قرار نسائي
عفواً منك أيّها القارئ العزيز، أرجوأن تتنحّى عن قراءة هذه التّي أسمبّها قصّة، أوشبه قصّة.
أمّا أنتِ أيتهّا القارئة العزيزة فأرجوكِ أن تقرأي ما كتبت، فهي همسة بيني وبينكِ، فنحن نساء ونفهم بعضنا، لا أعلم مدى القيمة لأفكارنا ولساننا! كم نتحدث؟ كم نقول؟ كم نطالب؟ بجرأة! كم نحارب صديقنا الرجل ! نتخذ قرارات خطيرة .
إليكِ ما حدث مع صديقة لي، ولنناقش أهمية قرار اتخذتهُ . بعيدين عن الحروف والكلمات والسطور، ربما بجلسة نسائيّة خاصة لاحقاَ.
نظرت إليهِ نظرة تحمل معان عدّة . معان عميقة، كان يموج بأمواج ثائرة، لطالما كرهت البحر، لما يخبّئ من غموض واسرار، وها هي تبثّه سرّها وقرارها .
ذهبت بأفكارها إلى ساحة، لطالما أحبّت المكوث فيها، والسماع إلى من فيها.
ذهبت بأفكارها إلى ساحة ذاكرتها لتستمتع باستعادتها لتلك اللحظات التي مضت.
يا لها من لحظات، لحقت فيها إلى أفق بعيد، اخترقت السحب والنجوم والغيوم، وتربعّت على ظهر القمر . لكنّها لم تكتفي، بل حلقّت أكثر وأكثر، إلى أن وصلت إلى تلك الأشعّة الذهبيّة، فتتوّجت بالشمس المشعّة، فأضاءت طريق حياة ملئ بالأمل والتفاؤل .
كيف لا تصل إلى تلك المكانة وهوالذّي كان يقول لها: إنكِ تتمايلين في قلبي كأرجوحة ورد جميلة، إنكِ عشقي وهيامي، فكلمّا لفحتني نسمة ناعمة أورائحة عطر، أولمستني قطرة مطر صيفية، أشمّ فيها رائحتكِ التيّ تشبه رائحة التراب اللذيذة . إنّكِ تشبهين كل شئ رقيق، بل أنتِ الرقّة بحدّ ذاتها، أنتِ الشئ الجميل المكمّل لوجودي .
لم يقل تلك الكلمات بلسانه فقط، بل بعينيهِ المشعتيّن حبّاَ وعشقاَ بأخاديدِ وجههِ، التّي تنبض حيوية وشباباَ، بيديهِ اللتيّن تلمسان يديها، برعشة حبّ هي وحدها فهمت معناها، هي وحدها ادركت صدقها .
آه منكَ يا بحر ! فأنت تشبهه في كلّ شئ، في غموضك، في هيجانك، وهدوئك المفاجئين . وما أنا إلاّ موجة من أمواجهِ، يثيرها تارة ويهدئ من روعها تارة أخرى، يداعبها ويلاطفها مرة ويثور ضدها ويرميها عنه إلى رمال محرقة مرّة أخرى . إلى متى أكون موجة من أمواجك ؟!!
لمحت زورق صغير فيه عصفورين من عصافير الحّب، يجدّفان والإبتسامة والسعادة تظللّهما . إنّه مشهد متكرّر في حياة البحر، فأنا وأنت كنّا في زمن ولّى أبطال لمشهد كهذا .
كيف أنسى قبلتنا الأولى في ذلك الزورق؟ حيث كثرت مشاعر بداخلنا وطافت، فوق بحور نملكها بحثا عن نشوة لم تكن بعيدة عنّا، بحثا عن إحساس بالكمال .
الكمال الزمني لرغبات جبانة، ونفوس مليئة بالخوف، ودار بدواخلنا صراع بين الخوف والشجاعة، على ساحة ضمنية وما زلت إلى يومنا هذا أجهلها، ولا أظن يوما بأنّي سأهتدي إليها وأعرفها ! فكلّ ما أذكره، لحظة استسلام لانتصار نشوة غرائزنا أوربّما مشاعرنا !
جالسة في وسط الرمل أنتظرك وأرى أولئك الأطفال، يبنون تلك الأشكال من الرمل، والسعادة تملأ وجوههم، ويا ليتني عدت طفلة . كم كنت تصفني ببراءة الأطفال، بسذاجتهم، بإلحاحهم، كنت تظنّ بأنّك تنعتني، أماّ أنا فكنت أسعد لتلك التشبيهات .
آه لقد طال انتظاري، أريد أن أراك، أريد إبلاغك قراري، فأنا لم أعد أحتمل، لابدّ من البعاد ! لقد تغيرّت ! لقد خنثت بوعودك لي ! لابدّ من مواجهة الأمر . لا أخفي عليك، كنت أشعر بأن هذا اليوم لابدّ وأنه آت .
أجل لذلك تراني كنت، أبتلع حروفك، كلماتك، وربمّا شيئا من لعابك، كلهّا خزنتّها مؤونة لمواسمِ القحط التّي كنت أنتظرها، في حدسي دون أن ادري .
لن أنتظر أكثر من بضع دقائق، فرغبتي بإبلاغك قراري هوالذّي يجعلني أنتظر، فأنت غامض مجهول ! لا أرى سوى انفعالاتك التّي تنثرها حولي ، كما تتناثر هذه الحباّت الرملية فيما لوهبّت عاصفة قويّة .
لابدّ وأن نفترق، لابدّ وأن أرحل، لا أستطيع أن أكون على هامش حياتك .
استدارت لتعود أدراجها وقد يئست من مجيئهِ، وإذا بيديه تعانقان خصرها الجميل، ليشدّها إليهِ بعنفوان وقوّة ممزوجتين بنظرة حبّ اشتاقت لها . نداء شوق بين الشفاه، خفقان قلب لعاشقين، تلامسا فعزفا لحن حبّ وقد أنشدته شفاهما، بقبلة لا مثيل لها .
حبيبتي ...سامحيني ...أرجوكِ...أحبّكِ، وضعت أناملها على شفاههِ، فهي لا تريد سماع شئ، إلاّ أن تكمل أنشودة الحبّ التي ابتدأ بها وقد نسيت قرارها .
أوربمّا .....تناسته !!!