الاثنين ١٠ آب (أغسطس) ٢٠٠٩
البحث الدلالي عند الأصوليين
بقلم إدريس بن خويا

قراءة في مقصدية الخطاب الشرعي عند الشوكاني

يعد(كتاب البحث الدلالي عند الأصوليين – قراءة في مقصدية الخطاب الشرعي عند الشوكاني) للأستاذ (إدريـس بن خـويا) (**) من أرقى الجهود الفكرية، واللغوية في مجال الخطاب الشرعي الأصيل؛ حيث عبّر صاحبه من خلاله عن مدى قدرة الإمام الشوكاني في التأصيل لهذا الخطاب، محاولا البحث في مقصدية منطوق الخطاب الشرعي التداولي ومفهومه عند الشوكاني، جاعلا كتابه (إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول) أساس البحث، الذي يعتبر من أنفس الكتب الفقهية وأحسنها لجمعه بين دفتيه العديد من الآراء الأصولية والمباحث الدلالية لعدد كبير من العلماء الأصوليين باختلاف مذاهبهم.

ونلمح في هذا الكتاب محاولة الباحث الجزائري (إدريس بن خويا) الإفادة منم المرجعية المعرفية لعلم الدلالة الحديث في الكشف عن عطاء الشوكاني وتحليله الدلالي للدرس الأصولي، مقدما تصورا يعكس من خلاله رؤية الشوكاني للبحث الدلالي الشرعي، ودوره الفعال في إرساء معالم الخطاب التداولي، وإيضاح مفهوميته لدى المتلقي. وهو بهذا نرى أنه قد عرض مكانة جهده الدلالي ضمن مصاف جهود علماء الدلالة العرب، وأثره الإيجابي على مسار البحوث الدلالية العربية، لما يوفره من عطاء معرفي يمكّن الباحث العربي من تجسيده ضمن إطاره العلمي المحدد.

وابتدأ المؤلف كتابه بمقدمة تحث فيها عن أهمية البحث الدلالي في تراثنا العربي، باعتباره اول المعارف اللغوية التي اهتم بها العرب منذ القدم، وذلك لما يؤديه من دور كبير في فهم معاني الخطاب القرآني ومقصديته. ورأى أن علم الدلالة قد تشترك فيه علوم متعددة عند أخذها بالطرق المؤدية إلى فهم هذا النص القرآني والسني؛ مثل علوم القرآن، وعلوم التفسير، علوم الحديث، وعلم الأصول، وعلوم العربية من نحو وصرف، وبلاغة..وغيرها كثير. لكن الدافع من وراء تركيز المؤلِف على علم أصل الفقه إنما ينبع من خلفية تاريخية مفادها أن هذا العلم "كان له باه كبير في الدرس اللغوي عامة، والدلالي خاصة،؛ حيث انتشر التحليل الدلالي في أوساط علماء الأصول، وجعلوا من الدرس اللغوي الأساس في استنباط الأحكام من النصوص الشرعية، فوضَّحوا ما غمُضَ بيانه، وشرحوا ما قصر فهمه، وكانت لهم بحوث تتعلق بالدلالة لاتصالها بكثير من المسائل الفقهية التي لا يمكن للدارس الاستغناء عنها" (1).

وقد كان الدافع الأكبر وراء دراسة الأستاذ إدريس بن خويا لهذا الموضوع والتأليف فيه هو قلة الدراسات والبحوث حول جهود الشوكاني الدلالية؛ حيث لم يقف المؤلِّف إلا على دراسة واحدة بعنوان "البحث الدلالي عند الشوكاني" للدكتور محمد عبد الله العبيدي، وهي عبارة عن كتاب مطبوع باليمن تعذر على الباحث الحصول عليه، رغم أهميته الكبيرة باعتبار ما تضمنه من مسائل دلالية ومباحث لغوية تطرق إليها الشوكاني في كتابه إرشاد الفحول.

وبإصرار كبير حاول الباحث إدريس بن خويا تجاوز هذا العائق المتمثل في قلة الدراسات السابقة؛ حيث عقد كتابه في مدخل وبابين وَفقَ التقسيمات الدلالية التي وضعها علماء الأصول في كتبهم؛ حيث عمد في المدخل إلى الوقوف على ماهية مصطلح الدلالة في المدونات العربية الكبرى، مبيّناً أن أقرب تعريف اصطلاحي للدلالة في تراثنا العربي نجده متجسدا عند الراغب الأصفهاني في قوله:"الدلالة ما يتوصل به إلى معرفة الشيء كدلالة الألفاظ على المعنى ودلالة الإشارات، والرموز والكتابة والعقود في الحساب، وسواء كان ذلك بقصد ممن يجعله دلالة، أو لم يكن بقصد كمن يرى حركة إنسان فيعلم أنه حي" (2).

كما عمد –أيضا- في المدخل إبراز مكامن الدرس الدلالي عند علماء العربية القدامى أمثال الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي درس تراكيب الكلمة انطلاقا من مواردها الأصلية، وتتبع تقاليبها في الجذر البنيوي العربي مبيّناً المستعمل منها والمهمل(3). ونجد كذلك سيبويه الذي عقد بابا في كتابه سماه باب اللفظ للمعاني(4)؛ فرَّق فيه بين الألفاظ المتباينة، والترادف، والمشترك اللفظي. ومن علماء اللغة –كذلك- نجد أبا عثمان الجاحظ الذي وضع بابا في كتابه البيان والتبيين سماه بـ "البيان" ورأى الباحث فيه أن مفهوم البيان عنده يشمل " المعاني التي تؤدى من اللفظ وغير اللفظ"(5).

كما حاول الباحث حصر المباحث الدلالية لابن جني من خلال كتابه الخصائص؛ بحيث عددها حاصلة في أربعة أبواب جاءت كالآتي(6):

1-باب تلاقي المعاني على اختلاف الأصول والمباني؛ كتلاقي معاني المِسْك مع معنى السُّوار، باعتبار كليهما يجذب حاسة من يشمه.

2-باب الاشتقاق الأكبر؛ الذي عقد فيه التقاليب الستة للكلمة على معنى واحد.

3-باب تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني؛ وهما الكلمتان اللتان تشتركان في الحروف الثلاثة الأولى من الكلمة، مما أدى إلى اشتراكهما في الجدلالة مثل: بعث وبعثر؛ حيث البعث إثارة الشيء وتوجيهه، ..فبعثت البعير أثَرْتُهُ وَسَيَّرْتُهُ، والبعثرة قلب التراب وإثارته(7).

4- باب إمساس الألفاظ أشباه لمعاني؛ وهو وضع الألفاظ على صورة مناسبة لمعانيها، كمناسبة لفظ صرصر لمعنى صوت الجندب.

وبالإضافة إلى ما أورده من جهود دلالية لهؤلاء العلماء العرب، لم يغفل ذكره لعلماء آخرين نذكر منهم: ابن فارس في معجمه مقاييس اللغة الذي كشف عن الصلات القائمة بين الألفاظ والمعاني، وعبد القاهر الجرجاني الذي أشار إلى دور السياق في الإبانة عن المعنى من خلال نظرية النظم، وضياء الدين بن الأثير الذي رأى أن مدار الإيجاز يختص بالمعاني "فرُبَّ لفظ قليل يدل على معنى كثير، ورُبَّ لفظ كثير يدل على معنى قليل"(8). كما تحدث الباحث عن جهود حازم القرطاجني، وجلال الدين السيوطي، والإمام الشافعي..وغيرهم كثير؛ حيث بيّن من عرضه لهذه الجهود الدلالية جميعها " أن الدرس الدلالي العربي قديم بقِدم الأمة البشرية، بل تعد جذوره ضاربة في أعماق التراث العربي...مع الإشارة إلى توظيف جوانب هذا الدرس عند علماء الأصول في أبحاثهم لغرض تطبيقه في الكتاب والسنة لاستنباط الأحكام الفقهية من تلك النصوص"(9). ومثبتاً أصالة علم الدلالة العربي ليصل في النهاية إلى التعريف بالشوكاني في سطور، ومشيراً إلى أثاره العلمية في مجال التأليف، التي نال منها كتابه إرشاد الفحول حظا كبيرا من الاهتمام لدى الدارسين العرب القدامى والمحدثين على السواء وقد كان هذا الكتاب ثمرة حياة الشوكاني الحافلة بطلب العلم والمعرفة، وكثرة التآليف في كل فن وعلم ، حتى وافته المنية –رحمة الله عليه- عام 1250هـ مخلفا وراءه تراثا معرفيا علميا لغويا رفيعا.

ثم راح الباحث يعرض في الباب الأول من كتابه لدلالة المنطوق؛ حيث خصص الفصل الأول منه للمنطوق الصريح، ممهدا لذلك بتمهيد يعكس في أهمية الخطاب الشرعي، ومبيناً أقسامه عند الشوكاني، لينتقل بعدها إلى الوقوف على حد المنطوق واصطلاحه عند المناطقة والمتكلمين وحتى الأصوليين، ومقارنة اصطلاحاتهم باصطلاح الشوكاني ليصل في النهاية إلى خلاصة مفادها أن بعض المنطقيين يعتبرون المنطوق مدلولا بينما جعله الشوكاني دلالة آخذا في ذلك برأي من سبقوه أمثال الرازي وابن الحاجب.

وما يميز دراسة الباحث إدريس بن خويا أنه ربط مباحث الشوكاني في المنطوق بما قدمته الدراسات اللسانية الحديثة، ليبين أسبقية التراث اللساني العربي في هذا المجال من جهة، ومحاولة الإفادة منها في ترقية اللغة العربية من جهة ثانية، فأشار إلى رأي الفيلسوف غرايس (ت1975م) في هذه المسألة مقارنا ذلك مع ماقدمه الشوكاني، ليبين أن هذا الأخير فرّق بين نوعين من المنطوق، هما: المنطوق الصريح، والمنطوق غير الصريح أو الضمني.

كما درس في هذا الفصل حد المنطوق الصريح، ليبيّن أن معناه "دلالة اللفظ على تمام المعنى الذي وضع له من حيث إنه أمام المعنى"(10) و هو المطابقة، و"دلالة اللفظ على جزء المعنى الذي وضع له"(11) وهو التضمن، وبالإضافة إلى اشتماله على دلالة المطابقة والتضمن، فأنه لا يخرج عن ثنائية المجاز والحقيقة عند الشوكاني بحسب ما عرضه الباحث في كتابه، مؤكدا نظرته السيميائية في هذا الدرس اللغوي، ليتطرق بعدها إلى ثنائية الن والظاهر، مبيّنا أن الشوكاني يجعلهما " لايخرجان عن المنطوق الصريح لدلالتهما على ذلك، فهما يتفقان في أن دلالتهما تكمن في محل النطق بالتصريح، وباعتبار أن النص هو اللفظ الذي لايحتمل التأويل تماما بخلاف الظاهر الذي يحتمله احتمالا"(12).

أما الفصل الثاني من هذا الباب فعالج فيه المنطوق غير الصريح، وبعد أن عرّفه تطرق إلى دلالة الالتزام باعتبارها دلالة عليه، ويقصد بها "دلالة اللفظ على أمر خارج عنه لازم لمعناه ذهناً كدلالة الأربعة على الزوجية ..ومعنى التزامية؛ أن المعنى قد استلزم ذلك الأمر الخارج عنه"(13)، وهو ما حاول المؤلِّف الوقوف عند، موضحا أن الشوكاني "أدرج الالتزام في المنطوق غير الصريح كابن الحاجب مثلا، خلافا لبعض الشافعية أمثال البيضاوي الذي أدرجه ضمن دلالة المفهوم بمعناه العام"(14). وهي الدلالة المقصدية عنده. ثم راح المؤلِّف يعرض أقسام المنطوق غير الصريح من اقتضاء، إيماء وإشارة، مستخدما الأشكال البيانية في إيضاح مفهوميتها للمتلقي، وإذا ما أخذنا بحثه في دلالة الإشارة نجده يؤسس لعلم السيميائيات الحديثة عند علمائنا القدامى، فعرض أبياتا شعرية ذكرها الجاحظ في كتابه البيان والتبيين، تُبرز دور العلامة السيميائية في الكشف عن المعنى المقصود. ورأى أن الجاحظ من خلال تلك الأبيات قد انطلق من الدلالة اللغوية، محاولا إبراز الفرق بين العلامة اللسانية، والعلامة السيميائية، كما يُعرف في الدراسات اللغوية الحديثة. فير ى المؤلِّف أنه بهذا التفريق يكون أول من أرسى معالم هذا العلم بنظره إلى أن الإشارة أبلغ من اللفظ في توصيل المعنى؛ وذلك في قوله" وبلغ الإشارة أبعد من مبلغ الصوت"(15). ويرى مؤلِّف الكتاب أن نظرته هاته إلى الإشارة تقارب ما أشار إليه "بيرس" في هذا المجال.

ثم راح المؤلِّف يختم فصله هذا بإظهار الفرق بين دلالة الاقتضاء، الإيماء والإشارة، ليصل إلى خلاصة مفادها أن دلالة الاقتضاء والإيماء مقصودتان من المتكلم، ينما دلالة الإشارة غير مقصودة.

أما الباب الثاني من كتابه فخصصه لدلالة المفهوم، وجعله في فصلين؛ الفصل الأول منه تعرض فيه لمفهوم الموافقة، ممهدا له بتمهيد تحدث فيه عن أهمية المفهوم في فهم الألفاظ المنطوقة، لينتقل بعدها إلى حد المفهوم؛ حيث عرّفه لغة واصطلاحا معتمدا في ذلك على المعاجم اللغوية الكبرى ومدونات المناطقة والأصوليين، ليؤكد اتفاق الشوكاني مع سابقيه كالجويني والآمدي في أن المفهوم لا يحصل إلا بمعرفة المنطوق من اللغة.

كما تطرق إلى الفرق بين المفهوم والمنطوق غير الصريحن مستندا فيه على ماقاله التفتازاني، وهو انتقاءٌ جيدٌ من المؤلِّف، لما يمتاز به هذا العالم المشهور من دقة في التحديد. ويرى أن جل علماء الأصول اتفقوا على صعوبة إيجاد الفروق الدقيقة بينهما، وحصروها في عناصر متعددة ذكرها المؤلِّف في كتابه، ليصل في آخر هذا العنصر إلى أن المفهوم " هو من قبيل دلالة المعنى على المعنى مثل ما يشار إليها في الدرس الحديث بمصطلح The Meaning of Meaning "(16).

كما تعرض إلى أقسام المفهوم، وحصرها في قسمين هما: مفهوم الموافقة، ومفهوم المخالفة؛ فنظر إلى إشكالية تحديد مصطلح مفهوم الموافقة، محاولا إعطاء الحلول الممكنة لتجاوزها، فهي عنده "من باب الاصطلاح الذي يرجح الاختلاف فيه إلى مقدار ما يرى صاحب المصطلح من انطباق مصطلحه على اللغة العربية التي هي لغة الشريعة – النصوص – أو عدم انطباقه عليها"(17). ثم حدد أقسام مفهوم الموافقة كما وضحها الشوكاني، وهي عنده تتأرجح بن مبدأ الأولوية ومبدأ المساواة، فإذا كان المسكوت اولى بالحكم من المنطوق فهذا القسم يسمى بفحوى الخطاب.

كما تطرق الباحث في هذا الفصل إلى نوع دلالة مفهوم الموافقة على الحكم مبيّناً اختلاف الأصوليين والمتكلمين في تحديد بابها، فاعتبرها بعضهم من باب الدلالة اللفظية، بينما رأى آخرون أنها من باب القياس، إلا أن الشوكاني يرجح مفهوم الموافقة على أنه من باب الدلالة اللفظية؛ حيث بدا للمؤلِّف أن هذه الدلالة تركز على تحقيق معنى المعنى فيما نطق به"(18).

وتوقف الباحث في بحثه عند مفهوم الموافقة، مؤكدا قول الشوكاني في اختلاف العلماء حول احتمال عمومه أم عدمه، الذي به رجح ما ذهب إليه جمهور الأصوليين في ثبوت عموميته. كما تطرق إلى تخصيص مفهوم الموافقة جواز واتفاق العلماء حول تخصيصه، ويواصل المؤلِّف بحثه في دلالة المفهوم ليقف في نهاية فصله على دلالة النص، مؤكدا على أن الأحناف يستعملون هذا المصطلح مقابلاً لمفهوم الموافقة، ليبقى الفرق بينهما في الاصطلاح فقط.

أما الفصل الثاني في هذا الباب فخصصه للحديث عن مفهوم المخالفة؛ حيث وقف على مفهومها، وإشكالية مصطلحها المتمثلة في تعدد اصطلاحاتها، منها: "دليل الخطاب، مفهوم الخطاب، فحوى الخطاب، لحن الخطاب، تنبيه الخطاب" وسماها الأحناف المخصوص بالذكر. ويرى الباحث لأن هذا الاختلاف الكثير في المصطلحات والمسميات فيها أنما يرجع إلى كونها من قبيل الوضع العرفي المتعدد النظر والأوجه.

ثم راح المؤلِّف بعدها يسرد شروط الأخذ بمفهوم المخالفة، كما وضعها الشوكاني وعمل بها المتكلمون من الأصوليين، فوقف على كل شرط من هذه الشروط مستشهدا بالدليل من القرآن الكريم، ليعرض بعد ذلك أنواع مفهوم المخالفة، التي حصرها في عشرة أنواع هي:"الصفة، العلة، الشرط، العدد، الغاية، اللقب، الحصر، الحال، الزمان، المكان"، مبيّناً موقف العلماء من الأخذ بكل نوع من هذه الأنواع، ليقف منها على حجية الأخذ بمفهوم المخالفة مشيراً إلى أقسام علماء الأصول في ذلك إلى قسمين، ومبيّناً أراء وأدلة كل فريق في إثبات الأخذ بها وعدمه.

كما تعرض الباحث إلى عموم مفهوم المخالفة، الذي ذهب من خلاله جمهور الأصوليين والشوكاني إلى إثباته، واستشهد المؤلِّف في ذلك بحديث للرسول -صلى الله عليه وسلم- يدل بمفهوم المخالفة على نفي الزكاة في الغنم غير السائمة المعلوفة عموماً. وأما التخصيص بمفهوم المخالفة فتعل فيه صاحب لكتاب رأي الشوكاني الذي يرى أن في خلافا بين العلماء، يمثل الأكثرون منهم القول بجواز تخصيصه، وقد استطاع الباحث في نهاية فصله أن يصل إلى نتيجة منهجية مفادها أن البحث في مفهوم المخالفة في الفكر الأصولي العربي يختلف عن دراسته في الفكر اللساني الغربي الذي عالج معظم قضاياه تحت ما يعرف " بالمفهم التدريجي Scalar implicature ".

ووصل الباحث في الأخير إلى أن الشوكاني اعتنى بالمخالفة بين المنطوق والمسكوت عنه، بينما اهتم الفكر الغربي بالتدرج في الانتقال من العام إلى الخاص، وهي نتيجة أقل ما يقال عنها أنها أثبتت قِدم السبق للتراث العربي في هذا المجال من جهة، والتعمق في دراسة المفهوم من لدن الشوكاني مقارنة بالدراسات الغربية من جهة ثانية، ليختم فصله بخلاصة كما فعل في كل الفصول. ثم خاتمة كانت من بين نتائجها ما ذكرناه آنفا، لكن أهم هذه النتائج هو وصوله إلى أن علماء العربية كن لهم فضل السبق في إرساء منهج الدراسة في التداولية الحديثة عندما اشترطوا القصدية في الدلالة، وهو الشرط نفسه الذي تعتمده في دراستها للتخاطب؛ "بحيث إنها مرتكزة أساساً على القصدية أو القصد في أفعال الكلام التخاطبية"، ونرى أن هذه النتيجة تتماشى مع مضمون الكتاب الذي وضعه المؤلِّف أصلاً للقراءة في مقصدية الخطاب الشرعي عند الشوكاني خاصة، والبحث الدلالي عند الأصوليين عامة.

وأن أدنى تأمل في هذا المؤلِّف القيّم، يهدف إلى أن الشوكاني كان حقاً عالم دلالة؛ حيث استطاع المؤلِّف من خلال دراسته لمباحثه الدلالية لفت انتباهنا إلى جهوده الدلالية في مجال إرساء معالم الخطاب وتداوليته، مثبتاً ذلك بالدليل. فنال الشوكاني شرف السّبق في الدراسة والتأسيس، ونال المؤلِّف شرف الإشارة إلى جهوده وحُسن اختيار الموضوع.

عرض: الأستاذ المغيلـي خـديـر (*)

هوامش البحث:

(*)و(**): أستاذان بقسم اللغة العربية وآدابها بالجامعة الإفريقية العقيد أحمد دراية – أدرار – دولة الجزائر.

(1): البحث الدلالي عند الأصوليين –قراءة في مقصدية الخطاب الشرعي عند الشوكاني، إدريس بن خويا، ص1، مطبعة ابن سالم، الأغواط، الجزائر، ط1، 2009.

(2): المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، مادة(دلل)، ص177، تح:محمد خليل عيتاني، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط3، 2001.

(3): ينظر البحث الدلالي عند الأصوليين، ص03.

(4): الكتاب، سيبويه، 1/24، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، مصر، ط2، 1977.

(5): البحث الدلالي عند الأصوليين، ص04.

(6): ينظر المرجع نفسه، ص6-7.

(7): ينظر المفردات، مادتي (بعث-بعثر)، ص63.

(8): المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، ابن الأثير، 2/68، تح: محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت، 1995.

(9): البحث الدلالي عند الأصوليين، ص20.

(10): المنطق المفيد، محمد عبد العزيز البهنسي، 1/14، مكتبة الأزهرية، مصر، 1998.

(11): مبادئ المنطق، أبو عبد الرحمن الأخضري، ص21، مكتبة الرشاد للطباعة، نشر وتوزيع، الجزائر، 2004.

(12): البحث الدلالي عند الأصوليين، ص53.

(13): المنطق المفيد، 1/14.

(14): البحث الدلالي عند الأصوليين، ص56.

(15): البيان والتبيين، الجاحظ، 1/78-79.

(16): البحث الدلالي عند الأصوليين، ص96.

(17): المرجع نفسه، ص101.

(18): ينظر المرجع نفسه، ص107-114.


مشاركة منتدى

  • السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بارك الله فيكم أطال الله بقاءكم لخدمة الإسلام و المسلمين. حقيقة أستفيد كثيرا
    من منشوراتكم أسأل الله أن يسدد على درب الحق خطاكم.

  • السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حياكم الله لخدمة الإسلام و المسلمين. فأنا أخوكم في الله الطالب عباس أبوبكر كاندي من دولة غينيا كوناكري ولكني حاليا في النيجر لتعلم اللغة العربية والعلم الشرعي فإنه ليسرني ويطيب لي أن أكتب هذه الرسالة المتواضعة إلى سماحتكم تحمل في طياتها كلمة الشكر على ما تقدمونه لخدمة الإسلام و المسلمين. وطلب المساعدة على مواصلة دراستي الجامعية في إحدى الجامعات الإسلامية في الدول العربية.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى