الأحد ٧ حزيران (يونيو) ٢٠٠٩
مسرحية
بقلم جميل حمداوي

عيب قاري

بين جدية المضمون وجودة الإخراج

قدم نادي المرآة من فاس مسرحية (العيب قاري) بالمركب الثقافي بالناظور يوم الخميس 28 ماي 2009م ضمن المهرجان الثقافي والفني السادس لجمعية التربية والتنمية.

ومن المعروف أن مسرحية (العيب قاري) مدعمة من قبل وزارة الثقافة المغربية للموسم المسرحي لسنة 2009م. وهي من تأليف العراقي محيي الدين زنكنة، وإخراج واقتباس حسن المراني العلوي، ومن أهم ممثليها نذكر: عدنان الوجه الطفولي البارز، والممثل المحترف الخمار المريني...

هذا، وقد اتخذت المسرحية بعدا واقعيا ومنحى اجتماعيا ضمن رؤية كوميدية صادمة، استهدفت نقد الواقع التربوي العربي مع تعرية شوائبه الفاضحة وانتقاد مؤسساته التأطيرية والإدارية والسياسية من خلال منظور ثوري يعتمد على التثوير والعنف والعنف المضاد.

من تفسخ الواقع إلى انهيار المنظومة التربوية:

تتناول مسرحية (العيب قاري) المنظومة التربوية العربية بالنقد والتقويم وتعرية مكوناتها النظرية والفلسفية والتطبيقية. ومن هنا، فالمسرحية ترصد فتى متمردا مدللا لايهتم بدراسته ولا ينجز واجباته ، بل نجده ناقما على خالته الطيبة التي يعاملها معاملة سيئة ومشينة قوامها العقوق والثورة على أوامرها ونواهيها حيث لايعتبر بنصائحها ولا يأخذ بإرشاداتها. وتتجلى قسوة هذا الفتى العاق بشكل بارز في محاولة التخلص من جده المترهل في السن، والانتقام منه عن طريق خنقه ومحاولة إماتته بالزيادة في مقادير الأدوية والعبث بوصفة الطبيب. والأنكى من ذلك أنه رفض أن يتنازل عن غرفته لجده التي هي في الحقيقة في ملك هذا العجوز المريض، بل كان هذا الفتى الطالح مرارا وتكرارا يسب والديه ويشتمهما قرعا ولوما وتوبيخا.

ولم يكن للمسرحية رونقها الإبداعي وجماليتها الخاصة ونكهتها الدرامية إلا بحضور المعلم ، إلى منزل الفتى المدلل الطائش الذي مازال لم يغادر طفولته الشقية وترسباتها الشعورية واللاشعورية، ليقدم له دروسا إضافية للدعم والتقوية على حساب الضمير المهني ومبادئ العمل التربوي.

ولم يكن الفتى المدلل يتعلم من المنهاج الدراسي وينهل من مقرره التربوي سوى مايردده من أناشيد عامية لامعنى لها ولا قيمة، ويعني هذا أن الكاتب يسخر من التعليم العربي ومن مقرراته العقيمة ومناهجه التربوية الفارغة التي تفتقد إلى الجودة الحقيقية نظريا وتطبيقيا، كما أنها تتميز بالسطحية الفجة والتفاهة وعدم ارتباطها بالواقع الملموس.

والغريب في هذه المسرحية، أننا نجد المعلم في وضعية كاريكاتورية مقرفة ومزرية تثير الضحك والاحتقار والازدراء، إذ يجلده تلميذه الفتى ويعاقبه كما يعاقب المدرس تلميذه، وتبلغ المسرحية هنا قمة السقوط والإسفاف والعبث والدونية. كما يهدد التلميذ معلمه بما لديه من أسرار خطيرة تودي بحياته ومستقبله المهني والاجتماعي، فيتبادلان الأدوار ، فيتنازل المعلم في الأخير عما لديه من قرارات تأديبية في حق متعلمه.

أضف إلى ذلك ، أن دروس المعلم في المسرحية عبارة عن مشاهد فكاهية ولوحات ساخرة توحي بالفكاهة المهجنة وتضييع الوقت الثمين والاستخفاف بالمسؤولية الجسيمة، كما تتحول الدروس إلى أناشيد غنائية تافهة بسيطة المعنى . وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تردي الوضع التعليمي وانحطاط السياق التربوي.

وعليه، فالمسرحية تسخر من سياسة التعليم العربية المرتكزة على رتابة المناهج الدراسية وكسادها العقيم ، كما تستهين بسياسة تعدد المقررات الدراسية وتغييرها من سنة إلى سنة إلى أن يصبح التلميذ في مهب الرياح لايعرف حاضره من مستقبله.

وعلى أي حال، فالمسرحية تطرح موضوعا جديا مهما ، وتحمل رسالة خطيرة تتعلق بتشريح العملية التربوية العربية مع انتقادها من جميع جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حتى أصبح التعلم إثما كبيرا وصار التعليم أيضا عيبا كبيرا ومهمة مشينة وثقلا جسيما ينبغي التخلص منه في أي ظرف سانح وسياق مناسب.

وتنتهي هذه المسرحية ذات البعد الواقعي والاجتماعي بثورة التلاميذ على المدرسين المؤطرين والمسؤولين المشرفين على تسيير المدرسة المغربية إشرافا وتأطيرا وتوجيها، فيقع الصدام المتوقع بين المربين والمتمدرسين فيترتب عنه العنف والعنف المضاد.

بين جودة السينوغرافيا وروعة الإخراج:

اختار المخرج حسن المراني العلوي التشخيص الخارجي أداء وتمثيلا، أي انطلق من تعاليم المدرسة الكوكلانية التي ترفض المعايشة الصادقة والاندماج في الدور، و تكتفي في المقابل بالتعبير عن المواقف والمشاعر بطريقة خارجية دون محاولة استكناهها واستبطانها داخليا.

وتنتمي المسرحية أيضا إلى الاتجاه الواقعي الاجتماعي من خلال التركيز على موضوع تربوي ذي حساسية واقعية واجتماعية، كما صاغ المخرج مسرحيته في قالب كلاسيكي من خلال احترام الوحدات الثلاث: وحدة الحدث ووحدة المكان، ووحدة الزمان.

ولم نجد على العموم في هذا العرض المقدم استثمارا مناسبا للنظريات الإخراجية العالمية في مجال المسرح، بل كان العرض المسرحي إلى حد ما خاليا منها سوى توظيف خيال الظل الذي كان وظيفيا في العمل ، واستعمله الاحتفاليون كثيرا في أعمالهم المسرحية والإبداعية.

وفيما يتعلق بالفضاء المسرحي، فقد قسم المخرج خشبة الركح إلى ثلاثة أقسام رئيسية: جهة اليمين للوسط خصصها لغرفة تحوي الفتى المشاكس والجد الهرم على حد سواء ، وجهة اليسار للوسط فقد خصصها للطاولات والكراسي، بينما الجهة الوسطى المركزية فقد جعلها المخرج حلبة للصراع الدرامي والتواصل الركحي والتحرك بحرية على الخشبة، وإن كانت خشبة المركب الثقافي بالناظور ضيقة من حيث العرض وطويلة من حيث الطول؛ لذلك، أثر ذلك سلبا على موقعة الديكور وتنظيم التأثيث والتحكم في السينوغرافيا.

وإذا انتقلنا إلى مستوى الاتجاه والحركة، فقد كان الممثلون ينتقلون كثيرا على الخشبة بطريقة أفقية ، وقلما نجد الاتجاه العمودي والتقاطعي لضيق المساحة وانعدام مؤشرات التواصل الذي يستوجب اتخاذ ذلك الاتجاه، كما كان الممثلون يتموقعون فوق الخشبة بعدة وضعيات: أمامية وخلفية وجانبية إما ربعا وإما ثلاثة أرباع .

أما المؤثرات الصوتية فقد كانت وظيفية وهادفة ، بيد أنها كانت قليلة الاستعمال في المسرحية ؛ مما جعل المخرج يركز كثيرا على الحوار اللفظي والتنبير القدحي لكلمة المعلم سخرية واستهزاء دون الاهتمام بأي شكل من الأشكال بالكوريغرافيا المشهدية . وينطبق هذا الحكم كذلك على تشغيل الأغاني الهادفة الوظيفية، إذ لم يشغل المخرج منها إلا القليل جدا، بل حتى هذه الأغاني كانت تشغل عن طريق ترجيع صوت الصدى أو ما يسمى أيضا بـــبلاي باكplay back .

هذا، وتتلون الإضاءة في المسرحية بشكل سيميائي من خلال التعامل مع الأحمر والأزرق والبنفسجي والسواد للإحالة على الصراع الدرامي والألم والأمل واستشراف المستقبل، كما كان المخرج يستعمل الإضاءة لتقسيم متواليات التمثيل الميزانسيني وتبئير الفضاءات المشهدية تناوبا وتركيزا.

ومن حيث التشخيص، فقد أتقن الممثلون أدوارهم المسرحية وخاصة الممثل الطفولي عدنان الذي أظهر كفاءة عالية في مجال التشخيص والتمثيل الدرامي، فقد كان يمثل بطريقة عفوية طبيعية، و كان يتحدث بقسمات وجهه ويعبر بملامح جسده . وأؤكد جازما بأن هذا الممثل قد بدأ مشواره الفني في مجال التمثيل المسرحي كفنان كبير. كما أشيد أيضا بالممثل القدير الخمار المريني الذي شخص دور المعلم تشخيصا جيدا ورائعا ينم عن كونه ممثلا محترفا له قدرات تمثيلية باهرة ومواهب جلية في مجال الدراما المسرحية أو السينمائية.

خاتمـــة:

يتبين لنا من خلال هذا العرض المسرحي أن مسرحية " العيب قاري" مسرحية كوميدية صادمة أو كوميدية سوداء مبنية على التشويه والقدح الكاريكاتوري والنقد التشريحي وتعرية الواقع التربوي والاجتماعي تعرية بشعة وجريئة، مع نقد المنظومة التربوية التعليمية الموجودة في عالمنا العربي من كل جوانبها ومستوياتها المباشرة وغير المباشرة.

ويقدم المخرج حسن المراني العلوي هذه المسرحية الواقعية الاجتماعية من خلال رؤية سينوغرافية وظيفية قائمة على التنبير الصوتي والتبئير الضوئي والتنوع اللوني وجودة التشخيص في انسجام كلي وهارموني مع روعة الإخراج

بين جدية المضمون وجودة الإخراج

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى