علاقة الجالية المغربية المقيمة في الخارج بالاقتصاد المحلي تنمية أم استنزاف ؟؟
في مقابل كل رغبة يحققها الإنسان ، يبدو أن هناك عشر رغبات على الأقل ، لا تتحقق.
لكن، في النهاية ،ماجدوى تحقق أمنية "علال" الالتحاق بالديار الفرنسية شابا يافعا،وفقيرا معدما ، قبل 3 عقود ، والعودة صيف2006 بنفس الرائحة ، فحينما ، يتأهب علال ، مستنفرا شاحنته المقطورة ، وأفراد أسرته الأربعة ، كل يوم من أيام عطلته السنوية"4اسابيع" حوالي السادسة كل صباح ، حتى يتمكن من الحصول على موقع مميز لبضاعته كبائع متجول في زاوية ما أو حافة سوق من أسواق قرى المغرب المتربة ،فالأمر قد لا يعني شيئا آخر، غير أن أمنية الغنى والثراء لم تتحقق بعد ، علال يبدو الآن قبل "الكونجي" أو بعده ، كهلا ، حزينا ،أو بالأحرى، كائنا بسيطا ، على عجل يشرب ويدخن ، على عجل يتناول وجباته المسرعة، كما تطارده هراوة القوات المساعدة ،في لعبة كر وفر ، كغيره من باعة الأرصفة المتجولين ، المنتشرين صيف هذه السنة ،،كغيرها من الاصياف الكالحة.
السبت والاحد الاكثر ازدحاما في المنطقة
صباح يوم سبت، ويوم والأحد على وجه الخصوص، الاكثر ازدحاما في المنطقة حيث يقتحم عرابو تجارة المتلاشيات، وممتهنوا المضاربات في كل شيء ..سوق سبيطار الغابة القريب من أكاديمية الشرطة بالقنيطرة. متهافتين، يجرون عربات وأكياس..باحثين عن وجوه غريبة قادمة من الغرب..الاروبي .
ففي كل غشت ، يفترش علال رصيفا، بضاعته المنتقاة بمزاج لا تحتاج لدليل ، يكفي أنها مجلوبة من مطارح نفايات "مارسيي" وقماماتها ، تنزرع هنا بلا كلل، مادة قابلة للفحص والإبهار ، في تراب هذا الفضاء الكسيح ، أن الحياة سيئة بهذا المعنى ، لقد سافرعلال ، وتجول ،وقطع آلاف الكلمترات ، وتحدث الى ناس كثيرين.وساهم بالقسط المتاح في بناء اقتصاد فرنسا،وهو الآن يقف شاحفا ممتقعا ، متواضعا أمام فرد من القوات المساعدة ، في شجار دائم حول مبلغ مكس الأرض، قيمة" درهمان أو أكثر" تخضع لمزاج الجابي ، أكثر من أي شيء آخر. تحت أشعة شمس لاهبة.
اجانب من جنسيات مختلفة يتاجرون في الاسواق المغربية
سالت نفسي، وقد انتظرت هذه اللحظة طويلا، واعتقد انه سؤال في محله، هل يستطيع فتى هاجر الى اسبانيا قبل أربع سنوات ، أن يكسب عيشه ، ويضمن مستقبل أسرته البئيس اليوم ، عبر الوقوف طوال اليوم أمام بضاعة تشمل
قطعتيين يتيمتين، حاسوب محمول من الجيل الأول، و آلة عزف قديمة ، يلتقطها بين الفينة والأخرى ينقر الأوتار، ويحكم شد احدها بتوتر ؟؟؟ ورغم أن لا احد يبدي اهتماما بمعروضاته ،إلا أن وجه الفتى، ظل على الدوام مسجى بنعومة ورقة اكبر.
شخصيا لا أتوقع أن يصبح يوسف مليونيرا ، وهو على ما هو عليه، لكن الأسى والأسف يأتيان كون يوسف على هذا الحال ، يجعل لعاب شباب جيل بأكمله ، يسيل ، فحلم الهجرة بسلبياته بات يغري شباب كثر، في أن يكونوا كذلك.وتلك هي المعضلة.
يوسف هذا، ترعرع يتيما بأحد أحياء فاس البئيسة، دفعت والدته من عرق جبينها ، قبل سنوات ،أكثر من 60 ألف درهما كعمولة ، مقابل تهجيره، الى ايطاليا ، أما حلمها بالفرج لحظة الوصول ، لم يكن يعادله شيء سوى الإيمان بالله و بمستقبل باذخ الثراء، يوسف كان السفينة التي لا تشتهي رياحا ، فلأسباب ملتبسة ، لا يستطيع تدبير شؤونه واحتياجاته المتفاوتة الكمالية.بالأحرى تخليص والدته من كابوس كراء بيت وسط 11 عائلة بمر حاض واحد.
من النظرة الأولى تنتصر العين ، حيث تلعب السيدات دورا أساسيا في الظاهرة ، فالكهل الذي ينظر الى كل شيء من حوله بانتباه ، والسيدة المكتنزة ذات الملامح المغربية، الماثلين قبالة سيارة من الحجم الكبير، شريكان، بل، زوجان ، أما الاشقر ، فهو ألماني الجنسية ، يتكلم مع الزبناء بصوت منخفض ،وبلا ملل، بذكاء وخبرة ، امسك آلة تصوير رقمية في حجم كف اليد ، وشرع يختبر أدائها ،مواصفاتها وخياراتها أمام حشد غفير، كان الالماني يدرك تماما ان الجمهور امامه ، يفضل اقتناء جهاز تلفزيون بشاشة مسطحة ،أو كاميرا رقمية، بدل سرير نوم "لويس الثاني عشر، "
يسال احدهم عن حاسب الكتروني صغير باحدث المواصفات ، فيرد الألماني الأشقر بعربية ركيكة،" ااف درهم". وبفرنسية لثة "سان اورو". ويتابع توضيب رقمياته ومعالجة اتزانها بعناية فائقة، انه أدرك قيمة هذه التجارة ، تجارة البضائع المجلوبة، سواء بإيعاز من زوجته القنيطرية، أو لما يحكيه اصدقاؤه في الهجرة ، عما تدره هذه التجارة من أرباح.
حياته تحولت الى سفر دائم ، اكتسب عادات الناس، هنا ،واكتسب قدرة فائقة للتواصل دونما عقد ، يبادر بالسلام ، فتحس أن اللغة كبيرة ، وان التواصل و الحياة أيضا على درجة من الكونية . عندما يشرع في اختبار أداء بضاعته التي تتكون في الغالب من أجهزة الكترونية مختلفة الأشكال، متفاوتة الجودة ، تحس أن الأمر يتعلق بمهندس يشرح اختراعاته. وان معرضا للرقميات يتجول في ساحة جامع لفنا بمراكش.
على أن معروضاته ، دون غيرها ، تعتبر الاكثر إقبالا ، وتعرف ارتيادا منقطع النظير، لجودتها أولا، كما أن أجهزة التلفزة والفيديو من الجيل الأول،لم يعد لها وجود تقريبا ، ويبدو أن حاجتنا كمغاربة ،الى الجديد في مجال التكنولوجيا ،تدفع بالبعض الى الاتصال هاتفيا بالالماني، لمعرفة ما يحمله في الموسم القادم ، حتى يتسنى احتكار جديده قبل النزول الى الأسواق.
طفرة نوعية في معروضات المهاجرين
وتعتبر الأجهزة الرقمية، من هواتف نقالة ، وآلات تصوير، وتسجيل طفرة نوعية في معروضات المهاجرين صيف السنة الجارية، الى ذلك، تعرف ظاهرة اتجار بعض المهاجرين في البضائع المجلوبة من الخارج مند عدة سنوات نموا ملحوظا، حيث أصبحت جل المدن المغربية ، إذ لم تكن كلها، تعج بأسواق خاصة ، ومختلطة تباع فيها السلع والبضائع المجلوبة بدون أي حرج.
وقد سبق لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة،وعيا منها بخطورة الظاهرة على القطاع التجاري والصناعي المحلي، في كثير من المناسبات واللقاءات ،القيام بحملات تحسيسية تهدف الكشف عن العواقب السلبية لهذه الظاهرة ، والتي تتجلى على نحو خاص ، في العلاقة التي تربط إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة با لمهاجرين ،ا لمتعاطين لهذا النوع من التجارة، التي باتت تشكل حسب مصادرنا عائقا حقيقيا ، للعمل الجمركي في نقط الحدود .
واستنادا الى مصادر من إدارة الجمارك فأن استيراد البضائع المستعملة، أو جلبها بطريقة أو بأخرى من طرف جاليتنا بالخارج ، والتي ظلت الى أمد قريب تتكون في جل الأحيان من أواني المطبخ ، أحذية وملابس لكل الفصول ، وأجهزة كهربائية منزلية متقادمة ومتجاوزة تقنيا ، إضافة الى أدوات الزينة ذات الجودة ، وأجهزة حديدية..فضلا عن صناعة الخشب.ونماذج الزخرفة . الخ... يؤدي الى خلق خلافات وجدل حول إخضاع هذه البضائع لأداء الرسوم والحقوق الجمركية . بل إن هناك من يعتبر هذا الأداء ابتزازا من طرف الجمارك، وتناقضا مع التسهيلات الممنوحة .
ومن عواقب هذه الظاهرة كذلك عرقلة المرور عند نقط العبور مما يؤدي الى تأخير في القيام بالإجراءات الجمركية ، وللتخفيف من هذا المشكل قامت إدارة الجمارك بباب سبتة وبني انصار وطنجة الميناء قبل سنتين بخلق مسالك خاصة للسيارات التي تستعمل خصيصا لنقل البضائع المستعملة ، حتى يتمكن أعوان الجمارك من مراقبتها، ومن ثمة ، إخضاعها للإجراءات الجمركية الجاري بها العمل.
وتضيف نفس المصادر، أن الإعفاء والتسهيلات التي تمنح مرة واحدة كل سنة مدنية، تخص الأمتعة ذات الاستعمال الشخصي،وكذلك بعض الهدايا ذات الصبغة غير التجارية ،والتي لا تفوق قيمتها 10.000 د بالنسبة للعودة من اجل قضاء العطلة ،و 20.000 درهم بالنسبة للعودة النهائية. حسب كتيب الإدارة
لن نسمح باستغلال الاعفاءات والتسهيلات الممنوحة
ومما لا شك فيه ، أن إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة لحريصة كل الحرص ، وحسب الإمكانيات المتاحة ،على أن لا تسمح باستغلال أو أن تستغل " برفع التاء" الإعفاءات والتسهيلات الممنوحة لإفراد جالياتنا في الخارج، ليتخذ منها البعض مطية لجلب هذا النوع من البضائع....
مع ما يترتب عن ذلك من أنهاك للاقتصاد المحلي ،المنهك أصلا
فمحاربة هذه الظاهرة تستوجب تضافر جهود جميع المعنيين عند الحدود وداخل المدن، وهنا لابد من التذكير بضرورة إعادة الاعتبار للفضاء وللمجال البيئي كما يستدعي الأمر تمكين المجتمع المدني من المساهمة الفعلية في إطار شراكات لوقف استغلال الفضاءات العمومية بقلا حسيب أو رقيب.
من جانب آخر فان وسائل الإعلام العمومي والمدرسة والمسرح والسينما والأغنية وسائل عليها أن تلعب دورا تحسيسيا وتنويريا وتربويا في هذا الاتجاه، و في مواجهة احتلال الملك العام .. ومن أهم الاقتراحات في هذا المجال ، الحد من خلق الفضاءات الخاصة لعرض هذه البضائع للبيع ، و القيام بحملة تحسيسية واسعة على مستوى أفراد جاليتنا في الخارج ، صورة وصوتا ،لشرح الأضرار التي تخلقها هذه البضائع على المستوى التجاري والبيئي.
الى ذلك ، ما يزال تدخل إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة في نقط العبور ، يعاني من صعوبات ناتجة عن عدم استيعاب بعض المواطنين للدور الذي تلعبه هذه الإدارة، في حماية الاقتصاد الوطني،من خلال المراقبة، واستيفاء الرسوم والمكوس الجمركية المستحقة . وهنا يتجلى الدور البيداغوجي الذي على الصحافة الوطنية والإعلام بمختلف مكوناته السمعية والبصرية أن تلعبه لدعم العمل الجمركي، ومساندته، من خلال انتقاء الخبر، والتعريف بحقوق وواجبات عمالنا بالخارج..
وفي هذا الإطار، قامت إدارة الجمارك بنشر كتيب، يشرح المعلومات التي تخص الجالية المغربية في الخارج، ويمكن الاطلاع عليه بموقع هذه الإدارة وهناك أيضا الرقم الأخضر 080007000 يمكن المواطنين من بالاتصال بالإدارة قصد الاستخبار ..
بعض الجرائد تشوش على الجمارك بدل دعمها
وتجدر الإشارة هنا الى أن إخضاع الأمتعة التي لا تستفيد من الإعفاءات والتسهيلات الممنوحة لأفراد جاليتنا في الخارج لاداء الرسوم والمكوس الجاري بها العمل ، يعد السبب الرئيسي في خلافات تنشا بين أعوان الجمارك وبعض أفراد جاليتنا. تضفي عليها بعض الأقلام صفة الضحية، مما يشوش على العمل بدل دعمه.
ما يتم جلبه مجرد خوردة ونفايات اوروبا
بخصوص عودة المهاجر المغربي الى بلده خلال عطلة الصيف ماذا عن ظروف الاستقبال؟
كيف يقضي المهاجر عطلته؟في سيارته ؟ يصل الرحم بين الأهل و الأصدقاء؟ في فنادق من خمسة نجوم؟سائحا متجولا بين مدن المغرب؟أم مريضا أو بائعا متجولا يمارس تجارة بيع المتلاشيات التي استقدمها من بلاد الغربة ؟
ما حجم استفادة السياحة الداخلية من عائداته؟ما درجة التحديث والعصرنة التي ضخها المهاجر في شرايين بلده؟ ما حجم الضرر الذي يلحقه بالاقتصاد المحلي و الوطني عندما يستقدم(خردة) أوربا لعرضها في الأسواق المحلية بأثمان غير معقولة في الغالب؟
كيف تعالج الإدارة مشاكل المهاجر خلال إقامته القصيرة ببلده الأصل ؟ كيف يشبع رغباته؟و طموحاته جنسية كانت أم شخصية؟ أخيرا ما الدافع نحو هجرته فقيرا و عودته فقيرا؟
أسئلة عديدة حان الوقت لطرحها بخصوص عودة الجالية المغربية المقيمة بالخارج و تداعيات هذه العودة للأصل على .جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الحضارية .
في أفق السعي نحو إعادة بناء ذاكرة للهجرة، يتحدث الباحث المغربي "اعتابو"في مقاربة لسوسولوجيا الهجرة و شيخوخة المهاجرين المغاربيين على نحو خاص، باعتبارها تطرح تحديات مبرزا أن نقطة انطلاق التحليل في نظره ((ليس هو الشغل،بل ما بعده أي "العطالة و التقاعد". و يضيف عضو مرصد الشيخوخة المهاجرين بفرنسا ، في سياق المقاربة نفسها ،في ما يتعلق بمسار المهاجر الاجتماعي و المهني، و ظروف إقامته و ملابسات الاندماج. الصعب خاصة في مرحلة الشيخوخة، أو حين يصبح عاجزا جسمانيا عن القيام بأعمال مضنية، لضمان عيشه "هناك ثمتل راسخ لدى مختلف الفئات الاجتماعية في البلد الأصلي، وهو تمثل يتجاهله أصحاب القرار.
عن المهاجر الذي يغادر بلده فقيرا ويعود اليها فقيرا
ويقول الباحث" إن المهاجر هو ذلك الفرد الذي يغادر بلاده للاغتناء ،أو بمعنى آخر، ذلك الشخص الذي يغادر بلده الأصلي فقيرا، ويعود إليه غنيا ،وذلك بعد إن يكون قد عمل طويلا في استخراج الفحم من الشمال ،وتحمل عناء الوثيرة الجهنمية للعمل المتسلسل داخل مصانع" رونو" و"بوجو" و"ستروين" وساهم بشكل حاسم في النمو الاقتصادي لفرنسا.
وفي كل الأحوال ،فان مشكل الهجرة، اعتبر على الدوام، رهانا انتخابيا بالنسبة لكافة الأحزاب السياسية في فرنسا أو في غيرها من الدول الأوروبية."موقف سيغولين رويال مرشحة اشتراكية لرئاسة فرنسا2007.
واليوم ومع تشديد قوانين الهجرة، و ارتفاع نسبة البطالة في البلدان الأوروبية،إضافة الى الأزمة التي تضرب الشركات الأوروبية، صار المهاجرون هم الاكثر عرضة لفقدان عملهم الى ذلك ، ووفق احدث الدراسات، فان الحصول على منصب شغل بالنسبة لأفراد الجالية الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و25 سنة لا يعتبر اليوم أمرا مؤكدا، وإذا ابتسم الحظ لأحدهم، فقد يعثر على شغل بالنيابة، أو موقتا "موسميا ، أو بعقدة محددة، لذلك فان شباب هذه المرحلة من أبناء المهاجرين ، أول ضحايا الوضعية المتأزمة للاقتصاد الأوروبي أو العالمي."لاحظ انتفاضة الهجرة مؤخرا بفرنسا"
بخصوص ما يعرضه المهاجرون من سلع و بضائع للبيع، و خلال رصدنا الميداني للظاهرة،التقطنا شهادات حية لمهاجرين مغاربة من مختلف الأعمار و الأجيال، الى جانب آراء و ملاحظات العديد من الفاعلين الاقتصاديين و شرائح مختلفة من التجار و الحرفيين،حيث تأكدت لدينا خلاصة هامة و أساسية:هي أن كل ما هو من (الماء لهيه، ما وراء البحر)على حد تعبير أحدهم " جيد" حتى و لو كان .. سما زعاقا ؟
هناك بجانب مستشفى"سبيطار الغابة" ضاحية القنيطرة، تجلس سيدة في نوع من التألق الهادئ ، تحيط بها فتاة شقراء، بدت نظراتها قاسية أحيانا ، عيناها تكتسيان في الغالب حزنا غير مفهوم ، منذ 6 من صباح اليوم ، افترشت معروضاتها وهي عبارة عن....ستائر مذهبة من طراز رفيع..خمائل..وسائد وزرابي تبهر بألوانها ، وتفتن الناظر.انسدلت بذوق فوق سقف سيارة من الجيل الجديد .أصص ورود..غابات أزهار اصطناعية..آلات عصير فواكه متفاوتة الجودة..فأمام هذه المعروضات، براد شاي ، وكاسين ملئا نصفهما بشاي اسود..كما في نزهة . اما السيدات اللواتي لم تنزل عيونهن عن التفرس في جمالية العرض فقد فضلن على ما يبدو زيارة الفضاء ، دونما رغبة في الشراء ،بدل قضاء عطلة نهاية الأسبوع للتجول في شارع المدينة او خارجها .
* يقول(م.ك) باحث اجتماعي: لماذا تهيبون ب9 ملايين من الفقراء، "رقم معياري للفقر بالمغرب " كي يكونوا على حذر من الخطرالمحدق باقتصاد بلدهم ؟ألستم جديرين بافتراض العكس بالنظر الى بؤس معيشهم ، و تدني مستوى القدرة الاستهلاكية التي ما فتئت ترتفع يوما بعد يوم؟
ويرى (ر.م) تاجر مضارب في سلع المهاجرين : صحيح أن هناك إقبالا شديدا على ما يحمله المهاجرون شتاء و صيفا .لأن المسألة تعني شيئا واحدا على حد وصفه .وهو" ضعف و انحدار المنتوج الوطني، من الوقيد الى......المورتديلا…" أنها قراءة للجودة... بعيون مغربية !
اما (م.م) أستاذ: فهو يعلق متسائلا !ما الذي حصل ؟وحول حياة المهاجر المغربي بأوروبا الى عراب نفايات ؟ الواقع يثبت أنه يكرس شهورا هناك لجمع نفايات الالزاس ، ولملمة قمامة باريس، وشحنها مقطورة الى قريته ، ليس ليقدمها على شكل هدايا، كما كان ذلك في أيام زمان .. بل ليتاجر فيها ، ويزاحم شريحة واسعة ممن يمارسون هذا الضرب من الشباب اليائس ، في مناخ من الذل و المسكنة و الاستصغار.."
ويتابع "انظر ما يبيعه الشابان الماثلان أمامنا ... تأمل جيدا :خيوط أحذية ، قارورات زجاجية ،حتى أنها بدون سدادات، إناء محترق، حذاء رقم 52... أكاد اجزم أنه" لفيل" و ليس لبشر .و استطرد متسائلا: هل توجد قدم بشري لهذا القياس في بلدنا؟
يقول(س.ن) مهاجر 54 سنة، الى جانب زوجته و طفلته الوحيدة: مؤكدا: أن مهاجري المنطقة من أبناء عمومتي ، يمتصون سنويا من عرق المغاربة هنا بالداخل ، الملايين من السنتيمات، ليس من اجل ضخها في شرايين الاقتصاد الوطني ، بل لتدبير أمورهم هناك في ارض الغربة ، أليس هذا استنزافا للاقتصاد الوطني وإنهاكا له؟
أما" ن. ل " نادل فيبدو أن له رأيا مخالفا "انتظرت كغيري قدوم احد افراد العائلة من ايطاليا، وذلك رغبة في اقتناء ما اتفقنا عليه ، حيث اشتريت حذاء رياضيا ب 450 درهما، لكني اكتشفت في ما بعد ، أنه ((صنع بالمغرب )) بالضبط بفاس؟ ! "ما تهضماتش ليا"
أما الطالب العاطل ،فيضعنا أمام معادلة مستعصية بالفعل، يقول (عزيز.ر) إذا افترضنا أن كل مهاجر من المليون ، استقدم خلال عطلته ثلاجة، و آلة غسيل، و تلفزة وسرير نوم ومطرقة وكاسرولة ...و حذاء رياضيا، و دراجة هوائية.فهذا يعني في نهاية المطاف ،إغراق السوق الوطني ،بمليون وحدة من كل هذه الأنواع !و ربما حجم ما يروج في الداخل طيلة السنة؟
ويضيف ، الآن فهمت سبب إغلاق معاملنا،وتشريد مواردها البشرية ،فهل مع هذا العبث نشجع الاستثمار ونحفز أبناء البلد ؟ هذا كارثة حقيقية .. ما سيحصل في حالة عدم تدخل الدولة، من اجل مؤسسة القطاع و تقنينه. والضرب على المتكالبين.
"ريكلي هذا على فاي "يقصد "عدله ،كي ينسجم مع فكي .أو فمي
لكن اغرب ما صادفناه ،و نحن نتجول بأحد الأسواق بتازة، رجل أدرد ، في الخمسين من عمره، يقطن بإحدى القرى المجاورة، لتازة .اشترى طقم أسنـان مستعمل ،استقدمه أحد المهاجرين، وبعد أن نظفه ، عرضه على مرمم أسنان مجاور لسوق الخوردة من اجل "تقويمه" على فمه؟قائلا "الله يخليك ريكل لي هذا على فاي" يقصد قوم الطقم حتى يصير مناسبا لفمي"
..
الدولة في شخص الجمارك تتحمل المسؤولية الكاملة
نعم تتحمل الدولة في شخص الجمارك المسؤولية الكاملة "يقول مواطن" رفض الإفصاح عن هويته "إذ تغض الطرف عن كل شيء و تسمح بإدخال حاجات غير مسموح بتداولها :مشيرا الى "تمثال" يجسد شعار الدولة العبرية ..لابد من تشديد المراقبة، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال تحويل المغرب الى مزبلة لإسرائيل أو غيرها !
سألنا احدهم و قد لفحت شمس غشت محياه، عن ثمن آلة غسيل، تبدو عديمة الجدوى، فقال بثقة مفرطة :3000درهم. قلت : كم ؟؟ إمعانا في الثقة ؟لأتأكد من أن السمع لدي سليم، فأكد صاحبنا من غير خجل ، بالفم الواسع "طروا ميل اورو؟؟؟؟؟ .مؤكد أنها فرنسية الصنع.قلت و ماذا بعد؟
وعقبت بوطنية" أستطيع أن أوفر لك نسخة منها ،هنا بالبيضاء ، قطعة حديثة الصنع ، وبجودة عالية ، وخدمة بعد البيع ، إضافة الى تسهيل في الأداء قد يمتد الى 36 شهرا.... وبثمن أقل من هذا الذي قلته بكثير؟ ! والله العظيم
رأي آخر، بخصوص الظاهرة عبر عنه (ط.غ) "لم يرتفع وضع المغاربة اقتصاديا و اجتماعيا بما يكفي ، حتى يكونوا بمنأى ،عما يحمله المهاجرون من "خوردة "و متلاشيات ، هذا واقع لا يقبل الجدل ! ويضيف "أجهزة كهربائية متقادمة، ومعادلة ميكانيكية عديمة الجدوى، ولكن الإقبال عليها ليس من أجل التشغيل دائما ، بل أحيانا يضيف " من أجل التفكيك...كقطع غيار.
يأكلون من خيراته ، ويسبون مالكه
مهاجر ملتح وزوجته، بجانبهما شابتان متحجبتان، لم يخف الأب عداءه الواضح للغرب، واصفا إياه بالكافر و الفاسق لمجرد معاينته لباس إحداهن ما فتئت تقلب بعض معروضاته .سألناه" لباسها ليس غريبا عنك ، بل جزء من بضاعتك ينسجم مع ذوقها، كيف تستسيغ كنس حارتها هناك وتنظيفها من القمامة "ككافرة" ، و تحرص على بيعها هنا للمستضعفين من أبناء المسلمين ، و بأثمان غير معقولة، أجاب معقبا"مسلمين"؟ و ابتسم من غير أن يضيف كلمة.
علق صديقي " إن الغرب بالنسبة إليهم مثل "جنان اليهودي يأكلون من خيراته، ولا تكف ألسنتهم عن الطعن في جنس وعرق ودين مالكه" .
قروض لتدبير امر العودة
(ف.ي) مهاجر هولندي الجنسية شاب 18 سنة يعرض "تيشورتات" و جهازي "وولكمان" من الحجم الصغير، إضافة الى سماعة من الحجم الكبير داخل مستودع سيارته الخلفي ، من نوع " مرسيدس" 190:" لاتغتروا، بعد أسبوع فقط، سأقترض من البنك الشعبي، لتدبير أمر عودتي و إقامتي، احتاج لمبلغ لتامين عودتي ، هناك سأودي القرض على أقساط ؟
مهاجر شيخ سألناه عن الكونجي ، فرد معقبا "أين الكونجي...،منذ أن وطئت أقدامنا ارض المغرب ، ونحن نتنقل من سوق الى سوق ، ومن مدينة الى أخرى ، دون راحة ،نشرب و نأكل و ننام في "الفركو" كما لو كنا غجرا.
سألنا "رجل تعليم" يتعاطى لهذا النوع من التجارة، فأجاب: هل من الوطنية رفض التعامل التجاري مع هؤلاء، صحيح أنهم ، مثل المنشار طالعين واكلين نازلين واكلين ، لكن بشكل أو بآخر فهم يساهمون في "تحديث" و عصرنة قطاع عريض من مجتمعنا ؟؟؟؟ !
البيروقراطية في التعامل عائق اساسي امام العودة
مهاجرة شابة بملابس شبه داخلية ،استمزجنا ها عن الأمنية الأساسية التي ترغب بها إذا اختارت العودة النهائية للمغرب ، قالت "ضمان العيش، وأضافت " أنا و عائلتي بفرنسا نعيش داخل مجتمع ، نتوفر فيه على كل الشروط من تطبيب و علاج و شغل و سكن و تأمين و... كل ما نحتاج إليه من تغطية اجتماعية ، الشيء الذي يكاد ينعدم ببلدنا الأصلي المغرب، و تضيف: التغطية الصحية شبه غائبة، ناهيك عن البيروقراطية في التعامل الإداري مع مشاكلنا و قضايانا؟ وتابعت في سخرية (ici vous etes chez vous ( .
و أخيرا نود أن نختم بدورنا كما عبر ذلك الباحث في علم الاجتماع الغازي "اعتابو" بإعطاء الكلمة الى أحد المهاجرين المسنين " التجار" الذي يقول:"الفقر يتهددنا دائما قبل الهجرة، وبعد الهجرة، الكثير منا يفضل أن يكون فقيرا هناك،
على أن يكون فقيرا هنا، نعم حياتنا مثل الرمل في اليد...تتبدد بين الأصابع و عندما تتأمل لن تجد شيئا، الوقت يمر... لكن دون طائل.
على سبيل الختم :
لكن ماذا لوحمل كل مهاجر" ة" مغربي "ة"قضى عطلته السنوية بالمغرب اثناء عبوره الى محل اقامته في اوروبا برادا او وصينية، وزربية..او طقم فخار...ستكون عودة منتجة،ومساهمة فعالة في إنعاش ما يستحق الانعاش بالفعل. فضلا عن التحويلات بالعملة الصعبة التي ما فتئت في ارتفاع مطرد.