الاثنين ١٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩
بقلم عزيز باكوش

لكل باحث في علوم التربية

عن منشورات صدى التضامن صدر للأستاذ محمد ولد دادة كتاب "واقع مهنة التدريس بقطاع التعليم المدرسي مكامن القوة والضعف"في 112 صفحة من القطع المتوسط، صمم غلافه عبد القادر شطيحة وأخرجه فنيا خديجة لعميم. الكتاب المومأ إليه جاء قيما في مقدمة وخمسة أبواب، إضافة إلى ملحق يتضمن أرقاما ومعطيات إحصائية مختلفة.

تيمة واقع مهنة التدريس بقطاع التعليم المدرسي"دراسة تهدف إلى رصد واقع هيئة التدريس العاملة بقطاع التعليم المدرسي استنادا إلى مؤشرات كمية ونوعية، واستنتاجات لمكامن القوة والضعف في الممارسة الحالية لمهنة التدريس بالمغرب، في أفق تجاوز الاختلالات الاكراهات الملحوظة والارتقاء بمهنة التدريس وتطوير أداء المدرسين بشكل يؤهلهم لتجسيد الإصلاح المنشود ورفع التحديات التي تواجهها المؤسسة التعليمية بالمغرب"بحسب رأي المؤلف

ولعل ما يعزز ذلك، رصده الدقيق والشامل لمجموعة من المستجدات التي عرفتها المنظومة التربوية المغربية انطلاقا من 1967 إلى الآن، وبذلك يسعى المؤلف من خلال هذا الإصدار تحقيق أهداف كثير لعل أهمها:

 تعزيز موقع المورد البشري في المنظومة التربوية باعتباره مرحلة يتأسس عليها كل نجاح مستقبلي.

-إبراز عناصر القوة في المنظومة وفسح المجال للفاعلين والمتفاعلين للمبادرة والحفز على الإبداع لتحقيق الدينامية المطلوبة للفعل البيداغوجي والتربوي في تماس مع العنصر البشري.

 يفتح إمكانات التجديد والتطوير لما يمنحه للقارئ المتخصص أو غيره من فرص الاكتشاف واستثمار مظاهر قوة ينبغي الاعتزاز بها والعمل على تعزيزها وبلورتها، ومكامن ضعف على القائمين العمل على تجاوزها ورسم سبل مكافحتها ودحرها.

 إذكاء المورد البشري من اجل الربط الجدلي بين النظري والعملي مع الحرص على فتح مجالات الإبداع في سياق تحديات ورهانات المدرسة المغربية الجديدة.

الكتاب موجه في أساسه إلى هيئة التدريس والإدارة وإلى هيئة التاطير والمراقبة التربوية والى مختلف الشركاء والفاعلين التربويين، ليس لكونه منجز توثيقي رصدي يستمد أسسه ومقوماته من الميثاق الوطني للتربية والتكوين، بل لكنه أيضا لبنة أساسية يستند إليها كل باحث ومهتم هدفه المراجعة والتقويم وتطوير آليات الاشتغال.

وإذا كان هذا الإصدار قد وضع كافة المعنيين في قلب الموارد البشرية للقطاع فإنه يضع أيضا المدرسين والمدرسات في قلب عملية التعليم باعتبارهم الساهرين على حسن تطبيق وأجراة التوجهات والاختيارات التربوية.

إن كتاب"واقع مهنة التدريس بقطاع التعليم المدرسي مكامن القوة والضعف"وبكل نفسه البيداغوجي والتربوي يعتبر في تقديرنا قاعدة معطيات أساسية تتوخى تحفيز الفاعلين في أفق بناء التصور الجديد لمهنة التدريس استنادا إلى واقع ممارستها في الوقت
في كل باب من الأبواب الخمسة التي يشتمل عليها الكتاب يعرض جانبا من جوانب المنظومة التربوية في علاقتها بالدينامية كما تقتضي التحولات، فيخاطب أسئلة حيوية، ثم يجيب عن بعض الأمور العالقة التي وقفت لزمن ثم يقترح.

الباب الأول: التشخيص البنيوي لهيئة التدريس: وفيه يبسط المؤلف خريطة توزيع المدرسين عدديا وحسب السن والجنس عبر رسوم بيانية بالألوان للفئات العاملة بالقطاع حسب العدد والسن والجنس وحصص العمل وحسب سلاليم الأجور، فيلاحظ أ ن عددا لا يستهان به من المدرسين تسند إليهم سنويا مهام إدارية خصوصا على مستوى تدبير المؤسسات التعليمية مما يقلص من أعداد الأطر التعليمية التي يتم تكوينها أصلا للقيام بمهام التدريس، وإذا كان مجموع الموظفين العاملين بقطاع التعليم المدرسي يبلغ في الوقت الراهن إلى حدود شهر شتنبر 2008 ما يناهز 285 الف موظف –ة- موزعين على مختلف التخصصات، فإن عدد المدرسين منهم يتجاوز 205ألف أستاذ- ة- وهو ما يعادل 91 بالمائة من مجموع الموظفين العاملين بالقطاع، علما بأن هذا العدد يشمل أيضا المدرسين المكلفين بمهام الإدارة التربوية وعددهم يناهز 24 الف، وبذلك، يكون العدد الإجمالي الصافي للأطر المزاولة لمهام التدريس يعادل 230 ألف مدرسة موزعين على الأسلاك التعليمية الثلاثة الابتدائي ويشغل 60 بالمائة من مجموع المدرسين 146 الف الإعدادي ويشغل 25 بالمائة من مجموع المدرسين 63 الف مدرس،التاهيلي 15بالمائة من مجموع المدرسين 39الف مدرس ة. ان تقليص أعداد الأطر التعليمية التي يتم تكوينها أصلا للقيام بمهام التدريس يعزى كإجراء في رأي المؤلف إلى ما تتطلبه مهام الإدارة التربوية من تجربة وخبرة على مستوى الممارسة التعليمية، مما يجعل اللجوء إلى الأطر التعليمية ذات الخبرة التربوية من أجل القيام بمهام التدبير الإداري للمؤسسات التعليمية شيئا محمودا، في نظر المؤلف، كما ان هذا الإسناد من جهة أخرى يساهم دون شك في فتح أفاق الترقي وتحسين المسار المهني أمام هيئة التدريس طيلة مدة محددة من الزمن. وتجدر الإشارة إلى أنه على مستوى المناصب المالية المخصصة سنويا للقطاع لا يتم خصم أعداد المدرسين الذين يتم تكليفهم بمهام الإدارة التربوية بالرغم من تأثير هذه الأعداد على حجم المتوفر من المدرسين وبالتالي على خريطة التربوية في علاقتها بالأطر التعليمية اللازمة لتغطية الخصاص من الأطر التعليمية. في هذا الإطار ينص المخطط الاستعجالي الذي أعدته الوزارة في هذا الباب 2009-2012 على المحافظة على الاستقرار التربوي من خلال وضع آليات جديدة للتوظيف ترتكز على منح الأكاديميات اختصاصات أوسع في هذا المجال يمكنها من تحديد حاجياتها من الأطر التعليمية والإعلان عن التوظيف لشغل مناصب بعينها في إطار تعاقدي يجعل الموظف مرتبطا أكثر بمقر عمله الأصلي، علما أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين ينص على الوصول بهذا المسعى إلى مستوى المؤسسة التعليمية من خلال منحها استقلالية أوسع في هذا المجال".

الباب الثاني: المسار المهني للمدرسين

يقدم المؤلف في هذا الباب لمحة تاريخية حول الأنظمة الأساسية التي عرفها القطاع بدء بصدور أول نظام أساسي خاص بالموظفين العاملين بوزارة التربية الوطنية في 02 فبراير 1967 بمقتضى مرسوم ملكي. كما صدر إلى جانبه وفي نفس التاريخ 3مارس 1967 نظام أساسي خاص بالأطر الإدارية، وبذلك يكون أول نظام أساسي قد فصل بين نظامين الأول خاص بأطر هيئة التدريس والثاني خاص بأطر الإدارة، وقد ظل العمل ساريا بهما إلى حدود 1985، حيث صدر أول نظام أساسي يشمل جميع الفئات العاملة بالقطاع. ثم يعرج المؤلف مستعرضا مميزات النظام الأساسي الحالي ثم أهم التعديلات التي عرفها النظام الأساسي منذ صدوره سنة 2003 إلى الآن. دون ان ينسى الوقوف بالتفصيل على آفاق تطور الحياة المهنية للمدرسين ومجال الترقي سواء عن طريق الامتحانات المهنية أو عن طرق الاختيار أو الشهادات الجامعية.

الباب الثالث: في باب واقع ممارسة مهنة التدريس: يعرض المؤلف الاختصاصات والمهام في ارتباط وثيق مع آليات ضمان حقوق المدرسين في تفاعل مع العمل النقابي وديوان المظالم ولمحاكم الإدارية مرورا بالخدمات الاجتماعية، كما يبسط واقع ممارسة المهنة وظروف العمل إن على مستوى البنية التحتية والوسائل التعليمية أو على مستوى توزيع التلاميذ وتوفير الأمن فضلا علن مؤشرات الالتزام المهني والعمل النقابي، وموازاة مع ذلك،يلاحظ المؤلف أن السنوات الأخيرة، عرفت تنامي ظاهرة الإفراط في استعمال حق الإضراب من طرف بعض النقابات التعليمية، في الوقت الذي عرفت فيه نفس الفترة نشاطا ملحوظا وجدية أكثر في الحوار الذي جمع الوزارة الوصية بالنقابات الأكثر تمثيلية بالقطاع.

ويورد المؤلف أن عدد أيام الإضرابات بالقطاع السنة الدراسية 2006/2007 83 يوما وهو ما يعادل 14 أسبوعا تعليميا، وإذا علمنا ان السنة الدراسية لا تتجاوز في أحسن الأحوال 32 أسبوعا، فإن المؤلف يخلص الى ان عدد الإضرابات المعلن عنها تكاد توازي نصف الايام الدراسية المقررة سنويا، هذا دون احتساب أعداد الوقفات الاحتجاجية والإضرابات المحلية المتفرقة التي تتبناها الفروع النقابية بالجهات والأقاليم. ويشدد المؤلف في نهاية التحليل إلى أن الحاجة ماسة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تبني منهجية موحدة للحوار الاجتماعي تعتمد على إرساء قواعد ثابتة ومتفق في شأنها لضبط العلاقات ما بين مختلف مصالح الوزارة والنقابات التعليمية، منهجية تصاغ على شكل ميثاق - اتفاق إطار- يحدد آليات الحوار ومنهجيته، ويضبط آليات الإضراب على ضوء حقوق التلاميذ في التمدرس.

الباب الرابع: يبرز المؤلف السياق العام للحياة الإدارية للمدرسين مذكرا بأن تدبير الحياة الإدارية يختلف عن تدبير الحياة المهنية، بحيث ترتبط الحياة الإدارية للمدرس بقطاعات حكومية أخرى وعلى رأسها وزارة المالية، في حين ترتبط الثانية بتتبع الحياة المهنية للمدرسين من خلال حركيتهم وتغيير مهامهم وتكويناتهم وربط وظائفهم بالكفاءات التي يتوفرون عليها في إطار التدبير النوعي للموارد البشرية. كما يحدد في الباب ذاته آليات تدبير الحياة الإدارية والمهنية للمدرسين من تدبير الوضعيات الإدارية، وكذا الكفاءات المهنية وحركية المدرسين والتدبير اللاممركز في ظل الإطار العام لمشروع اللامركزية واللاتمركز من حيث الأساس المرجعي بدء من الأساس المرجعي مرورا بالنتائج المنتظرة وصولا إلى التنفيذ والتدابير المصاحبة. ويختم الباب بتقديم مقترحات قابلة للتنفيذ في أفق التدبير اللاممركز للموارد البشرية.

الباب الخامس: فيفرده لمجالات التكوين الأساسي والمستمر من مراكز تكوين أساتذة التعليم الابتدائي إلى المراكز التربوية الجهوية والمدارس العليا المحدثة منذ فجر الاستقلال، مشيرا إلى أنها ساهمت إلى حد كبير في تطوير البحث التربوي بالمغرب وتطوير مناهج وطرق التدريس مما كان له الأثر الايجابي على كفاءات المدرسين ومؤهلاتهم المهنية، ثم يعرج على وضعية مؤسسات تكوين الأطر ثم يختم بورقة جول التكوين المستمر. وهنا يسجل ان المدرسين يفضلون استغلال فترات التكوين المستمر لفائدتهم أي من اجل الاستعداد للامتحانات المهنية من اجل الترقي في الدرجة وهو ما لم تستطع الأكاديميات الاستجابة له لحد الآن، بالرغم من ان ربط التكوين بالترقية يشكل حافزا للأطر العاملة بالقطاع ويشجعها على الإقبال عليها بكثافة مما يساهم بدون شك في تحسين مؤهلاتهم التربوية، لكن بالرغم من كل ذلك، فان غياب تقويم موضوعي لهذه العملية وقياس مدى تأثيرها على كفاءات المدرس ومردوديته المهنية تجعل من التكوين المستمر في صيغته الحالية عملية تحتاج إلى مراجعة في أفق ضبطها أكثر وإعادة تنظيمها وصياغة مضامينها استنادا إلى الحاجيات المهنية للمدرسين والى الانتظارات المعبر عنها.

وفي الحصيلة، إن إصلاح منظومة التربية والتكوين بالمغرب يعتمد مداخل عديدة تسعى في مجملها إلى تحسين مردودية القطاع، والرفع من الجودة الخدمات التي تقدمها المدرسة العمومية لروادها من التلاميذ، كما يعتبر مجال الموارد البشرية من أهم هذه المداخل، إن لم يكن أنجعها على الإطلاق في مسار الإصلاح، وذلك عن طريق الارتقاء بمهام التدريس والتكوين إلى مستوى يسمح للمدرسين بعطاء أوفر وبمردودية أكبر، يكون لها الأثر الايجابي على مستوى التلاميذ، ومن ثمة، يخلص المؤلف إلى أن مسار تجديد المدرسة المغربية وتطوير أدائها وتحديث آلياتها التربوية يمر حتما عبر تجديد مهنة التدريس، وبلورة تصور جديد لمهام المدرسين تتمثل على الخصوص في تثمين الخبرات التي تم اكتسابها في هذا المجال وتطويرها إلى ماهو أفضل، وحفز المربين والمكونين ومساعدتهم على الارتقاء بعملهم إلى مستوى طموحات هذا الوطن، وما يعقده من آمال على المدرسة المغربية في تكوين أجيال ذات مستوى تعليمي وتربوي جيد ومتميز يساعد على رقي المجتمع برمته وتحقيق تطلعاته الاجتماعية والاقتصادية
كما تقتضي التحولات العميقة التي تشهدها هاته المهنة وطنيا ودوليا إرساء قواعد جديدة لممارسة مهام التدريس والتكوين في أفق مواكبة تحديات العصر الحديث وما تتطلبه حاجيات المجتمع آنيا ومستقبلا من كفاءات ومؤهلات فكرية وعلمية وثقافية وتكنولوجية وهو ما يستدعي في نفس الوقت ترسيخ قيم المواطنة وتربية الناشئة على الانفتاح على الحضارات مع التشبت بالمقدسات ومكونات الشخصية المغربية وكلها تحديات تربوية تقتضي إعداد مدرسي الغد للاحترافية في مجال التربية والتكوين استنادا إلى تصور مهني جديد يروم التكوين والتحفيز وتقويم الأداء والمساعدة والتأطير والمصاحبة وإعادة تنظيم المهنة على أساس التوازن بين الحقوق والواجبات المهنية والارتباط العضوي للمدرس بالمؤسسة التعليمية وتحسين وضعه الاعتباري داخل المجتمع. ومن اجل ذلك وفي أفق بناء التصور الجديد....

بطاقة تعريف الأستاذ محمد ولد دادة

من مواليد 1953 بسطات
1972 ولج سلك التعليم كمعلم ثم كأستاذ بالإعدادي ثم كأستاذ بالثانوي التاهيلي قبل ان يتم تكليفه من طرف الوزارة سنة 1984 بمهام التفتيش لمادة اللغة الفرنسية بالسلك الاعدادي
1989 تم تعيينه مفتشا مكلفا بإعداد مواضيع الباكالوريا بأكاديمية سطات
1997 عين مفتشا منسقا مركزيا لمادة اللغة الفرنسية
2000 أصبح نائبا إقليميا للوزارة بخريبكة
2005 حظي بالموافقة المولوية السامية على تعيينه مديرا للموارد البشرية وتكوين الأطر بالقطاع التربية الوطنية

حائز على الإجازة في علوم التربية من جامعة ليل بفرنسا وعلى الاجازة في القانون من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء وعلى دبلوم مفتش التعليم الثانوي
1992 اصدر كتابا باللغة الفرنسية وساهم في تأليف الكتب المدرسية لسلكي الإعدادي والثانوي باللاضافة إلى نشاطه الجمعوي كنائب رئيس الجمعية المغربية لمدرسي اللغة الفرنسية وعضو تجيري مجلتها المتخصصة
له إسهامات كثيرة في مجال التربية على حقوق الإنسان حيث كان عضوا في اللجنة التقنية المشتركة مابين وزارة التربية الوطني ووزارة حقوق الإنسان التي التحق بها سنة 1997 واصدر جذاذات نموذجية لإدماج التربية على حقوق الإنسان في مناهج ومقررات اللغة الفرنسية بالإعدادي والثانوي

يعتبر خبيرا دوليا معتمدا لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر حيث ساهم بهذه الصفة في إعداد المنهاج الدولي"لنستكشف القانون الدولي الإنساني"وساهم في تا طير لقاءات دولية خصوصا في مجال إدماج القانون الدولي الانساني في المناهج التعليمية بالعالم القروي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى