قراءة منفتحة في ديوان العباءات والأضرحة

القارئ لديوان العباءات والأضرحة للشاعر علي الشلاه يجد نفسه بين مجموعة شعرية ذات طابع حداثي بحت ، يستشفه القارئ من خلال ألفاظه وتراكيبه وموضوعاته التي يغلب عليها الرمزية حيث تجد أنك في دائرة مغلقة أحيانا، وأحيانا أخرى أنت خارجها وتنظر لما بداخلها.
هذا الأسلوب وأمثاله هو ما غلب على شعراء الحقبة التسعينية وما بعدها بعد أن خبت موجة الثمانينات ومضى زمنها، أتى هؤلاء محاولين صنع شيء جديد وإبداع مختلف ، فنجح البعض في حين أخفق الكثير،لا لشيء وإنما لأن لغة الشعر خرجت عن الشعور المطلوب واتجهت للتنظير فأضعف الكلمة،وقتل المعنى، وأصاب القارئ والسامع والناقد بلبس مركب.

ومن خلال هذه القراءة البسيطة سنضع إطلالة بسيطة لما حمله الديوان من ألفظ وتراكيب ومعان شعرية ذات سمات جمالية علها تعطي فكرة عامة عن هذا الديوان .

أولا: الألفاظ:

غلبت على لغة الديوان الألفاظ البسيطة فهي من الألفاظ المحكية يوميا لدى عموم الناس ليس فيه ما هو مستغرب ولا ما هو غير مألوف أو ما يحتاج لحل طلاسمه وفك مبهماته، وهذا مما سهل على الشاعر من إيصال فكرته وتقريبها لعموم القراء والمتذوقين من غير ما حاجة في الرجوع إلى معجم أو قاموس لإيستيضاح الكلمة أو لتفسير معناها، وهو أسلوب غالبا ما درج عليه الشعراء الحداثيون لأن المهم هو إيصال الكلمة لا التباهي باللفظة وقوتها، ومع هذا لم تخل عموم ألفاظه من بعض الكلمات التي تحتاج لمعنى ومنها:

المومياء- مجوس- الرثة- الإتاوات – قمقم- الدش- الثغاء- أسماله .

هذه الألفاظ استخدمت في مناح متفرقة كان لها مدلولاتها بعموم الجملة أما كلفظة مفردة فتحتاج إلى تفسير .

ثانيا: توظيف اللفظ:

استطاع الشاعر بما يملكه من لغة شعرية أن يوظف اللفظة توظيفا حقيقيا جاعلا منها محورا تفاعليا لا لفظة مجردة غير محسوسة، فاللفظة لديه غير جامدة أو متوقفة عند حد إنما تشق طريقها عبر امتداد واسع من المعاني والارتباطات والتي تفتح للقارئ صورا جمالية في غاية الروعة استطاع الشاعر من خلالها أن يقرب المفهوم ويصل للمعنى المطلوب بكل سهولة، ومن ذلك مثلا :

برعم الخوف: من خلال لفظة برعم يستوحي القارئ امتداد الخوف وانتشاره وتفرعه في كل الجوانب .
جلود العبيد: لفظة الجلود هي تستوحي المعاناة والأسى والقمع والجلد بالسياط فكان دورها هاما في توضيح الصورة .
أيها الخلفاء .. سلاما: فلفظة سلاما جاءت توبيخية تقريعية استهزائية لكل الحاكمين الخونة .
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) سورة الفرقان.
وجئت بأسماله تزدرين: الازدراء ازْدَرَى يَزْدَرِي اِزْدَرِ ازْدِراءَ [زري]:- ـه: احتقره واستخفّ به؛ يزدري الناس المُراوغ الكذّاب/ لا تزدَرِ أحداً قبل أن تعرفه على حقيقته .
والأسمال: سَمَلَ الثوبُ يَسْمُل سُمولاً و أَسْمَلَ أَخْلَق .
فجاء الازدراء موضحا للصورة الخلقة البالية ومبعث الاشمئزاز التي عليها فكان نعم التوظيف .

ثالثا: اللون ودلالاته:

نجد للشاعر قاموسا لونيا خاصا يتراوح بين قتامة حينا وتفتح حينا آخر، وبالنظر إلى الألوان التي وردت في عموم الديوان فهي ثلاثة هما الأسود وجاء مساويا للون الأخضر ثم الأبيض ثالثا، ما عدا ذلك فهي دلالات لآثار الألوان وليس بلفظها المباشر كالعشب والدماء .
ومن هنا يمكننا أن نقول بأن الشاعر يعيش بين التفاؤل حينا وبين التشاؤم حينا آخر، فهو متفاؤل مع بهجة الحياة ومرحها،ومتشائم مع مآسيها وما حل ببلده من خيانة وعودة مسيلمة ورحيل عمالقة الشعر والأدب وطغيان العتمة على النور، فداخله حزن يظهره بين حين وآخر وفي خارجه تفاؤل يعيشه بين حين وآخر .

رابعا: الزمان والمكان:

ربما يكون الزمن القديم بكل دلالاته هو الطابع الغالب على سمات هذا الديوان، وكأنما أراد الشاعر استدعاء هذه الرموز أو إحضارها لما لها من دلالات على واقعنا اليوم كما كانت في السابق.

فوردت لفظة قديما بصورتها المجردة مرات عدة مثل قوله خوفا قديما- وقديما كقبو البداية، ووردت بمدلولاتها بكثرة أيضا كقوله المومياء- حضارة سومر- الخليفة- بصرا- مسيلمة- الكهف- الأساطير- المجوس .

فكل هذه الألفاظ هي دلالات لحضارات كانت قديما واندثرت أو لشخصيات تاريخية خلدها الزمن أو عبارة لقصص وحكايات أسطورية .
وإنما تم استدعاؤها لأن بعض ما جرى في وقتها يناسب ما يجري اليوم أو يتواءم معه إلى حد كبير .

أما المكان فنجد أن التنقل لديه يشمل مساحات واسعة ودلالات متباينة، فبين كربلاء وقدسية المكان ومشعل الحرية، إلى الكوفة والشام مقر الخلافة الإسلامية، إلى القيروان مهد العلم والجامعة الإسلامية، كل ذلك بين حركة انتقالية متئدة توحي عمق ارتباطه بهذه الأماكن وإن لم يكن ارتباطا واقعيا في بعضها حيث لم يعش فيها فهو معنويا بما تحمله من سمات ومبادئ يهواها كل عربي .