اعتقادي أن الأمومة ذاتها هي لمسة ناعمة قادمة من بستان الطفولة، في حين أن ألأبوة هي كلمة تحتمل الخشونة والرعونة أكثر مما تتسع لها كلمة ((الأمومة)).
من جهة أخرى، فإن شخصية الأم تذكرنا بسنوات الطفولة أكثر مما تذكرنا شخصية الأب، فإذا نظرنا إلى أمهاتنا، تذكرنا ملامح الطفولة وفيض براءتها، وفصول سنواتها.
لذلك فإن أول ما يوجه للرجل العاق بأمه: تذكّر بأنها حملتك تسعة أشهر في بطنها، وأرضعتك حليباً من ثديها.
بمعنى تذكّر سنوات طفولتك فيها، ولاتنس تلك البصمات الخالدة التي تركتها على بدنك، وعلى نفسك أيضاً.
إذا نظرنا إلى غالبية الكتابات التي كتبها الرجل للطفل، سنرى ملامح الموعظة، وإن بدت مغلّفة بأغلفة فنية، وتقنيات أدبية، نشعر بأن الكاتب لم يتخلص من مشاعره بأنه كبير، ويريد أن يسدي نصحاً، أو موعظة لطفل صغير، وفي بعض الأحيان، نراه يتعامل مع الطفل كما لوأ نه (يأخذه على قدر عقله) كمن يمسك بيد طفل ويعبر به الشارع، أو كما يمكننا القول: إنه يضحك على الطفل، ويستهزئ به بطريقة غير مباشرة.
ومعلوم أن الطفل ليس من اليسر الضحك عليه مهما كان صغيراً، وهو عندما يرضى عن تصرفات معينة، يرضى عنها برضى تام، وبذكاء أيضاء، أعني الذكاء الفطري للطفل، وهو ليس غبياً بأي مقياس من المقاييس، وهو ليس مجنوناً لأنه يمتلك عقلاً قابلاً للنمو والتطور والانفتاح. ولعلي أذكر مقولة لأحد الفلاسفة عرّف فيها الطفل قائلاً بأن الطفل في حقيقة الأمر هو فيلسوف صغير.
وكما في وقائع التعامل اليومي، يمكن للطفل أن يشعر بأن الذي يتحدث معه يكذب عليه، فلا يصدقه، ولايثق به، ويبقى مصراً على موقفه، فإنه كذلك في القصة التي يقرأها، يشعر بأن هذه القصة تستهزئ بمدركاته، لذلك لايكمل قراءتها، ولايصدّق كاتبها، ويتحاشى أن يقرأ له مرة أخرى.