الخميس ١٤ أيار (مايو) ٢٠٠٩
بقلم إبراهيم خليل إبراهيم

قاهر الدبابات

(من أدب الحرب)

بعد نكسة يونيو عام 1967 واحتلال إسرائيل أرض سيناء بدأت معارك الاستنزاف بمعركة رأس العش فى الأول من شهر يوليو لنفس العام واستمرت المعارك حتى تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة ومجلس الأمن لوقف إطلاق النار فى الثامن من شهر أغسطس عام 1970

بعد نكسة يونيو عام 1967 بدأت إسرائيل تروج شعاراتها الرنانة والكاذبة والمغرورة أيضا وتدّعى أن جيشها لا يقهر وإنها صاحبة الذراع الطولى ولكن أبطال مصر تمكنوا خلال معارك الاستنزاف من إخراس تلك الشعارات الجوفاء ثم فاجأوا العالم فى السادس من أكتوبر 1973 – العاشر من رمضان 1393 هـ بعبور قناة السويس واقتحام خط بارليف الحصين لتحرير سيناء الحبيبة من دنس الاحتلال الإسرائيلى .

نؤكد هنا أن انتصارات أكتوبر 1973 جاءت نتاج الاعتماد على الله تعالى ثم العلم والتخطيط والعمل المنظم وتوحد القلوب والشعوب العربية على قلب رجل واحد وسجلت السجلات العسكرية العالمية لأبطال مصر الكثير من الأرقام القياسية الغير مسبوقة .

فى هذا الصدد يضم كتابى هذا بطولات البطل محمد إبراهيم عبد المنعم المصرى الشهير بمحمد المصرى فخلال معارك أكتوبر 1973 تمكن من تدمير 27 دبابة إسرائيلية بثلاثين صاروخا ومن بينها دبابة عساف ياجورى قائد اللواء 190 مدرع الإسرائيلى مما كان له أكبر الأثر فى استسلامه ووقوعه فى الأسر .

يُعد البطل محمد المصرى صاحب الرقم القياسى العالمى فى تدمير الدبابات ويأتى بعده البطل عبدالمعطى عبد الله عيسى برصيد 26 دبابة ثم البطل محمد عبد العاطى برصيد 23 دبابة
ومما تجدر الإشاره إليه أن البطلين محمد المصرى وعبد المعطى عبد الله عيسى عملا تحت قيادة البطل الرائد صلاح حواش والذى استشهد فى الثامن من شهر أكتوبر 1973م .

والجدير بالذكر أيضا أن الرقم القياسى العالمى المُسجل فى تدمير الدبابات كان لأحد الجنود الروس برصيد سبع دبابات خلال الحرب العالمية الثانية ولذا تم تخليده بتمثال فى الميدان الأحمر بموسكو .
لقد اخترت عنوان ( قاهر الدبابات ) لهذا الكتاب لأن بطولات البطل محمد المصرى تمت على مسرح العمليات وكتبت رسالة للعالم .. كل العالم مفادها أن جند مصر هم خير الخلف لخير السلف وأن الإنجازات الكبيرة يُخلّدُها التاريخ ، أما الشعارات الجوفاء فمصيرها الموت تماما مثلما تموت السمكة وحدها فى الصحراء .

قبل أن أترككم مع صفحات كتابى هذا أؤكد لكم على مواصلة تنقيبى وبحثى عن البطولات المصرية وتقديمها للأجيال والتاريخ مهما تكبدتُ من مشقات فقطار التاريخ لا يتوقف إلا فى المحطات الكبيرة .

الميلاد والتاريخ

فى القرن السادس الميلادى عسكر القائد نجم الدين الأيوبى مع جنده فى مكان يبعد عن الزقازيق عاصمة محافظة الشرقية بجمهورية مصر العربية بمسافة ليست بالكبيرة ووجد القائد وجنوده كل العون والمدد من الأهالى وسمى هذا المكان ( ديار بنى نجم ) والذى اختصر على مر الأيام ليصبح ( ديرب نجم ) وأصبح مع مرور الزمن من أهم المراكز الإدارية لمحافظة الشرقية إحدى محافظات جمهورية مصر العربية .

فى قرية شنبارة منقلا إحدى توابع الوحدة المحلية القروية لصفط زريق والتابعة لمركز ديرب نجم قرر الحاج عبد المنعم المصرى كسر أحزانه بعد أن مات له ثلاث عشرة ولدا على فترات زمنية متفاوتة فكل ابن كان يصل لعمر (12) سنة ثم ينتقل إلى الدار الآخرة ولذا عندما رزقه الله تعالى بإبراهيم وعاش حتى الرابعة عشر من العمر قرر زفافه .

اختار له من بنات العائلة ( علّية طه ) وتم الزفاف فى القرية وفى ليلة الزفاف اندلع حريق بسيط نتيجة نسيان شموع الفرح بجوار نافذة غرفة النوم ولكن عناية الله تعالى كانت رحيمة بالعروسين .
فى الأول من شهر يونيو لعام 1948 عانقت الفرحة هدوء القرية وحر الصيف وجمال الحقول الخضراء فهاهو المولود الأول للعروسين يخرج للحياة

اختارت العائلة للمولود الجديد اسم محمد تيمناً باسم خير البرية صلى الله عليه وسلم .
والجدير بالذكر أن اسم قرية شنبارة منقلا التى شهدت ميلاد الطفل الصغير محمد يرجع لفترة الاحتلال الإنجليزى لمصر ففى ذلك الوقت منع جنود الاحتلال عن الأهالى الطبخ وإعداد الطعام فى المنازل وذات ليلة أشتم احد جنود الهجانة رائحة البصل المُعد على النار تنفذ من أحد بيوت القرية فصاح : من قلا ؟

ومن هنا جاء اسم القرية ( شنبارة منقلا ).

كُتّاب القرية

حرص إبراهيم عبد المنعم المصرى على إلحاق طفله محمد بكُتاب الشيخ عبد الحليم عسكر الكائن بقرية شنبارة منقلا وبعد فترة نقله إلى كُتاب قريبه الشيخ أبو وردة النجار وذلك حرصا منه على زيادة الاهتمام بطفله .

فى الكُتاب تعلم الطفل الصغير محمد القراءة والكتابة وحفظ بعض أجزاء القرآن الكريم .
تميز الطفل محمد بين أقرانه بالهدوء والفطنة وتأملاته للطبيعة الساحرة المحيطة به حيث الأشجار والحقول والوجوه الطيبة التى تجتمع على الأفراح والأحزان .


الابتدائية

التحق محمد بمدرسة شنبارة منقلا الإبتدائية وفى طابور الصباح وأثناء تحية العلم كان محمد ينظر لعلم مصر بتأمل وإجلال و تقدير ويشعر بتوحد عظيم مع هذا العلم الخالد معه .

مع الأيام ارتبط محمد بعلاقة طيبة مع مدرس التربية الوطنية الأستاذ السيد الطوخى وأيضاً مع مُحفّظ القرآن الكريم الشيخ السيد الصباغ .

فى عام 1958 وخلال تواجد محمد فى المدرسة برغم إصابته بالحُمّى توفى والده وعندما مرت الجنازة أمام المدرسة سارع بالذهاب لنافذة فصله الدراسى حتى يلقى نظرة الوداع على والده فإذا بمدرس الفصل الأستاذ فتحى عيد يصفعه على وجهه طالبا منه العودة لمكانه ..

وهنا صاح التلاميذ : يا أستاذ فتحى هذه جنازة والده

وهنا قام الأستاذ بتنكيس رأسه فى صمت وحزن شديدين بعد أن شعر بعار القسوة الذى مارسه مع هذا الطفل المسكين .

بعد إنتهاء اليوم الدراسي عاد محمد للمنزل ووقف مع كبار العائلة فى مقدمة سرادق العزاء واضعاً يديه على رأسىْ شقيقيه كنوع من المواساة ودفع الحزن والضرر النفسى عنهما دون درايته بأبعاد تصرفه هذا .

فى صبيحة اليوم التالى ذهب محمد إلى المدرسة وبداخله طوفان من الحزن والأنين نتيجة وفاة والده وما زالت الصفعة التى أخذها من الأستاذ فتحى عيد ماثلة على وجهه حتى تلك اللحظة .

وقف محمد مع التلاميذ فى طابور الصباح فنادى عليه الأستاذ فتحى وقال له : سامحنى يا محمد فيدى التى ضربتك بالأمس تعانى من ألم شديد .. ثم قام باحتضانه بيده اليسرى .

فى عفوية وبراءة قال محمد : ( أنا مسامحك يا أستاذ ) وهنا فقط زال أثر الصفعة من على وجهه ونفسه .

لم يدرك محمد فى عمره هذا المعانى السامية للتسامح .

لم يكن اليُتم عائقا للطفل محمد بل دفعه لمواصلة العلم واستقبال خشونة الحياة .. وهنا نؤكد على ضرورة الاهتمام باليتيم عملا بقوله تعالى :

( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً ( وعن سهل بن سعد رضى الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( أنا وكافل اليتيم فى الجنة هكذا وأشار بالسبابة و الوسطى و فرج بينهما ).

وعن أبى الدرداء رضى الله عنه قال : أتى النبى صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه ؟ قال: أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ؟ أرحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه يلن قلبك وتدرك حاجتك .
أشار بعض المقربين على الحاج عبد المنعم المصرى بتقديم أوراق حفيده محمد لامتحانات الصف السادس الابتدائى من أجل التحاقه بالمرحلة الإعدادية فاستشار الأستاذ عبد الهادى أحمد ناظر مدرسة شنبارة منقلا الابتدائية فأخبره بأن لكل مرحلة تعليمية سنها ويجب عدم تخطى الصف السادس الابتدائى .

بالفعل أخذ برأى ناظر المدرسة .. وواصل محمد دراسته و حصل على الشهادة الإبتدائية .
الاعدادية وسوق الأحد
جاء عام 1960 والتحق محمد بمدرسة يحيى الإعدادية بديرب نجم التى تبعد عن قريته بخمسة كيلو مترات وكان محمد يقطعها سيراً على قدميه فى الذهاب والإياب .

كل يوم أحد طوال أيام الدراسة كان محمد يخرج من المدرسة ويذهب إلى جده عبد المنعم المصرى فى سوق الأحد الاسبوعى لمركز ومدينة ديرب نجم والقرى والعزب المجاورة حيث أن جده من الترزية البلدى ومعظم زبائنه من رواد السوق .

كان الجد يعطى محمد قرش صاغ ليأكل .. فيسأل محمد: وأنت ياجدى ؟

فيرد الجد : أنا سوف آكل مع أمك وأخوانك وأخواتك فى البيت ..

من هنا تعلم محمد معنى الإيثار .

يقول الله تعالى :
( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ )

الثانوية

بعد حصول محمد المصرى على الشهادة الاعدادية التحق بمدرسة ديرب نجم الثانوية للبنين وفى الخامس من شهر يونيو عام 1967 كانت الصدمة الكبرى .. فقد قامت إسرائيل بعدوانها الغاشم واحتلت سيناء الحبيبة .

تم تأجيل امتحانات الثانوية العامة لمدة أسبوعين .. وبعد حصول محمد على الشهادة الثانوية قرر التطوع فى القوات المسلحة المصرية للدفاع عن الوطن ولكن الظروف حالت دون تحقيق رغبته .
فى الأول من شهر يوليو لعام 1967 كانت معركة رأس العُش حيث قامت مجموعة من أبطال الصاعقة المصرية ضمت البطل عبد الجواد محمد مسعد سويلم بالتصدى لقوة إسرائيلية وهى فى طريقها لاحتلال بور فؤاد .

تمكن أبطال الصاعقة من تدمير القوة الإسرائيلية مما ساعد على رفع الروح المعنوية للقوات المسلحة المصرية والشعب المصرى والأمة العربية ولم تفكر إسرائيل فى العدوان مرة أخرى على بور فؤاد .
توالت معارك الاستنزاف بين القوات المصرية والإسرائيلية وقامت القيادة السياسية والعسكرية بتهجير سكان مدن القناة إلى داخل الوادى مع نقل المنشآت الصناعية الرئيسية إلى مناطق أكثر أمنا .. وفى توحد وطنى رائع استقبل الأهالى كل المهجّرين واقتسموا معهم الطعام والشراب .

تجنيد المصرى

فى الرابع والعشرين من شهر سبتمبر عام 1969 كان تجنيد محمد إبراهيم عبد المنعم المصرى الشهير بمحمد المصرى بالقوات المسلحة المصرية وجاء توزيعه على سلاح الصاعقة وفى مدرستها حصل على التدريبات المكثفة وعبر مع رفاقه الجنود الترع والمصارف والسواتر الترابية القريبة الشبه بالمانع المائى والساتر الترابى والذى يعد من مكونات خط بارليف الحصين الذى أقامته إسرائيل لتعجيز القوات المسلحة المصرية إذا فكرت فى عبور قناة السويس .

هذا الخط كلف إسرائيل وقتئذ خمسة مليارات من الدولارات ووضعت فيه خبرة ثلاثين خبيراً عسكرياً من أمريكا وألمانيا وإسرائيل ليكون حاجز أمن وخطاً دفاعياً دائما لها ورادعاً للقوات المصرية .. وردد قادة إسرائيل وخبراء العالم العسكريين أن مصر كى تحقق عبور قناة السويس واقتحام خط بارليف يلزمها سلاح المهندسين الامريكى والروسى معا .. وأن خط بارليف غير قابل للتدمير حتى بالقنيلة الذرية وسيكون الصخرة التى تتحطم عليها عظام المصريين بل ومقبرة لهم .

واصل الجندى محمد المصرى مع رفاقه التدريبات الشاقة والراقية وذات ليلة كان مع رفاقه فى تدريب بحقل زراعى فهمس الجنود أثناء زحفهم : الزرع الموجود بالحقل حلبة خضراء فأكلوا منه ومع مطلع الفجر اكتشفوا أن ما أكلوه هو نبات البرسيم .. ومن المدهش أنهم جميعا اكتشفوا تمام شفائهم من مرض الدوسنتاريا فقد كانوا جميعا مصابين به نتيجة ظروفهم التدريبية والمعيشية .. ونعم لله فى خلقه شئون .

حصل الجندى محمد المصرى على فرقة الصاعقة بتفوق ثم حصل أيضا على فرقة المظلات وبتفوق أيضا وكان ضمن النواة الأولى لتشكيل كتائب الفهد (الصواريخ المضادة للدبابات)
ذات يوم وخلال التدريبات وقف الجندى محمد المصرى مع رفاقه فى صف واحد ومر عليهم قائدهم الرائد صلاح حواش ثم اختار الجندى محمد المصرى ضمن الموجهين الأساسيين للصواريخ وقال:
يا محمد أنا اخترتك موجهاً للصواريخ لأن أملى وأمل مصر فيك كبير جداً.

وتجددت الأحزان

تجددت أحزان الجندى والإنسان محمد المصرى فى عام 1970 .. فقد توفيت والدته بعد أن دحضتها الأيام وقضت على شبابها ونضارة محياها .

هذه الأم المصرية البسيطة لم تتعلم القراءة والكتابة ولكنها زرعت داخل أعماق ابنها كيف يكون حب الوطن ..وكيف تكون الرجولة ومواجهة الحياة؟

كانت تقول لابنها فى طفولته وتذكره بين الحين والحين بقولها ( خليك راجل ) بعد وفاة الأم آل محمد على نفسه القيام بدور الأب والأم معا بالنسبة لإخوانه وأخواته .. صلاح ولوزة وعبد الرحمن والسيد وسمية والمصرى وطه وأحمد .

وتواصل حزن محمد المصرى أيضاً مع الشعب المصرى بسبب قيام الطيران الإسرائيلى فى الصباح الباكر ليوم الثانى عشر من شهر فبراير عام 1970 بالإغارة على مصنع ( أبو زعبل ) للصناعات المعدنية بمحافظة القليوبية وأسفرت هذه الغارة الغاشمة عن استشهاد سبعين عاملاً وإصابة (69) آخرين بالإضافة إلى تدمير المصنع ..

وضمن تصعيد الغارات الإسرائيلية على مصر للقبول بإنهاء حرب الاستنزاف وقبول مبادرة روجرز قامت طائرات الفانتوم الإسرائيلية والأمريكية الصنع فى الساعة التاسعة والعشرون دقيقة من صباح يوم الأربعاء الثامن من شهر أبريل لعام 1970 والموافق الثانى من شهر صفر 1390هـ بقصف مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة بقرية بحر البقر بمركز الحسينية بمحافظة الشرقية ونتج عن هذا العدوان الغاشم (77) شهيداً وجريحاً من المدنيين وإصابة (4) من العسكريين ... ومن النلاميذ الأبرياء الذين استشهدوا فى ذلك اليوم الأسود نذكر:

طه عبد الجواد طه
أحمد أنس الباشا
محمد السيد إبراهيم عوض
زينب السيد إبراهيم عوض
أحمد عبد العال السيد
محمد حسن محمد إمام
سامى إبراهيم قاسم
وليد إبراهيم إبراهيم حسن
نجاة محمد حسن خليل
محمد أنور أحمد العنانى
محسن سالم عبد الجليل محمد

وفى صباح يوم الخميس التاسع من شهر أبريل لعام 1970 نشرت جريدة الجمهورية فى عددها الأسبوعى:

( استشهاد 30 تلميذاً فى غارة إسرائيلية)

(إسرائيل تغير بطائرات الفانتوم الأمريكية الصنع على مدرسة بحر البقر الابتدائية بالشرقية)
وفى مقابلة مع سالم عبد الجليل محمد والد الطفل الشهيد ( محسن ) قال:

فى صباح يوم استشهاد ابنى وفلذة كبدى ذهبت زوجتى لزيارة أقاربها وذهبت أنا للحقل وكان (محسن) يبكى وطلب الذهاب مع أمه فرفضت وفضلت ذهابه إلى المدرسة حرصا على مستقبله وخلال تواجدى بالحقل شاهدت بعض الطائرات تحلق بارتفاع منخفض فوق المدرسة وفجأة سمعت صوت انفجارات شديدة فذهبت للمدرسة وشاهدت اندلاع أدخنة كثيفة وخلال اتجاهى للمدرسة قابلنى ابنى الآخر وقال باكياً : المدرسة تم ضربها .

عندما وصلت للمدرسة وجدت بركة من الدماء تسبح فيها أشلاء الأطفال الأبرياء وفارق محسن الحياة

كما كتب الشاعر الكبير صلاح جاهين رائعته (الدرس انتهى لموا الكراريس ) مسجلاً تلك المجزرة البشعة فى ذاكرة الشعر العربى والأغنية العربية ولحنها الموسيقار سيد مكاوى وحملها صوت الفنانة شادية لضمير العالم :

الدرس انتهى لِمّوا الكراريس
بالدم اللى على ورقهم سال
فى قصر الأمم المتحدة
مسابقة لرسوم الأطفال
إيه رأيك فى البُقع الحمرا
يا ضمير العالم يا عزيزى
دى لِطفلة مصرية سمرا
كانت من أشهر تلاميذى
دمّها راسم زهرة
راسم راية ثورة
راسم وجه مؤامرة
راسم خلق جبارة
راسم نار
راسم عار
عـ الصهيونية والاستعمار
والدنيا اللى عليهم صابرة
وساكتة على فعل الأباليس
الدرس انتهى
لِمُّوا الكراريس
إيه رأى رجال الفكر الحر
فى الفكرة دى المنقوشة بالدم
من طفل فقير مولود فى المر
لكن كان حلو ضحوك الفم
دم الطفل الفلاح
راسم شمس الصباح
راسم شجرة تفاح
فى جناين الإصلاح
رسام تمساح
بألف جنــاح
فى دنيا مليانة بالأشباح
لكنها قلبها مرتاح
وساكتة على فعل الأباليس
الدرس انتهى لِمُّوا الكراريس
إيه رأيك يا شعب يا عربى
إيه رأيك يا شعب الأحرار
دم الأطفال جايلك يجرى
يقول انتقموا من الأشرار
ويسيل على الأوراق
يتهجى الأسماء
ويطالب الأباء
بالثأر للأبناء
ويرسم سيف
يهد الزيف
ويلمع لمعة شمس الصيف
فى دنيا فيها النور بقى طيف
وساكتة على فعل الأباليس
الدرس انتهى لِمّوا الكراريس

أرسل أطفال قرية بحر البقر رسالة إلى باتريشيا نيكسون زوجة الرئيس الأمريكى نيكسون وسألوها :
هل تقبلين أن تقتل طائرات الفانتوم أطفال أمريكا ؟

أنتِ الأم لجولى وتريسيا والجدة لأحفاد .. فهل نستطيع أن نذكر لكِ ما فعله زوجك المستر نيكسون ؟
وقبل أن يرحل عام 1970 هاج الحزن الأكبر داخل أعماق محمد المصرى ففى الثامن والعشرين من شهر سبتمبر عام 1970 توفى الرئيس جمال عبد الناصر عن عمر يناهز (52) عاما بعد (18) عاما قضاها فى رئاسة مصر .

المصرى لايعرف اليأس

تدرب الجندى محمد المصرى مع رفاقه على إطلاق الصواريخ الإلكترونية من العربات المجهزة لذلك .. وأيضا كيفية تدمير الأهداف بعيدة المدى .

ذكر الخبراء الروس أن الصاروخ يمر بثلاثة مراحل فى ميدان القتال وهى :

زمن تجهيزه
زمن مروره
تدميره للهدف

وهذه المراحل تحتاج إلى مائة ثانية والجندى المصرى حتى يصل إلى هذه المدة فإنه يحتاج إلى سنوات ... ولكن الإرادة المصرية لا تعرف العجز واليأس ففى الثامن عشر من شهر يوليو لعام 1972 قرر الرئيس محمد أنور السادات طرد الخبراء الروس وتواصل العمل مع التدريب وتمكن الفكر المصرى من اختصار المدة الزمنية إلى أربعين ثانية فقط
لذا يعد قرار الرئيس السادات احتراماً للعقلية العسكرية بصفة خاصة والمصرية بصفة عامة.. ونؤكد هنا على اهتمام القيادة العسكرية بالعنصر البشرى فالإنسان هو أقوى الأسلحة لأنه من صنع الله تعالى .. ونعم .. السلاح بالرجُل وليس الرجُل بالسلاح كما قال المشير أحمد إسماعيل .

جمعة ماقبل العبور

وافق الخامس من شهر أكتوبر 1973 التاسع من شهر رمضان 1393 هـ يوم الجمعة ودارت خطبة الجمعة حول المعارك التى خاضها الجيش الإسلامى خلال شهر رمضان المبارك ومكانة الشهيد فى الإسلام ..
فى هذا اليوم أصدر الرائد صلاح حواش أوامره لجنوده بالتحرك من إنشاص إلى ضفة قناة السويس المواجهة لمنطقة الفردان بالقطاع الأوسط والعمل كاحتياط ( م . د ) للواء 120 مشاة والذي هو ضمن تشكيل الفرقة الثانية بقيادة العميد حسن أبو سعدة ... كانت التحركات مع خيوط الليل تتم فى سرية تامة وفقا لدراسة مسبقة .

تم تكليف بعض أبطال الصاعقة بعبور قناة السويس سباحة في جوف الليل وأسر صموئيل رحميل المهندس المدني الإسرائيلي المسئول عن صيانة ومتابعة مواسير النابلم التي وضعتها إسرائيل أسفل مياه قناة السويس لتحولها إلى جحيم إذا فكر الجيش المصرى في اقتحامها وبالفعل وصل أبطال الصاعقة بالقرب من صموئيل وتحدثوا معه باللغة العبرية حتي يعطوه الأمان فتحدث معهم وأيقن أنهم من الإسرائيليين وعندما وصلوا عنده قاموا بأسره وعادوا به .

بدأت القوات المصرية في عمليات الإخفاء والتمويه والخداع الإستراتيجى .. فهذه مجموعة من الجنود المصريين تقوم بأكل البرتقال ومص أعواد من قصب السكر وأخرى فى حالة استرخاء وثالثة تقوم بغسل ملابسها .. وهكذا .

كل هذا يحدث ولا يعلم الرائد صلاح حواش وجنوده وغيرهم ماذا سيحدث ؟

المفاجأة

فى الليلة التى سبقت العبور مباشرة قامت الضفادع البشرية المصرية بسد فتحات مواسير خزانات المواد الملتهبة المنتهية إلى عمق قناة السويس والبالغ عددها 360 فتحة وذلك بحقن الفتحات بالأسمنت سريع الشك فأصبحت مئات الأطنان من هذه المواد حبيسة داخل خزاناتها ..
عندما أعلنت عقارب الساعة الثانية ظهر يوم السبت السادس من أكتوبر 1973 ، العاشر من رمضان 1393 هـ انطلقت 227 طائرة فى موجات متتالية تجاه الضفة الشرقية لقناة السويس وقامت بصب نيرانها على مراكز القيادة الإسرائيلية فتعطلت بطاريات الهوك وممرات المطارات والقواعد الجوية الإسرائيلية كما تعطلت مراكز الشوشرة والإرسال والورش الميدانية كما تعطل مطار المليز وأيضا مطار بير تمادا .

كان الإسرائيلى موردخاى جالساً فوق برج المراقبة في هدوء وفي مواجهة كوبرى الفردان وإذا بدوى الإنفجارات رويداً رويداً يزداد تضخماً فإنبطح على الأرض وشاهد الطائرات المصرية تطير على ارتفاع منخفض وتكاد تلامس الأرض الرملية .

اندفع موردخاى إلى اليسار ولم تمض سوى بضع ثوان إلا وشاهد قناة السويس وقد امتلأت بمئات القوارب المحملة بالعابرين من جنود مصر .
لم يصدق موردخاى ما يشاهده وبدأ يغمغم .... غير معقول أن المصريين يعبرون القناة .. وبضربة واحدة ترنح برج المراقبة الطويل وسقط .

عادت الطائرات المصرية بعد أن حققت ضربتها المركزة بنسبة تزيد عن 95 % من أهدافها ولم تزد نسبة الخسائر المصرية على 2 % رغم توقعات الخبراء الروس بأن أى ضربة جوية لو تمت فلن تقل خسائر مصر عن 25 %
بعد نجاح الضربة الجوية وقف اللواء طيار محمد حسنى مبارك قائد القوات الجوية يردد:

(الله أكبر .. الحمد لله جهدنا جاب نتيجة) واتصل بالرئيس محمد أنور السادات فى مركز القيادة وقال له :
دمرنا كل الأهداف بدقة والصور الجوية توضح ذلك تماما وخسائرنا محدودة جدا ونحن جاهزون خلال ساعتين من الآن لتنفيذ الضربة الثانية .

مضت دقائق وجاءت تعليمات من مركز العمليات الرئيسى تقول : لا داعى لضربة جوية ثانية فقد نجحت الأولى في تحقيق كل الأهداف

وبعد دخول الطيران المصرى فى الجانب الشرقى بدأ أيضاً هدير المدافع المصرية وتم إطلاق 175 طلقة فى الثانية الواحدة أى فى الدقيقة الأولى تم إطلاق 10500 دانة على خط بارليف واستمر القصف لمدة 53 دقيقة متواصلة وكان هذا غطاء للمشاة والمدرعات التى عبرات القناة .
قال أحد القادة الإسرائيليين والذى كان مسئولاً عن خط بارليف:

(إن المدفعية المصرية صبت على خط بارليف كمية غزيرة من النيران بصورة لم يشهدها من قبل)
حملت مئات القوارب جنود مصر إلى الجانب الآخر من القناة وبدأ الأبطال فى تسلق الساتر الترابى فوق سلالم ذات عوارض خشبية تربطها الحبال وزّلاقات من الصاج بعد أن كانت آلاف المدافع قد دكت الحصون بمقذوفاتها ومهدت لمقدمهم ...
وبدأت وحدات المهندسين فى تمهيد الأرض اللازمة لرأس كل جسر وفتح الثغرات فى الساتر الترابى وخلال ساعات أقيم (12) جسراً عائماً وتدفقت عليها جموع الدبابات والمضخات والمدافع الثقيلة إلى سيناء .

كانت الفصيلة الثانية للسرية الثانية من تشكيل الكتيبة ( 41 فهد ) والتى تضم محمد إبراهيم عبد المنعم المصرى الشهير بمحمد المصرى فى طليعة الموجات الأولى للعبور
تسلق البطل محمد المصرى مع الجنود الساتر الترابى وعندما وصلوا قام الرائد صلاح حواش بالسجود شكراً لله تعالى .

هذا المشهد كان بمثابة إكسير الحياة والأثر الإيجابي للجندى والبطل محمد المصرى فقد تبدد خوفه الذى كان بداخله من عدم تمكنه من توصيل الصاروخ للهدف الذى صنع من أجله لأنه يعلم تمام العلم أن ثمنه جاء من قوت ودم الشعب المصرى .. فخوفه هنا ليس من لقاء العدو .

تذكر البطل محمد المصرى قول أمه ( خليك راجل ) فالرجولة هنا تتمثل في الضمير الحى والمتيقظ فالجندى فى ميدان القتال لا رقابة عليه سوى رقابة الله سبحانه وتعالى فالعمل في ميدان القتال ومواجهة العدو ليس عملا نمطياً أو روتينياً أو إرضاءً لقائد بل هذا العمل تتجسد فيه روح الإنسان بمختلف مراحل عمره وتتجلى هذه الروح في أبهى صورها فى ميدان الجهاد والدفاع عن الأرض والعرض .

خلال الإثنتى عشر دقيقة الأولى من بدء العبور يوم السادس من أكتور 1973 تهاوت النقطة الحصينة الأولى من خط بارليف .

مسطرة يامصرى

على أرض سيناء الحبيبة بدأت مهام البطل محمد المصرى والمتمثلة فى عمل الكمائن واصطياد الدبابات الإسرائيلية والمكان الذى يتواجد فيه لا توجد به احتمالات للإصابات فأما الحياة أو الشهادة فهو محاط بالعدو من جميع الجهات .

هنا يتجلى المعنى السامى للضمير فالجندى فى ميدان القتال مثل القاضى على منصة القضاء
حرص البطل محمد المصرى على دراسة الموقف بحكمته التى يتصف بها فطريق وصوله إلى مسرح العمليات يخالف طريق انسحابه بعد آداء مهامه .. على أن تكون تحركاته بعد منتصف الليل وعندما يصل للموقع يقوم بالتجهيز الهندسى لعمليات الإخفاء والتمويه ومع أول ضوء للنهار يقوم بتحديد مكان منصة الصواريخ وأما تجهيزها فيتم بمعرفة الطاقم المعاون للبطل محمد المصرى وهما : البطل إبراهيم صبرى إبراهيم والبطل ماهر حافظ صليب .

كما اهتم البطل محمد المصرى بكافة الاحتمالات وتقلبات الطبيعة عند رسمه لتذكرة المرمى فى قطاع نيرانه .

فقطاع النيران عبارة عن مساحة مقدارها كيلو ونصف الكيلومتر فى ثلاثة كيلو مترات .. أما تذكرة المرمى فكان يختارها من بين ثلاثين أو أربعين من النقاط الإشارية الثابتة والمميزة والمتفرقة والواقعة فى محيط مسرح العمليات كقطعة من العشب الأخضر مثلا أو تبة رملية .. وهكذا ..
بعد ذلك كان ينتظر قدوم الدبابات الإسرائيلية وكان يكتشفها من خلال مؤشر المسافة الموجود داخل المنظار ومن ثم يستطيع تحديد المسافة فآخر مرمى للصاروخ مسافة 3 كيلو متراً ويقطعها الصاروخ فى زمن قدره ( 27 ) ثانية
مهام شديدة التركيز والصعوبة فالعمل الذهنى والعصبى من أصعب أنواع الأعمال .. كر وفكر للأعداء كما قال الشاعر أبو نواس :

مكرٍّ مفِرٍّ مُقبلٍ مُدبر معا

كجلمودِ صَخْرٍ حَطّهُ السيلُ مِنْ عَلِ

كان القائد الرائد صلاح حواش يتلقى الأوامر ثم يقوم بشرحها لجنوده على الخريطة المعدة لذلك واتفق معهم على شفرة للضرب والتعامل مع القوات الإسرائيلية ففتح الزر الأيمن لسترته تعنى الإسراع بعملية إطلاق الصواريخ ثم يقول : لاإله إلا الله .. فيرد جنوده : محمد رسول الله
مر يوم السادس من أكتوبر دون أن يتعامل البطل محمد المصرى مع الدبابات الإسرائيلية وفى هذا اليوم أيضاً تمكنت القوات المصرية من تدمير (12) موقعاً من خط بارليف .

فى صباح يوم السابع ظهرت فجأة مجموعة من الدبابات الإسرائيلية وعلى الفور صدرت التعليمات للبطل محمد المصرى ورفاقه بالتعامل معها وفى أقل من الزمن المطلوب أطلق البطل محمد المصرى صاروخه على الدبابة الأولى فأنفجرت وتحولت إلى كومة من النيران وهنا هتف البطل الرائد صلاح حواش: مسطرة يامصرى .. بمعنى أن خط المرور من القاعدة للدبابة مثل الخط المستقيم لاعوج فيه .. وفى هذا اليوم تمكن البطل محمد المصرى من تدمير ( 4 ) دبابات إسرائيلية وأصدرت القيادة المصرية خمس بلاغات رسمية من رقم (9) إلى (13) ولخصت وكالة الأسوشيتدبرس الأمريكية للأنباء نتائج العمليات العسكرية بقولها :

( إن سير القتال فى اليوم الثانى كان حرجا للغاية بالنسبة للقوات الإسرائيلية ..)
وطلبت الولايات المتحدة الأمريكية عقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن لبحث القتال الدائر فى الشرق الأوسط وقطع الرئيس الأمريكى نيكسون أجازته .

مصر أمانة بين أيديكم

يوم الاثنين الثامن من شهر أكتوبر 1973 الثانى عشر من رمضان 1393 هـ تم الإستيلاء تماماً على خط بارليف على طول القناة وتحرير مدينة القنطرة شرق .

فى هذا اليوم والأيام التى تلته شهدت جبهة القتال معارك شرسة بالدبابات صورها فى مذكراته البطل المشير محمد عبد الغنى الجمسى بقوله :

لو أن كلا من الطرفين المصرى والإسرائيلي قاما بفتح التشكيل القتالى المدروس فى الكتب العسكرية لكنا فى احتياج لأرض للمعركة تبلغ أضعاف هذه المساحة .

من هنا يتبين لنا أن كل طرف قد نزل بثقله العسكرى لميدان القتال ومن ثم نعرف مدى شراسة وضراوة معارك الدبابات .

وفى الثامن من أكتوبر 1973 حاول اللواء 190 مدرع الإسرائيلى بقيادة اللواء عساف ياجورى القيام بهجوم مضاد واختراق القوات المصرية والوصول إلى النقط المصرية القوية التى لم تسقط بعد ومنها نقطة الفردان .

على الفور أصدر البطل العميد حسن أبو سعدة قائد الفرقة الثانية أوامره بفتح الطريق أمام اللواء 190 مدرع الإسرائيلى وتطويقه ثم التعامل معه .

فى لحظة فريدة تم تحويل المنطقة إلى كتلة من النيران وكأنها قطعة من الجحيم وكانت المفاجأة مذهلة مما ساعد على نجاح المهام وفى أقل من نصف ساعة تم تدمير اللواء الإسرائيلى .
تمكن البطل محمد المصرى فى هذا اليوم من تدمير 6 دبابات إسرائيلية .

بعد المعركة صدرت الأوامر بتطوير القتال والاتجاه نحو الشرق وتدمير أى قوة إسرائيلية سواء مدرعات أو أفراد .

أثناء التحرك نحو الشرق شعر البطل النقيب يسرى عمارة برعشة فى يده اليسرى ووجد دماء غزيرة على ملابسه واكتشف أنه أصيب دون أن يشعر فقام بإيقاف المركبة والتفت حوله فوجد الإسرائيلى الذى أطلق النار عليه وفى بسالة وشجاعة قفز البطل يسرى عمارة من المركبة وجرى باتجاه الإسرائيلى فأصيب الإسرائيلى بالذعر وعندما وصل إليه أخرج خزينة سلاحه الآلى وضرب الجندى الإسرائيلى على رأسه فسقط على الأرض وسقط النقيب يسرى عمارة بجانبه من شدة الإعياء .

وبعد أن أفاق البطل يسرى عمارة واصلت الفرقة تقدمها وعند طريق شرق الفردان لاحظ البطل يسرى عمارة الذى تورمت يده اليسرى وامتلأ الجرح بالرمال مجموعة من الإسرائيليين يختبأون خلف طريق الأسفلت ووجد أحدهم وهو يستعد لإطلاق النار عليه فتعامل معه وأجبره ومن معه على الاستسلام .. وكانوا أربعة وتم تجريدهم من السلاح وعَرّف أحدهم نفسه بأنه قائد إسرائيلى.

تعامل البطل يسرى عمارة مع الإسرائيليين الأسرى باحترام وحضارة وفقاً للتعليمات المصرية المشددة بضرورة معاملة أى أسير معاملة حسنة طالما أنه لا يقاوم .

كان هذا القائد الإسرائيلى هو عساف ياجورى قائد اللواء 190 مدرع الإسرائيلى .

تم تسليم القائد الإسرائيلى للبطل العميد حسن أبو سعدة قائد الفرقة الثانية بمقر مركز القيادة وذلك بعد منتصف الليل ليوم الثامن من أكتوبر وقدوم يوم التاسع لشهر أكتوبر 1973.

أصدر البطل العميد حسن أبو سعدة قائد الفرقة الثانية تحية لأبطال الفرقة الثانية مشاة حيا فيها البطل النقيب يسرى عمارة ومجموعته التى أسرت اللواء عساف ياجورى قائد اللواء 190 مدرع الإسرئيلى.

مع تدمير آخر دبابة إسرائيلية فى قطاع الفردان هدأت المعارك نسبيا فقام البطل الرائد صلاح حواش برى عطش جنوده الأبطال وحرص كل بطل على أن يشرب زميله أولا .

أثناء قيام البطل صلاح حواش بإعطاء غطاء الزمزمية المملوء بالماء للبطل محمد المصرى وإذا بسقوطه على رمال سيناء الحبيبة فزحف له البطل محمد المصرى فوجده يلفظ أنفاسه الأخيرة متأثراً بجراحه .. حيث أصابته دانة إسرائيلية مباشرة وقبل أن تصعد روحه إلى بارئها قال بصوت متحشرج :

( مصر أمانة بين أيديكم يا مصرى )

ثم صعدت روحه إلى السماء .

اهتز البطل محمد المصرى لاستشهاد قائده نظراً لارتباطه الوثيق به وتفرده فى القيادة فلم يكن بالنسبة له القائد فقط بل الأخ العزيز فقد كان يحرص على جزئيات ربما يغفل عنها الكثير فلم يحدث مرة أن تناول طعامه قبل جنوده بل كان يتأكد من أنهم تناولوا وجباتهم .. وكان يناقش مشاكل جنوده حتى الشخصية منها ويقدم مشورته لهم .

البطل الشهيد صلاح حواش خريج الكلية الحربية دفعة 1966 ويُعد من أبرز قادة وحدات المظلات التى عبرت إلى سيناء الحبيبة وقاتلت بضراوة دفاعا عن منطقة الفردان وقاد الكتيبة (41 فهد ) لتنفيذ مهامها المتمثلة فى قطع الطريق على الدبابات الإسرائيلية ومواجهتها وتدميرها وحتى استشهاده قاد جنوده لتدمير 63 دبابة إسرائيلية .

مركز القيادة وعساف

بعد تنفيذ البطل محمد المصرى لمهامه القتالية عاد لمنطقة التمركز بوادى النخيل وعندما نثر القمر ضوءه على رمال سيناء وحولها إلى لوحة ذهبية جلس البطل على الرمال يفكر ويخط بيده اليمنى خطوط التأملات وبداخله مشاعر متباينة ومتزاحمة ... وفجأة حضر بعض الضباط لموقع البطل وتحدثوا معه ثم أخبروه بضرورة تواجده فى مركز القيادة تنفيذاً لأوامر البطل العميد حسن أبو سعدة .

سمح له البطل النقيب فتحى خالد طه الذى تولى القيادة خلفاً للبطل الشهيد صلاح حواش بالذهاب مع الضباط الأبطال وعندما وصل البطل محمد المصرى لمركز القيادة رحب به البطل العميد حسن أبو سعدة قائلاً :

يا بطل أنا طلبتك هنا تلبية لرغبة هذا .. فنظر البطل محمد المصرى فوجد شخصاً جالساً على كرسى فى ذلة وانكسار ومكتوف اليدين وشعره كثيف وملامحه غير مصرية ..
هنا قال البطل العميد حسن أبوسعده : هذا عساف ياجورى قائد اللواء 190 مدرع الإسرائيلى فعندما دُمرت دبابته فر هارباً وتم أسره بمعرفة البطل النقيب يسرى عمارة من قوات المشاة المتقدمة وتم تسليمه هنا وبمجرد وصوله طلب كوباً من الماء ورؤية الجندى الذى دمر دبابته وقد أعطيته الكوب وها أنت أمامه .

تحدث عساف ياجورى مع البطل محمد المصرى وسأله بإنبهار عن كيفية تدميره للدبابات الإسرائيلية بهذه المهارة ؟ ثم طلب من البطل محمد المصرى يده التى دمرت الدبابة ليقبلها تقديراً له فرفض البطل تلبية مطلبه خوفاً من أن يلتهمها بأسنانه .

قال عساف ياجورى : إن قواتى تعرضتت طوال تقدمها من بالوظة وحتى القيام بالهجوم المضاد لقصف مؤثر من المدفعية المصرية أدى إلى تدمير أكثر من 70 % من المشاة الميكانيكية وأتصور أن النيران وتأثيرها الشديد لا يمكن أن يكون كذلك إلا إذا كان هناك ضابط مدفعية مصرى يقف على برج دبابتى يصحح نيرانها .

عادت مشاعر البطل محمد المصرى إلى عنان السماء من جديد وقال :

الحمد لله فقد أخذت بثأر قائدى البطل الشهيد صلاح حواش وبثأر كل الشهداء الأبرار .

وفى يوم الاثنين الثامن من شهر اكتوبر عام 2001 زرت دبابة عساف ياجورى فى مكان تدميرها بالفردان ومن محاسن القدر أنها دُمرت فى نفس اليوم والشهر ولكن فى عام 1973 وكان بصحبتى خلال الزيارة البطل محمد المصرى والبطل عبد الجواد محمد مسعد ( الجندى الأسطورة ) وبطل معارك الأستنزاف والأستاذ محمد جلال الموظف بجامعة قناة السويس بالإسماعيلية .. وبعد سنوات من الزيارة نُقلت الدبابة للمتحف الحربى بالقاهرة .

نخيل الملحمة

أثناء تواجد البطل الرقيب محمد المصرى فى وادى النخيل وبعد هدوء المعارك قام زميله الجندى البطل شفيق فخرى سوريال الماهر فى تسلق النخيل بتسلق إحدى النخلات من أجل إحضار البلح لرفاقه الأبطال فإذا بطلقتين متتاليتين تطيحان بعمة النخلة فى الهواء .

هنا أيقن البطل محمد المصرى استشهاد زميله البطل شفيق فخرى سوريال فزحف نحوه وعندما وصل عنده وجده منبطحاً على ظهره ووجه فى اتجاه السماء وقال :

أنا بخير يامصرى والبلح فى يدى لم تمسه الرمال .

مواصلة المهام

واصل البطل محمد المصرى تنفيذ مهامه على مسرح العمليات ففى الثانى عشر من شهر أكتوبر 1973 صدرت له الأوامر باحتلال إحدى التبات والاشتباك مع القوات الإسرائيلية .

تمكن البطل محمد المصرى فى هذا اليوم من تدمير 6 دبابات إسرائيلية .

فى يوم الثالث عشر اخترقت طائرتا استطلاع أمريكيتان المجال الجوى المصرى على ارتفاع (25) كيلو متر واستطاعت أجهزة الرادار المصرية اكتشافهما وهما على بعد (200) كيلو متر من أجواء بور سعيد .. وسارتا بحذاء ساحل البحر الأحمر حتى قنا ونجع حمادى واستدارتا فى شبه قوس إلى الصحراء الغربية ثم انطلقتا شرقا إلى فلسطين المحتلة وفى الرابع عشر من أكتوبر تمكن البطل محمد المصرى من تدمير 10 دبابات إسرائيلية .

وبهذا يصل عدد الدبابات الإسرائيلية التى دمرها البطل الرقيب محمد المصرى إلى 26 دبابة .
فى هذا اليوم أصدرت القيادة المصرية أربعة بلاغات عسكرية أذيع أولها فى الساعة الثانية إلا خمس دقائق صباحاً وأذيع الأخير وهو برقم 39 فى الساعة العاشرة مساء وتمكنت القوات المصرية من تدمير 150 دبابة إسرائيلية وقتل إبراهام مندلر القائد العام الإسرائيلى للمدرعات بالإضافة إلى إسقاط 44 طائرة إسرائيلية .

نسجل هنا أن امى حاييم الطيار الإسرائيلى الذى شارك فى ضرب مدرسة بحر البقر الابتدائية قد أسرته القوات المصرية وذكر فى اعترافاته :

( لقد قصفنا مدرسة بحر الابتدائية عن عمد وكنا نعرف أننا نستهدف مدرسة ابتدائية )

دبابة بعشرة جنيهات

صدر فى الثانى والعشرين من شهر أكتوبر 1973 الموافق للسادس والعشرين من شهر رمضان 1393 هـ قرار مجلس الأمن رقم 338 بوقف إطلاق النار بين الدول العربية وإسرائيل .

وافق الرئيس محمد أنور السادات على وقف إطلاق النار على أساس التطبيق الفورى والكامل لقرار مجلس الامن مؤكداً على نقطتين هما :

أولاً : انسحاب إسرائيل من كل الأراضى التى أحتلتها عام 1967 ..

ثانيا : تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى

بعد ساعات من توقف العمليات الحربية قامت إسرائيل بخرق قرار مجلس الأمن ودفعت بعدد من الدبابات نحو منطقة ( الدفرسوار ) ولكن القوات المصرية تصدت لها .

عاد مجلس الأمن للانعقاد وأصدر قراره رقم 339 الذى تضمن الوقف الفورى لجميع أشكال إطلاق النار وكل الأعمال العسكرية ولكن إسرائيل كعادتها لا تحترم القرارات .. فقد تواجدت ثلاث دبابات إسرائيلية مستترة خلف إحدى التبات وقامت بإطلاق طلقاتها العشوائية بين الحين والآخر
أصدر البطل العميد محمد عبد الحليم أبو غزالة قائد مدفعية الجيش الثانى الميدانى آوامره بضرورة تحرك البطل محمد المصرى ورفاقه إلى منطقة ( أبو سلطان) ثم أصدر البطل اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث الميدانى أوامره بإعادة فصيلة البطل محمد المصرى للانضمام إلى اللواء 128 مظلات حيث توجد الكتيبة ( 41 فهد ) ضمن هذا التشكيل .

تم اختيار ثلاثة من أكفأ موجهى الصواريخ للتعامل مع هذه الدبابات المزعجة ..
تمكن الموجه الأول من تدمير الدبابة الأولى أما الثانى فتمكن من أصابة الثانية وفرت هاربة .
بقيت الدبابة الثالثة من نصيب البطل محمد المصرى ولم يظهر منها سوى فوهة ماسورتها ولذا ظل البطل مرابضاً لها على مدار 36 ساعة متواصلة دونما طعام أو شراب ثم أعطى الأمان لمن بداخلها وأوهم طاقمها أن كل من بالموقع قد خلدوا للنوم وهنا بدأت تظهر ماسورتها رويداً رويداً وما إن ظهر ثلثها عاجلها بصاروخه وفى فوهة الماسورة فانفجرت الدبابة وتحولت إلى كومة من النيران .

بعد قليل حضر للموقع البطل اللواء عبد المنعم واصل وقدم شكره للبطل محمد المصرى على مهارته الفائقة ثم احتضنه وقدم له عشرة جنيهات وقال :

والله يابطل ما فى جيبى غيرها
كانت هذه الدبابة رقم ( 27 ) لعدد الدبابات التى دمرها البطل محمد المصرى خلال قتاله وتنفيذ مهامه على مسرح العمليات .


إشاعة الاستشهاد

بعد تنفيذ قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار وهدوء المعارك سمح البطل الملازم أول فتحى خالد طه بإجازة قصيرة ولمدة ساعات للبطل محمد المصرى لزيارة أهله وطمأنتهم وما إن وصل البطل لقريته حتى وجد إشاعة استشهاده تسبقه ولذا خرجت القرية عن بكرة أبيها فرحة بسلامة أبنها وبطولاته وانتصارات الجيش المصرى .

ودع البطل أهالى القرية وقصد جبهه القتال وعندما وصل لموقف ( أبو خليل ) بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية وجد مجموعة من الجنود ولا توجد أتوبيسات بالموقف فتحدث مع أحد العاملين بالموقف ثم ذهب معه إلى منزل مسئول موقف الأتوبيسات فتحدث معه البطل فتفهم الأمر وحضر معه للموقف وجمع كل الأتوبيسات والسائقين وأمرهم بتوصيل أبطال مصر لأقرب الأماكن للجبهة .
قاهر الدبابات العالمى
البطل محمد المصرى يُعد صاحب الرقم القياسى العالمى فى تدمير الدبابات فقد تمكن خلال معارك أكتوبر 1973 من تدمير 27 دبابة إسرائيلية بثلاثين صاروخاً .

أما البطل عبد المعطى عبد الله عيسى فيحتل المرتبة الثانية على المستوى العالمى برصيد 26 دبابة والجدير بالذكر أن البطلين محمد المصرى وعبد المعطى عبد الله عيسى من الجنود الذين عملوا تحت قيادة البطل عبد السلام حواش ( رحمه الله )

أما المرتبة الثالثة فهى للبطل محمد عبد العاطى برصيد 23 دبابة .

الجدير بالذكر أن الرقم القياسى العالمى كان لأحد الجنود الروس عندما تمكن خلال الحرب العالمية الثانية من تدمير 7 دبابات ولذا تم تخليده بتمثال فى الميدان الأحمر بموسكو .

لماذا ؟

لماذا لم يتم إلقاء الضوء على بطولات البطل محمد إبراهيم عبد المنعم المصرى الشهير بمحمد المصرى بعد إنتهاء معارك أكتوبر 1973 مباشرة ؟

ولماذا لم يتم تكريمه ضمن الأبطال الذين تم تكريمهم فى الجلسة التاريخية لمجلس الشعب يوم الثامن عشر من شهر فبراير لعام 1974 ؟

هذا يرجع إلى مايلى :

1 البطل محمد المصرى لم يكن من صلب تشكيل الفرقة الثانية بل كان الاحتياطى لـ ( م . د ) للواء 120 مشاة .

2 انتقال البطل محمد المصرى من الفرقة الثانية إلى منطقة ( أبو سلطان ) تنفيذاً لأوامر البطل العميد محمد عبد الحليم أبو غزالة ومن ثم كان ضيفاً على المكان .

3 البطل محمد المصرى من صلب تشكيل اللواء 128 مظلات ولم تشترك منه فى المعارك على جبهة القتال سوى الفصيلة الثانية من السرية الثانية من الكتيبة ( 41 فهد )وهى الفصيلة التى تضم البطل محمد المصرى أما الفصائل الأخرى للواء فقد كُلفت بحماية قنا والسد العالى ولذا أطلق على هذا اللواء ( اللواء القناوى )
4 استشهاد البطل الرائد صلاح حواش القائد المباشر للبطل محمد المصرى وذلك فى الثامن من شهر أكتوبر 1973م خلال المعارك .

فى منزل رئيس الجمهورية

بعد حصر إنجازات البطل محمد إبراهيم عبد المنعم المصرى الشهير بمحمد المصرى بمعرفة الجهات المعنية تم رفعها إلى رئيس جمهورية مصر العربية محمد أنور السادات فطلب من المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية الحضور لمنزله بصحبة البطل محمد المصرى .

فى الموعد المحدد وصل البطل مع وزير الحربية والذى قدم البطل محمد المصرى لسيادة الرئيس بقوله :

هذا هو ابن مصر ياسيادة الرئيس .. فصافحه ثم احتضنه وقال :

أنت زعلان يامحمد لأنك لم تكن ضمن المُكرمين فى الجلسة التاريخية لمجلس الشعب ؟
قال البطل محمد المصرى :

لا يا افندم فأنا أديت واجبى نحو وطنى فى فترة من أجمل فترات عمرى ويكفينى فخراً وشرفاً أن تستقبلنى فى بيتك .

فقال الرئيس السادات : إذا لم تكن الدولة قد كرمتك فى مجلس الشعب فها أنا أكرمك فى بيتى والذى هو بيت كل مصرى .

وسام نجمة سيناء

قرر الرئيس محمد أنور السادات منح البطل محمد إبراهيم عبد المنعم المصرى الشهير بمحمد المصرى وسام نجمة سيناء من الطبقة الثانية تقديراً لما قام به من أعمال بطولية خارقة تدل على البسالة النادرة والقدرة والتفانى فى الفداء خلال القتال المباشر مع العدو فى ميدان القتال أثناء معارك أكتوبر 1973 رمضان 1393 هـ .

فى احتفالية خاصة أقيمت بمقر قيادة وحدات المظلات فى عام 1974 قام البطل المشير أحمد إسماعيل وزير الحربية بتقليد البطل محمد المصرى وسام نجمة سيناء
وهذا هو نص براءة وسام نجمة سيناء التى منحها الرئيس السادات للبطل محمد إبراهيم عبد المنعم المصرى الشهير بمحمد المصرى :

من أنور السادات رئيس جمهورية مصر العربية
إلى عريف محمد إبراهيم عبد المنعم المصرى من القوات البرية
تقديراً لما قمتم به من أعمال بطولية خارقة تدل على البسالة النادرة والقدرة الفذة والتفانى فى الفداء وذلك فى القتال المباشر مع العدو فى ميدان القتال قد منحناكم وسام نجمة سيناء من الطبقة الثانية وأمرنا بإصدار هذه البراءة إيذاناً منا بذلك .

الجدير بالذكر أن وسام نجمة سيناء هو أرفع الأوسمة العسكرية فى الجيش المصرى وهو على شكل نجمة فضية مثمنة كتب فى وسطها على خلفية سوداء عبارة ( سيناء 1973 ) وتعلق بشريط من القماش .. وفكرة هذا الوسام جاءت بعد انتصارات أكتوبر 1973 حيث برزت فكرة إنشاء وسام عسكرى جديد يفوق كل الأوسمة العسكرية .

وكان من المقترح تسمية الوسام باسم ( بطل مصر ) ولكن اللجنة العسكرية استقرت على تسمية الوسام باسم ( نجمة سيناء ) لأن المعارك دارت على أرض سيناء الحبيبة .

وتقرر أن يكون هذا الوسام من طبقتين الأولى تمنح لأى ضابط بالقوات المسلحة العسكرية أدى أعمالاً خارقة فى القتال المباشر مع العدو بمسرح العمليات تدل على بسالة نادرة وخبرة وتفان فى الفداء يترتب عليها إلحاق خسائر فادحة بالعدو سواء بإحباط خططه أو هزيمة قواته أو أسر جنوده أو تدمير مواقعه أو معداته أو الاستيلاء عليها سواء فى البر أو البحر أو الجو .

أما الوسام الذى من الطبقة الثانية فيمنح للصف والجنود الذين أدوا أعمالاً خارقة فى القتال المباشر مع العدو .. كما ذكرنا سالفاً .

وفى حالة الإستشهاد يمنح الوسام لاسم البطل الشهيد .

تكريم المدفعية

قام البطل اللواء يوسف صبرى أبو طالب مدير مدفعية القوات المسلحة بتكريم البطل وقد جاء فى شهادة التقدير :

إلى الرقيب محمد إبراهيم عبد المنعم المصرى
يسرنى أن أقدم لكم شكرى وتقديرى على المجهود المخلص الذى بذل خلال معارك أكتوبر المجيدة والبطولات التى أحرزتها فى تدمير دبابات العدو .

وإنى أدعوكم إلى مواصل الجهد لرفعة سلاحنا العتيد وقواتنا المسلحة الباسلة .
وفقنا الله جميعاً لخدمة وطننا العزيز ،،،

مع الرئيس فى أحتفالية القناة

عندما أعلنت نتيجة الحائط الأول من شهر يناير لعام 1975 خرج البطل محمد إبراهيم عبد المنعم المصرى الشهير بمحمد المصرى إلى الحياة المدنية وفى الخامس من شهر يونيو من نفس العام كان البطل بصحبة صاحب قرار العبور البطل الرئيس محمد أنور السادات ومجموعة من أبطال أكتوبر والقيادات العسكرية والسياسية والشعبية والأشقاء العرب فى احتفالية عودة أفتتاح قناة السويس أمام الملاحة العالمية بعد أن أغلقت نتيجة لحرب 1967 م

فى مجلس المدينة

بعد أداء البطل محمد المصرى فترة تجنيده بالقوات المسلحة المصرية خرج للحياة المدنية وتم تعيينه بقسم مراجعة الإيرادات بمجلس مدينة ديرب نجم بمحافظة الشرقية .
فى العمل أثبت كفاءته وجدارته وحظى بحب الزملاء نظراً لأمانته وتواضعه وحسن خلقه .
أسرة البطل
فى العاشر من شهر يوليو عام 1979 تم زفاف البطل محمد المصرى على إبنة خاله السيدة عفاف عبد الفتاح طه المصرى ورزقهما الله من الأبناء بـ :

1 حسام : وهو حاصل على بكالوريوس الزراعة من جامعة عين شمس ويعمل بالإدارة الزراعية بمركز أبو المطامير ومتزوج من إبنة خالته السيدة إيمان زكريا المصرى ورزقه الله من الأبناء بنمير وعفاف ويقيم مع والده بعزبة المصرى التابعة لمركز ومدينة أبو المطامير

2 علية : وهى حاصلة على دبلوم المدارس الثانوية الفنية الصناعية ومتزوجة من الأستاذ أحمد مصطفى الموظف بمحكمة الزقازيق ورزقها الله من الأبناء بنور وتقيم فى قرية شوبك إكراش مركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية .

3 هشام : وهو حاصل على دبلوم المدارس الثانوية الفنية الزراعية .


أبو المطامير

فى شهر يونية عام 1988 تقدم البطل محمد المصرى بطلب إلى رئيس مجلس مركز ومدينة ديرب نجم ذكرا فيه رغبته فى العمل بمجلس مدينة ( أبو المطامير ) بمحافظة البحيرة نظراً لقراره الإقامة والاستقرار ومواصلة رحلة الحياة على أرض محافظة البحيرة .

تمت الموافقة على طلب البطل محمد المصرى وتسلم بالفعل بالعمل بمجلس مدينة ( أبو المطامير ) وترقى فى الوظائف حتى وصل لمنصب مدير العلاقات العامة .
على الناصيــــة
خصصت الإذاعية القديرة آمال فهمى حلقة كاملة من برنامجها الشهير ( على الناصية ) بالبرنامج العام للبطل محمد المصرى تقديراً لبطولاته وأثناء تسجيل الحلقة حضرت سيدة مصرية وقدمت شيكاً بمبلغ من المال تبرعاً لمعهد القلب ومستشفى القصر العينى ثم طلبت من الإذاعية القديرة آمال فهمى عدم ذكر اسمها فى البرنامج .. وهنا قالت للبطل محمد المصرى : كيف ترى مصر ؟
فقال البطل للإذاعية القديرة آمال فهمى : مصر فى العطاء الكبير والممتد الذى تمثل فى عطاء هذه السيدة .

صباح الخير يا مصر
ذكر الجندى الأسطورة عبد الجواد محمد مسعد سويلم بطل معارك الاستنزاف أن المقابلة الأخيرة التى جمعته مع صديقه البطل محمد المصرى بعد انتهاء المعارك كانت خلال تكريمه وتسلم البطل محمد المصرى براءة وسام نجمة سيناء فى عام 1974 .. ثم افترقا ثم كان اللقاء فى الثالث من شهر أكتوبر عام 1997 فى مبنى الإذاعة والتليفزيون فخلال تواجده بالاستديو حضر صديقه البطل محمد المصرى وهنا قفز البطل عبد الجواد محمد مسعد سويلم من مكانه وعانق صديقه ورفيق كفاحه واستمر المعانقة لمدة عشرين دقيقة ومنذ ذلك الوقت لم يفترقا .


المعاش

الأول من شهر يونيو عام 2008 كان الموعد لخروج البطل محمد المصرى للمعاش وفقا للسن القانونية واقام فريق العمل بمجلس مدينة ( أبوالمطامير ) احتفالية لزميلهم البطل تقديراً لرحلة عمله وكفاحه وبطولاته .

ودع البطل زملاء العمل بالشكر والتقدير ودموع الفراق .

ما زال البطل محمد المصرى يمارس دوره نحو أسرته وأحفاده وأرضه الزراعية بعزبة المصرى التابعة لمركز ( أبو المطامير ) بمحافظة البحيرة .. هذه العزبة التى سميت باسمه تقديراً لبطولاته .. فمصر تحب من يحبها وتقدر من يعطيها .

(من أدب الحرب)

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى