الخميس ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٤
بقلم عبد الهادي شلا

عالم من الأذكياء و ..عالم من الأغبياء

في أمنيات الكثير من الناس الطيبين ، أن يعمر الكون جو من المحبة و التسامح و لا يعلو أحد على الآخر ويستعبده ، و ليس الحال دائما كما يتمنى المرء لأن الخالق سبحانه وتعالى حكم كل شيء بقدر، وطبائع البشر هي من أسرار الخلق.

و عليه فإن تنوع التركيبة الإنسانية لفائدة إجتماعية وبقائية .. لا شك في ذلك ، إذ لوأن الخلق كلهم على طبع واحد لما كان هناك تمايز ولا كان الثواب.. ولا كان العقاب .

..فماذا لو أن كل أهل الأرض كانوا من الأذكياء ، أو كانوا .. من الأغبياء ؟؟
كغيره من الصفات ، فإن الذكاء ذو حدين .. لو أحسن استخدامه لعم الخير، و لو أسيء لأصبح شرا مدمرا .

و معيار الذكاء في نتيجة استخدامه .. فلو تخيلنا أن عالمنا كله من الأذكياء فإن الطريق إلى المنفعة ستكون يسيرة ، إذ أنهم (الأذكياء) ليسوا بحاجة إلى من يرشدهم إلى حيث تكون الفائدة فذكاؤهم يكفيهم و يرشدهم إلى هذا ، إلا أن هناك صفات وطباع أخرى قد تتغلب واحدة على أختها فذكاء الطيب سيأخذه إلى المساحة الخيرة في نفسه و ينميها و يغرسها في نفوس من هم على طبعه بينما ذكاء الشرير سيعمل على قلب معيار الخير في نفوس الناس الطيبين من الأذكياء وهو في ذات الوقت ينمي حاسة الشر لدى الآخرين الذين لديهم نفس طبع ذكائه الشرير فتعود المعادلة إلى أصلها، بل إن هذا يدعونا إلى النظر في مستويات شر الذكاء عندهم وكذلك بالنسبة لمستويات خير الذكاء عند الآخرين .

إنه عالم النفس البشرية المعقد التراكيب، وكأننا في أمنيات هؤلاء الناس الطيبين نتحدث عن أحد فروع (المدينة الفاضلة) التي تحمل النفس البشرية الكثير من مواصفاتها، إلا أن الأمنيات الطيبة هي درب من تلك الدروب الأكثر مشقة في سمو الفضائل و تغلبها.

الذكاء الطيب ..قدم للإنسانية حضاراتها و أدوات تقدمها الهامة و تطورها ، و هي أدوات خير، منحتنا التواصل مع أرجاء المعمورة بأدق التفاصيل والحصول على أجوبة لمعظم تساؤلاتنا ورغباتنا في تبادل المعرفة و منحتنا الحماية من شرور الآخرين .

أما الذكاء الآخر فقد قدم الصور البشعة التي سجلها التاريخ في صفحاته السوداء، ذلك أنه موجه بأنانية ولقيم نفعية محدودة وضعت الإنسانية على حافة الدمار .

..و هذا يجعلنا نتساءل .. ماذا لو كان العالم كله من الأغبياء ..؟؟

عالم الأغبياء هو نقيض لتخيلنا الأول (عالم من الأذكياء) .. إذ أن الغبي لا ذكاء له على الإطلاق بل لديه تراجع في طبيعة التركيبة لعموم الخلقة الأساسية ، ولذا فإن عالم الأغبياء لن يعود عليهم بخير ذلك أن حالة التمييز بين الفضائل و المنافع تحكمها قوة تأثير ذات قدرة منخفضة عن المستوى الطبيعي ، فلن يقدر الغبي على تصور كل جوانب الحاجة النفعية التي يسعى لها عموم البشر، وحتى لو حاول الأغبياء العمل على منفعة عالمهم ، فإن نتيجة حسن النوايا ستكون معاكسة لأمنيات البشر الطبيعية التي فطروا عليها ، وهي وإن اختلفت في الصورة فهي أقرب إلى الذكاء الشرير .

ولكي تتحقيق أمنية هؤلاء الناس الطيبين ، نحتاج عودة إلى البداية ، مرورا بالرسالات والحضارات والتطور البشري وصولا إلى الحاضر الذي هو عصر الأزرار الألكترونية التي ضبطتها قوانين بشرية هي ثمرة جهد جبار من الأذكياء الطيبين .

إن عالما من الأذكياء لا يكفي فالتنافس فيه لا يمكن تصور نتائجه ، وعالما من الأغبياء لا ينفع لمعرفتنا المسبقة بالنتائج ، ذلك أن الطبيعة تقتضي وجودهما معا حتى يتحقق هدف الرسالة السامية للإنسان السوي وتوازنه مع الطبيعة.

العالم الحقيقي ليس في أمنيات الناس الطيبين ، بل هو عالم من الأذكياء و.. الأغبياء .

عبد الهادي شلا

Email:shala14@hotmail.com


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى