الأربعاء ١٦ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
بقلم جميل حمداوي

قراءة في مسرحيات عبد المولى الزياتي

يعد عبد المولى الزياتي من أهم كتاب المسرح في المغرب إلى جانب عبد الكريم برشيد، والطيب الصديقي، ورضوان أحدادو، ومحمد مسكين، والمسكيني الصغير، ومصطفى رمضاني، وعبد الحق الزروالي، والزبير بن بوشتى، ومحمد الكغاط...

هذا، وقد تميز عبد المولى الزياتي بتنويع ريبرتواره المسرحي، واستعمال أشكال درامية تراثية، والاشتغال على المحكي الشعبي، والسرد العربي القديم، ومسرحة الأسطورة والحكاية الشعبية، وتجديده في مجال التأليف المسرحي عن طريق استخدام الشذرات الدرامية والاستعانة بالمسرح الحكائي والسردي.

وسنحاول في هذه الدراسة مقاربة أعمال الأستاذ عبد المولى الزياتي على المستوى الدلالي والمستوى الفني والجمالي لمعرفة أهم الخصوصيات التي يتميز بها مسرحه إن تشكيلا وإن دلالة.

1_ من هو عبد المولى الزياتي؟

ولد عبد المولى الزياتي في مدينة العرائش حيث تعلم في مؤسساتها التعليمية والتربوية، وقد بدأ نشاطه الجمعوي سنة 1969م، وكانت له إسهامات كبيرة في مسرح الهواة منذ بداية السبعينيات من القرن العشرين، كما عرف بكونه شاعرا ومؤطرا وطنيا ودوليا في مجال التنشيط التربوي والسوسيوثقافي،كما أنه كاتب دراماتورجي ومخرج للعديد من الأعمال المسرحية. وهو أيضا خريج المعهد العالي للشباب سلك المفتشين بالرباط سنة1986م. ودرس الفن الدرامي بالمعهد الوطني سنة 1973م، وشارك في عدة لقاءات وملتقيات وطنية ودولية في كل من تونس وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا وإنجلترا في المسرح والسينما واليديو ومسرح الطفل.

وعليه، فقد كتب عبد المولى الزياتي الشعر والمسرح والنقد، ومن أهم إصداراته:

• عبد الصمد الكنفاوي الرجل الذي عانق الوحوش، الطبعة الأولى سنة 2000 م بالرباط؛

• هدا الذي نسميه مسرحا، طبعة 2002م بالرباط.

ومن أعماله المسرحية نذكر:

• الدكتور الحريور سنة 1972م؛
• المسرحية سنة1973م؛
• البطل وكلب المدينة سنة1974م؛
• سقوط الأقنعة سنة1975م؛
• وامسرحاه سنة 1976م؛
• عودة المجذوب سنة 1983م؛
• أمجاد بلادي سنة 1986م؛
• ليكسوس والمليحات الثلاث سنة 2001م؛
• ثلاث نصوص مسرحية سنة 2005م؛
• مقامات الزيات لعشاق التراث سنة 2007م.

2_ مقامات الزيات لعشاق التراث:

من يتأمل كتابي مولى عبد الزياتي الأخيرين ألا وهما: " ثلاث نصوص مسرحية"، و" مقامات الزيات لعشاق التراث" فإنه بلا شك سيحكم على المؤلف بالكفاءة المعرفية نتيجة لخبرته الكبيرة في مجال المسرح تنظيرا وتطبيقا، واحتكاكه الجيد بفن الدراما ممارسة ومعايشة.

ينطلق عبد المولى الزياتي في عمله المسرحي " مقامات الزيات لعشاق التراث" من أدب المقامات كما هو معروف في العصر العباسي لدى بديع الزمان الهمذاني والحريري ليشتغل عليها مسرحيا ودراماتورجيا على غرار عروض الطيب الصديقي المقامية. لذا، نجد عبد المولى الزياتي من خلال عنوان الكتاب يولد مقاماته الشخصية موظفا التراث ومستنسخاته الحكائية والسردية في تناول مجموعة من القضايا المعاصرة الشائكة في المجتمع المغربي في مجالات عدة تتعلق بالتعليم والصحة والسكن والشغل والسياحة والنقل والطرق السيارة والجمارك والمسؤولية الإدارية والانتخابات والجماعات المحلية والهواية والمسرح والموسيقا والتشكيل والرسم والعيد والزواج والنشر والتأليف والموضة والهجرة السرية والبحر والبحارة والمقهى والرياضة والقطار والماء والكهرباء والسلف والبيئة والسينما والتلفزيون والباراپول والهاتف. ويعني هذا أن الكاتب يدرس مجموعة من الظواهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بواسطة رؤية انتقادية ساخرة تعتمد على أسلوب الراوي والسارد المختفي⁄ الحاضر الذي يقدم الأحداث والشخصيات من خلال الرؤية من الخلف. وليست المواقف التي تضمنها الكتاب عبارة عن مقالات سياسية وصحفية، بل هي جنس أدبي جديد في مسرحنا المغربي المعاصر نسميه بالمسرح الشذري، لأن المقامات التراثية الموظفة في الكتاب عبارة عن مقاطع درامية قابلة للتمسرح والاشتغال الركحي عبر تحويل النص إلى إنجاز مجسد على الخشبة.

ويستند الكاتب في سفره (بكسر السين) الدرامي إلى توظيف المقامة والمستنسخات التراثية قصد خلق مسرح عربي أصيل، كما استعان بالأنماط الحكائية الشعبية لأسلبة نصوصه وشذراته المسرحية. والتجأ أيضا إلى فن البساط والفكاهة والنقد الكاريكاتوري والتشويه القدحي عن طريق تشخيص عيوب المجتمع وتجسيد خلله في مواطن شتى مع اقتراح الحلول المناسبة عبر ثنايا النصوص. كما يستخدم المؤلف طريقة الكوميديا الصادمة لفضح العيوب التي تعرقل مسيرة النماء الاجتماعي والازدهار الاقتصادي وتطور كيان الدولة بطريقة إيجابية يكون فيها الإنسان هو محور التنمية المستدامة.

ويعتمد الكاتب في تقديم مسرحيته وتحبيكها على رؤية إخراجية من خلال تقديم مجموعة من الإرشادات المسرحية التي يضعها غالبا بين قوسين أو يضعها في بداية الصفحة لتوجيهها إلى الممثل والقارئ والمخرج والسينوغرافي على حد سواء. بيد أن الدارس يلاحظ أن سينوغرافيا النص سينوغرافيا فضائية تراثية باروكية ذات أبعاد إثنوغرافية وفولكلورية سياحية على الرغم من أبعادها النصية والسياقية. فتجري الأحداث في قصر فخم باروكي يحيل على الثراء وعمارة المغرب وتجليات حضارته الفسيفسائية، يقول الكاتب محددا الفضاء الركحي:" تجري الأحداث داخل أحد القصور المغربية العتيقة بعمرانها وزخرفتها وأثاثها، يتوسط البناية فناء واسع، توجد به نافورة، محاطة بالزرابي الأصيلة، والمفروشات المغربية العريقة، والأواني النحاسية والمصطبات للجلوس، وتتدلى من السقف ثريات مغربية، وفي إحدى الزوايا، وضع منبر يجلس عليه الراوي يسرد الأحداث"(ص:15).

ويرتكز التشغيل الدرامي في النص على الخطاب المسرود الذي ينجزه الراوي الذي يقدم الأحداث، والخطاب المعروض الذي ينجزه الممثلون دراميا وركحيا، فيبدأ الراوي في التعليق على الحدث واحدا تلو الآخر سردا وعرضا في مواضيع مختلفة بطريقة كوميدية انتقادية ساخرة تعتمد على الفرجة والبساط والهجاء والتعيير وتشخيص العيوب والإشارة إلى الحلول ذكرا وتلميحا. وكل هدا من أجل تقديم فرجة تراثية درامية رائعة يتقاطع فيها السرد والتشخيص الدرامي بواسطة التلاعب باللغة والأسلوب واستعمال أسلوب المفارقة والسخرية والباروديا والتهكم والأسلبة والتلوين في إيقاعات النطق وسجلات الكلام ترقيقا وتفخيما مع اللجوء إلى خطاب القدح والتشفي الكاريكاتوري. كما يمتاز أسلوب التعبير بالسجع والكتابة التنميقية والزخرفة في تلوين المنطوق عن طريق تشغيل المحسنات البديعية بكل أنواعها وأنماطها وتوظيف الاشتقاق اللغوي لإثارة السخرية واستفزاز المتلقي وإثارة ضحكه كما في المثال التالي:

" المخرج: الهاوي من الهواية يعني بخطرك حتى حاد ما بزز عليك
الممثل: هوى عليه بضربة أي قدحه(يقدحه)"(ص:71).

ويستعين الكاتب بأشكال من الفرجة التراثية تتمثل في الأغاني الشعبية واستخدام الحلقة والبساط، كما يستفيد من المسرح الغربي في استعماله لطريقة الميتامرح عبر تشغيل المسرح داخل المسرح.

ومن هنا، يمكن القول بأن مسرحية " مقامات الزيات لعشاق التراث" مسرحية جديدة لكونها تشتغل على الشذرات الدرامية وتوظيف التراث السردي واستعمال المقامة في علاقة تفاعلية سينوغرافية مع التشخيص المجسد للمواقف المسرودة تمثيلا وركحا.

3_ ثلاث نصوص مسرحية:

يقدم عبد المولى الزياتي في كتابه الجديد الذي صدر سنة 2005 م عن مطبعة طوب بريس بالرباط ثلاث مسرحيات متنوعة من حيث المضامين ومختلفة من حيث الأشكال. فقد وظف في مسرحيته "الرزامة" الشكل الاحتفالي من خلال الاشتغال على الفانطاستيكي والخطاب الامتساخي حيث يتحول الإنسان في المسرحية إلى قرد في زمن الزيف والنفاق والبهتان. ويستعمل الكاتب تقنية المسرح داخل المسرح على غرار المؤلف الإيطالي پراندللو في مسرحيته المشهورة " ست شخصيات تبحث عن مؤلف " ليشخص معاناة الممثلين مع التمثيل والإخراج، وليشخصوا كذلك أزمة الديمقراطية في بلادنا من خلال استعراض مجموعة من الظواهر السياسية والاجتماعية المتعفنة التي تحتاج إلى معالجة وإيجاد حلول فورية لها.

ويعني هذا أن الكاتب يناقش قضية الديمقراطية في المجتمع المغربي بصفة خاصة والعربي بصفة عامة بطريقة ساخرة مفارقة يعتمد فيها الكاتب الدارجة المغربية والاشتقاق اللغوي والفرجة التراثية والأشكال الاحتفالية المغربية لإيصال رسالته السياسية ذات الأبعاد الاجتماعية والإنسانية. ومن ثم، يدين الكاتب الاستبداد والظلم السياسي والتفاوت الاجتماعي، ويسخر الكاتب من الديمقراطية المزيفة في بلادنا التي تصادر فيها حقوق الإنسان، وتنتشر فيها البطالة بشكل فظيع، ويسود فيها كذلك الجهل والنفاق الاجتماعي والانتهازية والتسلق الطبقي.

ويشتغل الكاتب في مسرحيته" ليكسوس والمليحات الثلاث " على الخطاب الأسطوري من خلال استعراض الكاتب لأسطورة حدائق الإسبرديس العجيبة وشجرة الخلود التي كان يحرسها التنين العظيم، بيد أن هرقل اليوناني سينازل التنين وسينتصر عليه، فيأخذ التفاحة الذهبية، وعندما دخلت المليحات حديقتهن الغناء لم يجدن التفاحة، وشاهدن التنين المصروع على الأرض، فعوقب ذلك التنين على فعله الخائب المهزوم بأن جفت مياه نهر اللوكوس بمنعرجاته التنينية.

وقد استعمل الكاتب في هده المسرحية بعض التقنيات المسرحية كالراوي والجوقة على غرار المسرح اليوناني الكلاسيكي، كما استعمل الأسطورة والخطاب الامتساخي الفانطاستيكي والصراع الملحمي التراجيدي.

ويشتغل الكاتب أيضا في مسرحيته " للازوينة" على الخطاب الشعبي الحكائي الأسطوري في قالب يعتمد على الراوي السارد والجوقة. وترصد المسرحية قصة للازوينة الحسناء الجميلة التي كانت تحب زوجها البحار كثيرا، لكنها ستفتقده بسرعة بعد أن اختطفته أعماق المحيط وأمواجه الصاخبة. لذا، كانت اللازوينة تنزل إلى شاطئ البحر في ثوب زفافها منتظرة عودة عشيقها الذي غيبته مياه البحر الهائجة. واستسلمت للازوينة للبكاء حتى اختلطت دمعها بمياه البحر. ولقيت للازوينة مصيرها التراجيدي بعد أن يئست من انتظار الذي يأتي ولايأتي بسبب شدة التحسر والتفجع المأساوي. ومن هنا، صارت الفتيات والنساء يقلدن لللازوينة في حبهن لأزواجهن، وينزلن إلى صخور الشاطئ للتبرك بها وممارسة الطقوس الأسطورية في التعبير عن قدسية هدا الزواج المثالي.

وعلى أي، فالمسرحية تتخذ أبعادا رومانسية وإنسانية ووجدانية، ويتقاطع فيها الوافعي والخرافي الأسطوري.

خاتمــــة:

ونستنتج مما سبق، أن مسرحيات عبد المولى الزياتي متنوعة المضامين والأشكال، إذ يتسم مسرحه بتعدد القوالب الفنية والجمالية، إذ يتأرجح بين القالب الاحتفالي والقالب الأسطوري، ويتقاطع فيه القالب المقامي مع القالب الشذري والقالب الحكائي الشعبي التراثي. كما يستعين الكاتب في مسرحياته بالبساط والفكاهة والسخرية والمفارقة والتنكيت والتلاعب باللغة وتوظيف المقامة والبساط والباروديا والتهجين والأسلبة اللغوية.

هذا، ويتناول الكاتب في مسرحياته مواضيع اجتماعية وسياسية من خلال رؤية إنسانية انتقادية قائمة على تشخيص العيوب ورصد السلبيات واقتراح البدائل والحلول المناسبة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تعتمد على الترميز والإيحاء والتضمين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى