الأحد ٢٨ حزيران (يونيو) ٢٠٢٠
بقلم علي بدوان

فيصل دراج ... في قمة هرم النقد والكتابة الإبداعية

الدكتور فيصل حسن دراج، الفلسطيني، وابن بلدة (الجاعونة) قضاء صفد، قامة عالية، من قامات الإبداع في مخيم اليرموك، عميق، أنيق، واضح، مستمع، مسائل، إنساني، هادئ، عنيد، مبتسم، متفائل. وقد بات كأهم قلم فكري نقدي أدبي في جيله والجيل الذي جاء من بعده، حين تمكّن من توطين مفاهيم النقد القادمة من الفكر الإنساني داخل بنيات الخطاب النقدي العربي. وليصبح أحد المؤسسين لثقافة النقد، ومن أهم قراء الرواية العربية: يعرف الكثير من تفاصيلها والكثير من الأعشاب الضارة فيها، وله إمكانية الفرز ما بين الكتابة السردية المثقفة والسردية المنتفخة.

وصل الى قمة هرم النقد الأدبي والسياسي وحتى السوسيولوجي الإجتماعي، بجدارة وتفوق، وحصل ايضاً على درجة الدكتوراه في الفلسلفة من جامعات فرنسا، عام 1974، والتي تم ايفاده اليها نتيجة تفوقه على أقرانه من طلاب جامعة دمشق.

وبعد عودته من فرنسا، لم يكتب نقداً ليستعرض عضلات ثقافته الغربية الأوروبية. ولم يكن انبهارياً ولا استغرابياً وهو يقرأ سلسلة النقد الأوروبي (على حد تعبير مثقف مغربي)، أو وهو يعتمدها في تحليلاته، بل كان يؤمن بأن العالم الواسع"يبدأ من عتبة البيت الثقافي الذي يسكنه"، فكان بذلك يقرأ ويستوعب، الثقافة النظرية والتطبيقية والإبداعية وعينه على ثقافات بلاد الشام وبلاد العرب...

دخل الدكتور فيصل دراج، عوالم الكتابة، والنقد، باندفاعٍ مثير، وبنجاحً متميز، جعل منه عنواناً في المنابر الإعلامية والحالة الثقافية الوطنية في عموم المنطقة، وخاصة في لبنان إبان العمل الفلسطيني وزخمه المُتعدد الأوجه زمن الحالة اللبنانية. فكان صاحب القلم السيَّال على أوراق المنشورات المختلفة، والمجلات الثقافيّة والفكريّة، ومنها: مجلة شؤون فلسطينيّة، وسلسلة حصاد الفكر العربي، قضايا وشهادات، مصائر الحزب السياسي في العالم العربي، وقد نشر عدداً من الكتب أهمها: ذاكرة المغلوبين، دلالات العلاقة الروائية، الرواية وتأويل التاريخ، نظرية الرواية والرواية العربيّة، الحداثة المتقهقرة. ومعظمها صدر عن دار ابن خلدون، ودار الفارابي وغيرهما. وكتب ونشر مئات المقالات والدراسات، على صفحات المطبوعات العربية والدولية، كان منها المواد التي لامست الواقع الراهن، واهمها الشعبويَّة والديمقراطيَّة المستحيلة. تحوُّلات الهويَّة العربيَّة ومآل الفلسطينيين، خواطر عن عالم عربي يتقدَّم مُتراجعاً.
لقد عمل فيصل درّاج ــ وعلى حد تعبير الكثرين ـــ على توطين الفكر الفلسفي الغربي داخل بنية خطاب العقل العربي الأدبي بشكل عام، والنقد الروائي بشكلٍ خاص، التوطين من الداخل وليس الترقيع الخارجي، وهو يقوم بهذه العملية التركيبية البنيوية التاريخية المعقدة، كان يُحرر الخطاب النقدي الأدبي من"نقد التلخيص"و"نقد التفسير"و"النقد الأخلاقي التربوي"، والتي هي عادة ثقافية فقهية إصلاحية نقلية وليست عقلية أصبحت عالة على النقد العربي المتناول للشعرية وللسردية على حد سواء.

تعرّفتُ عليه جيداً في اطار عمله في العديد من المطبوعات الفلسطينية، ومنها مجلة الهدف، وقد عملت على ترتيب لقاء مثير له، مع واحد من"قادة"اليسار الفلسطيني، حين دارت حوارات ومكاشفات في تلك الجلسة الطويلة.

الدكتور فيصل دراج، اسمٌ راسخ في الثقافة الوطنية الفلسطينية، ساهم بشكلٍ كبير في اغناء الحالة الوطنية، في مساهماته الكتابية، وخاصة النقدية منها. صادق وارتبط بعلاقاتٍ ودية مع اساطين الثقافة الفلسطينية، وعلى رأسهم الشاعر الراحل محمود درويش، والشهيد علي فوده، وأحمد دحبور... له كل التحية والتقدير، والعمر الطويل، والعطاء المستمر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى