السبت ٣١ تموز (يوليو) ٢٠٠٤
بقلم رشدي الماضي

عتبات لعودة زمن الخروج ـ القسم الاول

مُقــــَدِّمـة

بَوحُ الوَزنِ الرَّقيق

يقرأُ الشَّاعرُ رشدي الماضي حيّاةَ الواقع الفلسطينيّ بِعّينيهِ المَفتوحَتينِ على جُرحِها، فَيتلامسَانِ معًا تلامُسَ جَسدٍ وظلِّهِ، رغم عَموديَّةٍ شمسٍ أخرى تصبُّ حرَارتها كنُحاسٍ مَصهُورٍ فوق كلٍّ منتَصبِ يرْفضُ فِعلَ مغتَصِبٍ، يُطلِقُ طُيور العَتمة نهارًا، ويُلقي ستائر جُنونِهِ ليلاً، فَيُصبِّبُ المَشهدَ الفلسطينيَّ، كي لا عَينٌ تَرى أبعدُ من مَسَافةِ أنفِها، ولا قَلبٌ ينبغض ضدَّ فَداحةٍ كائناتِ ظَلام، لم تَزل تشوهُ الروُّحَ والأرياح القادمةُ التي تُحاوِلُ غَسْلُ الغُبارِ الغَازي بمَاءِ ورَحيقِ الروُّح !.

ثمَّةُ طِفلٌ فلسطينيٌّ في مخيِّم يَبوحُ وَزنَهُ الواضِحَ والرقيق ليظفرَ بطفُولته المُنكَّسةِ اللِّعِب. إنَّه لم يَذبل في خريفِ الجُنونِ الأحمر، ولا يُتوانَى عن نُصحِنا ( نحنُ كبارُ الطُّفولةِ) بأن لا نرضَى بالخسَارات التي قد تَتحوَّلُ لدينا إلى مَلِل وعَادِة، ذلك أنَّ حوَّاءَ كنعان العربيِّ ـ الفلسطينيَّ لم تَزلْ تُبرِقُ للسَّفائنِ التي في دواخلنا كي نمحُوَ الأسنَ المازَالَ يَطفُو على سُطوحاتِ البئرِ اليُوسفي الوَاحِدِ، رغم وَحدّته، بَعدَ أَن كادَ لهُ إخوتهُ، فَقتلوهُ حيَاة، وما زَالوا يقتلونهُ بالوأدِ المائي الجَافِّ. لذا يرتعُ الآخرُ النَّقيضُ بجانبِ حَوافِّ البئرَ، وَعَتبائِهِ ( حتَّى في خَجلِ العِتابِ) بكلِّ شَهوةٍ، إذِ الشُّهودُ الإخوةُ لم يَعودُوا يَذكرُونَ البئرَ، أو يَعودُوا ساكنّة الأنزلُوهُ فيه بكلِّ " شَفقةِ الخَلاصِ " من الجَميلِ والمستحيل في آن!.

وليسَ هذا، فقط، ما لَدى الشَّاعر "المَاضيّ" في وَصفِ أُرجُوحة الجُرح، بل إنَّهُ يفتحُ الكّلماتَ أمَامَ إمَام المُحيطِ العَربيّ المُغلَق، كأنَّ لكَلمته يَدٌ ثَالثةٌ تَدقُّ، ليسَ على بَابِ "دَارِ الَّرشيد" فقط بل على أبواب دُورٍ "قُرطبة" الكُنَّا فيها ذاتَ عَصرٍ، ثمَّ عُصرِنَا لَيمونةً حُلوةٌ الكَنزِ في أفواهِ الغُزاةِ، حتَّى امتد لُعابُهم إلى حُضورِنَا المُشتَهى، فَذاقُوهُ تَغييبًا مُضمرًا بِمِكرٍ مَعلُوم، ولم نُتقِنِ النَّجاةَ بَعد!.

أيُّها "الماضيُّ" شِعرًا في قِرَاءةِ رُوحِنا المُواراةِ دَاخل القَفصِ الوّاحدِ، رغم أنَّكَ هُناكَ وأنا هُنا: لكَ أنْ تَستمرَّ في حَمْلِ كلِماتِكَ السَّاخنةُ في حيّاة لَيلِنا الطَّويل، وأن تَرتعِشَ أكثرَ وأكثرَ، ريثَما يَنجلي بِصُبح وضَّاح الَوجهِ، كَامل المُستقبل، وأكثرَ وَطَنًا.

محمَّد حلمي الرَّيشة

مدير تحرير الفصلية الثقافية
الشعراء
التي تصدر عن ـ بيت الشعر ـ
فلسطين

احتراق بمعنى الكلمة

تركتها حتى نضجت
لأرخي لأحزاني العنانا
فوقك جبين الشمس ـ إلمسيه !!
لتعودي وتفتحي في منافذ النهار
تفتحي لبقايا الهم بابا فبابا ....

فأنا خلف أقنعة الظلال
خبأته
وإلى رياح
ستعرج إلى ديار لنا .. أعطيته ...

* * *

وتركت السمع
إصغاء جائعًا يقرأ
نبأ أتى
أو خبرًا من واشٍ جاءه فعرف !!

* * *

أبشري عنقائي !!
خطو صداي دبيب عائد
ودبيبه أصاب منك الهدف ..
وها أنا أراه مع آخر فجر
إلى بيت لك ـ دلف

* * *

أبشري عنقائي !!
أناك توأم لأناي
وأناي غادرت أمسها
واختارت لها بابا
بابا لها هذا الغدا

* * *

فلنحترق حطبا ولودًا
لنعود إليه روحًا
ونكون له الجسدا ...

* * *

عكا حواء كنعان الوفيّة
 تفحَّمت ذبالات الفَنار
وعلى سفح ضوئه المهجور
تهاوت أرصفة
وطيور عائدات

* * *

لا تأبهى مدينتي !
إذا ارتفعت أسيجة
وتدلّت رؤوس ـ للحصار ـ يانعات

* * *

لا تأبهى !
نسر فنارك جارح
يصطادها
سواقي الضوء نهارات نهارات
إحملي قنديلك !
لم تعُد فينا هِمم ترضى
بطول ترقّب وانتظار
تعبت اقدامنا
تعبت من " سعيها " بين العار والعار

* * *

إحملي قنديلك !
حقائبنا شاطىء أورق
مطرًا جديدًا وحياة
وهذا حصاه تفتّح :
سفر رجوع سجّادة وصلاه.

* * *

مدينتي بكارتي
لم أعد رعْدة اشتهاء
لحواء السراب وحواء الخيال.
ثقل حمل الخيام
وشدّ المنافي على الرِّحال

هأنذا !
أعود خطى وجسرًا
وسريرًا توّاقًا للوِصال.
* * *

وغدا تعود لديارها الامطار
عيناك حافظتان
تغزلان طوال هذا الليل
زيتا لقنديل الارق
*

عيناك تجمعان من صيّاد
بالأمس ألقى شباكه
وصباحا عاد
وقرب نافذة كنّا فتحناها "مَرق"
خبرًا ـ عينٌ في الشباك تلقفته
وآخر في "حُرج" لها علق
*

أيها القابعون !!!
مرجل شهوتكم كبير
قابعون أنتم وفي جيدكم حبل من شبق
*

بينلوب أنا
أنا بينلوب الجديدة
ولهذا الليل تغزله انتظارًا بديلا ..
*

هو كبيركم ؟!! أصدّق ما أرى ..
هاكم كِفّى اصبعا اصبعا
*

انتعفوا على جسدي المملّح صبرًأ
أبجدية للموت
وصوغوا لأجنّة في عنق الفجر
صوغوا لها من لغة النهار قبرا ...
*

أيها القابعون !! وتضاريس
يقظتهم حُلم
أنا هي ـ بينلوب عروس الانتظار !!
*

لا تخافوا !! وعدتُ عنات أن لا
أقبل منكم مهرًا
ولو كان "ربّا" ذهبا !!!
وأنا لن أنزل عليه وصيّة
أو أثنتين أو ثلاثا أو عشرا ...
*

هو في الغياب مزمار
وهو يوليس يرعى الريح
ويصطاد الغيوم

تسقط كما شاء
وحيث يشاء يسقطها مطرا

عوْد النوارس رؤوس عصيّة !!!

مُقاد أنا !!
وقد أرخيت "لمرشدي" حبل العنان
مُقاد ... ومع كلّ قضمة من لا نهار
تجرّ عقارب ، لا سير أقدامي
تجرها إلى لا مكان البوصلة !!!
مطارد أنا !!!
أأنت بديلي !!
ومن لجّة المرآة، ترنو إليّ
أأنت البديل ؟!!
لتقرأنا توأم الأجسادِ
كيانًا سويًا ...
مبعد أنا !!
خلّيك يا وطني في "هناك" هاربًا !!
وأنت يا مُن عدت من قُرنةٍ في المرآة
تطلّ عليّ :
إن كنت البديل ؟!!
تعال إلى لغة تيه الظلال
إلى لغة اللاقيامة !!
وصلت ؟!! لا ترم "ذاك السلام".
ولا تُلق من "حُرجك" شيّاً.
أنا لستُ عرّافًا في مصنع لاله
ولا أملك "الغول" و "العنقاء"
وقد بلغتُ مع الفقدان عتيّا
تعال ومعك خاتم سليمان
لتخرج من "القنديل"
وتتمثل خلاّ وفيُّا ..
عوْد النوارس سفر طويل
وهذي النوارس !!
من "دلفي هيدرا"
تطوي الفضاء رؤوسًا عصيّة ...

يوسف البئر وباب للطوارىء

فم البئر
فم لبئر يا يوسف أبخر

* * *

ابق في "حضرة القاع"
ستدركك "سيارات"
تحمل دلاء أخر ...

قميص الغدر ؟!!
بالأمس، عاد يدغدغ حلم "يعقوبنا"
يدغدغه بريدا بديلاً
خبأ لونه الأحمر

* * *

إذا رأته "عصابة" منّا
تمثّلت له "بروتس السوىّ"
وفصّلته طعنة خنجر ..

* * *

فرعون هذا ؟!!
لا تسل عنه
عام المجاعة عاد
"بقرات" أدهى وأمهر !!

* * *

فرعونك أنت ؟!!
أجدل له حلما
يجعل كهفهُ غفوة تطول
وغيابها أكبر ...

* * *

أنا هنا !!!
فإن غلّقوا الأبواب وسدّوا كل نوافذي !!
وخلّوا سمائي، لا شمس لا نجم ولا قمر !!!
فتحت في الجدار بابًا للطوارىء !!
كثيرون كانوا أذكى وأشطر !!!

المتنبي والملك الضليل وآخر أيام السفر

منذ ترجّل "المتنبي"
ومن قبل
رحل شقيقه "الكندي"
لم يخل بلد
ولنقل "تابو" لنا !!
لن يخلو من جوارٍ "لسالومى"
ولا من حفيدات " لخيزران"

* * *

لا "تبرأن" منّا يا فتنًا كُبرى ؟!
رأس "الخليفة" اختاره جارا "رأس المعمدان"
!!

اتركوا قارعة مواعيدي "ملوك الطوائف" !!
لم يعد في زمن الردّة والزندقة
بريد لموعد مع المألوف ولا آخر مع الرشيد

سارت بنا الأيام يا ابن العربي !!
وضربت علينا "مذلة" وضربت علينا "مسكنة"

سارت بنا الأيام وضاع لنا عمر
وسيأتي بيتك يومًا، عنا هذا الخبر :
تركنا عصرنا الذهبي !!
لم يَعُد لنا "غارا" ولا وحيًا
ولا صفحة من "كتاب"
تركناه شمسًا راحت تبحث لها
مع الريح عن فتحة في الغياب

أما أنا :
فسأظل يا ملكي "الضليل"
شوقًا لملك لك منتظر
لن أسدل الستار
سيعود "الطيّب"
مهما طال به السفر

ناداها فكانت علينا بردًا وسلامًا

قد ترسلوا "بحاتمكم"
من أرض الجنان
ويبعث "فرعونكم"
بيوسفه
محمّلا بسبعاه السَّمان

قد يعود "سندبادكم"
بأصابع مدياس الخرافية
وحُلى بلقيس
وكنوز سليمان

لن نبهر
حتّى وإن خطفت "أنفالكم"
عيون ما في الأرض
من إنس وجان ...

لا تنظر لنا
هكذا !!
لسنا نخاف
لن نبرح
البيت العتيق
وحواكير التين
وشوك الصبر
وحدو العتابا
وسمّار الليالي
وحكايا كان يا ما كان
في قديم القديم
وظل إلى هذا الزمان
"مالك" من الله
اسمه عدنان ...
لو رفعتم
زيتون كنعان
أعوادًا ومشانق
وتركتم "إبليس" بيننا
ضيفًا مقيمًا
لا يفارق

لا تنظروا لنا
هكذا ـ لسنا نخاف

سيظل سيزيف
كتفَ الآباء
وصخرة التعريج إلى ...
وأوفى مرافق

لو ملأتم
شوارعها القديمة
بنيرون هنا
ونيرون هناك وهناك وهناك
وجعلتم من هذا الليل
ألسنة لجهنّم
وطوفان حرائق

لسنا نخاف
فكيف كيف يخاف ؟!!
مَن حطّ في بحر من النيران
وظل لبرد إبراهيم معانق ؟!!

ثلاثيّات الأثافي لِقدر يطبخ الوطن

رائحة
شممتك !!
فرضيت بك سارقًا
سلمت يداك، "برتقال الحنين"
بوصلة العائد تحفظ رائحتي
وفنارك يافا لا يعرف النعاس
والغائب آتٍ
ولو بعد حين ...

ختان

لن نقرأ !!
ولن نبدّد هذا الصمت
ولو غطّاه الصّدأ
اقتحمنا لغة الهزيمة
فلا نعيا
ولا كفنا

قلمنا سكين "رؤوم" !!!
ختانَ القصيدة تعلّم
تَعلّم وامتهنا ....

متاهة
بقايا الدروب التي "نعفتها"
حطت كما أردتها
حصار أسمنت، لا كوّة ولا نافذة

طويل عمرُ الترقّب
وأنا باق فيك أيتها "المتاهة"
مادمت لا أتقن اصطياد البدايات
وظللتُ مجتاحا بتلاشي الأمكنة !!

قدّيس تحت سكّينك يا إبراهيم !!

أخي !!
لم يعد في كفّنا رفش
ولا معول
الآن يسقط فارس
وشقيق له يرحل

ضريرة
مشاعل النّهارات
لم تعد كالأرض تعرف أن تدور
خطواتها عشواء
أضاعت المصير ....

يا أمّها !!
عودي إليه بثوبها
قد أقفلت أبوابها
معارض الأكفان ...

يا أمّه الثكلى
لا تتركي
دموعك حيرى
في الموكب الأخير
خلّيه
إلى "سدرة" يرقى
لعشّه الصّغير ..

يا أمّه الكبرى !!
"تموزنا" لم يمت
"تموزنا" لن يموت

يا أمّه !!
يا أمذها !!
سكّين إبراهيم حقيقة من نور

يا أمّه
يا أمّها
قديسنا قنديل
تفتّح في الدار
وتوأمه في غرناطة أزهر
نخيل بغداد
علّو في الحياة والممات
ورشيد كنعان
أعلى وأعلى وأعلى
وزيتونها أقوى
وزيتونها أكبر

وشاية وصبر ورمل "المزولة"

تعرّى الكلام
فإذا النَّميمة بوصلة
تحملها في ثنايا الريح فنارًا
وشوشة الهمسات

تعرى الصوت
فوصلتك عني هاتياك الوشاية
وشاية أذاعتها
قعقعة المفاتيح
وأقفال "موصدات"

وصلتك ؟!
فاهنأ يا "كبير الزمان" بها
ألست أنت الذي أردتني
حقيبة أخرجتها
من ضيافة المطر

لا تخافي حقيبتي
مدينتي ذاكرة ندية عامرة
وأنا أراك مبعثرة
على رصيف مطار هناك
وميناء هنا
أراك عينا ساهرة

لا تخافي !
لن تبقي طريدة مهملة وأخرى
مؤجلة
انتظاري احتياطي صبر
حلّ عليه واخاه تناقصا تناقصا
رمل المزولة ...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى