الثلاثاء ٣ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم جمال غلاب

قراءة نقدية في ثلاثية الحزن الحالم

إن أهم ما يلفت الانتباه، في قصة. القاصة ـ علي موسى أسيا ـ المعنونة ب ـ ثلاثية الحزت الحالم ـ. أنها لا تشتمل على ذروة، وأنها مجرد عرض صور، ولا تربطها إلا فكرة عامة، وتتلخص في التعبير عن خواطر النفس. إ ضافة الى الاسراف في الذاتية.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل نجيز لأنفسنا إعتبار نصها القصصي بعيدا عن مواصفات القصة؟. الجواب في كلتا الحالتين يحتاج الى تبرير؟. والى نقد مؤسس على ضؤ التجارب المعمول بها في جنس القصة. لأنه من الظلم إاصدار أحكام تفتقر الى أدلة في فن من فنون الأدب بدون سابق معرفة؟. وبعبارة أدق وأوضح. أن عملية النقد في القصة تحديدا تعتبر جد حساسة. بحكم تعدد مدارسها. وتنوع قواعدها الفنية. لذلك يتطلب منا دراسة عميقة لكل مدرسة من المدارس القصصية على حدة، حتى يتسنى لنا تصنيف النص أولا المراد قراءته لإ ستحضار مفاتيح القراءة.

لقد تطرقت الى ما تطرقت اليه للفت إ نتباه بعض الأقلام التي تحاول الخروج ببعض الانطباعات النقدية، في غير محلها عبر الملاحق الثقافية لكثير من الجرائد. وهذه بعض العينات: فبمجرد عدم احتواء النص على ذروة، أو إستعمال القاص لذاتيته في نصه، أو التعبير عن خواطره النفسية فإن ردود أفعالهم. اما رفض النص، او تصنيفه ضمن الخاطرة. وهذا غير مقبول في عرف جنس القصة؟. بل يعد تفتيت للبنية التحتية لحركيتنا الابداعية المشكلة من الأقلام الشابة. لذلك فان اختياري لنص ـ ثلاثية الحزن الحالم ـ كان عن قصد، ولسببين اثنين: لأنه عمل مميز، وظفت به القاصة تجربتها الفنية الراقية. ولأثبت أن نص ـ ثلاثية الحزت الحالم ـ به جميع مواصفات القصة الحديثة.

النص هو عبارة عن لوحة فنية أصبغتها القاصة بالمذهب السريالي، بحيث كل لفظ منها يحوي إشارات على شكل مستقيم وكل فقرة منها ترغب القارئ على تلذذ متعتها. بتعطش لتثير فيه لاحقا حيرة التساؤل عن واقعه بدهشة لا نظير لها؟.

ففي مستهل النص القصصي: القاصة تستغني عن العقل الواعي وتلجأ الى العقل الباطن. نتيجة الشعور بتجفيف الأحلام وخيبة الآمال، في العالم الخارجي المقرف. لتفريغ ما ترسب بداخلها، وفي مستهل النص، أيضا القاصة تبدو في حالة ذهول، وهو ما يفصح عن المقطع التالي ـ أحجب عن عيني الظلام، أغمضها لأرى النور؟. لأبحث عن فتيل ضوء في داخلي ـ ما يستشف من هذا المقطع أن القاصة تمهد للتعبير عن خواطر النفس في مجراها الحقيقي يعيدا عن كل رقابة يفرضها العقل الواعي ودون أي حساب لأي اعتبارات......؟.

وفي خضم تكاثف الأحداث وتشابك تعقيداتها القاصة تنقلنا الى داخل عالمها الداخلى...و الى ما تطفح به نفسيتها المعذبة؟. لمشاهدة عرض مسرحي، شخوصه جملة من المشاعر. المنظر الأول للعرض يبدو وكأنه صحراء قاحلة به الأمل وهو يصارع اليأس من أجل البقاء؟. تصور القاصة الأمل معدوما من كل سلاح..و مع ذلك تحاول ابراز دفاعه المستميت

من أجل البقاء ولأنه الأمل فعليه من منظور القاصة أن يصمد ولكن ضراوة اليأس وما يتوفر عليه من صلابة رهيبة؟. يجعل من الأمل رهينة للوهن؟. أو هكذا كما ترائ لي؟. واليأس عادة ما يكون في شكله الظاهري يفصح عن صور المعاناة. المعاناة التي تعني استمرارية الحياة بالأمل وهو ما عبرت عنه القاصة في المقطع التالي: ـ تنتشلني الأحجار المرماة على رأسي المفقودة، لأفيق كي أغيب في تفاصيل واقع جنى على كل أمالي ـ

لقد تعودنا في العالم الخارجي، وفي العروض المسرحية تحديدا أن العرض ينتهي بموت البطل أو انتصاره؟. لكن ونحن بالعالم الدخلي للقاصة. العرض لم يتوقف، لأنه مازال يحجبه الظلام. لتفاصيل أخرى تحكي القادم من محميات الرعب يفصح عنه صوته المنساب الى أذانينا. وكأنه يأتينا من بعيد...؟. وهو ما يفصح عنه المقطع التالي ـ دهاليز تتخللها دهاليز كلها مظلمة...؟. ـ القاصة بعد أن تصل الى قمة اليأس في محاورة شخوصها وانقاذا للأمل فيها ولمن حولها. من خلال البحث عن ضؤ لللخروج الى الحياة؟ لكن عندما تطل من الثقب المجهري تتأكد أن الواقع أسوأ، فهي ترى أجسادا ممزقة تسد الثقب، ترمي بها في دوا مة كوابيس العذاب وقد ابتلعها الظلام و:انه بذلك تريد التساءل على النسق التالي: لماذا صار العالم الخارجي مقرفا ومقززا بهذه المواصفات والى هذا الحد؟.

وفي الهامش الفاصل بين العقل الباطن والعقل الواعي تتقلص المسافات بنص القصة محاولة من القاصة للمزج بينها. بدون أن تخضعنا القاصة لأصول المنطق والتفكير المعقد السليم، وهذا لا يعد خطاءا القاصة أو مساسا بمواصافات القصة وتسلل اجراءا تها. بل بالعكس. فبالرجوع الى تجربة الكتاب السرياليين فيما يتعلق بالتوظيف السليم لتقنياتهم نجد أن أهم قواعدهم أن تتغلب سمات العقل الباطن وصبغته على سمات العقل الواعي وصبغته في عملية المزج بين تجارب كل منهما.

أما اللوحة التي عنونتها القصة ب: ـ الألوان ـ فالقصد منها الزيادة من الاثارة الفنية لمعرفة مضمامين العقلين وأيهما الموظف في التعامل: العقل العقل الواعي أم العقل الباطن؟. فهي من خلال سردها تبدو مازالت غارقة في الذهول بدليل أنه يكاد يخيل الينا وكأنها تخاطب نفسها وهي لم تستيقظ بعد؟. لكن عندما نعود الى تصفح أفكارها والتدقيق فيها نجدها منسجة ومنسقة ومرتبة وذات دلالات عميقة وكأنها تصدر عن عقل واع وهو ما يوضحة المقطع النالي: أدمي انا مثل باقي البشر أبحث عن لقمة عيش وأمان أحلم أجل مازلت أحلم بكل الأوان...ـ

القاصة لا تبدو انهزامية ولا تنهار بانهيار الأمل فيها بل تصر على التحدي فهي تريد التعبير لمن حولها أنها امرأة من محيطها الاجتماعي نتيجة القواسم المشتركة التي تربطها بهم لذلك القاصة لا تنطلق من فراغ أو خواء. وانما تستند في ذلك على قوة حسها وعمق معايشتها اليومية لما يعانيه مجتمعها وهو ما أهلها في نصها اى تحمل كل مسؤلية الوطن؟.

و في اللوحة الثانية دائما تكاد القاصة تهمس في آذاننا بأن ما يعكر حياتها وحياتنا هو معضلة اللون الأحمر الذي طغى على كل الألوان، وهو ما نتج عنه تبديد للأحلام وتخييب للأمال وتفسير رمزية ذلك أن المقصود بالون الأحمر هو المذابح والمجازر التي تقترف هنا وهناك. بعدها تتفنن القاصة في اختيار الألوان لتترجمها الى مشاعر وأحاسيس بغية نسج صورة راقية للحياة التي تحلم بها فالأخضر على حد تفسيرها يعني البراءة والنقاء وخلود الحياة الكريمة، والوردي فسرته بتشبيب الحياة والأزرق فسرته بالحب والطمأنينة والسعادة وكأنها بذلك تريد تذكيرنا بما ينقص الحياة لكي تسترجع عا فيتها.

وتختم نصها بالتواصي على التعلق بالأمل الذي ترى فيه خلاصنا وتطالبنا بزرعه لكي يصير حقيقة في نفسياتنا المعذبة.

وما يمكن الستخلاصه من نص القصة أن القاصة وظفت جملة من الخبرات الفنية نجيزها فمايلي: كل شيء محتمل يمكن حدوثه؟. وأن الزمان والمكان لا وجود لهما فمن أساس واقعي يمكن للخيال أن يبتكر نماذج وهو ما يتضح من خلال التجربة الصعبة التي أقدمت عليها القاصة عند تجريدها لشخوصها من كل ما هو مادي ملمومس والاحتفاظ بالمعاني كألأحاسيس والمشاعر وما توحي به من قيم انسانية ثم توزيع الأدوار على شخوصها وهو ما يعد ابداعا إضافة الى براعة وخفة انتقالها من العالم الخاربجي الى العالم الداخلي.

وفيما يتعلق بالحلم الذي كان حضوره قويا بالنص يفسره أحد الكتاب السرياليين بقوله ـ....و بما أن الحلم غالبا ما يكون مؤلما وقلما كان صارا فان القصة تسري فيه رنة الأسى والعطف على المخلوقات ويلعب النوم رغم تحريره لنا من قيود الواقع دورا مؤلما في غالب الأحوال وعندما يبلغ الألم أقصاه يستيقظ الانسان ليلائم نفسه مع الواقع الذي يكون رغم مرارته أسعد حالا من عذاب الأحلام ـ

وهو ما استطاعت القاصة تجسيده في نصها القصصي من علال ختيارها لعنصر الحلم ومكابدتها لمعانة طيلة دخولها في العالم الداخلي وكأنها تبحث عن الأمن الذي افتقدته في العالم الخارجي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى