السبت ١ أيار (مايو) ٢٠٠٤
بقلم فاروق مواسي

عن المثل الشعبي الفلسطيني

إن جهود د. شكري عراف في حفظ الآثار- سواء كانت مادية أم شفوية، موقعية أو تاريخية، أم مساهمة دراسية حول الأشجار والنباتات والقرية العربية الفلسطينية.. " لا ينتطح فيها عنزان " كما كان يقال في الأمثال الجاهلية .

وقد صدر له مؤخرًا بالاشتراك مع الأستاذ رزق الله عطا الله كتاب مهم وجدير بالتقدير – هو " المثل الشعبي بين المتحفية والاستمرار "، مركز الدراسات القروية- معليا، 1996 يفتتحه رزق الله بقصيدة له ورد فيها :

حكم على مر الزمان تثبتت
وتأكدت بشهادة العقّالِ
هي ثروة عن قول حق عبّرت
أجدادنا سموها بالأمثال

تلت القصيدة مقدمة وضعها الجامعان يقولان فيها:

" أما الجوانب الاجتماعية - وهي التي حفزتنا إلى هذه الدراسة فهمّها دراسة الأخلاق والعادات والقيم... خاصة وأن الأمثال تجربة الشعب بمختلف طبقاته ، فهي وليدة إبداع الشعب بأسره من خلال الخبرة والفترة التاريخية التي اضطرت هذا الشعب إلى قول المثل" (ص4).
الكتاب مقسم إلى مواضيع ، ولعل في هذا تجديدًا وإغناء لمن يبحث عن أمثال مركزة- عن الجار مثلا أو المصاهرة أو العداوة..

ومع كل هذا الإعجاب بجهد المؤلفَين فلي بعض الملاحظات عسى أن يتقبلاها قبولاً حسنًا:

إن تداخل الأبواب فيما بينها جعل التحديد في أمثال كل منها صعبًا، فمثلا يخصص الكتاب ِلباب " النصيحة " ثلاثة أمثال فقط ( ص1095) منها " اسلم بريشك " وهي نصيحة عامة، بينما نجد المثل " شاور اللي أكبر منك ..." ( 612) في باب " التعقل " .

ومثل هذا التداخل نجده في الأبواب التي تتعلق بالعائلة .. حيث نجد المثل " اصطلح الجوز والمرة ونسيو اللي جرى " تحت باب الصفات السلبية – الاسترضاء ( 347) . وأنا لا أدري حقـًا كيف أصنف المثل " اللي فات مات " أو تحت أي باب أجده : القناعة؟ التسامح؟ الموت؟ الاستهتار؟
ثم ما هو المبرر لانتقاء أبيات شعرية وأمثال جاهلية ، بل آيات قرآنية معينة ؟ فمن الأبيات أذكر:

فسامح ولا تستوف حقك

ووأبق فلم يستوف قط كريم [1]

وهذا البيت لأبي الفتح البستي، وكذلك البيت :

جمّل المنطق بالنحو فمن
يحرم الإعراب بالنطق اختبل ( 559)

وهو بيت لابن الوردي في لاميته ، وقد وردت أبيات كثيرة من هذه اللامية في الكتاب ، وكأنها جارية على السنة الناس ، وقس على ذلك عشرات الأبيات ؟!

ومن الأمثال القديمة: " أهدى من القطا " ( 1049)، " أبصر من عقاب " ( 1046) " كل فتاة بأبيها معجبة" ( 251) ، " بالت بينهم الثعالب " ( 939).

ومن الآيات الكريمة : " المال والبنون زينة الحياة الدنيا .."، " ... سيماهم في وجوههم .. "، فإذا أدخلنا الآيات في الأمثال الشعبية بسبب استعمالها فثمة كثير من الآيات الأخرى تتردد على الألسنة نحو " إن اللة مع الصابرين "، وغيرها كثير كثير ؛ فالآية آية والمثل مثل وعلينا أن نمايز بينهما .

 هناك أمثال ليست مشروحة إطلاقًـا ، نحو " ما بعد الصفاح إلا النكاح " ( 269).
" صديقك عقلك وعدوك جهلك " والشرح في الكتاب هو " المعنى واضح "
– يذكرني هذا بشرح بعض المعاني في المعاجم القديمة أن المعنى " معروف ".

 هناك أمثال شرحت بصورة غير دقيقة، نحو " خذها بيضة ولا مجنونة " ( 236 ) ،
فالشرح " الميل هنا للبيضاوات ( الصحيح لغة – البيض - ) لقلة وجودهن في المجتمع العربي "، ولا أظن أن وجودهن أو عدمه هو السبب في رغبة/ تمثل المثل بالمرأة البيضاء ،
أما القول " بلا قافية " ( 397 ) فهو ليس كما ورد في الشرح " يضرب في عدم الرغبة في الإساءة للآخرين "، بل هو للتنبيه على بعض العبارات التي قد تفسر تفسيرًا أخر، كأن يكون المعنى جنسيًا مثلا . أما المثل " صحيح لا تكسري وصحيح لا توكلي " ( 245) فقد ورد شرحه في الكتاب – " يذهب هباء إذ يجب أن تكون المرأة قادرة على تدبير أمورها بيدها " والصواب أن هذا المثل يخاطب الكنة التي لا يحتمل وجودها في العائلة ، فيطلب منها أن تظل محرومة لأنها لا تستحق في رأيهم أن تأكل الخبز لا صحيحًا ولا مكسورًا ، وتتمة المثل التي لم تُذكر هي " وكلي يا كنينتي تا تشبعي " .

 أما المثل " الفاحش " فقد تحاشاه الجامعان في كتابهما الضخم ( 1105 صفحات )، فليس كل مثل يحظر إلى هذا الحد . إنه- شئنا أم أبينا – سمة من سمات مجتمعنا ، وقد عهدنا آباءنا يدونون ولا يتورعون، أقول : تسجيله ضروري ، حتى ولو ضمن دوائر أكاديمية وفي مجال التوثيق والجمع الأمين .

 كثيرا ما يخلط الكتاب بين المثل والعبارة ، فهل الدعاء " الله يرملك " ( 300 ) أو الكناية " سقط من عيني " ( 447) أو التشبيهات : " مثل البرق " ( 799) ، " مثل عيون البقرة" ( 956) ، " غزال مصور " (987)، " فلان متيس " (1011) هي أمثال؟؟!

 عود على بدء:
يبقى الكتاب- برغم ملاحظاتي المخلصة – إضافة هامة إلى مكتبتنا المحلية وتراثنا الفلسطيني ، فما أعظم هذا الجهد في أجواء محاولات الطمس والتنكر، ولن نغمطه حتى لو كانت هناك بعض الهنات ، فالكتاب الجيد هو الذي يُحاسب ويراقب ويعاتب؛
وتحية حب للمؤلفين رغم كل ذلك !


[1( ص466، وردت في الكتاب " يستقص ")


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى