الأحد ٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٤
صباح بشير في حوار مع ديوان العرب:
بقلم ميادة مهنا سليمان

«فرصة ثانية» تقدم رؤية إنسانية عميقة.

أهلًا بِضيفِنا: فقرة حوارات أسبوعيَّة لمجلَّة ديوان العرب العريقة.
ضيفة الحوار الكاتبة والنّاقدة الفلسطينيّة صباح بشير.

موجز السّيرة الذّاتيّة للضّيفة:

 بكالوريوس علوم اجتماعيّة وإنسانيّة
 ماجستير دراسات ثقافيّة
 طالبة دكتوراة في موضوع علم الاجتماع التطبيقي.
 مديرة تحرير موقع نادي حيفا الثّقافيّ
 عَمِلَت محاضرة لفترة في كلّية إعداد المعلمين

صدر للكاتبة:

 رواية "رحلة إلى ذات امرأة"
 رواية "فرصة ثانية".
 كتاب "شذرات نقديّة""
 "رسائل من القدس وإليها" وهو كتاب مشترك مع الأديب جميل السّلحوت.

 لها تحت الطّبع قصّة طويلة لليافعين بعنوان "طريق الأمل".

 ساهمت في إعداد سلسلة إصدارات توثيقيّة لنادي حيفا الثّقافيّ.
كان لنا معها هذا الحوار:

رواية "فرصة ثانية"، صدرت حديثًا عن دار الشّامل، وفيها تقول هدى الّتي تكفّلت برعاية ابن شقيقتها:
“الأمومـة ليسـت محصـورة علـى الإنجاب البيولوجـيّ فقـط، بـل هـي شـعور عميـق بالحـبّ والعطـاء، يمكـن أن ينبـض فـي قلـب كلّ امـرأة”.
أوّلًا: ما المكان الّذي تدور فيه أحداث الرّواية؟

تنسج رواية "فرصة ثانية" أحداثها على خلفيّة مدينة حيفا، حيث تتداخل حياة شخوص العمل مع جمال المدينة وتاريخها العريق؛ لتعكس حيفا بمعالمها وشوارعها وبحرها وأجوائها الخاصّة،تناقضات الحياة وجمالها، وتشهد على رحلة أبطالها في البحث عن الأمل والفرص الثانية.

ثانيًا: كُتبَ الكثير عن الأمومة، والتّبنّي، واليُتم، ما الجديد الّذي طرحته روايتك، بشأن هذه المواضيع، وما الّذي يميّزكِ عن غيرك؟

على الرّغم من أنّ موضوعات الأمومة والتبنّي واليتم شائعة في الأدب، إلّا أنّ روايتي "فرصة ثانية" تقدّم رؤية جديدة بشأن هذه القضايا، فمثلا: الأمومة البديلة في ظلّ ظروف استثنائيّة، حيث تتولّى الخالة رعاية الطّفل الرّضيع بعد وفاة الأمّ، ثمّ الخالة والأب، ما يبرز تحدّيات وتضحيات أكبر في رحلة الأمومة البديلة، وهنا يتمّ التّركيز على دور الخالة كأمّ بديلة، وهو نموذج أقلّ شيوعا في الأدب، مقارنة بالأمومة البيولوجيّة أو التّبنّي الرّسميّ. يسلّط ذلك الضّوء على قوّة الرّوابط العائليّة، وكيف يمكن للأقارب أن يقدّموا الحبّ والرّعاية الّتي يحتاجها الطّفل اليتيم.

كما يركّز النّصّ على المعاناة النفسيّة للأب والخالة في التّعامل مع فقدان الأمّ المفاجئ، ومسؤوليّة رعاية الطّفل الرضيع، والصّعوبات الّتي يواجهانها في التكيّف مع الوضع الجديد. نستكشف بعد ذلك تطوّر العلاقة بين الأب والخالة، وكيف ينشأ الحبّ تدريجيًا في خضمّ الجفاف العاطفيّ بينهما، والتّحدّيات المشتركة، ممّا يضيف بعدا إنسانيّا عميقا للعمل، وعلى الرّغم من البداية الصّعبة، إلّا أنّ الرّواية تحمل رسالة أمل وتفاؤل، فهي تُظهر كيف يمكن للأسرة أن تتجاوز المحنة، وأن يجد الطّفل الحبّ والدّعم في محيطه.

هذه العناصر مجتمعة تجعل رواية "فرصة ثانية" إضافة للأدب الّذي يتناول موضوعات الأمومة واليتم، فهي تقدّم رؤية إنسانيّة عميقة ومؤثّرة، وتفتح الباب لنقاش أوسع حول هذه القضايا.

يقول الكاتب الفلسطينيّ محمود شقير: "رحلة إلى ذات امرأة" روايةتفضح بؤس المجتمع الذكوريّ الّذي يعيق تطوّرنا الاجتماعيّ، وتفضح في الوقت ذاته قمع المحتلّين الّذين يحتجزون أحلامنا، ولكن إلى حين."
ما هي أبرز القضايا الّتي طرحتِها في روايتك، ولماذا ختمتِها بالقول:"أغلقتُ أبواب قلبي بإحكام وفتحت أبواب العقل على مصراعيها"؟هل هي رسالة من المرأة للمرأة؟

في روايتي "رحلة إلى ذات امرأة"، تناولت مجموعة من القضايا الاجتماعيّة والنّفسية الهامّة الّتي تواجه المرأة العربيّة بشكل خاصّ، من أبرز هذه القضايا:قضية الهويّة، حيث تسعى البطلة إلى العثور على هويّتها الحقيقيّة، في خضمّ مجتمع يحاول فرض قوالب جاهزة عليها، فتواجه صراعا بين التّقاليد الاجتماعيّة، والرّغبة في التّعبير عن ذاتها، تبحثعن حرّيّتها الشّخصيّة والقدرة على اتّخاذ قراراتها بنفسها، بعيدا عن القيود المفروضة عليها من قبل المجتمع والعائلة، تمرّ بزواج فاشل غير متكافئ، وتجارب عاطفيّة تجعلها تتساءل عن معنى الحبّ الحقيقيّ، وكيفيّة التّوفيق بينه وبين طموحاتها الشّخصيّة.
تسلّط الرّواية الضّوء على قضية العنف الّذي تتعرّض له المرأة، سواء كان جسديّا أو نفسيّا، وكيف يؤثّر ذلك على حياتها ونفسيّتها، وتدعو إلى ضرورة التّغيير الاجتماعيّ والتحرّر من القيود التقليديّة الّتي تعيق تقدّم المرأة وتحقيقها لذاتها.
قراءة هذا العمل ضروريّة لكلّ من يهتمّ بقضايا المرأة العربيّة المعاصرة، فالنّص يفتح الباب لنقاش صريح وعميق حول هذه القضايا، ويدعو القارئ للتّفكير في سبل تحقيق التّغيير المنشود، وقد ختمتُ رواية "رحلة إلى ذات امرأة" بهذه العبارة القويّة:"أغلقتُ أبواب قلبي بإحكام وفتحت أبواب العقل على مصراعيها"؛ للتأكّيد على التّحوّل الجذريّ الّذي طرأ على شخصيّة البطلة في نهاية رحلتها،هذا التّغيير يعكس التّحرّر من قيود العواطف، إذ تشير عبارة "أغلقتُ أبواب قلبي بإحكام" إلى قرار البطلة بعدم السّماح للعواطف بالتّحكّم في حياتها وقراراتها بعد الآن،فقد تعلّمت من تجاربها السّابقة أنّ الاعتماد المفرط على العواطف قد يؤدّي إلى الألم وخيبة الأمل.

أمّا عبارة "فتحت أبواب العقل على مصراعيها"؛فتعبّر عن توجّه البطلة الجديد نحو التّفكير العقلانيّ والمنطقيّ في التّعامل مع الأمور، فهي تسعى إلى بناء حياتها على أسس متينة من الوعيّ والفهم، بعيدا عن العشوائيّة.
ترمز هذه النّهاية إلى وصول البطلة إلى مرحلة من النّضج والاستقلاليّة، فهي لم تعد تلك المرأة الضعيفة الّتي تتأثّر بسهولة بآراء الآخرين، أو تتبع قلبها بشكل أعمى، لقد أصبحت بعد التّجارب الّتي مرّت بها امرأة قويّة واثقة من نفسها، قادرة على اتّخاذ قراراتها بنفسها وتحمّل مسؤوليّتها.

تؤكّد هذه الرّسالة على أهميّة العقل والتّفكير النّقديّ في رحلة المرأة نحو تحقيق ذاتها، وتحرّرها من القيود الاجتماعيّة والنّفسيّة، هي دعوة للنّساء؛ للاعتماد على أنفسهنّ في مواجهة التحدّيات وبناء مستقبل أفضل.
في روايتي الثّانية "فرصة ثانية"، أظهرت من خلال شخصيّة الطّبيب "إبراهيم" أنّ تلك الجملة:"أغلقتُ أبواب قلبي بإحكام وفتحت أبواب العقل على مصراعيها"، لا تدعو إلى إلغاء العواطف أو إنكار دورها في حياة الإنسان، فإبراهيم في حواره مع إحدى شّخوص العمل، يفكّر في مسألة إغلاق القلب تماما، ليستنتج أهميّة التّوازن بين العقل والقلب، وَتَرِدّ هذه الفقرة في النّصّ لتوضح الأمر له وللقارئ: "تذكّر أنّ أبواب القلب مثل أبواب البيوت، إذا أغلقتها تماما، فلن يدخل إليها الهواء والنّور، لكن.. إذا فتحتها بحذر فستدخل إليها السّعادة والأمل والحبّ".
هذه الكلمات تعكس رؤية أكثر توازنا في رواية "فرصة ثانية"، حول العلاقة بين العقل والقلب، فهي لا تدعو إلى قمع العواطف، بل إلى إدارتها بشكل واعٍ ومسؤول.
من هنا، فالنّهاية القويّة في "رحلة إلى ذات امرأة" ترمز إلى تحوّل البطلة نحو التّفكير العقلانيّ بعد تجارب مؤلمة، لكنّها لا تعني بالضّرورة نبذ العواطف بشكل كامل.

في رواية "فرصة ثانية" قمت بالتّأكيد على أهميّة التّوازن بين العقل والقلب، بحيث لا يتحكّم أحدهما في الآخر بشكل مطلق، هذا التّوازن هو الّذي يسمح للإنسان أن يعيش حياة متكاملة وسعيدة.

-رسائل من القدس وإليها" كتاب مشترك مع الأديب جميل السّلحوت، كم عدد هذه الرّسائل، ولمَ تقولين:"إنّ هذا الكتاب هو تجربة فريدة من نوعها في أدب الرّسائل بين كاتب وكاتبة"، ما الّذي يميّزه برأيك عن كتب الرّسائل الأدبيّة الأخرى؟

تضمّن كتاب "رسائل من القدس وإليها" حوالي 40 رسالة متبادلة بينيوبين الأديب جميل السّلحوت على مدى 11 عاما، من عام 2010 إلى عام 2021.

هذا الكتاب يمثّل تجربة مميّزة في أدب الرّسائل لعدّة أسباب، منها الحوار المتكافئ، فهو يقدّم حوارا متوازنا بين كاتب وكاتبة، يتبادلان الأفكار والآراء بحريّة وشفافيّة، دون أن يطغى صوت أحدهما على الآخر، هذا التّكافؤ في الحوار يمنح الكتاب قيمة خاصّة، ويعكس احتراما متبادلا وتقديرا لدور كلّ منهما في المشهد الأدبيّ والثّقافيّ.
تتناول الرّسائل مجموعة من المواضيع، بدءا من القضايا الاجتماعيّة والسّياسيّة والثّقافيّة العامّة، وأدب الرّحلات، وما هو متعلّق بالمجتمع الفلسطينيّ، مثل: الهويّة، التّعليم، الإعلام، وضع ومكانة المرأة، حبّ الوطن والانتماء، وغيرها من المواضيع، وصولا إلى التّجارب الشّخصيّة والهموم الأدبيّة.

هذا التّنوّع أثرى الكتاب وجعله جذّابا للقرّاء من مختلف الخلفيّات والاهتمامات، خاصّة وأنّ الرّسائل امتازت بالصّدق في التّعبير عن الأفكار والمشاعر، ما جعلها وثيقة إنسانيّة قيّمة، وأكثر قربا من القارئ،تكشف عن جوانب خفيّة من حياتنا، وتطوّر أفكارنا على مرّ السنين.

- عندما نختار كاتبا لمشاركته كتابا، لا بدّ من قواسم مشتركة، ما هي هذه القواسم الّتي جمعتك مع الكاتب جميل السّلحوت، هل هو شغف الكتابة، أم الجذور المكانيّة؟
وهل من تجربة ثانية معه، أو مع كاتب آخر؟

لقد جمعتني بالأديب جميل السّلحوت عدّة قواسم مشتركة، تتجاوز شغف الكتابة، من بين هذه القواسم مثلا: الانتماء إلى المكان،فكلانا من مدينة القدس، عشنا فيها، ونتشارك في حبّها وهمومها، هذا الانتماء المشترك منحنا رؤية متقاربة تجاه العديد من القضايا التي تناولناها في الرّسائل.
كذلك جمعتنا رؤية أدبيّة وثقافيّة متقاربة، واحترام متبادل، ونحن نؤمن بدور الأدب في التّغيير والتّوعية، هذا التّوافق الفكريّ سهّل علينا التّواصل والتّفاهم.
أمّا بالنّسبة لتجارب أخرى لي في مجال الكتابة المشتركة، فحتّى الآن، لا توجد تجربة ثانية في مجال الكتابة المشتركة مع أيّ كاتب، مع ذلك، لا يمكن استبعاد إمكانيّة حدوث مثل هذه التّجربة في المستقبل، خاصّة إذا وجدتُ شريكا مناسبا، يتقاسم معي نفس القيَم والاهتمامات الأدبيّة.

- لديك تحت الطّبع قصة لليافعين بعنوان: "طريق الأمل". أنا أجد صعوبة في كتابة هذا الجنس الأدبيّ، أراه محيِّرًا، فهو ليس للأطفال، ولا للكبار، ما هي الموضوعات الّتي يمكن أن يتطرّق إليها كاتب روايات اليافعين، وما الموضوع الّذي اخترته لكتابك هذا؟

نعم، يمكن لروايات اليافعين أن تكون منصّة مثالية لاستكشاف مجموعة واسعة من الموضوعات الإنسانيّة الّتي تساهم في تشكيل الوعي لهذه الفئة العمريّة، من بين هذه الموضوعات: الصّداقة والقيَم النّبيلة؛كالوفاء والإخلاص والتّضحية، المحبّة والتّعاطف وتفهّم الآخرين، التّسامح واحترام الاختلافات بين النّاس وتقبّل الآخرين كما هم.
يمكن أيضا لهذه القصص أن تثير تساؤلات حول قضايا العدالة والمساواة، وتشجّع اليافعين على التّفكير في كيفيّة بناء مجتمع أكثر عدلا وإنصافا، تُعزَّز فيه قيَم السّلام ويُنَبذ فيه العنف، كما يمكن توعية اليافعين بأهميّة الحفاظ على البيئة.
كلّ ذلك يشجعهم بالطّبع على المشاركة في مجتمعاتهم والمساهمة في إحداث تغيير إيجابيّ.
هذه الموضوعات الإنسانيّة وغيرها، تساهم في بناء جيل واعٍ ومسؤول، قادر على التّعامل مع تحدّيات الحياة بإيجابيّة، وبناء مستقبل أفضل لأنفسهم وللعالم من حولهم.
بالنّسبة لقصّتي "طريق الأمل"،برأيي هي قصّة مؤثّرة عن قوّة الإرادة البشريّة، وقدرة الحبّ على التغلّب على أصعب التّحدّيات، تُذكّر اليافع بأهميّة الأمل والتّفاؤل، حتّى في أحلك الأوقات والظّروف،وتعلّمه أنّ العطاء والحبّ هما أثمن ما نملك، وأنّ الأسرة هي الملاذ الآمن الّذي نلجأ إليه في وقت الشدّة.

- "حيفا النّائمة"، هي قصيدة للشّاعر الإعلاميّ والكاتب نايف خوري، تقولين:"هذه القصيدة تعدّ من أجمل ما كتب من أشعار"، ما السّمات الفنّيّة، واللّغويّة، والأساليب الجماليّة الّتي جعلتها كذلك وفق قراءتك النّقديّة لها؟

"حيفا النّائمة" هي قصيدة للأديب نايف خوري، الذي عُرِفَ ككاتب وإعلامي أكثر من كونه شاعرا،فهو مقلّ في كتابة الشّعر، فيما يلي بعض السّمات الفنّيّة واللّغويّة والأساليب الجماليّة للقصيدة:
تعتمد هذه القصيدة على الإيقاع الدّاخليّ المتدفّق، ما يخلق إحساسا بالحركة والتّغيير المستمرّ، ويتماشى مع موضوع القصيدة حول المدينة الّتي تتنقل بين النّوم واليقظة، كما تستخدم القصيدة التّكرار بشكل فعّال، خاصّة في عبارة "حيفا النائمة"، الّتي تعزّز الإحساس بالهدوء والسّكينة، في الوقت نفسه تمهّد للتّناقض مع حالة اليقظة والنّشاط الّتي تصورها لاحقا.
يتمّ استخدام لغة بسيطة سهلة الفهم،قادرة على إيصال المعاني بوضوح،والعديد من الكلمات المتناغمة صوتيّا؛ما يخلق إحساسا بالانسجام.
تبرز كذلك بعض الصّور الشّعريّة، مثل "تتلألأ مصابيح العتمة"، و"غريد كالسّهم يلتقط حبوبه"، وغيرها من الصّور، وذلك ما يجعل الأبيات أكثر تأثيرا.
يوظّف خوري أسلوب التّناقض، فيصوّرمدينة حيفا؛ ككائن حيّ ينام ويصحو، لإضفاء لمسة من الحيويّة والدّيناميكيّة، يصوّرها في البداية كمدينة نائمة، ولاحقا كمدينة نابضة بالحياة، ما يعكس حالة التّغيير والتطوّر الّتي تمرّ بها المدينة.
يوظّف أيضا الرّمزيّة في تصوير بعض العناصر، مثل "قبّة عبّاس الذّهبيّة" الّتي ترمز إلى التّاريخ والتّراث، و"أمّي" الّتي ترمز إلى الحنين إلى الوطن.
هذه السّمات وغيرها تجعل القصيدة جميلة، تحمل في طياتها معانٍ عميقة عن مدينة حيفا وتاريخها وتراثها.

حدّثينا عن عملك كمديرة تحرير موقع نادي حيفا الثّقافيّ، وفي بعض المؤسّسات الإنسانيّة والاجتماعيّة.

بالإضافة إلى كتاباتي الأدبيّة والنّقديّة، أقوم بدور نشط في نادي حيفا الثّقافي، وإدارة تحرير موقعه الإلكتروني،أساهم بشكل فعّال في نشر الثّقافة والأدب، وتغطية الأنشطة والفعاليّات الّتي ينظمها النّادي، أكتب جميع تقارير النّشاطات المتعلّقة بالنّادي وفعاليّاته وندواته وأمسياته، وأقوم بإعداد وتحرير كتبه التّوثيقيّة،ونشر مساهمات الأعضاء وإبداعاتهم، والإعلان عن الإصدارات الجديدة، وغيرها من المواضيع.
سبق وأن عملت في مؤسّسات إنسانيّة واجتماعيّة، وتطوّعت في كليّات ومراكز تعليميّة، لأساهم في خدمة المجتمع وتحسين حياة الأفراد، والحمد لله لديّ مسيرة حافلة بالإنجازات الأدبيّة والثّقافيّة، وقد تمّ تكريمي من عدّة مؤسّسات، ومن قبل نادي حيفا الثّقافيّ؛ تقديرا لجهودي في إثراء المشهد الثّقافيّ.
باختصار، أجتهد لأكون فاعلة في المجتمع، ولأجمع بين الإبداع الأدبيّ والعمل الثّقافيّ والاجتماعيّ.

صباح الكاتبة الفلسطينيّة، ماذا قدّمت من أدب لدعم القضيّة الفلسطينيّة؟ وهل من كتابات لدول عربيّة أخرى عانت من ويلات الحروب؟

أنا كاتبة فلسطينيّة، أنسج كلماتي من خيوط الوطن، أطرّز بها حكاياته، أرسم لوحات بألوان المعاناة والأمل،وكغيري من الكتّاب، ننثر بذور أفكارنا في حقول اللّغة، نزرع فيها همومنا وآمالنا؛لنرويها بماء الإبداع، وننتظر أن تنبت سنابل الحقيقة والجمال،وكلّ ما نقدّمه من أصناف الكتابة هو للوطن، هو صدى لأصوات شعبنا ومجتمعنا الفلسطينيّ بشكل خاص؛ّ والعربيّ بشكل عامّ، هو مرآة تعكس هويتنا وتطلّعاتنا، وهو جسر نتواصل به مع العالم وننقل إليه رسالتنا الإنسانيّة.
نكتب في كلّ المواضيع الّتي تعبّر عن هويتنا وانتمائنا، عن تاريخنا وحاضرنا، عن أحلامنا وطموحاتنا، نكتب لنحافظ على جذورنا ونمدّ جسورنا نحو المستقبل، لنضيء شموع الوعي في ظلمات الجهل وننشر بذور المحبّة، وكلّ ما نكتبه هو مرآة تعكس روح شعبنا، وأغنية تردّد صدى آماله، وقصّة تروي حكاية كفاحه.
نكتب لنبقى، فالكتابة هي وسيلة للحفاظ على هويتنا وثقافتنا، إنّها تعزّز ارتباطنا بثقافتنا وتراثنا وتاريخنا، هي متنفس للرّوح، تساعد على التّعبير عن المشاعر المكبوتة والأحزان العميقة، وتمنحنا القوّة لمواصلة الحياة ورسم صورة مشرقة لمستقبل أفضل، نزرع فيه بذور الأمل لنؤكّد أنّنا لن نستسلم لليأس، وأنّنا سنبدع ونتألّق حتّى في أحلك الظّروف، فأرواحنا وضمائرنا ستظلّ حيّة وقويّة.
الكتابة والتّعبير عن النّفس ليست مجرّد ترف فكريّ، بل هي ضرورة وجوديّة لشعب يواجه تحدّيات هائلة، إنّها فعل حياة وانتماء صمود، وأقلامنا وحبرنا هما مشاعل للحريّة، وكلماتنا هي صرخات الأحياء، لذلك.. سنواصل الكتابة حتّى نعيش في كنف السّلام والعدالة والأمان.

إذا تركنا المرآة تتحدّث، وقالت:صباح بشير كاتبة جميلة، هل هذه المقولة جعلَتْ كُتّابًا ذكورًا يغارون من نجاحاتك يومًا ما، ويحاولون التّقليل من أهمّيّتِها، فينسبونها لشكلك الخارجيّ؟برأيك هل المبدعة محارَبة أحيانًا في مجتمعاتنا الشّرقيّة؟

في نظري، الجمال ليس مقياسا للإبداع، ولا أحبّ أن يُطلق عليّ لقب "الكاتبة الجميلة"، بل "كاتبة مبدعة"، إن كنت أستحقُّ ذلك.

الجمال زينة للمرأة، لكنّه ليس مهمّا في الكتابة الّتي تتطلّب الإبداع والفكر والثّقافة، وإتقان اللّغة، وسعة الخيال، وغيرها من المقوّمات الّتي يجب أن يمتلكها الكاتب ليكون مؤثّرا وعميقا وناجحا.
لقد تعرّضت، كامرأة في مجتمع شرقيّ؛كغيري من الكاتبات للغيرة من بعض الزّميلات،أقولها بأسف وحزن، فأنا أحترم المرأة وكافحت في سبيلها، وكتبت الكثير دفاعا عنها وعن حقوقها، وروايتي الأولى "رحلة إلى ذات امرأة" خير شاهد على ذلك، ورغم أنّ تجربتي كشفت عن جانب مظلم من غيرة بعض الكاتبات، وناقدات أقلّ منّي خبرة في مجال النّقد، إلّا أنّني أؤكّد أنّ هذه ليست القاعدة، فالكثير من النّساء في هذا المجال يتمتعنّ بالاحترام والأخلاق، ويدعمن زميلاتهنّ بكلّ إخلاص، فالمرأة ليست دائما عدوّة المرأة، بل هناك من يقفنّ جنبا إلى جنب، ويبنين معا صرحا إبداعيّا شامخا من العطاء، وللحقّ فقد تعرّضت للكثير، لكنّ ذلك لا يثنني عن مسيرتي النّقدية والأدبيّة والكتابيّة بشكل عامّ، فالمبدع الحقيقيّ لا يتأثّر بمن لا هدف لهم سوى تشويه كتاباته ومسيرته الإبداعيّة، بل يعتبرهم جزءًا من المشهد الإبداعيّ الّذي لا بدّ أن يواجهه،يستلهم من كلماتهم دروسا قيّمة ليثري بها تجربته الإبداعيّة، ويثق بنفسه وقدراته وبجمهور وقرّاء يقدّرون إبداعه، فجوهر عمله يكمن في التّطوير المستمرّ والبحث عن الجديد، بعيدا عن الضّوضاء المحيطة. الكاتب والنّاقد الحقيقيّ لا يفكّر بالحاسدين والحاقدين، بل ينشغل عنهم بتطوير أدواته الكتابيّة والنّقديّة وتطوير نفسه ولغته، ويسعى إلى إيصال رسالته بأفضل شكل ممكن، مؤمنا أنّ الإبداع الحقيقيّ هو الّذي يتحدّث عن نفسه، يركّز على تقديم قيمة مضافة للمشهد الثّقافيّ والأدبيّ، متجاوزا أصوات النّقد السلبيّ، وكل ما يشتّت تركيزه،وهذا بالضّبط هو نهجي الثّابت، وما أقوم بفعله.

أديبتنا المبدعة صباح بشير، شكرا لك على هذا الحوار الشيق.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى