الاثنين ٢ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧
بقلم جميل حمداوي

قراءة في العروض التي ألقيت في المهرجان الربيعي

السادس لمسرح الأطفال بالناظور

نظمت حركة الطفولة الشعبية فرع الناظور بتنسيق مع جمعية البحر الأبيض المتوسط المهرجان الربيعي السادس لمسرح الأطفال أيام 24 و 25 و 26 مارس 2000م تحت شعار "مسرح الأطفال: تربية و إبداع". و قد شاركت في المهرجان خمس فرق مسرحية و هي:

1) جمعية أزغنغان الثقافية بمسرحية " معنان" (الناظور).

2) حركة الطفولة الشعبية بأصيلا بمسرحية "نحن هنا أين أنتم"؟

3) ناشئة المسرح، ايموزار كندر بمسرحية" قاضي الفئران".

4) جمعية التواصل للتربية و المسرح بأحفير بمسرحية عنوانها: "الزعيم".

5) جمعية نادي الحمراء للفن التربوي بمراكــش بمسرحية" العفريت الشرير".

و قد أعقب هذا النشاط المسرحي ندوة بعنوان (مسرح الطفل و الإعلام) بمشاركة الدكتور مصطفى الرمضاني أستاذ المسرح بكلية الآداب بوجدة .
و سوف أحاول الآن تقويم العروض التي قدمتها الفرق المسرحية للبحث عن خاصيات التمسرح فيها و الجوانب الدرامية و القضايا المطروحة وواقع مسرح الطفل المغربي و الآفاق المستقبلية المرجوة.

و إليكم العروض بأحداثها الدرامية و مميزاتها السلبية و الإيجابية من الناحيتين الموضوعية و الفنية قصد توجيه مسرح الطفل بالمغرب و جهة سليمة و صحيحة تفاديا لمجموعة من الأخطاء و الهفوات، و الحث على الاطلاع على الموروث الدرامي و ما استجد في الساحة المسرحية من آراء نقدية معاصرة قد تخدم مسرح الطفل من قريب أو من بعيد.

1- مسرحية" معنــــان" :

تنقلنا هذه الدراما الاجتماعية التي ألفها وأخرجها أحمد علاوي إلى العالم القروي لتصور لنا التهميش الذي تعرفه القرية المغربية من افتقار للبنيات التحتية كالطرق والمدارس والمستشفيات وانعدام الماء و الكهرباء و فرص الشغل ناهيك عن ضياع الصغار و الشيوخ بين التيه والسراب الزائف؛ مما يسبب كل هذا في الهجرة نحو الداخل أو الخارج.

و عليه، فالمسرحية صراخ ضد التهميش و الإقصاء حيث يتحد معنان والجد الشيخ موحند للتنديد معا بظروف القرية الصعبة و الثورة على المدرسة التي لا توفر الشغل للناشئة واستهجان قسوة الكبار كالأب مثلا، والتأشير على ضياع المعوقين و انقطاعهم مبكرا عن الدراسة بسبب عجزهم وفقرهم المدقع. لكن الفتاة (زهرا) ستتدخل في الوقت المناسب لتنصحهما بعدم الهجرة، و طالبت معنان بعدم التخلي عن المدرسة والتفكير في الهجرة ، كما شددت على الأب بأن يعامل (معنان) معاملة حسنة و أن يكون صديقا لابنه و أن يتفهم مشاكله، وعليه كذلك أن يوقر أباه (الشيخ محند).كما ستخبرهم (زهرا) بأن الدولة قد شرعت في تغيير وجه القرية بتوفير كل مستلزمات الحياة الكريمة، و أنها بدأت تعيد الاعتبار لهذا الفضاء الذي طال إهماله أمدا طويلا.

وتجمع هذه المسرحية الأمازيغية بين السخرية و التراجيديا التطهيرية بالمفهوم الأرسطي، وتتخللها ذاكرة الاسترجاع التي يستعين بها الجد مركزا على طفولته في الماضي التي قضاها في الاستمتاع بحياة الرعي و صراعه الخرافي مع الذئاب و انتصاره عليها مستخدما أسلوب التهويل و المبالغة لتنقلب المشاهد الى طرح قضية الإعاقة و ضرورة العناية بها. كما تستعرض المسرحية ما يعانيه المعلم في المدارس النائية وضرورة الربط بين المدرسة والوظيفة، أو بين الشهادة وسوق الشغل و تحصيل المستقبل.

وتحمل المسرحية عبر موضوعها الإنساني والتربوي أبعادا اجتماعية واقتصادية و سياسية و ثقافية، كأن للمسرحية رسالة هادفة و جادة عبر عنها المخرج بواسطة التطهير والتهذيب النفسي، و إن كانت هذه الطريقة أوقعت المسرحية في المباشرة والسطحية و الرتابة و الملل و الوضوح المجاني.
وتنبني المسرحية من الناحية الفنية على خطاب وعظي إرشادي أكثر من الاتكاء على الخطاب الدرامي الذي يقوم على خاصية التمسرح، و يعني هذا خلو المسرحية من الجوانب الدرامية و تقنيات المسرح المعاصر و عدم توظيف الذاكرة التراثية الشعبية، ناهيك عن ضعف السينوغرافيا إذ اتكأت على جدارية تصور فضاء القرية ، و هي جدارية لا تنسجم مع توقعات الممثلين و علاقاتهم التواصلية، و لا تعبر عن عالم التهميش الذي تعاني منه القرية بل تصورها على أنها كلها اخضرار و ازدهار، بينما القرية المغربية في معظمها جافة و قاحلة و مغبرة بالعجاج و الغربة المميتة.
كما استعانت المسرحية ديكوريا بمجسمين: أحدهما يدل على بئر مائي والثاني يحيل على فضاء المنزل الذي يأوي معنان و أباه الفلاح. فما يلاحظ على الديكور أنه جامد و فقير من حيث الإمكانيات التقنية السمعية والبصرية.

ولم توظف الموسيقى و الإضاءة والكوليغرافيا بطريقة وظيفية موحية ، أي استعملت هذه المكونات المسرحية بشكل مبتسر بدون دلالات سيميائية أو إحالات مرجعية. ويعني هذا أن التشخيص الدرامي ضعيف لدى الممثلين حيث لا يستخدمون الجسد جيدا و لا ينوعون في حركاتهم و لا يوظفون لغة الميم. و تعتمد الموسيقا هنا على التسجيل الخلفي أو الصدى (Play-back) بدل توظيف قدرات الممثلين و تعويدهم على الغناء و الموسيقا. كما يلاحظ عدم الانسجام الجماعي بين الممثلين حتى إن اللغة الأمازيغية فقيرة من حيث التنوع الدلالي و الحمولات المعجمية و الأمثال و اقترابها من العربية الفصحى و انعدام الأشكال التمثيلية التقليدية المعروفة في الدراما بمنطقة الريف.

و من حيث البناء، فالمسرحية كلاسيكية معروفة الحل منذ البداية ،أي مغلقة تنعدم فيها المشاهد و المناظر كأن المسرحية مشهد واحد لوجود الفراغات و عدم التناسق بين الممثلين و الحركات و الإضاءة و الموسيقا.

و أخيرا نقول: إن مسرحية "معنان" التي قدمتها جمعية أزغنغان الثقافية ضعيفة من حيث الإخراج والتوظيب السينوغرافي والتنضيد الدرامي على الرغم من رسالتها التربوية و الاجتماعية الهادفة و الجادة و ارتباطها باللغة المحلية للتعبير عن الواقع و معايشته نقدا وحوارا.
ومن ملاحظاتنا على هذه المسرحية انعدام الجوانب الدرامية و خاصية التمسرح و التشخيص الجسدي و عدم تأثيث الديكور بشحنات وجدانية وإيحاءات وظيفية لذلك كان جامدا من البداية حتى النهاية.
و أغفلت المسرحية كذلك الذاكرة الاحتفالية و ما وصل إليه المسرح العالمي من آراء و توجيهات إخراجية وتصورات درامية تخدم مسرح الطفل بصفة خاصة.
و نرجو أن تتفهم هذه الجمعية هفواتها لتواصل بحثها عن عمل درامي جاد و انسجام متكامل في التمثيل و الإخراج، و هذا ليس بصعب الإدراك على فرقة طامحة مثل فرقة جمعية أزغنغان الثقافية ومخرجها المتميز أحمد علاوي.

2- مسرحية نحن هنا...أين انتم؟ أصيـــلا.

قدمت حركة الطفولة الشعبية بأصيلة مسرحيتها " نحن هنا....أين أنتم؟" من تأليف وإخراج محمد عنان. وهذه المسرحية في بنائها التركيبي تراجيدية المنحى و تجريدية الطابع و رمزية التشكيل. وهي تتحدث بمرارة عن واقع الأرض و ما تعانيه من تلوث و صراعات و حروب دموية و نووية و ما تتعرض لها من كوارث و مصائب كالفقر و الجوع و الاستعباد و كثرة الشرور البشرية و استغلال القوي للضعيف. ومن ثم، يتطاحن الكبار وتضيع الطفولة البريئة وسط هذا الصراع الآدمي المقيت بسبب الطمع والشره والأنانية و ترجيح المصالح الخاصة على المصالح العامة. و هي، بالتالي، تطرح أسئلة كبرى وتعرض أسئلة الصغار على الكبار ليتركوا الأرض لبراعم البراءة ليسود فيها الحب و يعمها السلم و تسمو العدالة وتزهو الحرية.
و تطغى الجنائزية على المشاهد الدرامية من خلال تصوير الاستعباد والشر، و ينتهي العرض بخطاب وعظي للكبار و المسؤولين في شكل توصيات و نصائح و توجيهات للاهتمام بالشبيبة الطفولية ، و أن يستشيروا الصغار في أمورهم و أن يعطفوا عليهم و يفكروا في مستقبلهم قبل الإقدام على أي عمل قد يضرهم أو يجر حياتهم إلى عواقب وخيمة، فالأرض في الأخير هي حق للأطفال الصغار، يرثها ذوو البراءة و الحب و السلم.
هذا، و قد حققت المسرحية نجاحا كبيرا على مستوى انسجام الممثلين والتحكم في تقنيات الإضاءة و الموسيقا. و أهم ما تتميز بها المسرحية هي المزاوجة بين التواصل اللغوي (الحوار) و التواصل الحركي ، إذ استغلت الفرقة لغة الجسد أحسن استغلال من خلال تشكيل لوحات رقصية و ميمية و جسدية تعبر عن الحب و التذمر من العبودية و الظلم و القهر في انسجام ضوئي تتخلله الظلمة (الكراهية و الموت) و النور (الحب و الحياة) في تجاوب وظيفي مع ألحان الأغاني و التسجيل الموسيقي.
و لكن ما يلاحظ على هذه المسرحية ابتعادها عن الجوهر الطفولي في مسرح الأطفال على الرغم من أدائها من قبل الأطفال بسبب طابعها التجريدي الموغل في الخيال ، و هذا ما لا يمكن إدراكه من قبل تلميذ في السادسة من عمره .أي إن المسرحية توجه الى الكبار بدل الصغار؛ لأنها لا تراعي الخصوصيات العمرية للأطفال على الرغم من أبعاد المسرحية الاجتماعية و الإنسانية و العلمية و التربوية. أي إن رسالة المسرحية الجادة تم التعبير عنها بلوحات درامية موغلة في التجريد كما عند إبسن وميترلنك ويوهان ستدينبرغ، كما أن إحالاتها التأويلية صعبة الفهم حتى من قبل الكبار بله الصغار. بيد أننا نثمن هذه التجربة بسبب استعمالها للعربية الفصحى ذات الحمولات الشاعرية والتراكيب الغنائية الموحية، و لا ننسى كذلك رمزية المسرحية التي توحي بالدلالات العميقة الثاوية في الملصقات و الجداريات التي يصعب تفكيك شفراتها إلا عبر لغة السيمياء و أدوات التواصل المرئي و البصري.

و أقول في نهاية قراءتي لهذا العرض: إن المسرحية جادة من حيث الموضوع و التشخيص الجسدي و التمكن من اللغة العربية الفصحى وحسن توظيفها، إلا أنها بعيدة عن مسرح الطفل بسبب التجريد و الرمزية و عدم مراعاة أعمار الطفل و قدراته التأويلية و الخيالية ؛ مما لم يحقق انسجاما على مستوى التلقي والتقبل داخل قاعة العرض المسرحي . إذ لاحظنا صمتا كبيرا لدى الأطفال، و هذا الصمت كان سلبيا لانعدام الردود والتفاعل بين الجمهور و الممثلين على الرغم من تكسير الجدار الرابع.
و تلتجئ المسرحية على المستوى السينوغرافي إلى تقنية المسرح الفقير بالمفهوم القدحي لا بالمفهوم الإيجابي، لأن الديكور كان جامدا لا يوحي بفعالية التمسرح و حرارة التقمص و لعبية الأدوار. و كان من الممكن أن توظف المسرحية بعض الأشكال الدرامية الأصيلة و أن تبتعد عن الخطاب السياسي الوعظي المباشر ليتم ذلك بطرق فنية و جمالية أكثر إيحاء وتعبيرا،و كان عليها أيضا أن تكون قريبة من الأطفال، و ذلك باختيار الوسائل و الأشكال الدرامية و الألعاب المشهدية المفضلة إليهم لتقريبهم من الخشبة عبر الاندماج الفعال و النقد الحواري الإيجابي و مساءلة الأطفال ليصرحوا بآرائهم حول موضوع المسرحية عبر الارتجال و الإجابة عن الأسئلة و اقتراح الحلول و الحكم على المواقف الدرامية بإبداء وجهات نظرهم و تعليلها بعد ذلك. وكان من الممكن أن يشغل المخرج في مسرحيته أدب الحيوان أو الكراكيز أو تقنيات مسرح العرائس و أناشيد الأطفال الهادفة لتقديم فرجة درامية دسمة تجمع بين الأصالة والمعاصرة.

3- مسرحية الزعيـــم:

تصور مسرحية "الزعيـــم" التي قدمتها جمعية التواصل للتربية والمسرح بأحفير والتي ألفها عبد الحفيظ مزويرح مجتمع الغابة الذي كان يسوسه أسد عادل و وزير حكيم. و لما مرض هذا الأسد بسبب عجزه وشيخوخته بدأت الحيوانات تتكالب على السلطة و تطمع في الحكم. و قد توصلت بعض الحيوانات إلى الحكم بواسطة المكر و الحيلة و الخديعة فنشرت الرعب في السكان و الهلع، وسنت في الغابة سياسة الظلم والاستبداد و القهر إلى أن هجر الغابة جميع السكان بما فيهم الشبل الصغير و وزير الأسد.
و مع مرور الزمن، حلت الأوبئة في الغابة و ساد الجوع و كثر الفقر والموت لسوء التسيير و التدبير.
و في الأخير، يعود القرد الحكيم مع الشبل الصغير لينقذا الغابة من القهر و القمع و الظلم و الاستبداد و يعفوا عن الظالمين الطغاة.
هذا، وتعتمد المسرحية على السرد الرمزي من خلال توظيف الأقنعة الحيوانية (الضبع – الأسد – القرد – الثعلب – البقرة – الدب...) ، و هذا السرد موظف بطريقة فنية رائعة تستلهم الذاكرة (كليلة و دمنة – لافونتين – أحمد شوقي- عثمان جلال...)، و الموروث الشعبي الدرامي (خيال الظل...). كما تحيل المسرحية على أبعاد اجتماعية و وطنية و سياسية وقومية، و تدخل هذه المسرحية السياسية في إطار ما يسمى بـ(السياسة الشرعية)، وكيف ينبغي أن يكون الزعيم الذي يسوس البلد؟
و قد بينت المسرحية أن عاقبة الاستبداد و الظلم دائما وخيمة. و بالتالي، فالحرية أو الشورى من دعائم الزعامة و قوة السلطة التي ينبغي للجميع احترامها وتمثلها. إذاً، فرسالة المسرحية ذات مغزى سياسي و تربوي، إنها رسالة هادفة و جادة يتم تبليغها بطريقة فنية و رمزية جمالية بعيدا عن التقريرية والمباشرة السطحية و خطاب المواعظ و الإرشاد.
وقد أدت الأقنعة بأشكالها اليونانية وظائفها الإيديولوجية وأطروحاتها السياسية بصيغة فنية رائعة تجذب الأطفال الصغار و تشوقهم كثيرا ولاسيما أن عالم الحيوان هو العالم الأقرب إلى الأطفال الصغار.

وتنطبق على مسرحية "الزعيم" مواصفات مسرح الطفل وخصوصياته الفنية والجمالية والموضوعية؛ لذلك اختيرت من قبل لجنة التحكيم المتخصصة لكي تحصل على الجائزة الأولى في المهرجان لوجود العمل المتكامل، ولكونها تراعي جميع الأعمار الطفلية، و لم تلتجئ الى التجريد الموغل في الرمزية أو التوظيف التراثي المقحم و المجاني البعيد عن روح النص والإخراج.

هذا، و تلتجئ مسرحية "الزعيم" إلى الأقنعة الحيوانية لتشخيص الصراع الدرامي من خلال ثنائية الظلم و العدل و ثنائية الحرية و العبودية. و لا ننسى التعددية اللغوية و هيمنة العربية الفصحى الى جانب التموجات الموسيقية الوظيفية و تفاعل الإضاءة إيجابيا مع أحداث المسرحية، بله حيوية الديكور وروعة الببغاء التي تقوم بدور الراوي و تشارك بدورها في تحريك الأحداث و تأزيمها دراميا.
ويقرب تشخيص القصة بالحيوانات الفكرة المعروضة في الموضوع إلى الأطفال بشكل جيد ، و لقد استمتع الكبار كثيرا بالمغزى و الإيحاءات الدلالية و المقاصدية، بينما استمتع الأطفال بالمشاهد و القالب التشخيصي للفكرة. و كانت الأغاني المصاحبة لهذه المشاهد معبرة و مؤثرة أيضا تترجم الظلم و الحزن و الفرح خاصة في المشاهد الأخيرة في نهاية المسرحية. ونستطيع أن نقول بكل صراحة موضوعية: إن المسرحية عمل ناجح و متكامل في منظور الصغار و الكبار على حد سواء.

و من الناحية السينوغرافية، فعلى الرغم من بعض الاختلالات التقنية فالمسرحية استطاعت أن تستغل جيدا إمكانات الممثلين اللغوية و الجسدية، و أن تستثمر الجداريات و الملصقات و المجسمات، و أن توظف خيال الظل وتكسر الجدار الرابع، علاوة على الاستعانة بالتقنيات الصوتية كالمسجلة والفواصل عبر فراغات تتحكم فيها الإضاءة للانتقال من مشهد الى آخر.
و على الرغم من بعض الانتقادات التي قد تمس الجوانب التقنية والتشخيصية والسينوغرافية، فقد حققت مسرحية" الزعيم" وظائفها الدرامية بطريقة حيوية فعالة وظيفية نظرا لوجود التجاوب السيميولوجي بين لغة الجسد و لغة المسرحية و لغة الإضاءة و الموسيقا،
و على أي حال، تبقى مسرحية "الزعيم" لجمعية التواصل للتربية و المسرح بأحفير مسرحية مشرفة من حيث الرسالة التربوية الهادفة و الجادة والسينوغرافية المتكاملة و المتجاوبة مع الدوال اللغوية و المرئية الأخرى والاقتراب الكبير إلى الجمهور الطفولي لحبهم الشديد لعالم الحيوانات.

4- مسرحية" العفـريت الشرير":

قدم نادي الحمراء للفن التربوي بمراكش مسرحية (العفريت الشرير) من تأليف عبد اللطيف العسال . وهي مسرحية فانطاستيكية تعتمد على المسخ والتحويل و التشويه و تجسيد الصراع الدرامي الذي يتمثل في ثنائية الخير و الشر أو صراع الجن الشرير مع الإنس البشري المحب للخير و العمل والتسامح و التعاون و الأخوة.
تبتدئ المسرحية بتقنية التغريب و تكسير الجدار الرابع، و ذلك بكشف اللعبة المسرحية و خلق فضاء الحلقة و صندوق الفرجة العجيبة.
وسيستفتح العرض بنزول العم أسعيد و ابنته سليمة الى المدينة بعد تجوال عبر المدن و القرى يقدمان أحلى ما لديهما من ألعاب مسلية و مشاهد درامية و حكايات و قصص خارقة لجمهور الأطفال. و قد اختارا معا أن يقدما للمستمعين قصة العفريت الشرير.
وتدور هذه القصة في القرية حيث يعيش عفريت شرير مع ابنة له اسمها قبيحة، و هذان الكائنان لا يعيشان في البادية إلا بالمكر و الحيلة و الخداع و إضمار الكيد للآخرين، و هكذا استطاع العفريت الأب أن يحول ابن الحطاب إلى عصفور، ليضعه في الأخير في القفص المخصص له. ومن جهة أخرى، تحول البنت القبيحة الأميرة الحسناء الى سمكة، بيد أن السمكة تتفق مع العصفور على حل يخلصهما من الورطة التي يوجدان فيها. وبعد تفكير مستمر، توصلت السمكة إلى سر المسخ و التحول الذي كان موجودا في شجرة الأرگان، لكن السمكة لن تستطيع أن تصعد الى الشجرة بينما يستطيع العصفور أن يفعل ذلك. و هكذا استطاع العصفور متسلحا بروح التعاون و المحبة أن يصل إلى السر و أن ينقذ السمكة، و أن ينتقما من العفريت الشرير و ابنته قبيحة، و بذلك سجل الخير انتصاره على الشر.

وتقوم هذه المسرحية على الخرق و الإغراب و التشويق ، و تتمحور دراميا حول جدلية الخير و الشر وصراع الإنس و الجن، لكن الشر سيطغى على هذه المسرحية الى آخر مشهد لينتصر الخير على مناقضه السلبي. وبذلك تتحول المسرحية إلى خطاب وعظي وإرشادي يختم بتحية فرجوية تقريرية تسجيلية مباشرة تخلو من الصيغ الفنية و الجمالية.

و قد توفقت المسرحية عندما وظفت الامتساخ الرمزي والأدب الفانطاستيكي وأدب السحر والشعوذة... فهذا النوع من المسخ يغذي خيال الطفل،ويخرجه من الجمود و الرتابة و يسبح به في آفاق من التصور و التخييل.
هذا ، و تستند المسرحية الى استخدام الراوي و لعب الأطفال و المزاوجة بين اللغة الفصحى و الدارجة من أجل خلق تعددية لغوية و أسلوبية.
و من حيث الديكور فهو جامد حيث نلاحظ جدارية خلفية في ستارة الفندو تمثل الشر: النار / الناس / الجمجمة...، و جدارية تمثل منزل الحطاب داخل القرية الى جانب بعض الأشياء التأثيثية كالقفص و الصندوق. وبالتالي، ليس هناك أي تناسق جمالي و وظيفي بين التمثيل و الإضاءة والموسيقا، أي إن هناك ضعفا تقنيا وخللا إخراجيا.

و أخيرا ، يلاحظ المتفرج لهذه المسرحية أن السينوغرافيا ضعيفة، و ذلك راجع الى ضعف التشخيص الحركي و الجسدي و جمود الديكور و قلة الإكسسوارات و ضمور لغة الإضاءة و الموسيقا و افتعال بعض المواقف الرومانسية التي لا تتلاءم مع ديننا الحنيف (مثل تقبيل يد الممثلة/و عري ساقي الممثلتين) ، فكيف سيستقبل أطفالنا الصغار هذه المشاهد الإباحية ، أطفال العفة و البراءة؟! ويعلم الجميع أن هدف المسرح التربوي بصفة خاصة ومسرح الطفل بصفة عامة هو غرس القيم الأخلاقية و الخلال الفاضلة.

و هكذا نقول بأن مسرحية "العفريت الشرير" نص مسرحي فانطاستيكي يعالج إشكالية الخير والشر، وجدلية الامتساخ والشعوذة. و من حيث البناء و الإخراج، فهي مسرحية ضعيفة من حيث التقنيات و الديكور و التأثيث السينوغرافي.
و كان من الأفضل والأجدى أن تقترب المسرحية بشكل حميمي من جمهور الأطفال و تبعد عنهم كل أساليب التهويل و التخويف من خلال عمليتي المسخ و التحويل السحري، و أن توظف الذاكرة التراثية ولاسيما أن الموروث المراكشي كما هو معروف غني بكثير من الأشكال الدرامية كالحلقة و البساط و الراوي...الخ، دون نسيان توظيف ما وصل إليه المسرح المعاصر على مستوى الإخراج عبر عمليتي التأصيل و التجريب لخلق دراما متكاملة و منسجمة فنيا و موضوعيا و جماليا و وظيفيا.

5- مسرحية قاضــي الفئران :

قدمت جمعية ناشئة المسرح بإيموزار كندر مسرحية" قاضي الفئران " ، وهي من تأليف المسرحي المغربي الكبير المرحوم محمد مسكين. وقد أخذت هذه المسرحية من التراث وتعتمد على الحكي و السرد و الرواية وتدور حول (عم فرحان) الذي كان يتاجر في سوق شعبي يبيع كعكة الذكاء ليحتال على الناس. و مرة اشترى منه الشاب ماهر – رغبة في الفضول والاطلاع – كعكة و استزاد منها، و لكنه لم يصبح ذكيا كما ادعى ذلك التاجر المحتال. وبعد ذلك، علم الشاب أن (عم فرحان) مجرد مخادع ، وعليه أن يبتعد عن المكر و الخديعة و أن يكسب رزقه بطريقة شرعية، لذلك اقترح عليه ماهر أن يشاركا في مشروع تجاري مربح حيث يشتريان الحديد في الشتاء بثمن بخس و يدخراه للصيف ليبيعاه بثمن مرتفع و بذلك يحققا أرباحا بالأضعاف. و لما حان الصيف، ذهب (عم فرحان) الى ماهر ليعطيه ما اتفقا عليه لكنه أخبره بالمصيبة التي حلت به إذ أكل الفئران الحديد و قرضته كله، و هنا اندهش (فرحان) لهذا الأمر و استغرب كثيرا واقترح أن يرفع الشكاية الى القاضي، و كان ماهر قد دفع رشوة له.
و لما قصد التاجر القاضي و قص عليه الحكاية من ألفها الى يائها أبطل القاضي دعوى الشيخ. و رفع التاجر مظلمته الى الوالي الذي عينه قاضي الفئران.لذلك، قصد منزل ماهر مع أعوانه لهدمه بحثا عن الفئران، وأنكر عليه ماهر ذلك و اعترف له بالحقيقة. و قصد بعد ذلك منزل القاضي ليهدمه بحثا عن الفئران و استغرب القاضي لذلك. و من ثم، عرف كل واحد من هؤلاء المغزى و العبرة المرجوة من سلوكهم الشائن، فقرروا أن يبتعدوا جميعا عن المكر و الخديعة و الاحتيال و الرشوة والظلم من أجل إقرار العدل وحب الإنصاف و الوفاء بالأمانة.

إذا، فالمسرحية ذات رسالة هادفة و جادة تزرع القيم الفاضلة و المبادئ الأخلاقية السامية و تصرخ في وجه الظلم و الخيانة و الغش و السرقة و الارتشاء و لكن بالذكاء والكياسة و حسن التصرف و استخدام العقل في تدبير الأمور.

وتعاني المسرحية من ضعف في السينوغرافيا و الإخراج وفقر في توظيف التراث و الذاكرة، كما تعج بكثرة الأخطاء النحوية و اللغوية و الهفوات التقنية.

أما الديكور فهو جامد لا يخدم المسرحية لا من قريب و لا من بعيد. وبالتالي، فالمسرحية مليئة بالفجوات و الفراغات بسبب الخلل التقني وانعدام الانسجام الجماعي. ومن ثم، نسجل في المسرحية لغة غير سليمة و إلقاء ركيكا ضعيف التواصل و بناء دراميا مفككا بالثغرات الضوئية و الموسيقية، ولم توظف الملابس توظيفا حسنا و لم تؤد دورها الإيجابي في تفعيل المسرحية، كما أن هناك استعمالا مفتعلا للتراث السردي بأبعاده الدرامية و الاحتفالية.
وعلى أي، فعلى الرغم من توظيف بعض الأشكال السردية مثل: الراوي وتقنيات التغريب، إلا أن هذا التوظيف ليس فنيا وظيفيا لانعدام التناسق بين العناصر اللغوية و البصرية و السمعية و تغييب كبير للغة الموسيقا والجسد والخطاب الكوليغرافي، إذ يغلب الحوار على التواصل الدرامي في غياب لخاصية التمسرح والتوتر الدرامي.
و هكذا نصل إلى أن مسرحية " قاضي الفئران" كما شخصتها جمعية ناشئة المسرح إيموزار كندر ضعيفة من حيث الأداء و التمثيل و التشخيص وتأثيث الفضاء المسرحي و السينوغرافيا.

تقويم شامل:

تعاني العروض المسرحية الخمسة المرصودة في هذه الدراسة من الظواهر السلبية التالية:

1. ضعف التشخيص الدرامي.

2. غياب التشكيل الحركي و الجسدي.

3. جمود الديكور و فضاء التأثيث.

4. سلبية التفاعل مع جمهور الأطفال.

5. توظيف قليل للأشكال السردية التراثية.

6. إغفال لما استجد من نظريات على مستوى ساحة المسرح المعاصر.

7. غياب خاصية التمسرح على مستوى بعض النصوص الدرامية و كذا على مستوى التشخيص.

8. ضعف السينوغرافيا(مسرحية معنان/قاضي الفئران).

9. كثرة التجريد و الترميز و الأسطرة التي لاتتلاءم كثيرا مع خصوصيات المسرح التربوي؛ لأن الطفل لم يصل بعد إلى مستوى التجريد والتأويل الرمزي.

10.عدم مراعاة بعض النصوص للمستويات العمرية لدى الأطفال.

و نتمنى أن يكون المهرجان الربيعي لمسرح الطفل في السنوات المقبلة - إن شاء الله – أكثر عطاء و خصوبة و تمثيلا .
وقبل أن نسدل ستار القراءة لابد أن نفتح قوسا لنشيد بما تقوم به حركة الطفولة الشعبية فرع الناظور أيما إشادة وتنويه لما تنجزه من أعمال وأنشطة جبارة لخدمة الطفل الأمازيغي بصفة خاصة والطفل المغربي بصفة عامة على الرغم من المعيقات والمثبطات والعراقيل والمتاريس المعنوية والمادية والمالية التي توضع في وجه خادمي هذه الطفولة والساهرين عليها بكل تفان وإخلاص وصبر وعزيمة لاتعرف الكلل والفشل في أداء مسؤولياتها التربوية والتنشيطية النبيلة.

هذا، وقد أخرجت حركة الطفولة الشعبية بمدينة الناظور ثلاثة عشر مهرجانا مسرحيا وثقافيا لصالح الطفل بكل تفوق ونجاح ، واستدعت إليه العديد من الجمعيات والنوادي المسرحية للمشاركة في المهرجان المسرحي من معظم المدن المغربية ، وآخر مهرجان ستحتفل به الطفولة الشعبية بالناظور سيكون هذه السنة من 05إلى 08 ابريل 2007م تحت شعار" مسرح الأطفال تربية ومواطنة". وماكان هذا الإنجاز الجبار الذي أنجز في مدينة الناظور على مسار ثلاثة عشر سنة ليتحقق لو لم يكن وراءه أطر قيادية شابة وطموحة ونشيطة، وأذكر بالخصوص الإخوة الأعزاء مدير المهرجان الأستاذ أحمد المغنوجي، والمنسق العام الأستاذ محمد حمداوي، والمشرف المالي والاقتصادي الأستاذ علي بلمامون، والمشرف الفني الأستاذ محمد خضراوي.

وفي الأخير، فمن لا يشكر الناس ويعترف بمجهوداتهم النيرة لصالح بلدهم وصالح مدينتهم التي عانت كثيرا من مرارة التهميش والإقصاء والجمود الفني والثقافي والعلمي إلى أن جاء هؤلاء الأساتذة الشباب فحملوا مشعل التنوير والتغيير مبتدئين بأجيال البراءة الذين سيكونون أطفال الغد والمستقبل ، فكن متيقنا - أيها القارئ العزيز- بأن هذا لا يشكر الله ولا يشكر نبيه صلى الله عليه وسلم ولا يقدر ما يفعله الآخرون.

السادس لمسرح الأطفال بالناظور

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى